خطب ومحاضرات
ظاهرة تَفَشَّت
الحلقة مفرغة
الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعــد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا في محكم كتابه: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32].
عباد الله: إن في هذه الآية لَعِبَراً وأبواباً عظيمة؛ من تأملها وجدها كافية لسد جوانب كبيرة من جوانب الفساد، وإن من يتأمل واقعه ومجتمعه اليوم ويرى ما انتشر فيه من مصيبة المعاكسات، أو ما يُسمى بالمغازلات والاتصالات الهاتفية؛ ليجد أن في هذه الآية بلسماً شافياً، وترياقاً طبياً لمن أراد الهداية والاستقامة على شرع الله المبين.
أيها الأحبة في الله: أما هذه الظاهرة فموجودة لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها، وإن البحث عن الأمراض والكشف عليها، ومن ثم دواؤها وعلاجها لخيرٌ من ادعاء النـزاهة والبراءة من المرض أو العيب، ومن ثم يقع المسلم في يومٍ من الأيام فريسة مرض سرى تحت جلده، أو سرى في خفية وغفلة منه، فإذا هو يتكشف فضيحة وعاراً على وجهه وبيته، وخزياً عليه أمام الله.
ومادامت هذه الظاهرة موجودة، وأنها حقيقة لا نشك في وجودها، فيا تُرى! ما هي أسبابها؟ وما دوافعُها؟ وما علاجُها؟
أيها الأحبة في الله: إن قضية المعاكسة والمغازلة والتعرض لنساء المؤمنين عبر أجهزة الهاتف، لَهِيَ واحدة من سائر الفواحش والمعاصي والمصائب والآلام، ومنبع كل معصية وفاحشة ومصيبة تنشأ من الفراغ؛ لأن من تراه مشغولاً في عمل لمصالح دينه ودنياه، حاشاه أن يلتفت إلى مثل هذا النوع من البلاء والفساد.
وقد يكون أبطال هذه المعصية ممن قد نالوا حظاً وافراً من مكاسب الدنيا ورءوس أموالها؛ ولكن في ظنهم أن هذا الاتصال والمعاكسة يحقق مزيداً من اللذة، ويكشف أبواباً جديدة من التلذذ، وهذا -والله- سوء جهل وخبث طوية، ما لم يتوبوا إلى الله ويخبتوا إليه.
أيها الأحبة: يقع كثير من الشباب والشابات في مصيبة هذه المعاكسة، وتنفضح أمورهم، ويضحون ضحية لها، وإذا تأملت أحوالهم وجدت الكثير منهم من ذوي الفراغ والبطالة، وقديماً قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجِدَة مفسدة للمرء أي مفسدة |
فإذا وُجِدَ عنفوان الشباب وقوة الصحة والعافية، ومعها من النشاط والعافية والفراغ ما جعل الإنسان متوجهاً إلى هذه المعصية، بعيداً عن أن يستفيد من وقته في عمل نافع، عند ذلك يجد أسهل وأهون وأقرب طريقة للفساد والانحراف، أن يرفع هذه السماعة ويدير قرص هذا الهاتف، أو يضغط بأصبعه على أرقامه؛ لكي يخبط خبط عشواء، في بيت من بيوت عباد الله الصالحين أو غيرهم.
فقد يوافق امرأة، إما أن تسبه وتشتمه...
وإما أن تعرض عن حديثه من البداية...
وإما أن يكون أمرها كما قال القائل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا |
فقد تكون نتيجة هذا الاتصال وإدارة هذا القرص والأرقام في امرأة أو فتاة فارغة مثل هذا الفارغ الذي اتصل، ومن ثم تبدأ العلاقة، وتنشأ المعصية، وتنمو المصيبة، ويُرتَّب لما بعدها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذلك.
أيها الأحبة في الله: لا شك أن جهاز الهاتف لمَِن أهم وسائل البنية الاجتماعية، ومن أهم دلائل تطورات المجتمع، وعمق اتصالاته ونمو أعماله؛ ولكن -والله- إن في هذا الهاتف لمصائب عظيمة، ولا أقول هذا لكي نقطع أسلاكه، أو نخرجه من بيوتنا، فقد أضحى في هذا الوقت ضرورة من الضرورات؛ ولكن أقول هذا لكي ننتبه انتباهاً واضحاً مبيناً.
عباد الله: إذا كان البعض يتصل على بيته في الضحى فيجد الهاتف مشغولاً، ثم بعد نصف ساعة يجده أيضاً مشغولاً، ثم بعد مضي ساعة يجده أيضاً مشغولاً، وتمضي ساعة أو ساعتان والهاتف مشغول، هذا يدل على واحد من اثنين:
الأول: إما أن يكون طفل قد رمى بهذه السماعة جانباً، فأضحى الاتصال يعطي نتيجة الإشغال.
الثاني: وإما أن تكون هناك مكالمة طويلة، ولا نجزم مباشرة أن تكون هذه المكالمة معاكسة؛ لكنها مما يدل على الفراغ، مما يدل على أن الرجل أو المرأة .. أن الفتى أو الفتاة قد انشغلوا بهذه السماعة نتيجة فراغ يجدونه ويعانون منه.
وقد يكون إشغال الوقت من أحاديث الناس في منازلهم، وملبوساتهم، ومطعوماتهم، ومشروباتهم، وما أوجدت هذه الأجهزة للتفصيل في هذه الأخبار المنـزلية اليومية.
وإما أن يكون الأمر الآخر، وهذا احتمال وارد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عند ذلك ينبغي أن ينتبه صاحب المنـزل إلى منـزله، خاصة من كان بيته مليئاً بأجهزة التلفاز والفيديو، وما يُعرض فيها من مسلسلات وأفلام، قد يتعلم من يشاهدها فنوناً وألواناً من فن المعاكسة وضروبها.
نعم -يا عباد الله- ينبغي أن ينتبه صاحب المنـزل إلى ما وضع في منـزله، وأنه ما من شيء إلا وله نتيجة، ما من بذر إلا وله حصاد، فمن بذر بيته بالأجهزة والأفلام.. من بذر بيته بالمجلات.. من بذر بيته بأشرطة الغناء الماجن الخليع، فلا بد أن يجد النتيجة، سواءً كشفها عاجلاً أو آجلاً، وتدل على تَدَنٍّ في الأخلاق، وضعف وانكسار في الحياء وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:118].
بعض أرباب البيوت يزرعون بيوتهم؛ في كل مجلس جهاز وشاشة، في كل صالة جهاز وشاشة، والأفلام متدفقة يَمْنة ويَسْرة، ثم بعد ذلك ينكر ما يجد من النتائج، وقد يكون أيضاً هو من أبطال هذا العمل.
إذا كان رب الدار بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ |
عجباً! أن نجد رب البيت وصاحب المنـزل وعائل الأسرة وراعي رعية أسرته، إذا كان غافلاً مشغولاً بألوان من هذه الأشرطة، وألوان من هذه الاتصالات، وتساهل في العلاقات، وانفتاح في اللقاءات، إلى حد التساهل بالمحارم والمحرمات، فلا عجب أن يسري ذلك إلى أولاده وأطفاله.
وإذا المعلم لم يكن عدلاً سرى روح العدالة في الشباب ضئيلا |
إذا لم يكن المعلم أو رب الأسرة عدلاً ثقة أميناً فإنك لا تجني من الشوك العنب.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى.
واعلموا أن خيرَ الكلام كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.
معاشر المؤمنين: تأملوا قول الله جل وعلا في الآية السالف ذكرها: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32] لا تخضعن بالقول: لا تتدللن بالقول, لا تتكسرن بالقول، لماذا؟ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32].
يكون الجواب على قدر السؤال، يكون الكلام بقدر الحاجة، من غير انكسار أو تدلل، وإننا -والله- لنستحي أن نطلب -مثلاً- واحداً ممن لنا به حاجة -وأنتم ترون هذا- فإذ بك تجد من يرد عليك، إما فتاة أو امرأة تتكسر في صوتها، أو تتغنج في لحن عبارتها، وما الحاجة إلى هذا؟! وما الداعي إلى ذلك؟!
أما طائفة من البشر، فيظنون أن هذا من علامات الرقي، ومن علامات التمدن، ومن علامات الحضارة، أن ترد الفتاة بصوت كله نعومة، وما هذه نعومة، بل هي خشونة المعصية.. بداية شرها.. بداية دخول المرض في القلب المريض.
إن مئات من الآذان بل آلافاً لَمَريضة جداً.
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا |
يتلذذ بعضهم بهذا الخطاب، فلا يجد بُداً من أن يتفنن في السؤال، ويطرح ألواناً من الأسئلة وأنواعاً من الاستفسارات، لا حاجة له -والله- بها، وإنما هو يريد مزيداً من السماع، مزيداً من الكلام، مزيداً من العرض، وهذا هو أول خيوط المعصية، وأول بداياتها.
يقول الله جل وعلا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً [الإسراء:32].
عباد الله: لم يقل الله: ولا تزنوا، وإنما قال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]؛ لأنه لا يمكن أن يقع أحدٌ في الزنا مباشرة، لا يمكن أن يوجد رجل فيرفع ثيابه على امرأة لكي يزني بها من أول وهلة؛ قد يسبق الزنا إما مكالمة، وإما نظرة، وإما اتصال، وإما وقوف وانتظار ونظرات.
خدعوها بقولهم: حسناءُ والغواني يغرهن الثناءُ |
حينما يبدأ بعضهم بهذا الاتصال قد يطرح سؤالاً ويجيب عليه بنفسه، ويمدح هذه المسكينة، والمرأة ضعيفة، والفتاة هزيلة، عند ذلك تنكسر وتذوب لمديح هذا الفاجر، ثم بعد ذلك يبدأ ليبني طوب مصيبته، ويبني جدار معصيته على هذه العبارات، وعلى هذه الكلمات، وعلى هذه النظرات.
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ |
عباد الله! من هنا نكشف سر قول الله جل وعلا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]؛ لأن الزنا يكون قرباناً، يكون خطوات، يكون خطوة تليها خطوة، فإذا نجحت الأولى تقدم المجرم إلى الثانية، وإذا استعصت الثانية أطال المكوث فيها طويلاً حتى يذلل صعوبة وجدها أمامه، وينتقل إلى الثالثة، وهَلُمَّ جراً، وكل هذه المعاصي، وكل هذه المصائب مبدؤها من الصغائر التي نتساهل ونتهاون بها، ونعد أن من المرونة في الدين، وأن من المرونة في العلاقات أن لا ندقق في هذه الصغائر، وأن لا نهتم بها، وألا نلقي لها جانباً، لا.
خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى |
واصنع كماش فوق أر ضِ الشوك يحذر ما يرى |
لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى |
ويقول الآخر:
كل المصائب مبدؤها من النظرِ ومعظم النار من مستصغر الشررِ |
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وترِ! |
يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضررِ |
ونقول نحن أيضاً:
كم (كلمة) فتكت في قلب صاحبهـا فتك السهام بلا قوس ولا وترِ؟! |
يسر (مسمعه) ما ضر خـاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضررِ |
أيها الأحبة في الله: ينبغي أن نحذر على أنفسنا، ينبغي أن ننتبه لأنفسنا.
ذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً جميلاً في شأن من وقع في أول هذه المعاصي، فقال: مثله كمثل من كانت معه فرس عنيدة شمَوس جموح، كان يقودها ويذللها، فبعد ذلك انتهى به الطريق إلى زقاق ضيق، إلى سكة ضيقة، ثم نشبت رأس الفرس في بداية هذا الطريق، ما الحل لتخليص الفرس من هذه المشكلة؟ أمن الحل أن يضربها بالسياط حتى تمضي تتوغل في هذه السكة والزقاق؟! لا. إنما الحل أن يداريها وأن يرجع بها حتى يتخلص من هذا الطريق، ويسلك بها طريقاً أخرى.
والفرس: هي النفس الإنسانية.
والطريق: هي طريق المعاصي والشهوات.
فمن بدأ أو وقع في ذلك فليسحب فرسه من البداية، وليسلك بها طريقاً أخرى مذللة.
عباد الله: إن كثيراً من الشباب ليتساهلون بهذا الأمر، وما يعلمون أن الأمور بالموازين، وأن المكاييل كما تكيل لغيرك فالناس يكيلون لك، ومن حفظ عينه عن أعراض الناس حفظ الناس أعينهم عن عرضه، ومن حفظ مسمعه عن أعراض الناس حفظ الناس مسامعهم عن عرضه.
يا أيها الشاب، الذي قد يرفع هذه السماعة لكي يعاكس فتاة! يوم أن تمتد يدك لتغازل أو تعاكس فتاة اعلم أن مئات الأيادي بل آلاف في هذه اللحظة وفي هذه الساعة سوف ترفع السماعة وتدير الرقم والقرص على بيتك، وإن أنت وضعتها خوفاً من الله، ليصرفن الله عن أهلك وعنك السوء، وعن كيد الماكرين.
فيا عباد الله: ينبغي لنا أن ننتبه لهذه المعصية، ومن وجدناه واقعاً أو متساهلاً بها، أن نحذره ونخوفه منها؛ لأن الناس لا يرضون ذلك لبناتهم، ولا لإخواتهم، ولا لإمهاتهم، وإن كان بعض المعاكسين-كما علمتُ- ومنهم مَنْ مَنَّ الله عليه بالتوبة -أسأل الله أن تكون لنا ولهم توبة صادقة نصوحاً- يقول: إنه لا يتورع أن ينشئ علاقة بين أخته وأخ الفتاة التي يعاكسها؛ حتى تتوقد العلاقة بينه وبين الفتاة التي يريدها.
إلى هذا الحد ترخص الأعراض، وتهون الكرامات والشيم؛ لكي يضحي الإنسان بهذا كله، من أجل الوصول إلى مكالمة، ووراءها ما وراءها؟!
مَنْ يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فاهمِ |
إن الزنا دَين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ |
جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! ائذن لي بالزنا -هل طرده النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو سَبَّه؟ أو شتمه؟ لا بآبائنا هو وأمهاتنا، بل دعاه يدنُ منه قليلاً- فقال: يا غلام، أترضاه لأمك؟ قال: لا. يا رسول الله! قال: فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟ قال: لا. يا رسول الله! قال: فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم، أترضاه لعمتك؟ قال: لا. يا رسول الله! قال: فإن الناس لا يرضونه لعماتهم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحبة في الله: علينا أن ننتبه لهذه الظاهرة التي سبق الكلام عنها، ولكن الاستقراء والتأمل ليدل على أنها تفشَّت، وأول مصائبها: الفراغ، وغيبة راعي الأسرة، وكذلك ضعف التربية الإسلامية، التي أوجدت ألواناً من الشر والفساد، ولم تفتح باباً من التعليم والتربية والأخلاق الإسلامية.
واعجباً منا -يا عباد الله- الواحد يوم أن يبني فلة جميلة، بما فيها من الأدوات الصحية والأبواب والنوافذ، يستقدم خادماً أو خادمة ليلمع الزجاج والأبواب والمرايا وغير ذلك، وما يبذل من ماله ما يلمع به أخلاق أولاده، ما يلمع به سَمْتَهم وعلاقاتهم، ما يجعل من وقته ما يكفي لتربيتهم، لا يحرص على أن يوجد من يهتم بهم أو يعتني بهم، بل بعضُهم -والعياذ بالله- يوم أن يرى في بعض أولاده بذرة من الهداية، وبداية في الاستقامة يقول: هذا بدأه الوسواس، هذا دخله الدين، هذا تطوع، هذا تعقد، هذا تشدد.
ينبغي أن يفهم الدين على أصوله، ينبغي أن يفهم الدين الذي فهمنا من آبائنا وأجدادنا وجداتنا، وهَلُمَّ جَرَّاً، وينسب إلى الأجداد والجدات فهماً هم -والله- منه براء؛ لأن أولئك -عفا الله عنهم وجمعنا بهم في مستقر رحمته- عرفوا الدين خوفاً وورعاً، وكفى بخشية الله علماً، ومن كان لله أخوف فهو به أعرف، أولئك الذين ما كنتَ ترى من إحداهن كفاً ولا أصبعاً، ما كنت ترى من إحداهن ثوباً لا قصيراً ولا طويلاً.
أما في هذا الزمان -والله- إنه المستقيم المتعفف لينكسر بصره في الأرض، مما يرى من حرقة أبصار النساء إليه، لقد انكسر الحياء وضاع عند كثير من الفتيات، بسبب ذلك.
ولا تعجبوا -يا عباد الله-! أن ما نزرعه بأيدينا نحصده بأيدينا أيضاً، فانظروا ماذا زرعنا في بيوتنا منذ عشرات السنين وها نحن نجد اليوم غيه.
إن هذه لَمِن المصائب أن يغفل الإنسان عما يدور في بيته.
فانتبهوا لذلك -يا عباد الله- وإن مصائب المعاكسات لَذَاتَ شرٍّ خطير، ووزر مستطير، وآثام منتشرة، ولا يملك من ينكشف له العار من الساعات إلا أن يقول: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً [مريم:23].
أسأل الله أن لا يرينا الخزي في أنفسنا، ولا في أحبابنا، وأن يستر علينا، وألا يهتك لنا ستراً، وألا يكشف لنا عورة.
يا عباد الله: إنها لمن أعظم المصائب يوم أن تُكشف القضية أمام رجال الهيئة! من هذه؟ إنها فلانة بنت فلان! من هذا؟ إنه فلان بن فلان! فتكون مصيبة لا يمحوها إلا التراب، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ إلا من تداركه الله بتوبة صادقة صالحة، فإن الله -جل وعلا- يقول: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70].
وللحديث في هذا الموضوع بقية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، أن يحفظنا، وأزواجنا، وبناتنا، وأمهاتنا، وأخواتنا، وعماتنا، وخالاتنا، وجميع أقاربنا.
اللهم لا ترينا في أنفسنا فاحشة ولا مكروهاً، اللهم لا ترينا في أنفسنا فاحشة ولا مكروهاً، وتجاوز عنا أجمعين، برحمتك يا رب العالمين!
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازِه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين!
اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم يا حي يا ودود يا ذا العرش المجيد قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، اللهم يا حي يا ودود يا ذا العرش المجيد أبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين! ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرِّح علينا ولا عليهم عدواً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين!
اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم أصلح قلوبهم، اللهم اهد قلوبهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم سدد رصاصهم، اللهم أقم دولتهم، يا رب العالمين!
اللهم عليك باليهود أعدائك أعداء دينك وأنبيائك ورسلك وكتبك، اللهم اهلك زروعهم، وضروعهم، اللهم اجعلهم شذر مذر، واجعلهم غنيمة للمسلمين، يا رب العالمين!
اللهم أغثنا وأغث قلوبنا وبلادنا وأرض المسلمين أجمعين.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أهمية الوقت في حياة المسلم | 2802 استماع |
حقوق ولاة الأمر | 2664 استماع |
المعوقون يتكلمون [2] | 2652 استماع |
توديع العام المنصرم | 2647 استماع |
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] | 2552 استماع |
من هنا نبدأ | 2495 استماع |
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] | 2461 استماع |
أنواع الجلساء | 2460 استماع |
الغفلة في حياة الناس | 2437 استماع |
إلى الله المشتكى | 2436 استماع |