برقية عاجلة


الحلقة مفرغة

الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله القائل: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:11-16].

الحمد لله القائل: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:44-45] والصلاة والسلام على رسوله الأمين القائل: (أيها الناس! أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الخلق لعبادته، وما يعزب عن علمه مثقال ذرة منهم أو حولهم، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، أشهد أن لا إله إلا الله، كلُّ قدرٍ بعدله، وكل قدرٍ بحكمته، ورحمته سبقت غضبه، وهو الرحمن الرحيم، وهو أرحم الراحمين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله جل وعلا في نِعم ترفلون فيها، وتتقلبون عليها، وتسبحون في جنباتها، وتأكلون وتلبسون وتشربون منها: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص:57].

معاشر المؤمنين! مآسي المسلمين تترى، وأحوالهم عجيبة، وهم جسد واحد، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد) فحيثما حللت فرأيت مسلماً فهو عرق من عروقك، وشلو من بدنك، وطرف من جسمك، ونبضة من قلبك، وخفقةٌ من فؤادك.

وحيثما ذكر اسم الله في بلـد     عددت أرجاءه من لب أوطاني

أيها الأحبة! المسلمون في هذا الزمان الذين هم جسد واحد، نعم، إنهم جسد واحد، ولكنه جسد أحواله غريبة، وأطواره شاذة عجيبة، فترى في الجسد جزءً متخماً يجر نواعم الخز والحرير، وترى فيه طرفاً آخر هزيلاً جائعاً، وثالثاً معوقاً لا حراك به، مجروحاً نازفاً، نعم، المسلمون جسد لكنه جسد ممزع، ممزق، مفرق، جسد بعضهم غافل وبعضهم لاهٍ.

آه منا آه مـا أجهلنا     بعضنا أعمى وبعض يتعامى

نشرب الجوع ونستسقي الظمأ

برقية عاجلة من مسلمي الصومال

أيها الإخوة في الله! وصلتنا برقية عاجلة موقعة باسم اليتامى الذين فقدوا الآباء، فلا تسمع إلا صراخهم، ولا ترى إلا دموعاً لا تجد من يمسحها عن خدودهم!

ووصلتنا برقية باسم الثكالى اللائي أنهكهن المرض، فلا ترى إلا دموعهن، ولا تسمع إلا أنينهن!

ووصلتنا برقية باسم الشيوخ والعجزة الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً!

ووصلتنا برقية من الصبايا المحطمات هُتكت أعراضهن وحرماتهن.

إن هذه البرقيات كلها من مسلمي الصومال الذين يموتون الآن ونحن نسمع الخطبة، يموت منهم عددٌ من الأطفال وعدد من النساء وعدد من الرجال، برقية مسلمي الصومال لم تجد أذناً معتصمية أو نخوة عربية، فهل نجدها في هذه البلاد؟ هل نجدها في حكامها؟ هل نجدها في رجالها؟ هل نجدها في شبابها؟ هل نجدها في الطيبات من نسائها؟

الصومال إلى أين؟

أيها الأحبة في الله! الصومال قطعة جميلة في القارة الخضراء في منطقة القرن الأفريقي، أمة مسلمة نسبة المسلمين فيهم (100%) لا يوجد فيهم أقليات وثنية أو نصرانية، الصوماليون مسلمون (100%)، ولكن الصومال شأنها كشأن غيرها، ظلت ترزح تحت نيران الاستعمار الذي جثم على صدر الأمة زمناً، حتى استقل وتحرر بعد أن قدم أرواح أبنائه، وفلذات أكباده، وخيرات بلاده، تحرر من الكفر الأجنبي، ليستقبل في عصر الخداع وفي عصر التعتيم الإعلامي كفراً محلياً، ودع كفراً أجنبياً، واستقبل كفراً محلياً، في ظل وعود الشعارات الزائفة والسعادة الموهومة، استقبل كفراً أسوأ ظلماً وتسلطاً وجبروتاً من الذي قبله.

وما إن سقط هذا الكفر وسقطت تلك العلمانية ، حتى ظهر للمسلمين هناك أن قنبلة موقوتة تنفجر بزوال النظام، حتى تعيش الأمة حرباً أهلية وقبلية بغيضة، وحروباً متطاحنة.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة     على النفس من وقع الحسام المهند

شعب عدده قرابة التسعة ملايين نسمة، عقيدته واحدة، من عرق واحد، والصوماليون -كما قلت- أمة مسلمة عرفوا الإسلام في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لهم في الإسلام والدعوة إليه تاريخ مشرق ومشرف، ولكن ما إن توالت الدهور والعصور، حتى اكتنفت بهذا الشعب وأحاطت به إحاطة السوار بالمعصم والعقد بالجيد، أحاطت به شلة وشرذمة نصرانية وعلمانية، وأحكمت نطاق حدوده دول نصرانية كافرة، فلا تعجب أن ترى أحوال المسلمين في الصومال أشد مما تسمع، وأبلغ مما يُروى.

نعم. وفوق هذا كله لا تزال جسور الكفرة تمتد إليهم، لتُغذي الصراع بالسلاح، ولتُغذي القبيلة والعنصرية عبر الإرساليات البريطانية والفرنسية، وأذنابها ممن جاور هؤلاء حول حدودهم وبلادهم، كانت مناطق آمنة، فخلف من بعدهم خلف علماني كافر أضاعوا الصلاة وحكموا القوانين، وأباحوا الزنا، ونشروا الخنا، وأشاعوا الفاحشة، وضاعت تلك الأمة في ظل تلك القيادات الكافرة التي لا هم لأحدهم إلا قول القائل:

إذا مت ظمآناً فلا نـزل القطر

أي:

عليّ وعلى أعدائي.

ولينجو الظالم ببطشه وبرصيده وبملكه، لا يبالي أن يشرد ويقتل ويضيع من وراءه.

أيها الأحبة! في فترة مضت -وسمعتم وسمعنا هذا- عُذب العلماء في الصومال ، وأُحرق عشرة منهم في ساحة عامة في العاصمة، أحرقوا أحياء بعد أن سكب البنـزين عليهم، أما الدعاة فالسجون لها حديث معهم، والزنزانات تعرف أسرارهم، والأغلال تشم أنفاسهم، ولكن من يخبر المسلمين بهذا؟! تعتيم لا نعلمه.

انفجار الانتفاضة في الصومال إلى عنصرية وقبلية

أيها الأحبة! ومرت في تلك الفترة محاولات باءت بالفشل، وفي عام (1989م) قامت تلك الأمة المسلمة بانتفاضة تريد التخلص من الجوع والظمأ، تريد التخلص من الكفر، تريد التخلص من الخنا والزنا، ولم تعلم أن الخلاص هو ميقات انفجار قنبلة الحرب الأهلية والقبلية البغيضة، في ظل هذا الوضع انفرط النظام الذي يجمع الناس بالقهر والاستبداد، وسقطت تلك الأمة، وأصبحت القبائل حرباً بعضها على بعض، ولم تُترك تلك الأمة لتعالج أوضاعها بنفسها، بل لا زال الكفر الأجنبي يُغذي أطراف النـزاع، لكي يجعلوها لبنان جديدة، ولكي يجعلوها دولة ذات أحزاب متناحرة، هؤلاء مسلمون! وهؤلاء عملاء! وهؤلاء دخلاء! وهؤلاء وهؤلاء.. أحوال لا يعلمها إلا الله.

أيها الأحبة في الله! تُسلط على هذه البلاد، وحكمت بـالشيوعية زمناً، تحت مطارق العسف، ومناجل الإجهاض والظلم، ولما تنفسوا الصعداء، وظنوا بأن الأزمة انفرجت، إذا بهم يرون ما يرون، ولكن ينبغي أن نعلم كما علموا أنما يدور بينهم ليست فلتة أو صدفة أو مفاجئة، بل هو مخطط نصراني رهيب، يريد أن يمزق هذه الأمة المسلمة، حتى لا تكون منطلقاً لنشر الإسلام في القارة الخضراء.

بعد أن سقط ذلك النظام انقسمت القبلية إلى ثلاث فرق كبيرة.

إلى قبائل الهوية، وقبائل الدارود، وقبائل الإسحاقيين، وهؤلاء ومن أولهم نزل ما يسمى بحزب المؤتمر الصومالي الموحد، ثم انقسم تحت قيادة زعيمين زيادة على ما ذكرناه من تغذية الدول المجاورة لهذه الحرب الداخلية ولأطماع النصارى والمستعمرين المستفيدين من هذا كله.

إنها مأساة غريبة، وليست كارثة طبيعية، إنها حرب صليبية تشرد بسببها حتى الآن مليونان ومائة وعشرون ألف مسلم ذهبوا ضحايا، ومن نجى من الأطفال نُقل إلى الكنائس في دول الغرب، ونُقل إلى إسرائيل لكي يكونوا جنوداً لليهودية أعداء للمسلمين.

أيها الإخوة في الله! وصلتنا برقية عاجلة موقعة باسم اليتامى الذين فقدوا الآباء، فلا تسمع إلا صراخهم، ولا ترى إلا دموعاً لا تجد من يمسحها عن خدودهم!

ووصلتنا برقية باسم الثكالى اللائي أنهكهن المرض، فلا ترى إلا دموعهن، ولا تسمع إلا أنينهن!

ووصلتنا برقية باسم الشيوخ والعجزة الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً!

ووصلتنا برقية من الصبايا المحطمات هُتكت أعراضهن وحرماتهن.

إن هذه البرقيات كلها من مسلمي الصومال الذين يموتون الآن ونحن نسمع الخطبة، يموت منهم عددٌ من الأطفال وعدد من النساء وعدد من الرجال، برقية مسلمي الصومال لم تجد أذناً معتصمية أو نخوة عربية، فهل نجدها في هذه البلاد؟ هل نجدها في حكامها؟ هل نجدها في رجالها؟ هل نجدها في شبابها؟ هل نجدها في الطيبات من نسائها؟

أيها الأحبة في الله! الصومال قطعة جميلة في القارة الخضراء في منطقة القرن الأفريقي، أمة مسلمة نسبة المسلمين فيهم (100%) لا يوجد فيهم أقليات وثنية أو نصرانية، الصوماليون مسلمون (100%)، ولكن الصومال شأنها كشأن غيرها، ظلت ترزح تحت نيران الاستعمار الذي جثم على صدر الأمة زمناً، حتى استقل وتحرر بعد أن قدم أرواح أبنائه، وفلذات أكباده، وخيرات بلاده، تحرر من الكفر الأجنبي، ليستقبل في عصر الخداع وفي عصر التعتيم الإعلامي كفراً محلياً، ودع كفراً أجنبياً، واستقبل كفراً محلياً، في ظل وعود الشعارات الزائفة والسعادة الموهومة، استقبل كفراً أسوأ ظلماً وتسلطاً وجبروتاً من الذي قبله.

وما إن سقط هذا الكفر وسقطت تلك العلمانية ، حتى ظهر للمسلمين هناك أن قنبلة موقوتة تنفجر بزوال النظام، حتى تعيش الأمة حرباً أهلية وقبلية بغيضة، وحروباً متطاحنة.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة     على النفس من وقع الحسام المهند

شعب عدده قرابة التسعة ملايين نسمة، عقيدته واحدة، من عرق واحد، والصوماليون -كما قلت- أمة مسلمة عرفوا الإسلام في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لهم في الإسلام والدعوة إليه تاريخ مشرق ومشرف، ولكن ما إن توالت الدهور والعصور، حتى اكتنفت بهذا الشعب وأحاطت به إحاطة السوار بالمعصم والعقد بالجيد، أحاطت به شلة وشرذمة نصرانية وعلمانية، وأحكمت نطاق حدوده دول نصرانية كافرة، فلا تعجب أن ترى أحوال المسلمين في الصومال أشد مما تسمع، وأبلغ مما يُروى.

نعم. وفوق هذا كله لا تزال جسور الكفرة تمتد إليهم، لتُغذي الصراع بالسلاح، ولتُغذي القبيلة والعنصرية عبر الإرساليات البريطانية والفرنسية، وأذنابها ممن جاور هؤلاء حول حدودهم وبلادهم، كانت مناطق آمنة، فخلف من بعدهم خلف علماني كافر أضاعوا الصلاة وحكموا القوانين، وأباحوا الزنا، ونشروا الخنا، وأشاعوا الفاحشة، وضاعت تلك الأمة في ظل تلك القيادات الكافرة التي لا هم لأحدهم إلا قول القائل:

إذا مت ظمآناً فلا نـزل القطر

أي:

عليّ وعلى أعدائي.

ولينجو الظالم ببطشه وبرصيده وبملكه، لا يبالي أن يشرد ويقتل ويضيع من وراءه.

أيها الأحبة! في فترة مضت -وسمعتم وسمعنا هذا- عُذب العلماء في الصومال ، وأُحرق عشرة منهم في ساحة عامة في العاصمة، أحرقوا أحياء بعد أن سكب البنـزين عليهم، أما الدعاة فالسجون لها حديث معهم، والزنزانات تعرف أسرارهم، والأغلال تشم أنفاسهم، ولكن من يخبر المسلمين بهذا؟! تعتيم لا نعلمه.

أيها الأحبة! ومرت في تلك الفترة محاولات باءت بالفشل، وفي عام (1989م) قامت تلك الأمة المسلمة بانتفاضة تريد التخلص من الجوع والظمأ، تريد التخلص من الكفر، تريد التخلص من الخنا والزنا، ولم تعلم أن الخلاص هو ميقات انفجار قنبلة الحرب الأهلية والقبلية البغيضة، في ظل هذا الوضع انفرط النظام الذي يجمع الناس بالقهر والاستبداد، وسقطت تلك الأمة، وأصبحت القبائل حرباً بعضها على بعض، ولم تُترك تلك الأمة لتعالج أوضاعها بنفسها، بل لا زال الكفر الأجنبي يُغذي أطراف النـزاع، لكي يجعلوها لبنان جديدة، ولكي يجعلوها دولة ذات أحزاب متناحرة، هؤلاء مسلمون! وهؤلاء عملاء! وهؤلاء دخلاء! وهؤلاء وهؤلاء.. أحوال لا يعلمها إلا الله.

أيها الأحبة في الله! تُسلط على هذه البلاد، وحكمت بـالشيوعية زمناً، تحت مطارق العسف، ومناجل الإجهاض والظلم، ولما تنفسوا الصعداء، وظنوا بأن الأزمة انفرجت، إذا بهم يرون ما يرون، ولكن ينبغي أن نعلم كما علموا أنما يدور بينهم ليست فلتة أو صدفة أو مفاجئة، بل هو مخطط نصراني رهيب، يريد أن يمزق هذه الأمة المسلمة، حتى لا تكون منطلقاً لنشر الإسلام في القارة الخضراء.

بعد أن سقط ذلك النظام انقسمت القبلية إلى ثلاث فرق كبيرة.

إلى قبائل الهوية، وقبائل الدارود، وقبائل الإسحاقيين، وهؤلاء ومن أولهم نزل ما يسمى بحزب المؤتمر الصومالي الموحد، ثم انقسم تحت قيادة زعيمين زيادة على ما ذكرناه من تغذية الدول المجاورة لهذه الحرب الداخلية ولأطماع النصارى والمستعمرين المستفيدين من هذا كله.

إنها مأساة غريبة، وليست كارثة طبيعية، إنها حرب صليبية تشرد بسببها حتى الآن مليونان ومائة وعشرون ألف مسلم ذهبوا ضحايا، ومن نجى من الأطفال نُقل إلى الكنائس في دول الغرب، ونُقل إلى إسرائيل لكي يكونوا جنوداً لليهودية أعداء للمسلمين.

أيها الأحبة! وماذا عن آبائنا وأمهاتنا وعجائزنا وأحبابنا داخل الصومال، حدث ولا حرج عن هذه المصائب، وألوان الغارات والنهب والسلب والجوع، إلى حد أنهم جعلوا يطبخون جلود الحيوانات ويأكلونها؛ لأنهم لم يجدوا شيئاً، وهذا واضح ومستفيض في مدينة جلب ومركة وقربولي، أكثر الناس يطبخون -بعد البحث بعناء شديد- من جلود الحيوانات ويأكلونها.

لماذا لم يلتفت إلى أزمة المسلمين في الصومال؟ لماذا لم نسمع بهم؟

لذلك أسباب عديدة، ولا يُعفى إعلام المسلمين منها، ولكن واكبت أزمة الخليج، والناس مشغولون بحرب الخليج عنها، واعتقد الكثير أنها قضية حزبية داخلية بحتة، وحرصت الدول المجاورة على تعتيم عظيم حول هذه القضية، فأنت تسمع عن أجمل فراشة، ولا تقرأ خبراً عن أحوال المسلمين في الصومال، وتسمع عن أجمل قطة، وتقرأ تحقيقاً عن أهدأ كلب، ولا تسمع شيئاً عن أحوال المسلمين والمسلمات.

نعم. إعلامنا الإسلامي شأنه عجيب في هذا الزمان، فنحن نسمع بالعجائب والغرائب؛ محترف يعتزل، ولاعب يدشن الملعب، ومصيبة تحل، وديانا تطلق زوجها، والأمير تشارلز يبكي على هذا الفراق، أما أحوال المسلمين في الصومال وفي كشمير وفي بورما فلا تجد لها إلا زاوية صغيرة غريبة، فإننا نقول لكل من قدر على أن ينبئ المسلمين بحال إخوانهم: إنك آثم لو سكت.

المسلمون داخل العاصمة

الصومال أيها الأحبة! شأنها في الداخل والخارج حرب همجية شعواء، وصل لهيبها وحريقها إلى المدينة، بينما الناس يتجولون في الطرقات، إذا بهم يفاجئون بقذائف الراجمات وأنواع القنابل، فترى الجثث تملأ الأزقة والطرقات، والموت بالمئات في مواقع التجمع والأسواق، حتى امتلأت الأرصفة بالجثث، وباتت الجثث غداءً وعشاءً للكلاب المسعورة، ومرتعاً للجرذان والقطط والفئران، أشلاء ممزقة، رءوس على جنبات الطريق، وأرجل على أطرافها، وأيد لا تعرف لأي جسد تتبع.

فرار اللاجئين من الصومال

أما اللاجئون الذين فروا من جحيم الحرب الأهلية بعد سقوط النظام، ترى في وجه كل واحد منهم صفحة تقرأ في سطورها مجسماً لكل معاني الفقر والفاقة والحرمان والجوع والبؤس، ولكل مهاجر قصة، ولكل لاجئ حكاية، ولكل أسرة ألف حكاية وحكاية.

ولكن إلى أين اللجوء؟ إلى أين الفرار؟ اسألوا هذه القوافل، اسألوا البواخر الفارة، والقوافل الهاربة، إلى أين تذهبون؟ إلى أين تفرون؟ يفرون إلى الموت البطيء، إلى الموت الزاحف، يفرون إلى الجوع، يفرون إلى الوباء، يفرون إلى المرض، يفرون ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء، يفرون إلى الجهل، يفرون إلى لهيب الشمس وحر الهواجر، وزمهرير الشتاء، وصقيع البرد.

استقبال جحافل المنصرين للاجئين

هذا شأن الفارين إلى كينيا وإلى الحبشة وإلى إريتريا وأثيوبيا وإلى حدود اليمن الجنوبي ، هذه نهاية الرحلة ومحطة الوصول، فمن الذين يستقبلون المسافرين؟ تستقبلهم فيالق السلام، سلام التنصير لا سلام التوحيد، تستقبلهم الجمعيات الصليبية والمنظمات التنصيرية، ولكثرة الزبائن والقادمين والوافدين، أصبح النصارى لا يتورعون أن يقولوا: البس الصليب، وصل للمسيح، واحمل الإنجيل؛ نعطيك غذاء وكساء ودواء، وإن لم تفعل فاذهب إلى محمد يُعطيك لباساً وغذاءً ودواء.

البس الصليب، واحمل الإنجيل، صل للمسيح (يسوع) المُخلص نعطيك اللباس والدواء، فإن لم تفعل فاذهب إلى محمد حتى يعطيك لباساً وغذاء ودواء، إن عيسى لم ينـزل في كينيا ولا إريتريا ولا أثيوبيا ، ولكن الذين بدلوا دينه وحرفوا ملته، جاءوا يزعمون أنهم أتباع عيسى، ويقولون للناس: هانحن فأين أنتم؟ أما نحن أتباع محمد الذين لم نحرف ولم نبدل.

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة     قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

لعلنا تكاثرنا أن نكون مسلمين موحدين، ولكن والله إننا سنسأل عن أحوال إخواننا، لجأ إلى كينيا أربعمائة ألف شخص، والهجرة والرحلة رحلة العذاب والأسى تستمر يومياً في الحدود الكينية بمعدل خمسمائة شخص، إلى منديريا وعيلواق وبانيسا وأيفو وليبوي، أما في أثيوبيا ففي صوفتو وحدها يموت يومياً خمسة وعشرون طفلاً، وكذلك في دولو فليس الوضع بأحسن حالاً من صوفتو ، ولا تسأل عن أحوال الذين على أطراف هذه البقعة وتلك البلاد.

أيها الأحبة في الله! واقع الصومال أسوأ من البوسنة والهرسك، واقع الصومال أشد بؤساً من البوسنة والهرسك، ولا يعني ذلك أن نرد شبابنا وأموالنا وجمعيات الإغاثة التي ذهبت من قبل بلادنا، والمخلصين من أبنائنا وعلمائنا وطلبة العلم، لا، وإنما نريد مثلها في الصومال ، نريد أن نضاعف البذل وأن نزيد العطاء، حتى يُعبد الله وحده ويُهزم الصليب، ويشفى المرضى، ويكسى العراة، ويشرب الظمأى، ويشبع الجياع.