خطب ومحاضرات
الولاء والبراء [1407ه]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، وآتاه الفضيلة والوسيلة، وبعثه مقاماً محموداً.
عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم في كل حال من أحوالكم، وهي وصيته لكم ولمن كان قبلكم: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131].
معاشر المسلمين! إننا في عصر تكالبت فيه قوى الشر على الإسلام وأهله، واجتمعت عليهم وعلى حربهم صفاً واحداً، على الرغم من اختلاف ملل الكفر وتنوع نحله، وإن كنا نرى في مقابل ذلك آلاف الملايين من المسلمين المتفرقين في أنحاء العالم، ومع ذلك فكثرتهم هذه لم تغن عنهم شيئاً، ولكل واحد منا أن يطرح سؤالاً قائلاً: ما بالنا نحن المسلمين أكثر أمم الأرض عدداً، وأوفرهم أموالاً وأرزاقاً، ومع ذلك فالمسلمون أكثرهم يشردون أو يقتلون ويعذبون ويهانون ويحتقرون! أليست الكثرة تغلب الشجاعة، وتجلب النصر والغلبة؟
نعم. هذا هو سؤال الساعة المناسب، والجواب عليه يكمن في قوله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت، وينـزع الله مهابتكم من صدور أعدائكم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
عباد الله! إن ثمة علل وأمراض أصابت الأمة الإسلامية، نخرت عظامها، ومزقت أوصالها، وأسقطت خلافتها، وفرقت شمل وحدتها، حتى وصل بها الأمر إلى ما نراه اليوم من التبعية والهوان والذل والامتحان، ولو ذهبنا نستعرض تلك المصائب والمحن، لطال بنا المقام، ولكن حسبنا أن نتذاكر بعضها بشيء من الإيجاز والاختصار.
ألا وإن من أعظم تلك الأمور وأخطرها، والتي أصابت المسلمين في دينهم؛ هي قضية ضعف الولاء والبراء، ضعف الموالاة والمعاداة في الله، إذ لما ضعف تمكن هذا الأمر في نفوس كثير من المسلمين؛ تبع ذلك نقص وضعف في الإيمان، وحقيقة الولاء يا عباد الله! أن يعرف المسلم أولياء الله من المؤمنين الصادقين، والدعاة المخلصين، فيواليهم ويحبهم، ويعينهم، ويدعو لهم، وأن يعرف أعداء الله فيعاديهم، ويخذلهم، ويدعو عليهم.
تحريم موالاة الكفار
فلا تجوز موالاة أعداء الله بأي حال من الأحوال، فالولاء لله والبراء من أعدائه ليست أقوالاً تدعى أو يزعمها من شاء، بل لابد لها من البراهين والأدلة التي تمحص صدقها من كذبها، وصحيحها من سقيمها، إن الصحابة رضوان الله عليهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، أثبتوا صدق ولائهم لله، فما أن أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة حتى تواثبوا إلى طيبة الطيبة، تاركين أرضهم وأموالهم وديارهم وعشائرهم، ليثبتوا صدق الولاء لله جل وعلا، وليظهروا صدق العداوة للكفار في مكة.
والولاء والبراء مسألة عريقة منذ القدم على عهد أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، والله جل وعلا قد جعل إبراهيم قدوة لنا، حيث يقول في محكم كتابه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] ويقول جل وعلا محذراً عباده المؤمنين من موالاة أعدائه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1].
حقيقة الولاء والبراء عند الصحابة
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما استشاره في أسرى معركة بدر: سلمني أخي، فلأقطعن عنقه، وسلم علياً أخاه عقيلاً فليقطع عنقه، وسلم أبا بكر ابنه فليقطع عنقه، ثم نقتلهم جميعاً، فلا يعودون يقاتلوننا، أي ولاء وبراء في هذه المواقف المذهبة والمشرقة؟! ولما قدم أبو سفيان مبعوثاً من أهل مكة ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم على تمديد العهد والهدنة قدم على ابنته أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل البيت وأراد أن يجلس على فراش مطروح على الأرض، قامت ابنته وجذبت الفراش من تحته، فقال لها: أي بنية! أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت بالفراش عني؟ فقالت: لا. إنما هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسلم وأنت مشرك نجس.
ولما رأى مصعب بن عمير أخاه أبا عزيز أسيراً في معركة بدر، في قبضة سلمان الفارسي ، قال له: يا سلمان! شد الوثاق على أسيرك، فإن أمه غنية، فقال له أخوه: أهكذا تقول عني؟ قال: والله إن سلمان أخي من دونك.
و عبد الله بن عبد الله بن أبي، وأبوه زعيم المدينة وكبير المنافقين، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، قال كبير المنافقين: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المقولة، فأرسل وراء ابنه عبد الله وهو صحابي جليل، فقال له: هل علمت ما قال أبوك؟ قال: لا. قال: يقول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عبد الله بن عبد الله بن أبي : صدق يا رسول الله! أنت الأعز وهو الأذل، ولئن أمرتني يا رسول الله لآتينك برأسه ولو كان أبي!
وعندما عاد إلى المدينة وقف على بابها، فعندما جاء زعيم المنافقين ابن أبي أمسك ولده بتلابيبه وقال له: أنت الذي قلت: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؟ أنت الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعز، والله لا يؤويك ظلها -أي المدينة - أبداً حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاد أبوه ينفجر غيظاً وكمداً، وصاح: يا معشر الخزرج! ابني يمنعني المدينة ، وابنه يقول: والله لا تدخلها، فذهب من الصحابة من أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال لهم: مروه فليأذن له.
وبذلك تحول الولاء والبراء إلى واقع عملي يراه الناس ويقتدون به، فمسألة الولاء والبراء ترتفع بالمسلم عن حدود الجنس واللون والعرق والقبيلة والوطن، إلى سمو الإسلام وعدله ورحمته، فالمهم أن نوالي أولياء الله عرباً كانوا أو عجماً، بيضاً كانوا أو سوداً، وإن لم نفعل ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
لقد حذر الله جل وعلا عباده المؤمنين في كتابه الكريم من موالاة الكفار حيث يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:118-120].
فلا تجوز موالاة أعداء الله بأي حال من الأحوال، فالولاء لله والبراء من أعدائه ليست أقوالاً تدعى أو يزعمها من شاء، بل لابد لها من البراهين والأدلة التي تمحص صدقها من كذبها، وصحيحها من سقيمها، إن الصحابة رضوان الله عليهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، أثبتوا صدق ولائهم لله، فما أن أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة حتى تواثبوا إلى طيبة الطيبة، تاركين أرضهم وأموالهم وديارهم وعشائرهم، ليثبتوا صدق الولاء لله جل وعلا، وليظهروا صدق العداوة للكفار في مكة.
والولاء والبراء مسألة عريقة منذ القدم على عهد أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، والله جل وعلا قد جعل إبراهيم قدوة لنا، حيث يقول في محكم كتابه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] ويقول جل وعلا محذراً عباده المؤمنين من موالاة أعدائه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1].
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أهمية الوقت في حياة المسلم | 2802 استماع |
حقوق ولاة الأمر | 2664 استماع |
المعوقون يتكلمون [2] | 2652 استماع |
توديع العام المنصرم | 2647 استماع |
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] | 2552 استماع |
من هنا نبدأ | 2495 استماع |
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] | 2461 استماع |
أنواع الجلساء | 2460 استماع |
الغفلة في حياة الناس | 2437 استماع |
إلى الله المشتكى | 2436 استماع |