واقدساه!


الحلقة مفرغة

الحمد لله، الحمد لله على عفوه مع قدرته، الحمد لله على ستره وهو لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، الحمد لله على حلمه وهو ممتن على عباده بسائر النعم، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت يا ربنا من شيء بعد، اللهم لك الحمد حتى ترضى، اللهم لك الحمد في كل حال، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فلو اتقينا الله جل وعلا لجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، ولكن يا عباد الله لو صدقت القلوب مع ربها لجاء وعد ربها لها صدقاً وحقاً، ولا ينال النصر من عند الله إلا بنصر دين الله.

أيها الأحبة في الله: يقول لله جل وعلا: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً [الإسراء:4-7].

معاشر المؤمنين: في هذه الأيام تظهر صورٌ من صور البأس والتسلط الذي هو دليل من دلالات قرب الملحمة الحاسمة والموقعة الفاصلة بين الإيمان والكفر، بين الإسلام والجاهلية، بين الشعارات الزائفة والشعارات القرآنية، بين أصوات النفاق والعمالة والخيانة والتدجيل، وأصوات الحق والكرامة والشهادة والبسالة، منذ أيام قليلة ارتكب اليهود مجزرة دامية في اثنين وعشرين من أبناء فلسطين، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أول قبلة للمسلمين، وذلك يوم أن جاء عدد من اليهود وحاخاماتهم وشياطينهم تساندهم فرق الأمن ورجال الجيش، لوضع حجر الأساس للهيكل المزعوم.

عباد الله: يوم أن بدأ المسلمون في فلسطين يصدون هذا العدوان، فُتحت ألسنة اللهب ونيران الرشاشات على صدور الأبرياء العزل، الذين جاءوا يقفون خضوعاً واحتراماً بين يدي الله في الصلاة، وركوعاً وتعظيماً لله، وسجوداً وانكساراً بين يدي الله، فُتحت ألسنة اللهب ونيران الرشاشات على صدور تلك الفئة المؤمنة فأردتهم قتلى، فهنيئاً لهم بمقعد صدق عند مليك مقتدر، نسأل الله أن يجعلهم من الشهداء، ونسأل الله أن يرفع منازلهم إلى درجات الأنبياء، ونسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بهم في أعلى عليين.

معاشر المؤمنين: ليست المجزرة غريبة، وليست المذبحة عجيبة، فإنا أمةٌ لم تعرف من اليهود إلا حقدها ورميها البهتان والإفك على الله جل وعلا: وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64] أمةٌ يقتلون النبيين بغير الحق، قتلهم الله شر قتله، أمةٌ قالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] أمةٌ قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم تعب فاستراح في اليوم السابع، والله جل وعلا يقول: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38].

أمةٌ ارتكبت هذه المنكرات والطوام العظيمة، ليس عجيباً بعد أن اعتدت على جناب رب العالمين بالقول والبهتان، والله أجلّ، والله أعظم، والله أكبر من أين ينالوا شيئاً في عباده إلا بتقديره، وفي قدر الله للعباد تمام العدل والحكمة والرحمة، أمةٌ كان لها دور في مؤامرات الحقد في الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية وممالك الأندلس والخلافة الإسلامية إلى زمننا هذا، أمة لازالت مخططاتها تسري بسفك دماء المسلمين على الترب الطاهرة، في تل الزعتر وفي دير ياسين وفي برج البراجنة وفي صبرا وشاتيلا، دماءٌ من قديم الزمان إلى يومنا هذا، دماءٌ للمسلمين تنزف، أنهارٌ من الدماء تجري، ولازالت أمة الإسلام في غفلة، ولو قتل كلب من كلابهم، أو خنزير من خنازيرهم، لقامت وسائل الإعلام العالمية والصحف والمجلات والمؤتمرات والجلسات الطارئة في هيئة الأمم وفي مجلس الأمن وفي محكمة العدل، وليس ثمة عدل، قامت تلك المؤتمرات لمناقشة هذه الأمور.

قتل شعبٍ كامل     مسألة فيها نظر

وقتل كلبٍ واحد     جريمةٌ لا تغتفر

هذا هو المقياس الذي يتعامل به اللوبي الصهيوني، أو الضغط الصهيوني على مختلف الحكومات الغربية التي تحمي وتساند وتحفظ دور اليهود في هذه المنطقة.

كيف يعيش أهل الإسلام الأحداث

معاشر المؤمنين: وا حرَّ قلباه! وا إسلاماه! وا قدساه! من أمة تنتهك، ومن أبكار يغتصبن، ومن أعراض تنتهك، ومن شباب يؤسرون، ومن أمة غافلة.

مالي وللنجم يرعاني وأرعـاه     أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه

لي فيك يا ليل آهاتٍ أرددها     أواه لو أجدت المحزون أواه

أنى اتجهت إلى الإسلام فـي بلدٍ     تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها     وبات يحكمنا شعبٌ حكمناه

في هذه الأيام يا عباد الله! ومآسي المسلمين تتجدد وتتقلب، ومصيبة جديدة تُنسي التي قبلها، وطامةٌ داهية تشغل عن التي سلفت، فيا أمة الإسلام! أي غفلة نحن فيها؟! والله لقد توقعت أن تضج المساجد بالقنوت والتكبير والاستغفار والصدقة، وبذل أسباب النصرة، لكي يُرفع البلاء عن المسلمين، ولكن ما ثَم شيء تغير، محلات الفيديو لا زالت تبيع، ولا زال بيعها رائجاً كما كان، وأشرطة الغناء لا زالت تباع، وسوقها نافقة كما كان، والتبرج والسفور في كثير من بلدان المسلمين لا يزال كما كان، والبعد عن الله والاستنكار والتجهم على كل من أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر.

فيا أمة الإسلام! أتريدون أن يغير الله أحوالكم وأنتم لم تغيروا شيئا؟! إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].

عزتنا بديننا

معاشر المؤمنين: يوم أن اغتصبت امرأة من المسلمين صاحت وامعتصماه! ثم لبى صيحتها بجيشٍ عرمرم، وخميسٍ يضرب الأرض ضرباً، حتى فتحت تلك الأرض وطرد النصارى، وقام علم الإسلام في تلك البلاد، والآن:

رب وامعتصماه انطلقت     ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها     لم تلامس نخوة المعتصم

ألإسرائيل تبقى دولةٌ     في حمى الأرض وظل الحرم

لا يلام الذئب في عدوانه     إن يكُ الراعي عدو الغنم

إذا كان الراعي هو عدو الماشية فلا يلام الذئب في عدوانه عليها، والله ما تسلط اليهود وهم الذين قال الله في ضعفهم وفي جبنهم: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] أمةٌ ذليلة: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112].

والله لولا خيانات القيادات العربية المحيطة بتلك البلاد، ما كان لأولئك دورٌ ولا مكانة ولا منزلة ولا دولة، ولكن إذا كانت العراق تحمي هذه الدولة، وإذا كان الأردن يحمي هذه الدولة، وإذا كانت الأنظمة الكافرة تحمي هذه الدولة، ولم يبق في المنطقة إلا دولة واحدة، نسأل الله أن يجمع شملها وأن يثبت خطاها وأن يسدد رأيها، وأن يلم شتاتها وشتات شعبها وقادتها على كلمة الحق بإذنه ومنه وكرمه، كيف تريدون أن يسل ذلك الخنجر من صدر المسلمين الذي طعن فيه؟

معاشر المؤمنين: وا حرَّ قلباه! وا إسلاماه! وا قدساه! من أمة تنتهك، ومن أبكار يغتصبن، ومن أعراض تنتهك، ومن شباب يؤسرون، ومن أمة غافلة.

مالي وللنجم يرعاني وأرعـاه     أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه

لي فيك يا ليل آهاتٍ أرددها     أواه لو أجدت المحزون أواه

أنى اتجهت إلى الإسلام فـي بلدٍ     تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها     وبات يحكمنا شعبٌ حكمناه

في هذه الأيام يا عباد الله! ومآسي المسلمين تتجدد وتتقلب، ومصيبة جديدة تُنسي التي قبلها، وطامةٌ داهية تشغل عن التي سلفت، فيا أمة الإسلام! أي غفلة نحن فيها؟! والله لقد توقعت أن تضج المساجد بالقنوت والتكبير والاستغفار والصدقة، وبذل أسباب النصرة، لكي يُرفع البلاء عن المسلمين، ولكن ما ثَم شيء تغير، محلات الفيديو لا زالت تبيع، ولا زال بيعها رائجاً كما كان، وأشرطة الغناء لا زالت تباع، وسوقها نافقة كما كان، والتبرج والسفور في كثير من بلدان المسلمين لا يزال كما كان، والبعد عن الله والاستنكار والتجهم على كل من أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر.

فيا أمة الإسلام! أتريدون أن يغير الله أحوالكم وأنتم لم تغيروا شيئا؟! إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].

معاشر المؤمنين: يوم أن اغتصبت امرأة من المسلمين صاحت وامعتصماه! ثم لبى صيحتها بجيشٍ عرمرم، وخميسٍ يضرب الأرض ضرباً، حتى فتحت تلك الأرض وطرد النصارى، وقام علم الإسلام في تلك البلاد، والآن:

رب وامعتصماه انطلقت     ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها     لم تلامس نخوة المعتصم

ألإسرائيل تبقى دولةٌ     في حمى الأرض وظل الحرم

لا يلام الذئب في عدوانه     إن يكُ الراعي عدو الغنم

إذا كان الراعي هو عدو الماشية فلا يلام الذئب في عدوانه عليها، والله ما تسلط اليهود وهم الذين قال الله في ضعفهم وفي جبنهم: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] أمةٌ ذليلة: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112].

والله لولا خيانات القيادات العربية المحيطة بتلك البلاد، ما كان لأولئك دورٌ ولا مكانة ولا منزلة ولا دولة، ولكن إذا كانت العراق تحمي هذه الدولة، وإذا كان الأردن يحمي هذه الدولة، وإذا كانت الأنظمة الكافرة تحمي هذه الدولة، ولم يبق في المنطقة إلا دولة واحدة، نسأل الله أن يجمع شملها وأن يثبت خطاها وأن يسدد رأيها، وأن يلم شتاتها وشتات شعبها وقادتها على كلمة الحق بإذنه ومنه وكرمه، كيف تريدون أن يسل ذلك الخنجر من صدر المسلمين الذي طعن فيه؟

يا عباد الله! لقد سمعنا قبل الاجتياح العراقي للكويت ، أن العراق تلعن أمريكا صباح مساء، وتلعن الإمبريالية والرأسمالية، وتلعن البيت الأبيض، ويلعنون ويسبون ويشتمون، وظن الغوغاء والسذج والبسطاء، وروج البعثيون والحداثيون والعلمانيون، وكل من لا يرفع بهذا الدين رأساً، نوهوا ورددوا ورفعوا هذه القيادة الغاشمة، ومجدوها عبر الصحف والمجلات، حتى قالت كاتبة عاهرة: (أتمنى أن أحلم بـصدام في المنام ولو لحظة من اللحظات) والآخرون في صحفهم وفي مجلاتهم صفحتين تجدها لقادتهم ولشئون بلادهم، وباقي الصحف كلها تمجيد في بطل الفاو وصدام القادسية، ماذا ننتظر وقد صنعنا بأيدينا صنماً من الشمع، انكشفت حقيقته عن حرارة الفتنة؟

يا عباد الله: أين تلك الصيحات التي تنادي بالعداوة لـأمريكا والبيت الأبيض؟

أين تلك الصيحات التي هددت إسرائيل بالكيماوي وصواريخ الاسكود المزودة بالرءوس النووية؟ أين المزدوج؟ أين القنابل؟ أين تلك الشعارات وذلك التهديد والدعاء بالويل والثبور، وتريثاً لانتظار المرحلة الحاسمة بين العراق وإسرائيل؟ وبينما الأمة الغافلة الجاهلة الغبية في انتظار لموقعة بين إسرائيل والعراق ، إذا هي بمفاجئة باقتحام واجتياح لأرض مسلمة في الكويت .

هكذا يلعب الإعلام ويطبل على الشعوب، هكذا يسخر الإعلام بعقول البشر، هكذا يسخر الإعلام العالمي بالغوغاء والشعوب، يقوم حاكم ثم يلعن الذي قبله، ويقول: لقد ظلمكم وفعل بكم، لقد أذاقكم الجوع، وألبسكم العري، وذوقكم المرض، وأما حكومته المزعومة فيعد بأن تفعل وستفعل، ستوجد فرصاً للعمل، وسوف تعدل ميزان المدفوعات، ولسوف تفعل وتفعل، وإذا جنَّ المساء وجدت الحاكم الجديد ينادم الحاكم القديم في قصر من القصور يعاقرون الخمرة.

والله يا عباد الله! هذا ما يفعل في الدول العربية، كلما دخلت أمة لعنت أختها، ولكن الفرق بينهم أنهم يتلاعنون في النهار، ويتنادمون سوياً ويشربون ويطربون في الليل جميعاً، أهذه حكومات يرجى منها أن ترد للإسلام دولة؟ أهذه حكومات يرجى منها أن تطرد اليهود عن أرض فلسطين ؟

يا أيها الملك الذي     لمعالم الصلبان نكس

جاءت إليك ظلامـةٌ     تشكو من البيت المقدس

كل المساجد طهرت     وأنا على شرفي أدنس

هذه رسالة من الأقصى أرسلت إلى صلاح الدين الكردي وليس العربي، أو من طنطن من البعثيين والقوميين العرب بهذه الشعارات فما زادوا الأمة إلا خبالاً، وما زادوا الأمة إلا ضعفاً وتشتيتاً.

معاشر المؤمنين: ومع هذا لا تزال آمالنا، ولا تزال آمال المسلمين تتعلق بقادة المسلمين في هذه المملكة ، البلاد الوحيدة التي لازالت تحكم الإسلام على ما فينا، والكمال لله، لازالت الآمال تتعلق بهذه الأمة وبقادتها وعلمائها، عسى الله أن يبعث في هذه الأمة أمراً رشيداً يتحرر به الأقصى، وتنقلب به الموازين بمنه وكرمه إنه هو أرحم الراحمين.

معاشر المؤمنين: لقد انشغل العالم الإسلامي انشغالاً عظيماً بأحداث الخليج في وقت اجتاحت فيه تلك الطغمة البعثية الكافرة الحاقدة، في وقت شغلت بذلك الاجتياح أمة الإسلام، والناس لم يصدقوا أو يكذبوا أن ما حصل كذباً أو صدقاً، ولكن الآن نقول: أين المهيب الركن؟ أين الأماجد البعثيين؟ أين الشرفاء البعثيين الذين هددوا إسرائيل سنين طويلة؟ أين المهيب الركن الذي يريد أن يضرب أمريكا والبيت الأبيض، ويريد إن يضرب إسرائيل؟ هل يثأر لمسلمة تغتصب؟ هل يثأر لمجزرة تنتهك في بيت المقدس وفي مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ولكن يا عباد الله! إنه مخطط ومؤامرة لتصفية القضية في هذه الظروف، والله لو تأملتم تاريخ إسرائيل وما يدور في أرض المسلمين، إسرائيل كطغمة أو كنظام في الهواء لا وجود له في عقيدتنا، لأن الذي هو زائل لا محالة لا وجود له ولا بقاء، لو تأملنا ما يدور، لوجدنا أن كل ضربة سواءً في الخليج أو أفغانستان أو في أي مكان، يقابلها عمل بصمت وتوطين سريع، وتهجير لليهود من أنحاء العالم في المستوطنات الفلسطينية التي شغل المسلمون عنها وعن متابعتها.

وفي هذا الزمان أصبح الحديث عن فلسطين أمراً مملاً عند كثير من المسلمين، لأنهم منذ ستين سنة وهم يسمعون أن فلسطين ستحرر بالمنظمات والشعارات والقيادات.

فوق التل وتحت التل

وعن يمينه وعن شماله

قادمٌ بدبابة .. قادمٌ بطائرة .. وما رأينا ذبابة

ما رأينا شيئاً أبداً، أين الصيحات والشعارات؟ وأين أموال المنظمة التي بلغت المليارات؟ أين أموالها لكي تساند الجهاد في فلسطين ؟ لكي تدعم قوة حماس؟ أين تلك الأموال التي ضاعت في تجارات الله أعلم بها؟ ومن هو الذي يثري على حسابها؟ ولكن يا عباد الله إنه النفاق، إنه سكوت الأمة على ما يدور بها، وعلى ما يدبر لها، إنه الوهن وحب الدنيا وكراهية الموت، نسأل الله أن يرفع البلاء عن المسلمين، وأن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر بمنه وقوته وقدرته أعداء الدين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، والتائب من الذنب كما لا ذنب له.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة: إن أزمة المسلمين في هذا الزمن هي أزمة القيادة التي ترفع لواء الجهاد لتحرير بيت المقدس من اليهود والصهاينة، إن الأمة التي قال الله في شأنها: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ في سَبِيلِ الله [البقرة:246] لقد طلبوا ملكاً وقائداً وقيادة قبل أن يطلبوا جنوداً وسلاحاً، وما ذاك إلا لأن الأزمة هي أزمة القيادة، إن الشعوب التي ترونها فيها خير كثير، ولو تركت الشعوب تتفاعل مع قضاياها لاستطاعت إلى حد كبير أن تحل الكثير منها، ولكن القيادات العميلة والقيادات الخائنة هي التي تستعدي الشعوب بعضها على بعض.

وكلمة حق أقولها: ما إن تسمع إذاعة من الإذاعات إلا وتجد فيها إيغاراً لشعب على شعب، إلا ما سمعناه هنا من تصريحات طيبة، ألا وهي: إن هذه البلاد خيرها للجميع سابق، وسيبقى خيرها بإذن الله لكل وافد وقادم ولكل ضيف بها إذا كان ملتزماً بآداب هذه البلاد، وأحكامها الشرعية، ونظمها العقلية، وجميع أنظمتها الرزينة الحصينة.

فيا عباد الله: إن أجهزة الإعلام لازالت هي التي تسير الشعوب، والله لقد عبث الإعلام البعثي بكثير من عقليات المسلمين، إلى حد أن بعضهم تصوروا أن الأمريكان يطوفون بالكعبة، وتصور بعضهم أن الأمريكان يسعون بين الصفا والمروة، وأولئك بينهم وبين الأراضي المقدسة مسافات بعيدة لمصالح عديدة، ومع ذلك فقد صور الإعلام أن الكعبة لا يطوف حولها إلا الأمريكان، وأن المسعى لا يسعى فيه إلا الأمريكان، وأن الحرم النبوي وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم محاط بالأمريكان، فضجت هذه الشعوب الغافلة البسيطة الغوغاء، وصدقت دعوى الجهاد من الذين لم تجف أيديهم من دماء المسلمين الأكراد في حلبجة، لم تجف أيديهم من دماء المسلمين الصالحين في العراق.

أيصبح فرعون واعظاً؟ أيصدق للماكرين نصح ووعظ؟ ولكن كما تكون تلك الشعوب يولى عليها، (كما تكونوا يولى عليكم) لما رضيت بالذل -ولا أقول كلها بل بعضها- لما رضيت بالذل والهوان، وسكتت عن كلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكمت فيها الأنظمة الفرنسية، والقوانين الرومانية، والقوانين الوضعية، ونحيت الشريعة، ولم يسمع صوتٌ ينادي بتطبيق الشريعة فيها، تسلط الفجار عليها، تسلطوا تسلطاً عجيباً غريباً، فنسأل الله جل وعلا أن يوقظ هذه الشعوب من غفلتها.