خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/38"> الشيخ الدكتور سعد البريك . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/38?sub=65397"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
السحر والشعوذة وخطورتهما على الفرد والمجتمع
الحلقة مفرغة
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسأل الله عز وجل أن يجزيكم خير الجزاء على حضوركم واجتماعكم في هذا المكان الطيب الطاهر المبارك،كما أسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم السداد في القول، والإخلاص في العمل، وقبل أن نتناول حديثنا اليوم الذي تعلمونه وتعلمون خطره سلفاً، وإنما الحديث فيه من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، أقول قبل ذلك، أشكر لهذا الطالب هذا البرعم المبارك بإذن الله عز وجل تلاوته الطيبة الجميلة الرائعة التي سمعناها من كلام الله عز وجل، وهو أخونا (مرزوق العنيزان) فنسأل الله أن يقر عينه وعيني والديه بتمام ختمه وحفظه كلام الله عز وجل كاملاً وأن يثبتنا وإياكم على دينه وسنة نبيه.
أيها الأحبة! يقول الله عز وجل: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102]. هذه الآية لو كان في قلوب كل منتسب إلى الإسلام حياة، لعلم وأدرك وفهم من دلالاتها أن السحر خطير، وأن مبدأه ومنتهاه وقطب رحاه ومداره على الكفر بالله عز وجل، فشأنه عظيم، ومن دنا منه يوشك أن يمرق من الدين، وأن يحبط عمله بالكلية.
تعريف السحر
وعرفه ابن عقيل من علماء الأحناف بأنه: علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لأسباب خفية.
بواعث السحر
فربما كانت بواعث السحر حب الأذى أو الانتقام أو الكراهية الشديدة.
وكذلك من بواعثه: الرغبة في الثروة والشهرة وجلب الأموال، ففي البلاد التي لا يعتبر السحر فيها جريمة شرعية أو جريمة قانونية نظامية، يقبل طائفة على السحر، فيتعاطونه من أجل جلب الثروة والشهرة والمال، وأيضاً يتعاطاه طائفة ولكن على سبيل الخفية وغير الظهور من أجل جمع الأموال.
وأسألكم بالله: هل رأيتم ساحراً ثرياً، هل رأيتم ساحراً غنياً؟ هل رأيتم ساحراً يملك شيئاً يطمئن إليه ويتلذذ به ويستفيد منه؟
الجواب: إن جميع ما يملكه السحرة من الأموال أو من الثروات، ليس لواحد منهم تدبير فيه أبداً وإنما التدبير فيه لأولئك الشياطين الذين يتسخرون له، بسبب هذا السحر أو مقابل ما يفعل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فطائفة ولجوا ودخلوا بوابة السحر يريدون أن يجمعوا من وراء ذلك أموالاً ولكن وكما يخبر رجال الهيئة ورجال الأمن والذين يطلعون على خفايا بعض الأمور أنهم إذا قبضوا على كثير من المشعوذين والسحرة وجدوا بيوتهم أضيق البيوت، وروائحهم أنتن الروائح، وثيابهم أقذر الملابس، وأحوالهم أتعس الأحوال، فلا يغبط ساحر على ما ملك، ولا يغبط على ما جمع وإن ادعى وادعى، أو تزيّا وظهر أمام الناس بمظهر السعادة أو الثراء، فإنه في حقيقة أمره عبد مملوك للشياطين والجن الذين يتعاونون معه، أو يسخرهم أو يتصرفون معه في تدبير المكائد والمؤامرات للأبرياء والضعفاء والمساكين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وكذلك من بواعث السحر أيضاً: ما يتسلط به بعض الناس لمحاولة إدراك المجهول أو المستقبل.
قصة فرعون مع سحرته
فأمر السحر ليس بجديد وإنما هو قديم وكلكم يعلم أن الله عز وجل ذكر في كتابه الكريم ما كان في تلك المناظرة العملية المشهودة التي اجتمع فيها السحرة وموسى بما آتاه الله من ثبات البرهان وقوة اليقين وعزيمة الإيمان، قال: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ [يونس:80] وبين الله عز وجل أن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، ثم إنهم ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، فما كان من موسى عليه السلام بتثبيت الله له، وتأييد الله له إلا أن ألقى تلك العصا، فانقلبت تلك العصا إلى ثعبان ضخم كبير عظيم مهيل، ثم التف هذا الثعبان على جميع ما أتى به السحرة مجتمعين فالتهمها ثم عادت إلى سيرتها الأولى، عادت تلك العصا صغيرة بعد أن ابتلعت كل سحر أتباع وشياطين ووزراء فرعون ومن معه، ولا يعرف السحر إلا من كان من أهل الصنعة وأصحابها.
لما رأى السحرة هذه العصا الصغيرة التي رميت على هذا السحر العظيم، على تلك الحبال الكثيرة، على تلك العصي المجتمعة، فما كان من هذه العصا إلا أن تعاظمت وتحولت إلى ثعبان حقيقي، وليست كما يفعل السحرة من تخييل وتصوير ورسوم يظنها الرأي أنها حقيقة، وليست بحقيقة إنما تحولت هذه العصا بأمر الله -الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون- إلى ثعبان عظيم فابتلعت والتهمت كل ذلك، فأيقن أولئك السحرة أن هذا ليس بسحر وإنما هي معجزات؛ لأنهم قد بلغوا في السحر غايته وقد بلغوا في الشعوذة قمتها، وقد بلغوا في الصنعة أعلى أقطابها، فما يظنون ولا يعلمون على وجه الأرض أن أحداً سوف يأتي بسحر أقوى من سحرهم، فعلموا أن هذه إنما هي معجزة ربانية وبرهان إيماني من الله عز وجل لإقامة الحجة على هؤلاء، فما كان من السحرة إلا أن خروا جميعاً ساجدين: قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:70].
فانزعج فرعون وجن جنونه، وقد كان يجعل السحرة ردأً وحصناً ودرعاً وحزاماً وقوة يلجأ إليها لمواجهة هذا الوحي وتلك الدعوة، فقال: قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [الأعراف:123] يريد حتى في قضية العقيدة، وقضية العبودية والفكر والاعتقاد ألا يمارس شيء إلا بإذنه وتدبيره وسلطانه، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تتركوا الباطل إلى الحق، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تدعوا الكفر وتتجهوا إلى الإيمان، لا بد أن تستأذنوا فرعون قبل أن تدعوا ضلالته وتتجهوا إلى الهدى الذي جاء به موسى وهارون.
إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا [الأعراف:123] فأخذ يدعو بالويل والثبور ويرعد ويبرق ويزمجر ويتوعد: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ ثم قال: لأصبلنكم أجمعين، ولأقطعنكم، وأخذ يتوعدهم، فانظروا واعجبوا يا معاشر المؤمنين! كيف تبلغ حلاوة الإيمان مبلغاً يجعل الواحد يستحلي العذاب ويصبر على البلاء ويتحدى المواجهات، فقالوا له: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] تقتل، تصلب، تعذب، تجلد، تصادر، تفعل فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72] ما هذه الحياة الدنيا حتى تتوعدنا وتتهددنا بها في مقابل ماذا؟ في مقابل الإيمان بالله إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73] أنت الذي أكرهتنا، وأنت الذي أوردتنا المهالك، وأنت الذي جعلتنا نصل هذه المعاطف، لكنا آمنا بالله الذي سيغفر لنا ذنوبنا وحوبنا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73].
دوافع السحر
الحاصل أن حب السيطرة والتسلط والاستطلاع وتدبير كل الوسائل التي من شأنها أن تجعل الترتيبات المستقبلية في صالح هذا الإنسان يستخدمون السحر لأجل ذلك.
ولا غرابة إذا قلنا لكم: إن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جسكار كان يستخدم السحرة في كثير من استطلاعات الرأي في معارك الانتخابات، وكذلك رجل البقر الكاوبوي رونالد ريجن الذي كان رئيساً للولايات المتحدة أيضاً كان يستعين بالسحرة في معارك الانتخابات وغيرهم وغيرهم كثير.
والسحر موجود إلى يومنا هذا عند اليهود في بيعهم وصوامعهم، وعند النصارى في كنائسهم، وربما وقع فيه بعض المسلمين جهلاً، وبعضهم يقع فيه والعياذ بالله ويجهل أنه يفضي به إلى الكفر، ومن علم بذلك فأصر عليه فقد وقع في الكفر والعياذ بالله، ونسأل الله عز وجل السلامة.
أيها الأحبة! هذه دوافع السحر: تسلط، وحقد، وكراهية، وتطلع للمستقبل، وشهرة، ولموع، ونجومية بين الناس.
طرق السحرة لجلب الناس إليهم
الجواب: يرجع ذلك إلى أمور: إن أهم دوافع اللجوء إلى السحرة يعود إلى الخواء الروحي، ويعود إلى تلك المعاناة، وإلى ذلك القلق، والشرود، والفراغ والجوع الروحي، والظمأ القلبي، كل ذلك من دوافع اللجوء إلى السحرة، فترى الواحد من هؤلاء الذين يشكو كل هذه الأعراض لا يتردد أن يذهب إلى السحرة؛ يظن أن عندهم ما يقلب شروده إلى نبوغ وتألق، وما يقلب ضيقه إلى سعة وأنس، وما يقلب وحشته إلى سرور وسعادة، وهو في الحقيقة كالمستجير من الرمضاء بالنار.
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار |
أولئك يلجئون يريدون السعة فيقعون في الضيق، يريدون السعادة فيقعون في الشقاء، يريدون الأنس فيقعون في الوحشة، يريدون العافية فيزدادون ألماً وسقماً وعذاباً ومرضاً، وعند الله للأشقياء الذين يعرضون عن ذكر الله مزيد من أنواع البلاء: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].
أيها الأحبة! إن الله عز وجل قد جعل لكل شيء زاداً وقواماً يقوم به، فلو أنا ملأنا الطائرات تراباً لتقلع على المدرجات وتحلق في الهواء ما أقلعت، ولو أننا ملأنا السيارات حصى ورملاً لتتحرك عن مواقعها ما تحركت، فللطائرات وقود معين، وللسيارات وقود معين، وكذلك للبطون شيء يناسبها مما يتحول قوة وعافية في الأبدان، وكذلك للقلوب أغذية معينة فلا تطمئن ولا تنشط ولا تعيش ولا تسعد إلا بتناولها غذاءها الذي شرعه الله لها أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] إن الذي خلق القلوب جعل غذاءها ذكر الله، وجعل دواءها كلام الله، وجعل دواءها اللجوء والفزع والتجرد بالعبادة لله عز وجل، فمن طلب دواءً غير ذلك فهو يزداد من الأسقام والأمراض زيادة، ويتداوى بالداء يظن أنه بهذا يحصل الدواء، لا دواء للقلوب إلا بذكر الله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] اسأل هؤلاء الشاردين، الذين ربما أصيب أحدهم بما يسمى بالاكتئاب أو بالشرود أو بالقلق فستجد بعضهم -حتى لا نعمم- قد دفع أموالاً طائلة كثيرة وربما ارتكب مخالفات شرعية كثيرة من أجل أن يفضي أو أن يضيف إلى نفسه سعادة ومتعة روحية، لكنه غير وجود ذلك رغم أنواع المهدئات وأنواع المفترات، وأنواع الأدوية والعقاقير، لكنها ما نفعت شيئاً، لكن الذي نفع هو كلام الله عز وجل.
لكن الذي نفع هو القرآن الذي جعله الله شفاء ورحمة وهدىً للمؤمنين وشفاء لما في الصدور.
ولو أن الواحد منا إذا حل به شيء من الضيق أو القلق أو الشرود أو الاكتئاب أحسن الوضوء وتطيب، وتوضأ وأحسن الطهارة في بدنه وثوبه، ثم توجه إلى المسجد وصلى ركعتين وناح إلى ربه، وشكا إلى ربه، وتملق إلى ربه، وعظَّم خالقه، وعفر جبينه وأنفه لله عز وجل، وأطال السجود ليس كسجود الغربان الذين ينقرون الصلاة ركوعاً وسجوداً، وإنما ألح على الله عز وجل والله وتالله وبالله تحقيقاً لا شك فيه، ثقة بوعد الله عز وجل ليخرجن من باب المسجد قرير العين هادئ البال مطمئن النفس، وقد انقلب شروده إلى راحة، وانقلب اكتئابه إلى أنس وانطلاقة بإذن الله عز وجل.
نعم أيها الأحبة! إن الخواء والبعد عن ذكر الله، من أهم الأسباب التي دفعت بعض الناس الذين نالتهم أعراض الاكتئاب وما تفرع عنها ظنوا أنهم مسحورون، وبعضهم قال له قائل أو جار أو قريب أو صديق: إنك مسحور وعليك علامات السحر، فصدق الأمر فلجأ إلى هؤلاء، ولو أنه أحسن اللجوء للجأ إلى الله عز وجل الذي بيده مقادير الأمور جميعاً.
ولهذا السحر الذي هو عُقدٌ ونفث وطلاسم وتعاويذ وشعوذة وحروف يتسلط بها الساحر ليحدث أثراً خفياً في نفس المسحور، أو بفعل خفي ليظهر أثراً جلياً أو خفياً على نفس المسحور، هذا السحر له بواعث، فمن بواعثه: الشر والحقد والأذى: فكثيراً ما سمعنا امرأة سحرت ضرتها وما ذاك إلا من شديد الغيرة وعظيم المبالغة في الحقد والكراهية، وكثيراً ما نسمع أن عاملاً سحر مديره، وأن صغيراً سحر رجلاً أكبر منه في ارتباط بينه وبينه على عمل.
فربما كانت بواعث السحر حب الأذى أو الانتقام أو الكراهية الشديدة.
وكذلك من بواعثه: الرغبة في الثروة والشهرة وجلب الأموال، ففي البلاد التي لا يعتبر السحر فيها جريمة شرعية أو جريمة قانونية نظامية، يقبل طائفة على السحر، فيتعاطونه من أجل جلب الثروة والشهرة والمال، وأيضاً يتعاطاه طائفة ولكن على سبيل الخفية وغير الظهور من أجل جمع الأموال.
وأسألكم بالله: هل رأيتم ساحراً ثرياً، هل رأيتم ساحراً غنياً؟ هل رأيتم ساحراً يملك شيئاً يطمئن إليه ويتلذذ به ويستفيد منه؟
الجواب: إن جميع ما يملكه السحرة من الأموال أو من الثروات، ليس لواحد منهم تدبير فيه أبداً وإنما التدبير فيه لأولئك الشياطين الذين يتسخرون له، بسبب هذا السحر أو مقابل ما يفعل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فطائفة ولجوا ودخلوا بوابة السحر يريدون أن يجمعوا من وراء ذلك أموالاً ولكن وكما يخبر رجال الهيئة ورجال الأمن والذين يطلعون على خفايا بعض الأمور أنهم إذا قبضوا على كثير من المشعوذين والسحرة وجدوا بيوتهم أضيق البيوت، وروائحهم أنتن الروائح، وثيابهم أقذر الملابس، وأحوالهم أتعس الأحوال، فلا يغبط ساحر على ما ملك، ولا يغبط على ما جمع وإن ادعى وادعى، أو تزيّا وظهر أمام الناس بمظهر السعادة أو الثراء، فإنه في حقيقة أمره عبد مملوك للشياطين والجن الذين يتعاونون معه، أو يسخرهم أو يتصرفون معه في تدبير المكائد والمؤامرات للأبرياء والضعفاء والمساكين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وكذلك من بواعث السحر أيضاً: ما يتسلط به بعض الناس لمحاولة إدراك المجهول أو المستقبل.
ولا تظنوا أيها الأحبة! أن أمر السحر فقط موجود بين المسلمين، بل هو موجود بين الكفرة، بل موجود بين أقوام سالفين، وكلكم يعلم قصة موسى وفرعون، وأن فرعون جمع السحرة أجمعين لميقات يوم معلوم، ثم إن فرعون طلب من موسى معجزة فما كان منه إلا أن سلك يده في جيبه، ثم نزعها فإذا هي بيضاء من غير سوء فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [الأعراف:107].. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى [طه:20] فقال فرعون: إن هذا لسحر، وقال وزراؤه وشياطينه وجلاوزته: إن هذا لمكر وهذا سحر يريد به موسى وأخوه أن يصرفا بني إسرائيل عنك يا فرعون، ويذرك وآلهتك أي: يتركك وملكك وسلطانك وقدرتك، ليصرف الناس عنك إلى غير ذلك.
فأمر السحر ليس بجديد وإنما هو قديم وكلكم يعلم أن الله عز وجل ذكر في كتابه الكريم ما كان في تلك المناظرة العملية المشهودة التي اجتمع فيها السحرة وموسى بما آتاه الله من ثبات البرهان وقوة اليقين وعزيمة الإيمان، قال: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ [يونس:80] وبين الله عز وجل أن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، ثم إنهم ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، فما كان من موسى عليه السلام بتثبيت الله له، وتأييد الله له إلا أن ألقى تلك العصا، فانقلبت تلك العصا إلى ثعبان ضخم كبير عظيم مهيل، ثم التف هذا الثعبان على جميع ما أتى به السحرة مجتمعين فالتهمها ثم عادت إلى سيرتها الأولى، عادت تلك العصا صغيرة بعد أن ابتلعت كل سحر أتباع وشياطين ووزراء فرعون ومن معه، ولا يعرف السحر إلا من كان من أهل الصنعة وأصحابها.
لما رأى السحرة هذه العصا الصغيرة التي رميت على هذا السحر العظيم، على تلك الحبال الكثيرة، على تلك العصي المجتمعة، فما كان من هذه العصا إلا أن تعاظمت وتحولت إلى ثعبان حقيقي، وليست كما يفعل السحرة من تخييل وتصوير ورسوم يظنها الرأي أنها حقيقة، وليست بحقيقة إنما تحولت هذه العصا بأمر الله -الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون- إلى ثعبان عظيم فابتلعت والتهمت كل ذلك، فأيقن أولئك السحرة أن هذا ليس بسحر وإنما هي معجزات؛ لأنهم قد بلغوا في السحر غايته وقد بلغوا في الشعوذة قمتها، وقد بلغوا في الصنعة أعلى أقطابها، فما يظنون ولا يعلمون على وجه الأرض أن أحداً سوف يأتي بسحر أقوى من سحرهم، فعلموا أن هذه إنما هي معجزة ربانية وبرهان إيماني من الله عز وجل لإقامة الحجة على هؤلاء، فما كان من السحرة إلا أن خروا جميعاً ساجدين: قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:70].
فانزعج فرعون وجن جنونه، وقد كان يجعل السحرة ردأً وحصناً ودرعاً وحزاماً وقوة يلجأ إليها لمواجهة هذا الوحي وتلك الدعوة، فقال: قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [الأعراف:123] يريد حتى في قضية العقيدة، وقضية العبودية والفكر والاعتقاد ألا يمارس شيء إلا بإذنه وتدبيره وسلطانه، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تتركوا الباطل إلى الحق، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تدعوا الكفر وتتجهوا إلى الإيمان، لا بد أن تستأذنوا فرعون قبل أن تدعوا ضلالته وتتجهوا إلى الهدى الذي جاء به موسى وهارون.
إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا [الأعراف:123] فأخذ يدعو بالويل والثبور ويرعد ويبرق ويزمجر ويتوعد: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ ثم قال: لأصبلنكم أجمعين، ولأقطعنكم، وأخذ يتوعدهم، فانظروا واعجبوا يا معاشر المؤمنين! كيف تبلغ حلاوة الإيمان مبلغاً يجعل الواحد يستحلي العذاب ويصبر على البلاء ويتحدى المواجهات، فقالوا له: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] تقتل، تصلب، تعذب، تجلد، تصادر، تفعل فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72] ما هذه الحياة الدنيا حتى تتوعدنا وتتهددنا بها في مقابل ماذا؟ في مقابل الإيمان بالله إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73] أنت الذي أكرهتنا، وأنت الذي أوردتنا المهالك، وأنت الذي جعلتنا نصل هذه المعاطف، لكنا آمنا بالله الذي سيغفر لنا ذنوبنا وحوبنا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73].
الحاصل أيها الأحبة! أن من دوافع السحر حب التسلط والعظمة، من دوافع السحر حب الانتصار، وكان هذا ما يفعله فرعون لكن جعل الله معجزة نبيه موسى من جنس ما برع فيه شياطين فرعون لتكون المعجزة أقوى وأبلغ، كما أن عيسى كانت معجزته من جنس ما برع فيه قومه، وهم قوم مشهرون بالطب، فكانت معجزة عيسى عليه السلام أنه يداوي ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويصنع من الطين طيراً فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله.
الحاصل أن حب السيطرة والتسلط والاستطلاع وتدبير كل الوسائل التي من شأنها أن تجعل الترتيبات المستقبلية في صالح هذا الإنسان يستخدمون السحر لأجل ذلك.
ولا غرابة إذا قلنا لكم: إن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جسكار كان يستخدم السحرة في كثير من استطلاعات الرأي في معارك الانتخابات، وكذلك رجل البقر الكاوبوي رونالد ريجن الذي كان رئيساً للولايات المتحدة أيضاً كان يستعين بالسحرة في معارك الانتخابات وغيرهم وغيرهم كثير.
والسحر موجود إلى يومنا هذا عند اليهود في بيعهم وصوامعهم، وعند النصارى في كنائسهم، وربما وقع فيه بعض المسلمين جهلاً، وبعضهم يقع فيه والعياذ بالله ويجهل أنه يفضي به إلى الكفر، ومن علم بذلك فأصر عليه فقد وقع في الكفر والعياذ بالله، ونسأل الله عز وجل السلامة.
أيها الأحبة! هذه دوافع السحر: تسلط، وحقد، وكراهية، وتطلع للمستقبل، وشهرة، ولموع، ونجومية بين الناس.
ولكن السؤال: إن هؤلاء السحرة لو أعرض الناس عنهم لأصبحت سلعهم بائرة وأصبحت بضائعهم كاسدة، فما الذي جعل سوق السحر عامرة؟ وما الذي جعل أسواق السحر ودكاكين السحر يرتادها الناس بين الفينة والأخرى؟
الجواب: يرجع ذلك إلى أمور: إن أهم دوافع اللجوء إلى السحرة يعود إلى الخواء الروحي، ويعود إلى تلك المعاناة، وإلى ذلك القلق، والشرود، والفراغ والجوع الروحي، والظمأ القلبي، كل ذلك من دوافع اللجوء إلى السحرة، فترى الواحد من هؤلاء الذين يشكو كل هذه الأعراض لا يتردد أن يذهب إلى السحرة؛ يظن أن عندهم ما يقلب شروده إلى نبوغ وتألق، وما يقلب ضيقه إلى سعة وأنس، وما يقلب وحشته إلى سرور وسعادة، وهو في الحقيقة كالمستجير من الرمضاء بالنار.
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار |
أولئك يلجئون يريدون السعة فيقعون في الضيق، يريدون السعادة فيقعون في الشقاء، يريدون الأنس فيقعون في الوحشة، يريدون العافية فيزدادون ألماً وسقماً وعذاباً ومرضاً، وعند الله للأشقياء الذين يعرضون عن ذكر الله مزيد من أنواع البلاء: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].
أيها الأحبة! إن الله عز وجل قد جعل لكل شيء زاداً وقواماً يقوم به، فلو أنا ملأنا الطائرات تراباً لتقلع على المدرجات وتحلق في الهواء ما أقلعت، ولو أننا ملأنا السيارات حصى ورملاً لتتحرك عن مواقعها ما تحركت، فللطائرات وقود معين، وللسيارات وقود معين، وكذلك للبطون شيء يناسبها مما يتحول قوة وعافية في الأبدان، وكذلك للقلوب أغذية معينة فلا تطمئن ولا تنشط ولا تعيش ولا تسعد إلا بتناولها غذاءها الذي شرعه الله لها أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] إن الذي خلق القلوب جعل غذاءها ذكر الله، وجعل دواءها كلام الله، وجعل دواءها اللجوء والفزع والتجرد بالعبادة لله عز وجل، فمن طلب دواءً غير ذلك فهو يزداد من الأسقام والأمراض زيادة، ويتداوى بالداء يظن أنه بهذا يحصل الدواء، لا دواء للقلوب إلا بذكر الله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] اسأل هؤلاء الشاردين، الذين ربما أصيب أحدهم بما يسمى بالاكتئاب أو بالشرود أو بالقلق فستجد بعضهم -حتى لا نعمم- قد دفع أموالاً طائلة كثيرة وربما ارتكب مخالفات شرعية كثيرة من أجل أن يفضي أو أن يضيف إلى نفسه سعادة ومتعة روحية، لكنه غير وجود ذلك رغم أنواع المهدئات وأنواع المفترات، وأنواع الأدوية والعقاقير، لكنها ما نفعت شيئاً، لكن الذي نفع هو كلام الله عز وجل.
لكن الذي نفع هو القرآن الذي جعله الله شفاء ورحمة وهدىً للمؤمنين وشفاء لما في الصدور.
ولو أن الواحد منا إذا حل به شيء من الضيق أو القلق أو الشرود أو الاكتئاب أحسن الوضوء وتطيب، وتوضأ وأحسن الطهارة في بدنه وثوبه، ثم توجه إلى المسجد وصلى ركعتين وناح إلى ربه، وشكا إلى ربه، وتملق إلى ربه، وعظَّم خالقه، وعفر جبينه وأنفه لله عز وجل، وأطال السجود ليس كسجود الغربان الذين ينقرون الصلاة ركوعاً وسجوداً، وإنما ألح على الله عز وجل والله وتالله وبالله تحقيقاً لا شك فيه، ثقة بوعد الله عز وجل ليخرجن من باب المسجد قرير العين هادئ البال مطمئن النفس، وقد انقلب شروده إلى راحة، وانقلب اكتئابه إلى أنس وانطلاقة بإذن الله عز وجل.
نعم أيها الأحبة! إن الخواء والبعد عن ذكر الله، من أهم الأسباب التي دفعت بعض الناس الذين نالتهم أعراض الاكتئاب وما تفرع عنها ظنوا أنهم مسحورون، وبعضهم قال له قائل أو جار أو قريب أو صديق: إنك مسحور وعليك علامات السحر، فصدق الأمر فلجأ إلى هؤلاء، ولو أنه أحسن اللجوء للجأ إلى الله عز وجل الذي بيده مقادير الأمور جميعاً.
أيها الأحبة! تكلم أناس في السحر هل هو ضرب من الخيال أم حقيقة باصرة ماثلة للعيان؟
فطائفة قالوا: إنه كله تخيل لا حقيقة له، ومن الطوائف السالفة السابقة المعتزلة العقلانيون الذين قالوا: إن السحر لا حقيقة له، وإنما هو ضرب وأنواع من الخيال.
وطائفة قالوا: السحر كله حقيقة لا خيال فيه.
والحقيقة: أن السحر منه ما هو من الخيال ومنه ما هو من الحقيقة.
فالسحر له حقيقة وضرب من ضروبه، يؤثر على الإنسان من باب التخيل.
قال ابن قيم الجوزية في معرض كلامه وهو يرد على المعتزلة، الذين يقولون: إن السحر كله تخييل، قال: وهذا خلاف ما تواترت الآثار به عن الصحابة والسلف واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وما يعرفه عامة الفقهاء.
ويقول ابن قدامة وهو من أئمة وكبار أئمة المذهب الحنبلي: وللسحر حقيقة، فمنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن زوجته، وما يبغض أحدهما للآخر، أو يحبب بين اثنين، وهذا قول الشافعي.
وبالمناسبة على كلام ابن قدامة رحمه الله أن من السحر ما يحبب بين اثنين، فللأسف أن طائفة من شياطين السحرة أخذوا يستخدمون السحر في الدعارة، فتجدهم والعياذ بالله يسحرون امرأة مسكينة ويعلقونها برجل إن كان قريباً أو بعيداً من غير محارمها ثم والعياذ بالله يقع بينه وبينها من الزنا ولا تجد نفسها إلا أسيرة مملوكة في الغالب لا تستطيع أن تخرج عن إرادة هذا الساحر.
واللوطية وأهل الشذوذ والعياذ بالله ومروجو الدعارة وأساطين الفساد والانحلال الأخلاقي كذلك ربما استخدموا هذا السحر من أجل أن يروضوا وأن يجروا من يشاءون ممن يريدون أن يتبادلوا معهم فعل الفواحش أو يفعل بهم الفواحش.
من المؤسف أن بعض الشباب قد بدأ بداية ضالة بدعوى حب الاستطلاع والاطلاع على العالم المجهول، بعضهم إذا سافر إلى بلد مجاورة يباع فيها كل شيء مما يضر ولا ينفع، تجد هذا الشاب يشتري كتب السحر ثم يأتي بها ثم يحاول أن يعزم ويعقد ويطلسم وينفث ويكتب ويضع المعادلات والمربعات والحروف والمقطعات من أجل أن يسخر فتى أو أن يوقع امرأة في حباله وشره.
والحقيقة كما قلنا أيها الأحبة! أن من السحر ما هو حقيقة وبعضه ما هو تخييل.
سُئل الإمام العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين هل للسحر حقيقة؟
أجاب سماحته بأن للسحر حقيقة ولا شك، وهو مؤثر حقيقة لكن كونه يقلب الشيء أو يحرك الساكن أو يسكن المتحرك فهذا خيال وليس بحقيقة، انظروا إلى قول الله عز وجل في قصة السحرة من آل فرعون، يقول تعالى: و سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] وفي الآية: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] يعني السحرة أولئك نثروا ورموا تلك الحبال والعصي وسحروا أعين الناس، فتخيل الناس أن هذه العصي والحبال حيات تسعى وبعضها يلتوي على بعض، فجاءت المعجزة أن حية حقيقة وليست خيالاً وهي التي بأمر الله خلقت وبأمر الله انطلقت ابتلعت ذلك السحر كله.
حكم من شك أو نازع في ثبوت السحر
يهودي: ويبقى اليهود وراء الأذى في كل قضية، ويبقى اليهود هم الذين يتجرءون على ذات الله، يقولون: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة:64] وقَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] ويقولون: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم تعب فاستراح في اليوم السابع فأنزل الله قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38].
يبقى اليهود هم الذين يقتلون الأنبياء، هم الذين يؤذون الأنبياء إلى آخر نبي وهو صلى الله عليه وسلم، فالمرأة التي وضعت السم في الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم هي امرأة يهودية، والرجل الذي سحر الرسول صلى الله عليه وسلم هو رجل يهودي.
فيا معاشر المؤمنين! أيظن من وراء اليهود خيراً أو يرتجى منهم الأمن أو السلامة من شر، هذا ما كان للأنبياء فكيف نريد أن يكون للمسلمين في دبر الزمان وفي حال الضعف للمسلمين.
إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر
قد يقول قائل: ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر والكفار يقولون: بمعرض احتجاجهم على القرآن إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً [الإسراء:47] وهو يأتي بالوحي فربما جاءنا بوحي أو شرع تشريعاً وهو في حال من السحر؟
نقول: لا. لماذا لأن الوحي الذي هو من عند الله لا يمكن أن يتسلط عليه الشياطين أو السحرة أو البشر، بل إن سحر النبي صلى الله عليه وسلم فيه إثبات بشريته صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا نعبده ولا نتوسل به من دون الله، وحتى لا نفزع إليه ولا نلجأ إليه بعد مماته صلى الله عليه وسلم أو فيما لا يقدر عليه إلا الله في حياته، وأما جانب الوحي: فإن الوحي معصوم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال شيئاً من الوحي وهو في حال لا يعقل أو في حال سحر أو نحو ذلك، لماذا؟ لأن الوحي من عند الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)
فإذا كان القرآن ينزه أن يكون السحر له تأثير عليه، فكذلك كلامه التشريعي والوحي الذي يقذفه الله إلهاماً وإخباراً وإنباءً من الله لمحمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون سحراً بأي حال من الأحوال.
وطائفة قالوا: لا بد نتكلم أو نرد قضية أن النبي سحر حتى لا يتطرق الكلام أو الشك أو الريب والتردد في مسألة الوحي؟
نقول: لا. بل نثب ما ثبت في السنة، ونفهم الأمور على حقيقتها، فكما يقول ابن قيم الجوزية وقبله ابن تيمية رحمه الله: إن منهج الأئمة الأعلام والذين آتاهم الله البصيرة والفقه أنهم لا يردون الأخبار بمجرد إيراد تهمة أو شبهة عليها، وإنما يتدبرون ويعقلون ويفهمون ثم بعد ذلك يصرفون الأمور والأحكام وفق ما دلت عليه النصوص، فلا يكذبون بالنصوص ولا يضربون بعضها ببعض.
يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر ، وله كتاب قيم جميل عالم السحر والشعوذة، يقول: السحر أنواع: فمنه ما هو حقيقي، ومنه ما هو تخيلي، ومنه ما هو مجازي وهو الذي يعتمد على خفة اليد والألعاب، لكن حتى هذا السحر الذي يظنون أنه يعتمد على خفة اليد لا يخلو من السحر التخيلي، وأنتم تلاحظون أن ساحراً من السحرة يقف أمام الجماهير ثم ينحني راكعاً لهم، وفي الحقيقة يركع للشياطين قبل ذلك ثم يحيونه بالتصفيق وبالصفير والمكاء والتصدية ثم لا يلبث ويأتي بمنديل ويحركه أمامه ثم يدخله في القبعة، ويخرج ثلاثين أرنباً وأربع حمامات وخمسة قطط، وعد من الغرائب والعجائب من هؤلاء الذين يسحرون الناس وهم في الحقيقة سحرة لا شك في أفعالهم.
ويظن ظان أو يقول قائل: إن هذا ضرب من خفة اليد أو شيء من ألعاب السرك ونحو ذلك؟
الحقيقة هي الحقيقة؛ أنه سحر يخيل لهذا الرائي أنه رأى مثل هذه الأمور.
ما يبذله الساحر ليمكن من السحر
ولا أريد أن أفيض في بعض الأسباب التي يتأهل بها الساحر للوقوع في هذه الدرجات، أو للسيطرة على مثل هذه الحالات، لكن لتعلموا أن السحرة لا يبلغون هذا إلا بكفر عظيم، وأن الشياطين تطلب من الساحر أن يسجد للأصنام أولاً، وتطلب منه أن يتبول على المصحف، وتطلب منه أن يجعل المصحف في دورة المياه ثم يتبرز عليه، وتطلب منه أشياء عظيمة خطيرة جداً، فلا تتصور أن هذا الساحر استطاع أن يصل إلى هذه الدرجة، وأن الجن والشياطين قد وقفوا معه هذا الموقف حباً أو كرامة أو انقياداً أو هيبة أو خوفاً من سطوته، أو لما عنده وعند آبائه وأجداده؟
الجواب: لا. إنما هي عملية مقايضة: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] أي: عندما تتعلم هذا السحر وتعرفه تكفر؛ ولأجل ذلك فلا نصدق أن هؤلاء الذين يدعون -وهم من السحرة- أنهم يتعاملون مع الصالحين وأنهم يتعاملون مع هؤلاء وهؤلاء.
إبطال دعوى السحرة التعامل مع الصالحين
فقال سماحته متع الله به: ما يدريك أنهم صالحون، وهل تعلم أنهم من المنافقين أم من المتقين، وهل تعلم أنهم يصدقون أم يكذبون؟!!
فدعوة التعامل مع صالحي الجن أصبحت اليوم معزوفة يغني ويرقص عليها كثير من الذين يأخذون ويتسلقون إلى الجن، إن الطبيب الاستشاري الذي يدرس سبع سنوات طب ثم سنة زمالة، ثم سنة امتياز أو قبلها سنة امتياز ثم زمالة ثم، ثم، ثم، وبعد عمر طويل ويخرج الشيب في لحيته أو في رأسه، وبعد ذلك يكون استشاريّاً أجر كشفيته وأجر فحصه مائة ريال فقط لا غير، لكن يأتي هذا المشعوذ بهذه الدعوى أو يدعي ذلك الكلام كذباً وتطفيفاً على الناس.
وقد يكون بعض الناس هو في الحقيقة لا يتعامل، ما كفر لكنه يدعي أنه يتعامل مع صالحي الجن، ويكذب على الناس كذباً صراحاً ثم يأخذ منهم، والمريض مستعد أن يبذل الشيء الكثير، فإذا جيء وقيل له: ما اسم أمك، ما اسم جدتك؟ هل تفعل، ما تفعل؟ أعطنا فنيلتك، أعطنا، أعطنا، ادفع ألف ريال وغداً تعال وخذ شيئاً من التمائم والعزائم والكتابات والمحو والطلاسم وغير ذلك، فتجدهم ينقادون ويستجيبون ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فالسحر اتفاق بين السحر والجني على إحداث شيء بالإنسان، وهذا قد يجعل الإنسان إما عاجزاً عن مباشرة زوجته وهو ما يسمى بالربط، أو إحداث نزيف بالمرأة، أو إسقاط للجنين، أو إحداث مرض معين كصداع، أو نوع صمم أو عدم سمع، أو عدم نطق أو شيء من الشلل الجزئي في جزء أو في أجزاء من الشخص، أو إحداث حبٍ أو كراهية ونحو ذلك.
لكن حقيقة السحر الذي يستعين به الساحر على فعل ما يريد فعله بالإنسان الذي يراد سحره هو الكفر؛ ولذلك قال عز وجل: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] وقد تواتر النقل عمن بحث في أحوال السحر والسحرة أن بينهم تلك العلاقة الكفرية الخطرة بين الجن والشياطين، بل إن بعض الشياطين وبعض مردة الجن يأمرون الساحر أن يأكل النجاسة والحيايا والخشاش والحشرات وغير ذلك، ولا يستطيع أن يرفض لهم طلباً بأي حال من الأحوال.
ومسألة السحر من شك أو نازع فيها فقد كفر لأنه ثابت، بل سُحر النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر، من الذي سحره؟
يهودي: ويبقى اليهود وراء الأذى في كل قضية، ويبقى اليهود هم الذين يتجرءون على ذات الله، يقولون: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة:64] وقَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] ويقولون: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم تعب فاستراح في اليوم السابع فأنزل الله قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38].
يبقى اليهود هم الذين يقتلون الأنبياء، هم الذين يؤذون الأنبياء إلى آخر نبي وهو صلى الله عليه وسلم، فالمرأة التي وضعت السم في الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم هي امرأة يهودية، والرجل الذي سحر الرسول صلى الله عليه وسلم هو رجل يهودي.
فيا معاشر المؤمنين! أيظن من وراء اليهود خيراً أو يرتجى منهم الأمن أو السلامة من شر، هذا ما كان للأنبياء فكيف نريد أن يكون للمسلمين في دبر الزمان وفي حال الضعف للمسلمين.