خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/38"> الشيخ الدكتور سعد البريك . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/38?sub=65397"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
وقفات تربوية
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيها الأحبة الفضلاء، والإخوة النبلاء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كل يوم لا نعصي الله فيه فهو يوم عيد، وكل يوم نتشرف بلقاء أحبة كرام بررة أمثالكم فهو يوم عيد، إني لشاكر لأخوي ما ذكراه في مقدمتيهما المباركة، مع أنني لا أستحق ما ذكره الأول جزاه الله كل خير مما أحسن به الظن، وأسأل الله أن يستجيب ما دعا به أيضاً.
ومن جمّله الله في الدنيا فإنما جمّله الله بالستر، وكما يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: يا أيها المسكين! إذا رأيت إعجاب الناس بك فاعلم أنما أعجبهم ستر الله عليك؛ لأن العبد إذا كشف الله للخلق كل مساوئه -حتى ولو سيئاته في تعامله مع أولاده وأهله- ربما نفر الخلق منه، ولكن الله سبحانه وتعالى ستير يحب الستر، ويستر على عباده ما يكون منهم، من هفوات أو غلطات أو رعونة أو غضب أو غير ذلك، فلا يرى الناس منا ظاهراً إلا أحسن ما زيننا الله به وهو الستر.
وما يكون بيننا في خاصة أحوالنا وبيوتنا وأولادنا -كل لا يخلو من عيب أو نقص، والكمال لله عز وجل- فذاك جميل لولا بخل فيه، وذاك طيب لولا غضب فيه، وذاك صالح لولا هفوة منه، وذاك وذاك .. إلى غيرك ذلك.
ومن ثم أحبتي في الله! من سمع ثناء على أحد، فليعلم أن هذا الذي أثُني عليه إنما استحق الثناء بسبب صفة من صفات الله، وهي صفة ستر الله على عباده، إن الله ستير يحب الستر، ولذلك ندب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى من ستره الله أن يمسك ستر الله عليه، وألا يهتك أستار الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون قيل: ومن المجاهر يا رسول الله؟ قال: من يمسي يعصي الله، فيصبح يهتك ستر الله عليه، يقول: فعلت البارحة كذا وكذا).
ومن دلائل هذه الصفة، أن الله ستير يحب الستر: أن الأشعة المقطعية والتحاليل المجهرية والمخبرية لا تستطيع أن تكشف الشخص هل هو بخيل، أم كاذب، أم صادق، أم مخلص، أم منافق، أم جاد، أم هازل، أم غير ذلك؟
أنت تستطيع أن تجد هذا الشخص، وتأخذ عينات من دمه، وعينات من عظمه ولحمه، وتجعل جسمه بالكامل تحت ما يسمى بالكات اسكان -الأشعة المقطعية- ومع ذلك لا تستطيع أن تحكم بعد هذه التحاليل أن تقول: أظهرت التحاليل أن فلاناً بخيل، أو أن فلاناً كريم، أو أن فلاناً سريع الغضب، أو لين العريكة، أو جميل التواضع، أو حسن الخلق، أو نبيل المعاملة، هذا شيء تعلمونه تماماً.
فأسأل الله أن يتم علينا وعليكم ستره، وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على طاعته، وأن يصلح أحوالنا جميعاً، وما أحوجنا إلى سؤال الله الثبات، فإن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.
وما سمي الإنسان إلا لنسيه وما القلب إلا لأنه يتقلب |
أحبتنا في الله: بعد شكري لإدارة هذا المعهد، ولإخوتي الأساتذة الفضلاء، وأولياء الأمور، وأخص صديقي وحبيبي في الله الأستاذ/ سعود بن ناصر السياري صديق الصبا على ما أكرمني به من هذه الدعوة شاكراً ومقدراً حسن ظن الجميع بي.
أقول أيها الأحبة: لا أظن أن عامّياً في مجال التعليم الخاص مثلي يمكن أن يضيف إلى معارف المختصين والمهتمين شيئاً جديداً، سوى إرشادات وتوجيهات لا تعدوا أن تكون مواعظ، وتأملات مكتوبة، لعلها أن تدفعنا جميعاً إلى مزيد البذل والعناية والرعاية والاهتمام.
ونحن حينما ننطلق في كل أعمالنا إنما ننطلق من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) فالحاكم راع ومسئول عن الرعية، ورب البيت راع ومسئول عن أولاده وزوجته وبناته، والمدرس راع ومسئول عن طلابه في فصله، وعن ريادته، والتعليم في شتى مجالاته، وعلى اختلاف مستوياته (الثانوي والجامعي وغيره) كل من تولى فيه مسئولية فهو فيها راع، ومسئول ومحاسب بين يدي الله عز وجل.
ولا تقف المسئولية فقط في هذه الصور التي ذكرنا، بل حتى ضابط المرور راع ومسئول عن هذا الطريق الذي وكل به، ورجل الأمن راع ومسئول عن ذلك، والشرطي والجندي والحارس، وكل من تولى أو أسند إليه أمر، سواءً بتكليف الشرع، أو بتكليف من له الولاية على الناس في الشرع، فإنه راع وهو مسئول أمام الله عز وجل عن ذلك.
والعناية بالذين يحتاجون إلى عناية خاصة وتعليم خاص، لا شك أنه نوع من المسئولية التي نسأل عنها، ونحاسب عليها، سيما من أسندت إليهم هذه الهمة، بحكم اختصاصهم وتعلمهم، وكلما كانت الرعية في حال من الضعف، كلما كانت المسئولية أعظم، ألا ترون أن الطفل السوي يحتاج إلى عناية ورعاية تفوق رعاية الكبير والعناية به، فإذا كان الطفل معوقاً فهذا لا يعفي من المسئولية بل يزيدنا تحملاً.
وإن كان كثيراً من الناس اليوم يظن أن الإعاقة عذر في الإهمال، وعذر في ترك الرعاية، وهذا ليس بصحيح أبداً.
نعم. إن نوع الإعاقة يتباين من شخص إلى آخر، ويترتب على هذا التباين أحكام عديدة ومختلفة، يتحكم فيها المستوى العقلي والإدراك الذي هو مناط التكليف في الشريعة، فمن إعاقته في بصره يختلف حاله وتعليمه عمن إعاقته في سمعه ونطقه ومن إعاقته في سمعه ونطقه، يختلف تعليمه وحاله عمن إعاقته في ضعف تلقيه، يختلف حاله عمن إعاقته في أطرافه وجوارحه.
فكلها على الاصطلاح الحديث المعاصر تدخل في نوع الإعاقة، لكن تباين أنواع الإعاقة يملي أنواعاً جديدة مختلفة من العناية والاهتمام في الأساليب والوسائل وغير ذلك، فعلى سبيل المثال: المجنون الذي لا يعقل شيئاً غير مكلف في الشرع، حتى ولو كان أقوى من المصارعين بدناً، أو أسرع من العدائين ركضاً، أو أحد من زرقاء اليمامة بصراً.
وما ذاك إلا لغياب العقل، فربما ترى مجنوناً طويلاً عريض القامة مفتول العضلات، قوي الهيئة، ومع ذلك لا يستطيع أن يدبر من حاله شيئاً يسيراً، وربما من نسميه معاقاً يفوقه درجات كثيرة جداً في حاله، وهذا يؤكد أن اختلاف نوع الإعاقة يملي من الأحكام الشرعية، والوسائل التعليمية ونوع المعاملة أشياء كثيرة تختلف باختلاف نوع الإعاقة.
وفي المقابل قد ترى معوقاً في سمعه أو بصره أو طرفاً من أطرافه لكنه يقود أمة من الأمم، ويفزع جيوشاً، ويزعج دولة، على سبيل المثال في عصرنا الحاضر كلكم يسمع بالشيخ أحمد ياسين في فلسطين، مكث زمناً طويلاً في سجون إسرائيل، ودولة اليهود عجزت عن هذا الرجل الذي لا يستطيع أن يرفع الطعام إلى فمه، ولا يستطيع أن يتحرك خطوة بقدمه، ولا يستطيع أن يقلب ورقة عن منضدة أمامه، هذا الرجل يصدق عليه أن إعاقته في الجوارح والأطراف إعاقة رباعية كاملة، إلا أنه يزعج دولة إسرائيل إزعاجاً لا حدود له.
ولولا أنها تخشى من مشكلات تتفجر وتتفاقم ويصعب السيطرة عليها لم تتردد في قتله في السجن، لكنها آثرت أن تخرجه لما تردت حالته الصحية، آثروا أن يخرجوه لعله أن يموت خارج السجن، فكتب الله له العافية والشفاء، وجاء وأخذ جولة في كثير من الدول العربية ثم عاد، ولا يزال غصة وشجاً في حلق اليهود هناك.
إذاً: ليست الإعاقة دالة على عدم الإنتاج، وليست الإعاقة دالة على عدم العطاء أو البذل أو القدرة على التغيير والتأثير، ليس هذا على إطلاقه أبداً، ولا نذهب بعيداً فقبل أحمد ياسين ، سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز ، هو فاقد للبصر ومع ذلك يقود أمة المبصرين، ويعد عالماً بل شيخ الإسلام في عصره، ولا يستطيع أحد أن ينسب عالماً إلى درجته في علمه وحلمه وكرمه وجاهه، وبذله نفسه وشفاعته، وقضاء حوائج المسلمين ليس فقط في هذه البلاد، بل في العالم أجمع، ولم يمنع سماحته رحمه الله فقده البصر من أن يكون رجلاً عالمياً وشيخ الإسلام في حياته.
إذاً: نحتاج إلى أن نغير النظرة والتصور عن المعوقين، تلك النظرة القاصرة عند كثير من الناس الذين يرون المعوق كتلة من اللحم والعظم البشري لا يمكن أن تستثمر، ولا يمكن أن يستفاد مما فيها من مواهب أو طاقات أو قدرات، بل إن كثيراً من النظريات المعاصرة في هذا المجال تقول: إن نوع الإعاقة قد يقود إلى الإبداع والاختراع، وذلك ربما يشعر الإنسان بأن لديه نقص في جانب، ومن ثم يغطي هذا النقص بقوة التحدي والعناد والإصرار والثبات والدأب والجلد لكي يبدع في جوانب شتى، وهذا أمر ملاحظ.
وحسبنا أن نعلم أن الكثير من المبتكرين والمخترعين لم يكونوا ليبدعوا بكمال الأجسام وحمل الأثقال، وإنما أبدعوا بإعمال العقول، وإطالة التأمل وكثرة التفكير، وتلك عبادة يحث عليها الشرع ويثيب عليها، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران:190-191].
فأولوا الألباب الذين أثنى عليهم الله عز وجل في كتابه لم يحدد وزن أجسامهم، ولا طول قاماتهم، ولا قدراتهم البدنية، وإنما أثنى عليهم بكثرة ذكر الله، وبكثرة تفكرهم في خلق الله عز وجل.
وينبغي أن نعلم أن الإنسان لا يوجد معدوماً، ولكنه يكتشف موجوداً، الغرب لم يوجدوا قانوناً اسمه السرعة مع الكتلة يؤدي إلى طيران الحجم المتسارع في كتلة معينة على وضع معين، لا. هذه قوانين الله سنّها، هذه سنن كونية في الكون، الله عز وجل من سنته الجاذبية، ومن سنته أن هناك أشياء تطفوا على المياه، ومن سنته أن الهواء ينقل الصور والكلمات، من سنن الله في الكون أشياء كثيرة.
فالغربي حينما يجلس في المختبر أو مكان التجارب التطبيقية، والمشاهدات والتحليل وغير ذلك، هو في الحقيقة لا يجلس ليبحث عن شيء معدوم ليوجده، وإنما هو يجرب تجارب عديدة حتى يكتشف شيئاً موجوداً، إذاً هو الذي سخر لكم ما في الأرض جميعاً، هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك:15] وكل ما ذلـله الله وسخر الله تكتشفه العقول بالتفكير، ولم تكن يوماً طول القامات أو ضخامة الأجسام هي السبيل إلى معرفة دقائق الكون.
بل أن الله دعانا لنتأمل، وجعل الإعجاز في هذا التحدي بالتأمل سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ [فصلت:53] وحتى هذا المعوق الذي ربما يظن البعض أنه قد لا يجدي شيئاً، ولا ينتج شيئاً، ربما طول تفكره في إعاقته تكون سبباً لحل مشكلة الأجيال القادمة في مواجهة الإعاقة، فهذا المعوق ربما طول تفكيره في مشكلته هو السبب والمفتاح الذي يقدم للبشرية وللأجيال القادمة البشارة بانتهاء عصر هذا النوع من الإعاقة على يد واحد من المعوقين لما طالت معاناتهم.
ومعلوم أن بعض الأطباء الذين اكتشفوا بعض العقارات والأدوية لمواجهة بعض الأمراض كانوا هم أنفسهم يعانون من نفس المرض، الأمر الذي قادهم إلى التفكير في علاجه طويلاً وكثيراً.
إذاً أيها الأحبة! ينبغي أن ننظر إلى المعوق أنه يمكن أن يستثمر طاقاته العقلية استثماراً متناسباً ومتوائماً ومتوافقاً مع مراحل عمره الزمنية، وأننا نستطيع أن نوجد من هذا الكائن الذي أمامنا إنساناً يفيد نفسه ومجتمعه، والحذر من أن يرى منا المعوق، أو ذلك الذي يحتاج إلى نوع من أنواع التعليم الخاص، أن يرى منا الازدراء أو الهوان، أو أنه لا يبالى به، ولا ينتفع به، ولا يقدم شيئاً أبداً، لا. فكل واحد يجعل الله فيه خيراً، مادام عنده عقل يفكر به.
دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر |
وتحسب أنك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر |
أيها الأحبة! أذكر ذات مرة أنني دعيت إلى معهد الأمل للصم والبكم لإلقاء محاضرة، وكان عندهم كل يوم إثنين من أول الشهر محاضرة يستضيفون فيها بعض المشايخ، ولهم عالم عجيب وغريب وممتع وجميل لمن يختلط بهم، لأنه ليس هناك إزعاج، ولا تسمع ضجيجاً، لكنهم في الحقيقة في ضجيج من الإشارات والكلمات، حتى إن الأستاذ عبد الرحمن الفهيد -ذكره الله بخير- كان هو الذي يترجم الكلمات إلى إشارات، فأحياناً أريد أن أتأكد هل هؤلاء الذين لا ينطقون ولا يسمعون يفهمون الكلام الذي يترجم بالإشارة، فأعمد إلى سرد بعض القصص المضحكة أو الطرائف الفكاهية، حتى أنظر هل هم فعلاً يفهمون هذه الكلمات حينما تترجم بالإشارة، فأجد أنهم حينما تسرد عليهم قصة مضحكة أو طرفة فكاهية يتساقطون ضحكاً.. فهم فهموا هذه القصة التي ترجمت لهم بالإشارة فهماً دقيقاً.
ومن الغرائب الجميلة -لا بأس أن نستمتع ببعض القصص معهم- أن أحدهم دعاني ذات مرة لحضور زواجه، فمع الاحتكاك أصبحنا نتعلم منهم بعض الإشارات وبعض الكلمات، فدعوت شخصاً كان حاضراً معنا في الزواج، فقلنا له: أنت متى تتزوج؟ وإشارة الزواج عندهم هي شبك الأصابع هكذا، هذه إشارة فصيحة، وإذا أراد أن يكلمك بالإشارة العامية يحرك لسانه ويفعل هكذا، أي: زغردة.
فناديته وقلت له: متى زواجك؟
فضحكوا كلهم على هذه الإشارة، قالوا: لا. هذه معناها سحب سيارة، طيب كيف إشارة الزواج؟ إشارة الزواج هكذا، لاحظ دقة الإشارة، وهي تعني: دقة الفكرة، واختلاف مضمون الفكرة، هكذا تكون في التشليح والورش، وهكذا تكون في قصور الأفراح والأقفاص الذهبية، فمع أنهم معوقون من جانب النطق والسمع، إلا أن لديهم الكثير من الأفكار المذهلة.
ثم دعوني مرة أخرى لإلقاء محاضرة، فقلت للأستاذ عبد الرحمن الذي كان يترجم: اليوم -وكان معي مجموعة من الإخوان- نحن اليوم ضيوف عليكم، نريد أن نسمع منكم محاضرة، نريد أحد الصم أن يلقي محاضرة بالإشارات، وأنت يا عبد الرحمن ! ترجمها لنا كلمات.
اجعلهم هم الذين يتكلمون بإشاراتهم، وترجم إشاراتهم إلى كلمات، فقام أكثر من واحد وشاركوا في حوار أو ندوة، وأخذوا يلقون كلماتهم عبر الإشارات، والأستاذ عبد الرحمن يترجمها بالكلمات، فهالني ما سمعت من قوة أفكارهم وعمق تأملهم وتفكيرهم.
إذاً: لا تظن أن أي إنسان عنده نوع إعاقة أنه لا فائدة منه، أو أنه لا يفكر، ومناط العقل هو التكليف، ومثل هؤلاء يكلفون بكل الأحكام والشرائع وبكل العبادات إلا ما تعذر تطبيقه بسبب نوع هذه الإعاقة.
لذا -أيها الأحبة- ليست كل إعاقة مانعة من انطلاق الفكر، بل ربما كانت تحدياً يدفع الفكر إلى التوقد، ويشحذ إلى غزارة التأمل.
هذه وقفة مع مدرس التربية الخاصة أقول فيها: إذا علمت ذلك فتأمل وتأكد أنك كغيرك من المعلمين، لا شك أنك قدوة يتأثر بك من حولك، ويتلقى عنك، فاتق الله واجتهد أن تكون قدوة حسنة صالحة في كل أحوالك، وخاصة أمام طلابك ممن يحتاجون إلى تعليم خاص، أو هذا النوع من التعليم.
لا تظن أن هذا الذي يحتاج إلى مهارات متقدمة في التعليم الخاص معناه أنه قاصر الإدراك، ومن ثم لا يتأثر بأستاذه وبمعلمه، إن البهائم تتأثر وهي البهائم بالاختلاط والمخالطة، فما بالك ببعض الطلاب الذين لديهم نوع قصور في بعض الجوانب، هل نظن أنهم لا يتأثرون؟
الجواب: لا.
الحقيقة أنهم يتأثرون، ومن هنا تتضاعف المسئولية، والأمانة الملقاة على عاتق مدرس ومعلم التربية الخاصة، ليتق الله في هؤلاء.
ثم ليجعل معلم التربية الخاصة أمام عينه أنه معلم يحتسب الأجر في التعليم الذي لا يتقنه كثير من المعلمين.
قد يكون الطالب السوي أمام معلم مهمل في المدارس الابتدائية العادية، لكن هذا الطالب قد يعوض إهمال معلمه بتعليم خصوصي.. أستاذ خصوصي، دروس خصوصية، أو تعليم في البيت، أو قدرات ذاتية، أو وسائل تلقين وتعليم أخرى، لكن الطالب الذي يحتاج إلى تعليم خاص إذا أهمل معلمه فلا يوجد في البيت متخصص في التعليم الخاص، ولا يوجد في كثير من الوسائل الإعلامية وغيرها ما يعين على تعليم هذا الذي يحتاج إلى هذا النوع.
ولذا تكون المسئولية على معلم التعليم الخاص في الحقيقة أكثر، لكن معلم التربية الخاصة لا يعوض جهده شيء من تعليم أسرة أو قدرة ذاتية، فالطالب الذي يحتاج إلى التعليم الخاص إذا أهمله معلمه أو لم يلتفت له، فقل: عليه السلام.
ومن فاته التعليم وقت شبابـه فكبر عليه أربعاً لوفاته |
ومن لم يذق مر التعلم ساعـة تجرع ذل الجهل طول حياته |
هنا مسألة مهمة، وهي دور الأسرة في الرعاية والمعاملة لهذا الذي يحتاج إلى هذا النوع الخاص من التعليم.
فبعض الأسر ربما أشعروا ولدهم أنه فرد عادي كسائر أفراد الأسرة، ويعطونه ما يتحمل من المسئوليات، ويخاطبونه بما يفهم من أنواع الخطاب، ويكلفونه بما يطيق من أنواع التكاليف، ومن ثم يشعرونه أنه قريب إلى الأسوياء، إن لم يكن يرى نفسه سوياً كالآخرين، فلا يجد أي عقدة تواجهه في تعامله وسلوكه وتصرفاته.
ولكن في الحقيقة بعض الأسر إما بسبب الإهمال والاحتقار، أو بسبب مزيد من الدلال والخوف، أشعروا ولدهم بواحد من هذين السببين، أو بهما مجتمعين أو متفرقين.. ربما أشعروه أنه مصيبة نزلت عليهم، وأنه بلوى لا يجدون لها خلاصاً إلا بنقله إلى المقبرة، وأنه حالة عجز لا تقاوم ولا يستفاد منها بأي حال من الأحوال.
ومن هنا فإني أقول لأولياء الأمور: أنتم مسئولون في هذا الجانب، أشعروه بما يستطيعه ويطيقه من تكاليف، ويستوعبه من خطاب أنه سوي إن لم يكن قريباً من السوي، أما أن نعامل البقية معاملة السوي، وهذا الذي عنده نوع نقص معين قلنا عنه: مجنون، ناقص عقل، ودائماً هذه العبارات التي يسمعها منا هي في الحقيقة تجهض كل بدايات تتوجه في عقله نحو الانطلاق والانفتاح والاستيعاب والفهم.
وأذكر ذات مرة أني رأيت فلماً مترجماً فيه امرأة تحكي قصة تعاملها مع ابنتها التي ليست فيها إعاقة واحدة بل عدة إعاقات، لكن هذه البنية لديها قدرات ممتازة، وتفهم الخطاب، وتستجيب، ولديها تفاعل، وعندها هوايات معينة.
ففي هذا اللقاء تسأل المرأة قيل لها: كيف استطعتِ أن تبلغي بهذه البنت هذا المستوى الذي ربما بعض الأطفال الأسوياء لم يبلغوه حتى الآن؟ -مقارنة بالعمر الزمني والعقلي إذا ناسبت بينهما- فتقول: كرست لها أمرين: أعطيت لها من وقتي كل يوم جزءاً، وأعطيت جميع أهل البيت الأوامر الصارمة في احترامها والتعامل معها قدر الإمكان كأنها سوية، ومن ثم استطعنا أن نرتقي بقدراتها.
يا إخوان! البهائم لها تصرف معين، لكنها إذا علّمت بطريقة معينة تعلمت، لا يمكن أن تجدوا -وأجلكم الله- حماراً أو بقرة أو ناقة أو جملاً يشتغل في السقي والحمل وغير ذلك من أول وهلة، هذا لا يقارن ولا ينسب إليه، ومع أنها بهائم وعجماوات تعلم وتعسف، ثم تتقن العمل تماماً، الآن هناك جهود ودراسات لمحاولة التخاطب والتعامل والاستفادة من الدلافين في البحار، ولعلها تكون وسيلة لتوجيه بعض السفن الكبيرة لتفادي الشعب المرجانية في بعض المواقع حتى لا تغرق ولا يحصل لها مشكلات كبيرة.
انظروا إلى درجة عقول الغرب، وهؤلاء كما قال الله عز وجل: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] إذا كان هؤلاء يريدون أن يتعاملوا حتى مع البهائم ليستفيدوا من أكبر قدر ممكن من طاقاتها، يوجد -مثلاً- في بعض البلاد كلاب متخصصة لقيادة العميان، تجد شخصاً كفيفاً ومعه كلب يقوده، يقف عند الإشارة ويعرف الإشارة متى تكون خضراء ويقطع به الإشارة، ومتى تكون حمراء، لكنه لا يعرف إذا صارت صفراء أنه يستعجل ويقطع به،لا.
الحاصل أنهم استغلوا حتى البهائم للاستفادة من أعلى قدر ممكن من استيعابها واستجابتها لتوظيف هذه القدرات في خدمة الإنسان، فنحن من باب أولى أن نستفيد من توجيه الإنسان وتنمية طاقاته لكي يفيد نفسه أولاً، ولعل أن يستفيد المجتمع منه ثانياً.
ولأجل ذلك فإني أكرر النصيحة لشريحتين، شريحة المعلمين وشريحة أولياء الأمور أن يلتفتوا إلى هؤلاء الذين يتلقون هذا النوع من التعليم والرعاية، فلا يعاملونهم معاملة النقص والازدراء، وليتقوا الله في سلوكهم وتصرفاتهم أمامهم، ولا يجمل ولا ينبغي بأستاذ أن يدخن سيجارته أمام طلابه إذا كان مبتلاً بالتدخين، فإذا بليتم فاستتروا، وأسأل الله لنا وله الهداية.
أشياء أخرى كثيرة كل ما تراه نقصاً أو عيباً فتجنبه حتى وإن كان هذا ممن تراه ناقصاً في الإدراك، أو تظن أنه لا يستوعب كثيراً، وأظن أن معلمي التعليم الخاص أدرى مني بدقائق هذه الأمور.
يذكر أحد الكتاب يقول: أن ملكاً من الملوك كان له وزير، وهذا الوزير عنده فراسة عجيبة جداً، فأهدي لهذا الملك صقر -طير من الطيور الجارحة التي تصيد- فتقبل الملك هذه الهدية، وسأل الوزير قائلاً له: ما رأيك في هذا الصقر؟
قال: هذا الصقر جيد، حر، لكن هذا الصقر قد تربى مع الدجاج، فعجب الملك وصمت، وأدخل هذا الصقر مع الطيور التي عنده.
وبعد أيام أهدي إلى الملك حصان، فدعا وزيره وقال: ما رأيك في هذا الحصان الذي أهدي إلينا؟
قال: هذا حصان جيد وممتاز ومن سلالة أصيلة، ولكنه تربى مع أبقار.
استغرب الملك، الصقر مترب مع دجاج! والحصان تربى مع أبقار! من أين يأتي بهذا؟ هذا يوحى إليه؟ أم عنده خيال؟ فبعد زمن دعي الملك إلى وليمة، فجيء بالوزير، قال: ما رأيك في هذه الوليمة؟
قال: هذه خراف لذيذة ولا تزال صغيرة، لكنها ترضع من الخنازير، فجن جنون الملك، وأمسك به وبتلابيبه، وقال: تعال، إما أن تخبرني عن قصة هذا الصقر الذي تربى مع دجاج، وهذا الحصان الذي تربى مع بقر، وهذه الخراف التي رضعت من خنازير، أو أنك ساحرٌ أو تدعي النبوة.
قال: لا. أما الصقر فرأيته منذ أهدي إليك، نظرت إليه في القفص، كل الصقور التي عندك على أوتار، أما هو على الأرض ينقر في الديدان وفي الأرض كما تفعل الدجاج، وهذا يدل على أنه منذ صغره تربى مع دجاج فأخذ طباعها، فانظر كيف تتأثر البهائم ببعضها، والطيور تتأثر ببعضها وتتحول، فلو أتيت بحيوان من فصيلة ما، وجعلته مع حيوانات من فصيلة أخرى، فإنه ينسى كامل صفاته وخصائصه، ويقلد خصائص وصفات وتصرفات الحيوانات التي هي من الفصيلة الأخرى.
قال: حسناً، وقصة الحصان؟
قال: أما الحصان، فنحن نعرف أن الأحصنة تتنظف بأسنانها، أما هذا فيلحس بلسانه يميناً وشمالاً، وليست من عادة الأحصنة أنها تفعل هكذا بالجدران والأجسام وغير ذلك.
قال: وأما الخراف؟
قال: أما الخراف فرأيت اللحم طبقة من شحم وطبقة من لحم، وطبقة من شحم وطبقة من لحم، وهذا لا يكون إلا في الخنازير، فأيقنت أنها قد رضعت منها، فاكتسبت صفاتها.
الشاهد من القصة: إذا كانت البهائم تتأثر بعضها ببعض، فمن باب أولى ألا نظن أن من يحتاج إلى التعليم الخاص، مسكين أبله معتوه لا يفهم ولا يتأثر، لا. يتأثر في تصرفات وحركات دقيقة من أستاذه ومعلمه، ومن أسرته وبيته ووالديه، هم لا يظنون أنه يتأثر بهم، من هنا فلا بد أن نتفانى في رفع مستوى الأداء للنهوض بالعملية التربوية، بتكاتف جهودنا وتعاوننا، والاهتمام بوقت هؤلاء الذين جعلهم الله عز وجل أمانة في أعناقنا، ولأن الوقت الذي نقضيه في هذا المعهد هو في الحقيقة ملك لهؤلاء، فلا يجوز أن نسلبهم من أوقاتهم شيئاً، وأن يتواصى بعضنا بعضاً، يتواصى المدرسون بعضهم مع بعض، ويتواصى الأولياء والمدرسون جميعاً على العناية بأولادهم.
وأكرر.. ادفعوهم دائماً بالحب والاحترام والتشجيع، وإياكم والتحقير والاستهزاء ونظرة الازدراء، فإنها تقتل المواهب وتجهض الطاقات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
حكم قضاء الفائت من الصلاة
الجواب: إن كان أيام سفهه أو عبثه ترك الصلاة جملة، أي: توقف عن الصلاة سراً وعلناً ظاهراً وباطناً، لا يصلي لا في البيت ولا في المسجد ولا مع الجماعة، ترك الصلاة زمناً فهذا في الحقيقة حكمه حكم الكافر، ويعتبر عودته إلى الصلاة كمن دخل في الإسلام من جديد، فلا يلزمه قضاء ما مضى، وإنما عليه التوبة والإكثار من الحسنات والنوافل التي تمحو السيئات، وأما إن كان يصلي فترة ويقطع فترة، فمثل هذا مثل من تهاون ولزمه أن يقضي ما فاته، فعليه أن يقدر، أي: لو قيل له: أنت كم تركت الصلاة؟ ثلاثة أشهر، يقول: لا. كم تقريباً شهر؟ يقول: والله شهر كنت أضيع بعض الصلوات، يوم أصلي ويوم أجمع ويوم لا أصلي، فنقول له: اجتهد في التقدير، وصل ما استطعت مما تذكره؛ لأن هذا يعتبر قضاء، والقضاء على خلاف بين أهل العلم، هل هو مضيق أو موسع، وبعضهم يذهب إلى أنه موسع، فنقول: صل ما استطعت قضاءً مع كل صلاة صلاتين، أو في أوقات نشاطك أو قدرتك، ومع توبة وإنابة واستغفار عما فعلت فيما مضى.
أما من ترك الصلاة بالكلية، فنقول له: ما مضى كان في عهد كفر؛ لأن (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
حكم زواج المتخلف عقلياً
الجواب: إذا كان متخلف تماماً، وليس عنده أي وعي، وفي حكم المجنون، ففي الحقيقة من الأولى عدم تزويجه، أما إذا كان يعقل فترة ويغيب عقله فترات، فلا بأس أن يزوج هذا ويكون العقد في حال عقله وإدراكه، لأن العقد يحتاج إلى إيجاب وقبول، وإن كان نص أهل العلم على أن الصغير يزوج، ووليه يتولى العقد نيابة عنه، لكن نقول: لمثل هذا لعله أن يكون من نسله وذريته من يعتني به ويحافظ عليه، ويكون -أيضاً- في رجاء عقله ما يحمله المسئولية، أما من كان في منتهى وغاية التخلف العقلي فلا يغش به أحد، ولا يغر به أحد.
ضوابط ضرب الطفل المعاق
الجواب: الضرب لا بأس به ولكن بضوابط، أن يكون غير مبرح، وألا يكون في الوجه، وألا يكون مضراً، وألا يكون عادة -أيضاً- وإلا فإن الله عز وجل قد ذكره وذكره النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى في شأن النساء: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34] فدل على أن الضرب وسيلة تربوية، حتى للنساء اللائى تزوجن، ولكن ضرب غير مبرح، ضرب يدل على عدم الرضا بالفعل، أو على الغضب من التصرف، ولا يكون ضرباً من باب منازلات المصارعين على حلبات المصارعة.
بعض الناس إذا أراد أن يضرب ولده -نسأل الله السلامة والعافية- كأنما هو جلاد في زنزانة يضرب مجرماً ليجبره على الاعتراف، وهذا لا يجوز أبداً، والنبي صلى الله عليه وسلم قد مقت ذلك وأنكره، قال: (يعمد أحدكم إلى امرأته فيضربها ضرب البعير ولعله يراجعها آخر النهار) هذا لا يليق، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) فالمتخلف عقلياً إذا كان لا يعقل بالتوجيه فكيف يعقل بالضرب، لكن يجتهد الإنسان في العناية به مع الرحمة، و(الراحمون يرحمهم الرحمان).
أنا أظن لو أن إنساناً رأى قطة كسيرة في الشارع، واستطاع أن يعالجها، ما تردد أن يأخذها ليعالجها، ولو رأى بهيمة قد أصيبت بكسر أو شيء من ذلك واستطاع أن يقدم شيئاً لفعل.
فمن باب أولى هذا الطفل الذي يحتاج إلى نوع معين من التربية والمعاملة، والحذر الحذر من الضرب، ومثل هؤلاء لا يضربون ولا ينبغي ضربهم ولا يجوز، وإن كنت أذكر زرت دولة من الدول، وزرت المتخلفين والمعوقين عقلياً بدرجة معينة، فوجدت عجباً من أنواع المعاملة السيئة والأذية والضرب الذي لا يطيقه الأسوياء، فمثل هؤلاء إذا كانوا لا يعقلون فما الفائدة من الضرب؟
لا بد من أساليب معينة ترغبهم وترهبهم من غير ضرب موجع وشيء مضر.
العقل مناط التكليف
السؤال الثاني: هل الشخص المتخلف عقلياً شخص محاسب عند الله، وهل المعلم محاسب في تقصيره وعدم جديته في تعليم هذه الفئة أمور الدين؟
الجواب: الذي يعقل فإننا مأمورون أن نكلفه بأوامر الشرع بقدر ما يعقل، من صيام وصلاة وعبادة وكل ما يتعلق بها، ونتبسط معه تماماً، ولله الحمد والمنّة أن هذا الدين هو دين الفطرة، وأن معرفة أساسيات الدين يعرفها الصغير والكبير والعامي والمتعلم والعجوز الهرم والشاب الفتي والمرأة العجوز والفتاة الشابة، فبقدر ما يعقل يلزمنا أن نعلم وأن نأمر وننهى.
أما المتخلف فإن الله عز وجل لا يعذبه لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يعقل، والنائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يبلغ) فهذه مسألة مهمة جداً، الذي لا يعقل لا يكلفه الله عز وجل، مناط التكليف هو العقل، أما من يعقل فبقدر ما يعقل ينبغي أن نأمره ويتعود على ذلك، مثل الصلاة يمكن أن يتعود عليها ويمكن أن يألفها، وينبغي لك أن تصحبه معك إلى المسجد مادمت تأمن محافظته على طهارته، وتأمن تلويثه للمسجد، وتأمن عدوانه وأنه لا يعتدي على أحداً ولا يؤذي أحد، بل هو في حالة متوسطة كما ذكرت، فمثل هذا يجب عليك أن تصحبه معك إلى المسجد، ولك أجر في اصطحابه، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طـه:132] ولك في هذا أجر بإذن الله.
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها
الجواب: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ما دام المدرسون بذلوا جهدهم وأنت تبذل جهدك، الباقي على الله سبحانه وتعالى، ولله حكمة.
الله عز وجل عليم حكيم يا أحباب، هذه المسائل ليست بالأماني ولا بالأهواء ولا بالترجي، لا شك أن كل واحد يتمنى أن ولده أجمل وأذكى وأحسن وأقوى الأولاد، لكنه ابتلاء وامتحان ولله في ذلك حِكَم، فالإنسان يرضى بما قدر الله، لا شك أن الإنسان لا يتمنى البلاء، لكن إذا ابتلي بشيء من ذلك، فليصبر وليحتسب، وليتقرب إلى الله عز وجل بصبره على هذه البلوى.
جاء في الحديث (وهل تنصرون وترحمون وترزقون إلا بضعفائكم) بعض البيوت كان فيها من المتخلفين من لما كان موجوداً بينهم كانت الأرزاق تتدفق عليهم، والخيرات والأنس والشيء الكثير من الرضا، مع وجود هذا المتخلف عندهم، ولما كتب الله لهذا المتخلف أن يموت وفارقهم زال عنهم كثير مما كانوا يأنسونه ويطمئنون به، فلا تعلم أنت ما هي القضية، ولا يقول أحد: والله لا يرزقنا الله إلا بمتخلف، لا. لكن لله حكم وأسرار، وهنا يظهر سر الإيمان: وهو الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم بما لا نعلمه مما يختص الله بعمله، وهو الحكمة في الخلق والتدبير أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54].. لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].
الحث على الاهتمام بالمعاق من حيث النظافة
الجواب: هذه مسئولية تقع بالدرجة الأولى على أولياء الأمور في العناية بهؤلاء الصغار، وبهذا النوع من الطلاب، فعلى الأب والأم والأولياء في المنازل أن يهتموا بذلك، ولا يكون الغرب أكثر اهتماماً بالكلاب منا بأولادنا، إنك لتعجب يوم أن تدخل المحلات التجارية فتجد أجنحة خاصة فيها ملابس للكلاب، رقاب للكلاب، وطوق عنق للكلاب، وسلاسل مخصصة للكلاب، وحبل تمرين للكلب، وأشياء مثل البيجر اللاسلكي تجعل الكلب إذا أبعد بعيداً يعطى إشارة ويرجع، أصناف ومنتجات متخصصة لهؤلاء، فضلاً عن أدوات تنظيف الكلاب، ووجبات معينة للكلاب، وأشياء كثيرة.
إذا كان هؤلاء يهتمون بالبهائم، والله عز وجل قد أكرم هذا الخلق وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] ونفخ فيه من روحه، فينبغي أن نهتم به ونعتني به وألا نتهاون، وإذا شئت أن يهتم المدرسون بولدك، فعليك أن تعتني بنظافته، تخيل أن المدرس أمامه طالبان، هذا الأول قد اعتني به في رائحة جسمه، وفي تعطيره وتطيبه وملبسه ونظافته، والآخر لا تسل عن رائحته، رائحة ليست زكية، ولا تسل عن وسخ ثيابه، ولا تسل عن قروح بدنه، تأكد أن المدرس يقبل على هذا الطالب النظيف، وعلى هذا الطالب المعطر أكثر من هذا الطالب الآخر.
وإن كان المدرس عليه تقوى الله عز وجل، ولا يكون ظلم أهل هذا المعوق سبباً في أن يظلمه هو الآخر في عدم العناية به، لكن -أيضاً- ينبغي أن يعلم الآباء أن عنايتهم بأبنائهم سبب يعين المدرسين على مزيد من العناية والاهتمام وهذا لا يخفى.
شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوماً
الجواب: ورد في ذلك الحديث من العقوبة، لكن هل يعني ذلك أنه لا يصلي أو يسقط عنه فرض الصلاة؟
لا. هو يعاقب بعدم القبول مع وجوب العمل، كالذي يصلي في بيته آثم بترك الجماعة مع وجوب الصلاة عليه.
الفرق الضالة في صفات الله
الجواب: الذين ضلوا في باب الصفات فرق كثيرة، والضلال في جانب التوحيد ضلالٌ ندر من ضل فيه وهو الضلال في باب الربوبية، لا يعرف من ضل إلا من باب الجحود والعناد والمكابرة، كفرعون والدهرية الذين قالوا: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثـية:24].
والذين ضلوا في باب الألوهية طوائف كثيرة عاندت، وكفار قريش وأهل الجاهلية والذين يرون أن صرف العبادة لله وحده يسحب منهم كل ما يتمولون به بدعوى السيادة وخدمة سدانة الأضرحة وغير ذلك، ولذلك نازعوا أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5].
وهناك طوائف وهما قسمان: قسم لا يخرج عن الملة، لكنه ضل في هذا ضلالاً بعيداً، وقسم يخرج عن الملة، فالطوائف في هذا كثيرة، وأخبثهم وأشدهم الجهمية ، الذين قالوا: بنفي الصفات، والمعطلة بتعطيل الصفات، والذي أنصح به من يعتني بهذه المسائل، أولاً: أن يعتني بمنهج أهل السنة، حتى يعرف الحق، ثم بعد ذلك لا يضره ما هو اسم هذه الفرقة الضالة، المهم أن يعرف أن كل من خالف الحق فهو على الباطل أياً كان اسمه، مسمى جديد أو قديم.
ومن الخطأ أن الإنسان الذي يهتم بدراسة الصفات أن يشغل وقته بدراسة الفرق الضالة في الصفات -مثلاً- وهو لا يعرف الحق من منهج أهل السنة والجماعة في باب الصفات، وخلاصته كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولخصه الشيخ ابن عثيمين حفظه الله بقوله: إثبات ما أثبته الله لنفسه، وإثبات ما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم لربه، والثاني: نفي ما نفى الله عن نفسه، ونفي ما نفاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، والثالث: ما لم يرد فيه نفي ولا إثبات، وهذا هو الذي كثر فيه الكلام والقيل والقال، فـأهل السنة يتوقفون في لفظه ويفصلون في معناه، فإن كان المعنى يتضمن كمالاً يليق بالله يثبتونه، وإن كان المعنى يتضمن نقصاً ينزه الله عنه ينفونه.
وأوصي لمن أراد أن يقرأ قراءة سريعة ويحصن نفسه ويستفيد، هناك رسالة جميلة للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين بعنوان: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ، رسالة جميلة وجليلة ونافعة القدر وقيمة وصغيرة -أيضاً- من اعتنى بها أدرك الطريقة السليمة في باب الصفات، فإذا عرفت الحق عرفت أن ما سواه الباطل، وهذه خذها قاعدة في كل أمور حياتك، الآن المصباح الكهربائي الذي في السقف، لو قلت للطلاب: إن وضع المصباح تحت الكراسي خطأ، صحيح أنه خطأ، وكذلك وضعها على الطاولة، وفي المطبخ، وفي الزبالة، ووضعها على السبورة خطأ، كما تتصورون من حالات وصور الخطأ التي يمكن أن نعرضها في موضع هذا المصباح، لا نهاية من الأشكال والمواضع الخاطئة.
لكن حينما أبدأ وأقول: إن الموضع الصحيح لهذا المصباح وهذه النجفة بين قطبي الإضاءة، فيعرف من الوهلة الأولى أن هذا هو المكان الصواب، وأن ما سواه هو الخطأ، وبهذا تستريح من كثير من الصور، حتى لو لم تبين له أن هذا خطأ أو أن هذا باطل، يكفي أنه عرف الحق، ويعرف أن ما سواه الباطل.
وهناك الأشاعرة وهم فريقان: فريق يؤول كل الصفات، وفريق يؤول في سبع صفات فقط، والكلام يطول وليس هذا مقام تفصيل.
حكم استخدام آلات موسيقية للبكم في بداية تعليمهم
الجواب: إذا كان هذا الطفل سوف يستجيب لأصوات ومقامات البيانو هذا الذي تذكر، فاستجابته لأصوات بني آدم وهو أحوج ما يكون إلى تلقيها واستماعها والتعامل معها لا شك أن هذا أولى، ولا أظن أن هناك مصلحة أو فائدة إلا إذا كانت الحالة تقتضي، أي هو لا يمكن ولا يستفيد طبياً وعلمياً من هذه السماعات، وإنما يحتاج إلى أجهزة لها رنين مغناطيسي أو شيء معين، فتستخدم شيئاً بديلاً عن هذه المادة، حتى لا ينشأ على هذا العزف، وعلى هذا الأسلوب، وهناك الكثير من الأصوات البديلة.
الآن جهاز الجوال فيه سبعة وثلاثين نغمة، فيها نغمات موسيقية ونغمات جرسية عادية ليست بموسيقى، فلماذا تختار هذا الجانب وتدع هذا الجانب؟ والمؤدى واحد والوسيلة مختلفة، مادام عندك خيارات في الوسائل اختر ما هو أجدى وأبعد عن الشبهة.
حكم مس المصحف وقراءته بغير وضوء
الجواب: هذه مسألة خلافية والأحوط ألا يمس القرآن إلا متطهر طاهر، لحديث عمرو بن حزم فيما كتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم: (وألا يمس المصحف إلا طاهر) اختلف في ذلك هل المقصود طاهر من الشرك، أم طاهر بمعنى رفع الحدث وتحقيق الوضوء، والأحوط هو ألا يمس القرآن إلا طاهر، ولا يثرب ولا يشدد في ذلك، أما القراءة فالذي أحدث حدثاً أصغر فله أن يقرأ، وأما المحدث حدثاً أكبر أو الجنابة، فلا يجوز أن يقرأ من القرآن شيئاً حتى ولا آية ولا نصف آية، إلا ما كان ضمن كلامه، كقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون وهو لا يقصد الآية، أو بسم الله الرحمن الرحيم وهو لا يقصد الآية، أو حسبنا الله ونعم الوكيل وهو لا يقصد الآية.
أي: ما تلفظ به من جنس لفظ القرآن على غير قصد التلاوة فذلك جائز، أما أن يعمد ويقصد إلى التلاوة وهو جنب فلا، أما الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن، ويجوز لها أن تجعل المصحف في ملحفة أو أن تلبس قفازاً أو شيئاً يحول بينها وبينه وأن تمسه فلا حرج في ذلك.
وقال العلماء: الفرق بين الحائض والجنب: أن الجنب يملك رفع حدثه ويملك إيقاعه -أي: الرجل يختار أن يكون جنباً، ويملك أن يرفع الجنابة بالغسل- لكن المرأة لا تملك إيقاع الحيض ولا تملك رفعه، ومن ثم جاز للمرأة أن تقرأ وإن كانت في حيض حتى لا تنسى القرآن وتهجره، ولأن حدثها ليس بيدها، بخلاف الجنب فإنه يستطيع أن يوقع الحدث ويستطيع أن يرفعه.