الصداقة والشباب


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من دواعي الغبطة والسرور أن يأذن الله عز وجل ويكرمنا بلقاء أحبابنا وإخواننا وزملائنا وأبنائنا جميعاً في لقاء المحبة والأخوة والنصيحة، وفي لقاء التواصي بالصبر على كل عملٍ نافعٍ رشيدٍ وقولٍ سديد.

أيها الأحبة في الله: قبل أن أتبوأ مكاني هذا؛ أكرمني فضيلة الشيخ سعد جزاه الله خيراً بزيارةٍ وكان معنا أحد الأخوة الأفاضل من رجال الأمن الشامل، واطلعنا على ما تميزت به ثانويتكم المباركة؛ من سبقٍ نافعٍ في إيجاد هذا المعرض الذي يحذر الشباب من مغبة معصية الله عز وجل؛ إن الكلمة الجامعة لكل ما رأيناه في زوايا وفي ثنايا هذا المعرض النافع المفيد، ينطق صارخاً ليقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] فالحياة الضنك والمعيشة النكد، والحشر السيئ في الآخرة لا شك أنه ثمرةٌ لمعصية الله عز وجل والإعراض عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فيا أحبابي: يدور بنفسي الآن كلمة؛ بين القنوات الفضائية والأغاني الماجنة .. والمجلات الخليعة .. والأفلام المفسدة .. وجلساء السوء .. ودعاة الضلال .. ومروجي المخدرات .. الذين يصدون عن صراط الله المستقيم، من جهة، ومن جهةٍ أخرى الكلمة التي ربما تأتي تارةً ضعيفة، وتارةً قوية، وتارةً توأد في مهدها وفي بدايتها، وتارةً تشق طريقها ثم تقف عند عمدٍ معين، ولكن تبقى الكلمة هي السلاح الذي نفهم به كل ما ينفعنا ونحذر به كل ما يضرنا، ذلكم أننا في عصر الصراع؛ صراعٌ بين الصوت والصورة والكلمة المفسدة الماجنة من جهة، وصراعٌ من طرفٍ آخر تقوم به وتجاهد به الكلمة الناصحة الصادقة، الكلمة الطيبة كشجرةٍ طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها.

إن الباطل صورٌ شتى، وألوانٌ عديدة، وأشكالٌ لا تنتهي، وهيئاتٌ تتجدد، وأما الكلمة الصالحة، الكلمة الطيبة، تبقى هي الكلمة ولا يزيدها مضي الزمان إلا تعمقاً في جذور الأرض، وإشراقاً وثمراً وينعاً ونفعاً لعباد الله عز وجل أجمعين.

أيها الشباب: كأني بقائلٍ يقول: ماذا يفعل أستاذ المواد الدينية؟! ماذا يقول هذا الشيخ الذي يخطب يوم الجمعة؟! ماذا يقول هذا الأستاذ الذي يزورنا اليوم ليلقي محاضرة؟! ماذا يقول هذا الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟! ماذا يقول رجل مكافحة المخدرات؟! ماذا يقول رجل الأمن؟! لا يملكون إلا كلمة، وأمام الباطل بصوره وفساده وأفلامه وقنواته ومجلاته .. بالغناء الخليع .. بالمغنية التي تبرز مفاتنها وتغري بحركاتها وتقتل بلحظاتها، ماذا يفعل هؤلاء أمام هؤلاء؟!.

أقول: أيها الشباب! إن هذه الكلمة إذا كانت في مستقبل صدرٍ رحبٍ حيٍ نشطٍ، فإنها تتفاعل بإذن الله عز وجل معه، وإذا صدرت -بإذن الله- من مخلصٍ ناصحٍ صادقٍ محبٍ مشفق، يكون لها أثر بإذن الله عز وجل، ولا يضيركم ولا يخيفكم ولا يزعجكم هذا الصراع القوي بين الباطل بأشكاله وصوره وألوانه وهيئاته وقنواته مع كلمة الحق الداعية الناصحة المعلمة المرشدة، لأن الله عز وجل قال: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:33].. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18].. وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].

ربما نجد شاباً من الشباب، يقع في فترةٍ من الفترات، وفي وقتٍ من الأوقات ضحية جلساء السوء، أو بداية المخدرات، أو فعل أمور لا تليق، أو ارتكاب شيءٍ من الفاحشة، أو الوقوع في أمرٍ من الخنا، ولكن بهذه الكلمة، بإذن الله عز وجل التي تنفذ إلى سويداء قلبه، وببقية الإيمان الباقية التي تنتعش وتتحرك، لتقول له: أفق وانطلق وقم وانفض غبار النوم، فقد مضى ما مضى من اللهو والغفلة، وقد آن لك أن تستقبل حياةً جادةً مشرقة.

أيها الشباب: إنه لا يوجد شابٌ على وجه الأرض نام في ليلةٍ من الليالي صالحاً ثم أصبح فاسقاً فاجراً، لا يوجد شاب بات ذات ليلة بريئاً أمينا ثم أصبح غادراًخائناً، لا يوجد شاب بات في ليلة من الليالي على طهرٍ وعفافٍ وصلاحٍ واستقامة ثم فجأةً أصبح خبيثاً سيئاً مجرماً ضالاً مضلا، لا يوجد أحدٌ ينحرف فجأة، ولكن الانحراف والمصائب والجرائم التي رأينا صورها ورأينا في هذا المعرض ما يدل عليها، إنما جاءت درجات، وجاءت خطوات، كما قال تعالى: كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168] .

الحلال فيه غنيةٌ عن الحرام، والحلال من كل شيء، الحلال من القول يغني عن الحرام من القول، والحلال من الطعام، يغني عن الحرام من الطعام، والحلال من المرئي والمسموع والمقروء يغني عن الحرام من المرئي والمسموع والمقروء وغيره.

إذاً أيها الشباب: نريد أن ننتبه أن الواحد على خطر، ومبدأ الخطر إشارةٌ يسيرة قد لا يتلفت لها بعض الشباب، ثم هي التي تقوده إلى ذلك، لو أننا مثلاً ذهبنا إلى سجون المخدرات، وزرنا شاباً في زنزانة، وقلنا له: ما الذي جعلك الآن خلف القضبان وغيرك من الشباب يستمتعون بالحرية؟ ما الذي جعلك لا تتحرك إلا في هذه المساحة الضيقة وغيرك ينطلقون كالطيور يغدون ويروحون؟ ما الذي جعلك في هذه الحال من المذلة والهوان وغيرك يعيش العز والكرامة؟ ما الذي جعلك في هذه الحال من سوء السمعة، وكلٌ يتجنبك ولا يرضى أن يصاحبك، بل لو خطبت ما زوجوك، ولو أردت أن تتعامل ما عاملوك؟ لماذا؟!

الجواب شيءٌ واحد: أنه استهان ببدايةٍ خطيرة وهي المعصية، ثم لا زال مصراً عليها، ولا زال متكئاً عليها، ولا زال يصبح ويبيت ويظن أنها ذكاء، وأنها فطنة أن يكون أمام الناس كالحمل الوديع البريء الذي لا يرتكب شيئاً، ثم إذا خلا بنفسه، ارتكب ألوان الذنوب، وفنون المعاصي وأشكال المخالفات الشرعية، إذا خلا بنفسه أو مع أقرانه، أو مع أترابه، أو بعض من زملائه من جلساء السوء، لا تظن أن شيئاً يظل خفياً أبداً.

ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ     وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ

أيها الشباب: ينبغي أن تعلموا أنه إن لم تستعينوا بالله عز وجل وتحافظوا على أنفسكم، فإنه لا يوجد في الصيدليات ولا في باندا ولا في العثيم ولا في سوق الخضرة، لا يوجد طعام أو شراب أو دواء إذا أكلته أصبحت محصناً من الشر، وبمأمنٍ من الجريمة، وفي أمانٍ من الفساد والانحراف أبداً!!

لا يمكن أن تحافظ على نفسك بعد فضل الله ورحمته وعونه، لا يمكن أن تحافظ على نفسك إلا بمجاهدة هذه النفس:

والنفسُ كالطفلِ إن تهمله شـب على     حب الرضاعِ وإن تفطمه ينفطمِ

النفس لابد أن تجاهدها مجاهدة، الشاب الذي وقع في التدخين كيف يقلع عن التدخين؟ هل يوجد شراب يشربه ثم يصبح يكره التدخين؟!! مساكين هؤلاء الذين يظنون أنه بوسعه بمجرد أن يأكل حبوباً أو كبسولات، أو شراباً أو يأخذ إبرة من الطبيب أنه بهذا سوف يقلع عن التدخين مرةً واحدة، أبداً هذا مستحيل، ولا يمكن أن يقلع، إلا إذا تاب إلى الله عز وجل وعلم أن فعله حرام، ورافق ذلك نية صالحة صادقة، ومجاهدة وعزيمة لمجاهدة النفس للإقلاع: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

لا تتصور أن شاباً وقع في الفاحشة الخلقية التي نستحي أن نتكلم عن اسمها أو تفاصيلها، لا تتصور أن شاباً وقع في ذلك بأنه يمكن أن يقلع عن ذلك، لأنه أراد أن يشرب شراباً أو يطعم طعاماً ثم ينتهي من ذلك، أبداً، هذا مستحيل، لا يقلع أحد عن ذنبٍ أو معصية إلا إذا جاهد نفسه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

أيها الشباب: ينبغي أن تعلموا جيداً أن هذه الحياة وهذه المرحلة بالذات التي تعيشونها الآن في وقتكم الحالي هي التي ترسم مستقبلكم، فالشاب الذي تراه عاكفاً على دروسه، مجتهداً في دراسته، منتفعاً بالعلم، حريصاً على أن يطبق ما تعلم، مجتهداً في طاعة ربه قبل ذلك، متجنباً جلساء السوء، همته عالية، هذا الشاب بإذن الله عز وجل سوف يرقى إلى أسمى الدرجات، والمستقبل خيرُ شاهدٍ على ذلك يبشره بخيرٍ عظيمٍ بإذن الله عز وجل.

وأما الشاب الذي همته لا تتجاوز حذاءه، بعض الشباب همته وأمنياته وطموحاته لا تتجاوز الحذاء، لو تسأل بعض الشباب: ماهي أمنيتك؟ لقال: أتمنى سيارة (ديتسن) أفحط بها، هذه هي الأمنية! ما هي أمنيتك؟ قال: أتمنى أني آخذ شارع التخصصي ذهاباً وإياباً من أجل أن أشخص مثل الناس المشخصين هناك .. ما هي أمنيتك؟ قال: والله أمنيتي أن يكون عندي مرواس أو عود أو دمبك أو طبل .. ما هي أمنيتك .. فتجد أماني حقيرة ساقطة ذليلة، أماني تحت النعال وتحت التراب، وأمثال هؤلاء أيها الشباب! لا يمكن أن يكون لهم شأن في الحياة وفي المستقبل أبداً، بل من الآن تبشرهم بمستقبلٍ منذرٍ بالشؤم والفقر والكد والنكد وخذوا مثالاً على ذلك:

العلم يحدد مستقبلك

منذُ أيام في إحدى المستشفيات رئيس أحد الأقسام في المستشفى رجل من الهند ؛ هندي وراتبه يتجاوز أربعين ألف ريال، ومن نفس مدينته وبلده أو قريته عامل لا يتجاوز راتبه ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال، هذا من الهند وهذا من الهند ، وهذا يتكلم نفس اللغة وهذا يتكلم نفس اللغة، وهذا راتبه أربعون ألفاً، وهذا راتبه ثلاثمائة ريال!! يأكل بمائة وعشرين ويرسل إلى أهله مائة وثمانين ريالاً، ما الفرق بين هذا وهذا؟!!.

الفرق هو العلم! هذا أقبل على العلم منذُ صغره، ووجد أبوين يعينانه على العلم منذُ صغره، وتحملوا شظف العيش في سبيل تعليم ولدهم في طفولته ونشأته حتى نشأ وشبّ وترعرع متعلماً، فأصبح عالماً فأصبح أستاذاً ورئيساً، وهذا نشأ لم يلتفت إلى العلم، ولم يتلفت أبواه إلى تعليمه، فلم يكن عنده من قدرةٍ ولا خبرةٍ ولا صنعةٍ ولا مهنةٍ ولا وظيفةٍ ولا إمكانيةٍ ولا موهبةٍ أبداً.

فأصبح هذا في الحضيض وذاك في مستوى الوظائف في أعلى الدرجات، نعم. إن أكرم الناس عند الله أتقاهم، لكن الآن لو خيرتك أن تسكن خيمة أو بيت بلك، تقول: لا. بيت بلك أفضل، ولو خيرت أن تسكن بيت بلك أو فلة من دورين جميلة مشطبة ممتازة مؤثثة مفروشة، قلت: والله أطمع أن أسكن فلة، ولو خيرت بين فلة وبين قصر جميل وواسع وحدائق وأنهار، قلت: أريد قصراً.

فبطبيعة الإنسان في مصلحة نفسه وملذاته وشهواته وأمنياته يعرف ما هو الوضيع وما هو المنحط، ويعرف ما هو العالي وما هو الرفيع، فكذلك في حياتك وتعليمك، وسلوكك، ومستقبلك، في دراستك أنت تستطيع أن تكون وضيعاً وتستطيع أن تكون رفيعاً، تستطيع أن تكون حقيراً ذليلاً وتستطيع أن تكون إماماً خطيراً، تستطيع أن تكون شخصاً مهماً، وتستطيع أن تكون شخصاً تافهاً.

الأمر بيديك والإرادة بين يديك، والقدرة -بإذن الله- بين يديك، لكن تحتاج منك: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7].

من جاهد وصبر أعطى من نفسه، أعطى من وقته .. من ماله .. من فكره .. من جهده .. من صبره، وعمل، فإنه -بإذن الله- ينال الحسنى؛ حسن الدنيا وحسن الآخرة، أما من بخل واستغنى وقال: لا حاجة للعلم، لا حاجة إلى العمل يصبح فقيراً يمد يده إلى الناس، إن أعطوه أو منعوه ولا حول ولاقوة إلا بالله!

منذُ أيام في إحدى المستشفيات رئيس أحد الأقسام في المستشفى رجل من الهند ؛ هندي وراتبه يتجاوز أربعين ألف ريال، ومن نفس مدينته وبلده أو قريته عامل لا يتجاوز راتبه ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال، هذا من الهند وهذا من الهند ، وهذا يتكلم نفس اللغة وهذا يتكلم نفس اللغة، وهذا راتبه أربعون ألفاً، وهذا راتبه ثلاثمائة ريال!! يأكل بمائة وعشرين ويرسل إلى أهله مائة وثمانين ريالاً، ما الفرق بين هذا وهذا؟!!.

الفرق هو العلم! هذا أقبل على العلم منذُ صغره، ووجد أبوين يعينانه على العلم منذُ صغره، وتحملوا شظف العيش في سبيل تعليم ولدهم في طفولته ونشأته حتى نشأ وشبّ وترعرع متعلماً، فأصبح عالماً فأصبح أستاذاً ورئيساً، وهذا نشأ لم يلتفت إلى العلم، ولم يتلفت أبواه إلى تعليمه، فلم يكن عنده من قدرةٍ ولا خبرةٍ ولا صنعةٍ ولا مهنةٍ ولا وظيفةٍ ولا إمكانيةٍ ولا موهبةٍ أبداً.

فأصبح هذا في الحضيض وذاك في مستوى الوظائف في أعلى الدرجات، نعم. إن أكرم الناس عند الله أتقاهم، لكن الآن لو خيرتك أن تسكن خيمة أو بيت بلك، تقول: لا. بيت بلك أفضل، ولو خيرت أن تسكن بيت بلك أو فلة من دورين جميلة مشطبة ممتازة مؤثثة مفروشة، قلت: والله أطمع أن أسكن فلة، ولو خيرت بين فلة وبين قصر جميل وواسع وحدائق وأنهار، قلت: أريد قصراً.

فبطبيعة الإنسان في مصلحة نفسه وملذاته وشهواته وأمنياته يعرف ما هو الوضيع وما هو المنحط، ويعرف ما هو العالي وما هو الرفيع، فكذلك في حياتك وتعليمك، وسلوكك، ومستقبلك، في دراستك أنت تستطيع أن تكون وضيعاً وتستطيع أن تكون رفيعاً، تستطيع أن تكون حقيراً ذليلاً وتستطيع أن تكون إماماً خطيراً، تستطيع أن تكون شخصاً مهماً، وتستطيع أن تكون شخصاً تافهاً.

الأمر بيديك والإرادة بين يديك، والقدرة -بإذن الله- بين يديك، لكن تحتاج منك: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7].

من جاهد وصبر أعطى من نفسه، أعطى من وقته .. من ماله .. من فكره .. من جهده .. من صبره، وعمل، فإنه -بإذن الله- ينال الحسنى؛ حسن الدنيا وحسن الآخرة، أما من بخل واستغنى وقال: لا حاجة للعلم، لا حاجة إلى العمل يصبح فقيراً يمد يده إلى الناس، إن أعطوه أو منعوه ولا حول ولاقوة إلا بالله!

أيها الشباب: من الأمور الخطيرة ألا يفكر الشاب في مستقبله، وألا ينظر إلى مستقبل حياته، لو أن أحداً سافر إلى بلدٍ من البلدان، لا شك أنه يعلم كم سيمكث في هذا البلد، وأين سيسكن في هذا البلد، وما هي ترتيباته وأموره وأعماله في هذا البلد ومتى سوف يعود من هذا البلد!!

لكن كثيراً من الشباب وهم الآن في سفر الدنيا:

فاقضوا مآربكم عجال     إنما أعماركم سفرٌ من الأسفارِ

نحن في سفر الدنيا، فكثيرٌ من الشباب لا يبالي ماذا يعمل في هذه الرحلة! ماذا يتعلم! ماذا يقدم! ماذا ينتج! ما الذي يقربه من الله! ما الذي يباعده من ربه! ما الذي يسبب له سخط الله عليه! كل ذلك لا يبالي به، ولا يهتم بأي حالٍ من الأحوال، لماذا هذا الأمر؟ تجد الشاب لو قلت له: اشتر شماغاً، قال: لا. أنا أذهب إلى شارع ثميري؛ لأني أعرف أن هناك شماغات جديدة من نوع بسام، أو من نوع ملكي عجلان ألجنت خطين كلاسيكي جميل، لا يمكن أن أختار غير هذا النوع، يا أخي! هذا الشماغ قال: لا هذه شماغ بخمسة عشر ريالاً أو بعشرين، فتجده ينتقي الشماغ الجيد، الطاقية كذلك لابد أن ينتقيها، لا يمكن أن يلبس (جوطي أو علبة أو غبارة) لا. يريد أن يلبس طاقية ممتازة من نسجٍ جميل، ومريحة على رأسه، وكذلك الثوب، فيذهب ويدخل محل فلان وعلان، ومحل فلان، ويختار القماش المناسب، لا يقول للخياط: يا أخي! انظر ثوباً على مزاجك وأعطني إياه، لا. بل أرني هذا القماش، أرني هذا القماش، حتى الحذاء تجده ينظر إلى الحذاء هل يناسب قدمه، أهو واسع أم ضيق، كبير أم صغير، مريح وثمين؟ يعرف حتى حذاءه كيف ينتقيه.

لكنه لا ينتقي جليسه، لا ينتقي صديقه، لا ينتقي الشخص الذي يؤثر عليه ويتأثر به ومنه، أبداً هذا -للأسف- غير موجود عند كثير من الشباب، ينتقي الحذاء، ويختار الشماغ، ويختار الثوب، لكنه لا يختار الصديق؛ أي صديق من الشارع، يكفيه صديق عنده سيارة ديتسن غمارتين، يضرب له بوق السيارة عند الباب بعد صلاة المغرب مع أصحابه فيدعوه إلى أين؟ اركب يا رجل!

تفحيط وضجة ولفات ويمين وشمال، يا أخي! يقول المؤذن: الله أكبر، ادخل نصلي، يا شيخ! يوقفك على الصلاة!! يأخذه ويجعله معه في السيارة، والله يا شباب! أنا أعجب حينما أقف عند إشارة مرورية، ثم ألقى هذا الولد قاعداً يلعب، يا رب! ما الذي فيه، عسى أنه يكون من فرقة القرود خرجت من الحديقة، سوف أبلغ الدوريات الآن، ثم أجد أنهم قرود بشرية وللأسف! شباب أشكال غريبة، تقليد للغرب، موسيقى مزعجة إلى أعلى الدرجات، وحالة سيئة، ووجوهٌ كالحة، لم يصلوا، لم يركعوا، لم يسجدوا، لم يسمعوا نصيحة، لم يحضروا محاضرة، لم ينصتوا لخطبة الجمعة، بل قد لا يحضرون لصلاة الجمعة، لا يسمعون درساً، ولا ينتفعون بمقولة، أبداً.

حياتهم أغنية .. آخر شريط .. آخر مطرب .. آخر حفلة .. آخر مجلة، وهناك أشياء تُدس سراً بالسر، الكيس الفلانية ترى فيها من لوازمك الفلاني لا أحد يراها، والكيس الفلاني فيه حاجتك الفلانية لا يراها أحد، ما عليك المهم الذي تريده موجود عندي، إذا رجعنا الليلة البيت أصرف الشلة وأعطيك الذي تريد.

جليسك الصالح من يدلك على الخير

للأسف أصبح الشباب يذبح بعضهم بعضاً، وينحر بعضهم بعضاً، وأشدهم ذبحاً لصاحبه أشدهم صداقة له، انظروا المقاييس المختلفة الذي ينصحه ويدعوه ويحذره من الشر، ويتمنى له الخير ويرجو له مستقبلاً مشرقاً، هذا نذل متشدد وقح مزعج متزمت لا يطاق ولا يقبل، لأنه لا يكلمه إلا بما ينفعه، لكن الآخر هو صديقه، لماذا؟ لأنه هو الذي يملأ عقله بالأغاني والملاهي!! وهو صديقه لأنه الذي يملأ عقله بالأفلام والمسلسلات!! وهو صديقه لأنه الذي يزين له السهر بعيداً عن البيت أمام القنوات والأفلام الماجنة!! صديقه لأنه هو الذي يبعده بعيداً، يهربه بعيداً عن أمه وأبيه!! هو صديقه لماذا؟ لأنه هو الذي يشجعه على قطيعة رحمه، وعقوق والديه، لأنه صديقه الذي معه فأسٌ ومعول يضرب على وجهه وعقله وصدره ليدمر حياته ومستقبله.

كم عدد الشباب الآن الذين يتسكعون في الصباح وهم من أبناء وطلاب المدارس؟ ما الذي أخرجهم من المدرسة؟ ما الذي جعل الواحد يصبر على الدوران وألم الرأس والوجع واللف يمين يسار في الحارات وفي المقاهي ويمين شمال إلا جلساؤهم الذين زينوا لهم، وأغروهم ودعوهم إلى ذلك بحجة: تعال هنا اللذة وهنا الراحة وهنا الطمأنينة، نعم، جليسه هذا ربما استطاع أن يبعده عن المدرسة أسبوعاً وأسبوعين وشهراً وشهرين، لكنه جعله ذليلاً فقيراً حقيراً سنين طويلة لأنه أبعده عن العلم ومكانه.

للأسف أصبح الشباب يذبح بعضهم بعضاً، وينحر بعضهم بعضاً، وأشدهم ذبحاً لصاحبه أشدهم صداقة له، انظروا المقاييس المختلفة الذي ينصحه ويدعوه ويحذره من الشر، ويتمنى له الخير ويرجو له مستقبلاً مشرقاً، هذا نذل متشدد وقح مزعج متزمت لا يطاق ولا يقبل، لأنه لا يكلمه إلا بما ينفعه، لكن الآخر هو صديقه، لماذا؟ لأنه هو الذي يملأ عقله بالأغاني والملاهي!! وهو صديقه لأنه الذي يملأ عقله بالأفلام والمسلسلات!! وهو صديقه لأنه الذي يزين له السهر بعيداً عن البيت أمام القنوات والأفلام الماجنة!! صديقه لأنه هو الذي يبعده بعيداً، يهربه بعيداً عن أمه وأبيه!! هو صديقه لماذا؟ لأنه هو الذي يشجعه على قطيعة رحمه، وعقوق والديه، لأنه صديقه الذي معه فأسٌ ومعول يضرب على وجهه وعقله وصدره ليدمر حياته ومستقبله.

كم عدد الشباب الآن الذين يتسكعون في الصباح وهم من أبناء وطلاب المدارس؟ ما الذي أخرجهم من المدرسة؟ ما الذي جعل الواحد يصبر على الدوران وألم الرأس والوجع واللف يمين يسار في الحارات وفي المقاهي ويمين شمال إلا جلساؤهم الذين زينوا لهم، وأغروهم ودعوهم إلى ذلك بحجة: تعال هنا اللذة وهنا الراحة وهنا الطمأنينة، نعم، جليسه هذا ربما استطاع أن يبعده عن المدرسة أسبوعاً وأسبوعين وشهراً وشهرين، لكنه جعله ذليلاً فقيراً حقيراً سنين طويلة لأنه أبعده عن العلم ومكانه.

يا شباب: العلم يحتاج إلى صبر؛ فالطيارون الذين يقودون الطائرات، والأطباء الذين يعالجون الناس، ويجرون العمليات الجراحية لإنقاذ حياتهم، وطلبة العلم والعلماء الذين يدرسون في الجامعات، ويتبوءون التوجيه والإرشاد، هل حصلوا ذلك بالتجوال والدوران واللفلفة يميناً وشمالاً؟ لا. إنما أخذوه بطول نفس.

أخي لن تنال العلم إلا بستـةٍ     سأنبيك عن تفصيلها ببيانِ

ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبلغـةٌ     وصحبة أستاذٍ وطول زمان

ستة أمور حتى يصل الإنسان إلى ما يصل إليه، الآن إذا رأيت ضابطاً معلقاً نجمة، تراه أخذ سنوات ثلاث عجاف شديدة قاسية، من الأمر والنهي والعسكرية والانضباط والجد حتى علَّق نجمةً واحدة!! ثم دورات حتى يعلق الثانية، ثم هكذا وهلمَّ جرا حتى يصل إلى مكانةٍ ما، فهؤلاء الذين يريدون الحياة شربة ماء، بدون أي بذل، بدون أي جهد ومشقة مساكين.

تسألني أم الوليد جملاً     يمشي رويداً ويجي أولا

تريد أن تزحف على بطنك وتكون الأول في السباق، لا. إذا أردت أن تكون الأول في السباق لابد أن تعد نفسك باللياقة والتدريب وأن تأخذ نفسك بالجهد ويتصبب عرقك حتى تكون أنت الأول في هذا المضمار وفي هذا الميدان.

بعض الشباب عنده حكمة يقول: من نام على الدرب وصل، ليس من سار، لا. بل من نام على الدرب وصل، إن جاء أحد من هنا أو من هنا يقوده من هنا أو يجره من هنا، فبعض الشباب لولا لطف الله عز وجل، بل كلهم بلطف الله عز وجل وجدوا الهداية والاستقامة، لكن بعضهم قد يكون من الأسباب المعينة، أن نفعه الله عز وجل بمركز النشاط في الثانوية، أو أستاذ من الأساتذة الصالحين؛ مدرس رياضيات أو علوم شرعية أو لغة إنجليزية، صار يعظه وينصحه كل ما دخل الدرس أعطى درساً في الآداب في الأخلاق والسلوك، والتواضع، والحذر من معصية الله، والحذر من الجريمة، والخطيئة ومغبة المعاصي ومن شؤم المخالفات الشرعية، وعلى مدى اللقاء كل يوم استطاع أن يؤثر فيه، لكن بعض الشباب أيضاً قلبه أغلف أو لم يهيأ له ذلك المدرس الذي ينصحه، أو لم يكن له ذلك الأخ الشقيق في بيته، أو لم يكن له ذلك الأب الحنون المنتبه الواعي الفطن لمغريات الحياة، الآن وقوف الشاب مع والديه نادراً وقليلاً، أصبح أغلب وقتٍ يمكثه الشباب في المدرسة، ثم أمام القنوات التلفازية فضائيةً وغير فضائية.

ولا يمكن والله لو تأخذ- أجلكم الله- حماراً وتقابله كل يوم وتأخذه على نمط معين وعلى وتيرة معينة وعلى تصرفات معينة بمقدار ما يدرسه الشباب في المدارس وأمام الشاشات، لكان أكثر وتغير ولأصبح له طبعٌ غريبٌ وعجيب، بل البهائم الفيلة والحمير والأسود والبغال تساق لمدة زمنية معينة فتعرف المسألة تماماً، تعرف القضية تماماً، مثل ما وقفت على السواني بئر معلقه بها الدلاء وأطراف الحبال مربوطة- أجلكم الله- في الحمير والبغال، تعودها الحمار ففهمها، يمشي في المنحاة الذي هو الطريق الممر المخصص له حتى تنزل القربة في الماء، فإذا أحس بأن القربة امتلأت بشعور الثقل الذي يعلق به، تحرك من جديد إلى آخر المنحاة ثم القرب تصب الماء في الحوض، ويتصرف الحوض إلى المزرعة أو إلى غيره، ثم يرجع من جديد، إذاً لا أحد يقول: أنا لا أتأثر!!