تجيير العقول


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مُخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فالفوز والفلاح والسعادة والنجاة للمتقين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

معاشر المؤمنين! يقول الله جل وعلا: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].

أيها الأحبة! بقلوب تلقت نبأ الفاجعة، وبأنفس وآذان سمعت خبر المصيبة، فكان شأنها شأن المؤمنين عند المصائب: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] ودّعت ساعات الجهاد قائداً من قاداتها، وسيداً من ساداتها، ورجلاً من رجالاتها، وداعية إلى التوحيد والسنة من دعاتها، ذلكم هو الشيخ جميل الرحمن، أسأل الله جل وعلا أن يجعل ما نقوله فيه خالصاً لوجه، لا نبتغي بذلك قرباً من أحد ولا بعداً، ونسأل الله أن يجعل ما نقول فيه دليلاً على الولاء للمؤمنين، والبراء من غيرهم.

أيها الأحبة في الله! كلكم سمع هذا الخبر، وتلقى تلك الفاجعة، وليس بغريب، فإن الله جل وعلا يبتلي الأمة وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].

معاشر المؤمنين! إن الذين حصل ليس بغريب على رجال الإسلام ودعاته وقادته، كم ودع هذا الدين؟ وكم ودعت أمة المسلمين قادة وسادة ورجالات كان لهم شرف وشأن عظيم؟ وإنا لنسأل الله أن تكون وفاته وخاتمته شهادة في سبيل الله، نسأل الله جل وعلا أن يُكرمه بمنازل الشهداء، وأن يجمعنا به مع الأنبياء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

حادثة مقتل الشيخ جميل الرحمن

أيها الأحبة! إن القلوب التي تفقه، والأفئدة التي تعي، والبصائر المتدبرة؛ تعلم أن مثل هذه الخاتمة خاتمة كرامة وعزة تُسجل بالدماء آفاق بعيدة، لصفحات وأسفار جديدة لمن مضى وسار على درب الجهاد.

عمر بن الخطاب ألم يمت قتيلاً؟

عثمان بن عفان ألم يمت قتيلاً؟

علي بن أبي طالب ألم يمت قتيلاً؟

كل أولئك من قادة الإسلام ماتوا قتلى، وغيرهم وغيرهم من علماء الإسلام وأئمة الدعوة، ولو دنونا بكم من حقبة مضت إلى زمن قريب نسألكم ونقول: الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ألم يمت قتيلاً؟ إحسان إلهي ظهير ألم يمت قتيلاً؟ عبد الله عزام ألم يمت قتيلاً؟

إن القتل في سبيل الله منـزلة لا ينالها إلا القلة، إن القتل في سبيل الله كرامة لا يبلغها إلا الصفوة، لأجل ذا نقول: نسأل الله أن يجعل فقيد الجهاد ممن قال فيهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].

أيها الأحبة في الله! في الجمعة الماضية كان حديثنا عن الفتن، وعما يدور ويحصل في الفتن، وعن ضياع الرأي، وزيغة الفكر، وفقدان التبصر عند كثير من الناس حال الفتنة، وكنا في الجمعة الماضية في حديثٍ معكم كما لو كان الواحد يعلم أن الشيخ قد قُتل، أو كما لو كان الواحد عنده نبأ عن قتل الشيخ، فلما صلينا العصر، إذ بثلة من الشباب الأخيار يخبرونني، ويقولون: عظَّم الله أجرك في الشيخ جميل الرحمن، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله ألا يفتنا بعده، وألَّا يحرمنا أجره، ونسأل الله أن يبدله منزلاً خيراً من منزله، وسكناً خيراً من سكنه، وأهلاً خيراً من أهله، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى [القصص:60].. وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ [آل عمران:198].

معاشر الأمة! ليس هذا ببعيد، بل كما قلنا: إن الدعوة والجهاد كلما غذي بالدم كالشجرة التي طالما غذيتها بالماء، أنبتت فروعها، وأسبغت دوحتها، وانتشرت أوراقها.

إن الدعوة والجهاد بقدر ما تُسقى بالدماء تنتشر في مجالات عديدة.

يقول سيد قطب رحمه الله عند قول الله جل وعلا: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] يقول: وكم من شهيد لو عاش آلاف السنين ما بلغت دعوته مبلغاً يساوي عُشر ما بلغت، إلا يوم أن رواها بقطرات من دمه، أي: أن الدم يروي الدعوة، الدم يروي الجهاد، الدم يضمن مسيرة قائمة طويلة للجهاد في سبيل الله.

لا رفعة إلا بتضحية

هكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم، فالله جل وعلا يمنح أمة الإسلام نصراً مؤزراً، ومنـزلة عالية، ومكانة رفيعة، وهيمنة وسيادة على الأمم، وهذه لا تُنال بالخطب ولا بالتصريحات أو بالمقالات أو بكلام المجالس، إنما تنال بمشانق تُنصب، وبدماء تراق، وبأشلاء تبتر، وبمصائب عظيمة، ولو قدر لأمة أن تنال مجداً من دون دماء، لكان أول من يناله النبي صلى الله عليه وسلم، ألم تدخل حلقتان من حلق المغفر في وجهه؟! ألم يُشج وجهه؟! ألم تُكسر ثنيته وركبته؟! ألم يناله من الأذى ما ناله؟! ألم يجعل السم في طعامه؟! ألم يُجعل سلى الجزور على ظهره؟! ألم يُوضع الشوك في طريقه؟! ألم يُقتل رجاله وأبناؤه وإخوانه وصحابته؟! ألم يُبتلى في الله أبناؤه ودعاته؟! بلى والله.

لو أن النصر والسيادة والعز والتمكين يُنال بالتوقيع وبالوثائق وبالتصريحات لكان أول من يناله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لا حاجة أن تُراق دماء الصفوة من الثلة من الصف الأول من خير القرون: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) لو كان النصر والتمكين يكون بالهدوء والدعة والراحة والنوم والطمأنينة لكان أولى الناس به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سنة الله تمضي: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43].

أيها الأحبة! لقد قدّم النبي صلى الله عليه وسلم تضحيات عظيمة، وذلك بتثبيت الله له: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً [الإسراء:74] لو كان النصر يُنال بالدعة والراحة، أو لو أن نصراً يجيء من دون قطرة دم تُراق، أو يد تُبتر، أو قدم تُشل، أو رُوح تُزهق، أو طعنة في بدن، لكان أولى من ينال هذا آمناً مطمئناً نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن ما بناه صلى الله عليه وسلم من دولة الإسلام كان ثمرته ووقوده وثمنه الدماء والأشلاء.

فلا خلافة إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بالدماء والأشلاء، لا نصر إلا بالدين، ولا دين يُسيطر ويُهيمن إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بالتضحيات: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104] لسنا سواء .. قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، الله مولنا ولا مولى لهم، هذا الكلام لأعداء الدين وللكافرين.

معاشر الأحبة: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].

أيها الأحبة في الله! والله إن الفجيعة عظيمة، وإن المصاب جلل، وإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا جميل لمحزونون، ولكن هذا يومك الذي كتب الله لك، أكرمك الله به بدلاً من أن تموت على فراشك، أكرمك الله أن تموت ميتة الشهداء، نسأل الله ألا يحرمنا وإياك هذا الأجر.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الأحبة! إن القلوب التي تفقه، والأفئدة التي تعي، والبصائر المتدبرة؛ تعلم أن مثل هذه الخاتمة خاتمة كرامة وعزة تُسجل بالدماء آفاق بعيدة، لصفحات وأسفار جديدة لمن مضى وسار على درب الجهاد.

عمر بن الخطاب ألم يمت قتيلاً؟

عثمان بن عفان ألم يمت قتيلاً؟

علي بن أبي طالب ألم يمت قتيلاً؟

كل أولئك من قادة الإسلام ماتوا قتلى، وغيرهم وغيرهم من علماء الإسلام وأئمة الدعوة، ولو دنونا بكم من حقبة مضت إلى زمن قريب نسألكم ونقول: الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ألم يمت قتيلاً؟ إحسان إلهي ظهير ألم يمت قتيلاً؟ عبد الله عزام ألم يمت قتيلاً؟

إن القتل في سبيل الله منـزلة لا ينالها إلا القلة، إن القتل في سبيل الله كرامة لا يبلغها إلا الصفوة، لأجل ذا نقول: نسأل الله أن يجعل فقيد الجهاد ممن قال فيهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].

أيها الأحبة في الله! في الجمعة الماضية كان حديثنا عن الفتن، وعما يدور ويحصل في الفتن، وعن ضياع الرأي، وزيغة الفكر، وفقدان التبصر عند كثير من الناس حال الفتنة، وكنا في الجمعة الماضية في حديثٍ معكم كما لو كان الواحد يعلم أن الشيخ قد قُتل، أو كما لو كان الواحد عنده نبأ عن قتل الشيخ، فلما صلينا العصر، إذ بثلة من الشباب الأخيار يخبرونني، ويقولون: عظَّم الله أجرك في الشيخ جميل الرحمن، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله ألا يفتنا بعده، وألَّا يحرمنا أجره، ونسأل الله أن يبدله منزلاً خيراً من منزله، وسكناً خيراً من سكنه، وأهلاً خيراً من أهله، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى [القصص:60].. وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ [آل عمران:198].

معاشر الأمة! ليس هذا ببعيد، بل كما قلنا: إن الدعوة والجهاد كلما غذي بالدم كالشجرة التي طالما غذيتها بالماء، أنبتت فروعها، وأسبغت دوحتها، وانتشرت أوراقها.

إن الدعوة والجهاد بقدر ما تُسقى بالدماء تنتشر في مجالات عديدة.

يقول سيد قطب رحمه الله عند قول الله جل وعلا: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] يقول: وكم من شهيد لو عاش آلاف السنين ما بلغت دعوته مبلغاً يساوي عُشر ما بلغت، إلا يوم أن رواها بقطرات من دمه، أي: أن الدم يروي الدعوة، الدم يروي الجهاد، الدم يضمن مسيرة قائمة طويلة للجهاد في سبيل الله.

هكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم، فالله جل وعلا يمنح أمة الإسلام نصراً مؤزراً، ومنـزلة عالية، ومكانة رفيعة، وهيمنة وسيادة على الأمم، وهذه لا تُنال بالخطب ولا بالتصريحات أو بالمقالات أو بكلام المجالس، إنما تنال بمشانق تُنصب، وبدماء تراق، وبأشلاء تبتر، وبمصائب عظيمة، ولو قدر لأمة أن تنال مجداً من دون دماء، لكان أول من يناله النبي صلى الله عليه وسلم، ألم تدخل حلقتان من حلق المغفر في وجهه؟! ألم يُشج وجهه؟! ألم تُكسر ثنيته وركبته؟! ألم يناله من الأذى ما ناله؟! ألم يجعل السم في طعامه؟! ألم يُجعل سلى الجزور على ظهره؟! ألم يُوضع الشوك في طريقه؟! ألم يُقتل رجاله وأبناؤه وإخوانه وصحابته؟! ألم يُبتلى في الله أبناؤه ودعاته؟! بلى والله.

لو أن النصر والسيادة والعز والتمكين يُنال بالتوقيع وبالوثائق وبالتصريحات لكان أول من يناله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لا حاجة أن تُراق دماء الصفوة من الثلة من الصف الأول من خير القرون: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) لو كان النصر والتمكين يكون بالهدوء والدعة والراحة والنوم والطمأنينة لكان أولى الناس به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سنة الله تمضي: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43].

أيها الأحبة! لقد قدّم النبي صلى الله عليه وسلم تضحيات عظيمة، وذلك بتثبيت الله له: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً [الإسراء:74] لو كان النصر يُنال بالدعة والراحة، أو لو أن نصراً يجيء من دون قطرة دم تُراق، أو يد تُبتر، أو قدم تُشل، أو رُوح تُزهق، أو طعنة في بدن، لكان أولى من ينال هذا آمناً مطمئناً نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن ما بناه صلى الله عليه وسلم من دولة الإسلام كان ثمرته ووقوده وثمنه الدماء والأشلاء.

فلا خلافة إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بالدماء والأشلاء، لا نصر إلا بالدين، ولا دين يُسيطر ويُهيمن إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بالتضحيات: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104] لسنا سواء .. قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، الله مولنا ولا مولى لهم، هذا الكلام لأعداء الدين وللكافرين.

معاشر الأحبة: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].

أيها الأحبة في الله! والله إن الفجيعة عظيمة، وإن المصاب جلل، وإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا جميل لمحزونون، ولكن هذا يومك الذي كتب الله لك، أكرمك الله به بدلاً من أن تموت على فراشك، أكرمك الله أن تموت ميتة الشهداء، نسأل الله ألا يحرمنا وإياك هذا الأجر.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فإن الدنيا قصيرة، فلا نقصرها بالذنوب، إن الدنيا قصيرة فلا نقصرها بهموم المعاصي، إن الدنيا قصيرة فلا نقصرها بالفواحش والآثام.

اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

يقول الله جل وعلا: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144] إن جميل وسياف ورباني وحكمتيار وقادة الجهاد هم قادة، فمن كان يدعم الجهاد لوجود هذه الأسماء، ولوجود هؤلاء الرجال، فهو يتعبد الله بوجود رجال، ومن كان يدعم الجهاد لوجه الله، وإعلاء كلمة الله، فسيمضي على دعم هذا الجهاد سواء كان الشيخ جميل حياً أو ميتاً، أو سواء كان سياف أو حكمتيار حياً أو ميتاً.

معاشر المؤمنين! هذه عقيدتنا ولا نؤجر شيئاً من العقيدة، ولا يخير شيئاً من الأفكار، ولا نرضى بإعارة شيء من العقل أبداً.

أيها الأحبة! إنما حصل فتنة، وإذا أراد الله أن يُتم أمراً سلب ذوي العقول عقولهم، إنها فتنة ظالمة غاشمة، ولكن هل يسعنا أن نقول: حزب لـحكمتيار هو المجرم، أو جماعة للشيخ جميل هي المجرمة الآثمة، لا، يقول ابن العربي رحمه الله، وفهرس محب الدين الخطيب لهذا الكتاب في العواصم من القواصم ، قال: الفئتان كانتا على حق، والفئة الباغية فئة ثالثة، ينبغي أن ندرك هذا جيداً، لا نجعل عقولنا ضيقة لا تفهم، أو لا تعي من الاحتمالات إلا أن يكون هذا الحزب مجرم، أو هذه الجماعة مجرمة، أو هذا الحزب خاطئ، أو هذه الجماعة مخطئة.

نقول: لا، إنهم ليسوا معصومين، ولا مبرأين، يندس في صفوفهم من ينتسب لهم بظاهر مذهبه، أو بظاهر زيه، وإن كان في حقيقته ليس منهم، يندس في صفوفهم من يتكلم بلغتهم وليس منهم، وحينئذٍ يظن البسطاء أن الجريمة ارتكبها الحزب ضد الجماعة، أو أن الجماعة هي التي فعلت هذا ضد الحزب، لا والله، إن من وقر الجهاد في قلبه، وإن من غلّب المصالح ورجح المقاصد النافعة، ووازن بين المفاسد وغيرها، واستطاع أن يعرف أدنى المفاسد من أعلاها، وأعلى المصالح من أدناها، إن الذي رجح هذا لحري بأن يعرف أنه لو قامت مشكلة، ليس هذا أوان علاجها بالنار، والشيوعية لا زالت جاثمة على كابول.

ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل، اندس بين الصفوف من اندس، ومنذُ القِدم ونحن نسمع بمناوشات وبأناس من المنافقين والعملاء والدخلاء، هم الذين يغذون هذا الخلاف، وينسبون إلى القادة ما ليس فيهم، وينقلون ما لم يكن، ويتحدثون بما لم يحصل، ومع هذا كله ما استطاعوا أن يفرقوا بين المجاهدين، أو يثنوا بينهم وبين المضي في تحرير كابول من الشيوعيين.

ولما علم السفلة والخونة وأذناب الاستعمار وعملاء أجهزة المخابرات أن التحريش بالكلام لم يجد قالوا: لا بد من التحريش بإطلاق النار، وليس عجيباً أن تتأمل في الصف، فترى ضعيفاً معتوهاً غبياً ساذجاً فتغسل دماغه، وتقول له: إن الأمر هكذا، ولو قتلت هذا لكان فيه صلاح، ليس غريباً أن تستغل رجل في نفسه من الحقد والعداوة ليقوم بتنفيذ هذا الأمر، وفعلاً حصل هذا، ولما سألنا عن حقيقة هذا القاتل، قالوا: هو صحفي في مجلة من المجلات التي تخدم المجاهدين، أو هو مراسل، ولكن انظروا كيف تخترق الصفوف ليدخل أعدى أعدائها في ثناياها.

ومعاذ الله أن نقول: إن تلك الجماعات أو تلك الأحزاب سواء جماعة الشيخ جميل على كفر وشرك ووثنية وضلالة، نستغفر الله، إن اتهام الأمة بالجملة اتهام الأمة بالجزاف، وهذا أمر لا يقبله العقلاء، هل من المعقول أن نرمي بثلاثة عشر عاماً من الدماء والأشلاء والأيتام والجماجم والثكالى والأيامى والمشردين والأموال والإغاثة والتضحيات والفكر والوقت عرض الحائط عند قتل واحد من خيرة قادات الجهاد، معاذ الله أن نقول بهذا أيها الأحبة.

أين العقول؟ نقطع الدعم عن الجهاد لما قُتل أحد رجالاته وساداته، بل إن الأمر والوفاء والصدق أن نمضي على طريقه إلى أن نلقى الله جل وعلا، أن تقوم الساحة وأن يُدعم الجهاد دعماً كاملا بجميع أشكاله إلا ما استثني من دعم الصوفية والمخرفين.

أما أحزاب عرفناها من قديم، كـالحزب الإسلامي لـيونس خالص، من دعاة الجهاد وعلماء المجاهدين، وحزب قلب الدين حكمتيار، وحزب الاتحاد لـسياف، والجمعية الإسلامية لـرباني، وجماعة الدعوة للشيخ جميل ، وخلفه كما علمت سميع الله ، نسأل الله أن يجعله خير خلف لخير سلف، وأن يسدده، وأن يبصره، وأن يعينه على إطفاء نار الفتنة، وأن يبصره ويعينه على طرد العملاء والمنافقين، وأن يكون سبباً لجمع الشمل، وامتداداً لنشر التوحيد، وتعليم العقيدة والدعوة.

أيها الأحبة! معاذ الله أن يجمع ربنا أمة الإسلام على دعم جهاد بين مشركين وموحدين، هذه مصيبة ثلاثة عشر عاماً والمسلمون في أنحاء العالم يدعمون الجهاد حتى نأتي في اللحظة الأخيرة ونقول: جماعة على التوحيد، وبقية الجماعات على وثنية أو شرك.

معاذ الله أن نقول هذا! وإن هذا يخدم أعداء الدين، لو تعصبنا لجماعة واحدة وتركنا بقية أحزاب الجهاد، ما الذي ينبني عليه؟

كلٌ يضع يده على كتفه، ويقول: الأمر انتهى، والجماعة التي دُعمت جماعة فلان فهي تتولى مسئولية الجهاد، وكلٌ ينكص على عقبه، وتصمد جماعة واحدة للشيوعية، ثم يتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، فيئدونها في مضجعها، ويقتلونها عن بكرة أبيها.

إن جماعة الدعوة ليست رخيصة إلى هذا الحد حتى نقطع الدعم عن كل جماعة إلا هي، فنجعلها وحدها في الساحة لا تدري تكابد من: الشيوعيين أم العملاء أم المنافقين، بل واجبنا أن ندعم الجماعات جميعاً، حتى يصلوا بهذا الجهاد إلى بر الأمان وشاطئ السلامة، وإقامة الدولة على السنة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2806 استماع
حقوق ولاة الأمر 2669 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2655 استماع
توديع العام المنصرم 2649 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2558 استماع
من هنا نبدأ 2497 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2465 استماع
أنواع الجلساء 2462 استماع
إلى الله المشتكى 2439 استماع
الغفلة في حياة الناس 2439 استماع