شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا؛ فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نذل أو نذل، أو نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علينا.

أحبتي الكرام! ذكرنا سابقاً مقدمة لابد من ذكرها لطالب العلم؛ حتى يعرف أهمية أصول الفقه وفوائده، وذكرنا الخلل الحاصل في المرحلة العلمية في هذا العصر؟ وسببها وغير ذلك.

والآن سوف نشرح هذا الكتاب، والغرض من الشرح ليس فقط فك رموز كلام المؤلف، بل الغرض هو ما يمكن أن يستفيده طالب العلم من الكتاب، فلن نهتم بفك العبارات، والاعتراضات ورد الاعتراضات، والأخطاء التي وجدها العلماء في التعريفات وغير ذلك، لكننا سنشير إليها على عجالة.

سبب ابتداء المؤلفين كتبهم بالحمد لله

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أحمد الله على إحسانه وإفضاله، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وأصلي وأسلم على نبيه المكمل بإرساله، المؤيد في أقواله وأفعاله، وعلى جميع صحبه وآله وبعد .. فهذه قواعد الأصول ومعاقد الفصول من كتابي المسمى بتحقيق الأمل، مجردةً عن الدلائل، من غير إخلال بشيء من المسائل، تذكرةً للطالب المستبين، وتبصرة للراغب المستعين، وبالله أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبي ونعم الوكيل المعين].

المؤلفون رحمهم الله حين التأليف أول ما يذكرون حمدهم لله سبحانه وتعالى، والثناء عليه بما هو أهله، ثم يذكر بعضهم بعد ذلك سبب تأليفه لهذا الكتاب، إما رغبةً في تيسير هذا العلم، وإما لاختصاره، أو شرحه، وإما طلباً ممن لا يسعه مخالفتهم، وإما أنه قد شرح كتاباً من كتبه؛ فأراد أن يفصله، أو يفك ألغازه.

وهكذا ينبغي لطالب العلم أول ما يشق طريقه أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى، وأن يستعين به، وأن يكثر من الدعاء والثناء على الله سبحانه وتعالى، فإذا أراد أن يفهم باباً من أبواب الفقه، أو أن يستوعب كتاباً من الكتب؛ فعليه أن يكثر من الاستعانة بالله سبحانه وتعالى.

وهذا مما يغفل عنه طالب العلم؛ فتجده يجهد جهده في أن يسأل العلماء وطلبة العلم: أي الكتب أحسن؟ وأيها أضبط؟ ولا يكثر من الاستعانة بالله والاستخارة.

ويبتدئ الأئمة رحمهم الله كتبهم بالحمد لله اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يكتب كتبه بأبي هو وأمي -عليه الصلاة والسلام- إلى الحكام وغيرهم، مبتدئه بالحمد لله رب العالمين.

تعريف القواعد الأصولية

قول المؤلف رحمه الله: (فهذه قواعد الأصول ومعاقد الفصول من كتابي المسمى بتحقيق الأمل)، القواعد: هي القضايا الكلية التي تندرج تحتها قضايا جزئية. وقلنا: القضايا؛ لأنها مجموعة من الأحكام، ولم نقل: هي الحكم؛ لأنه أحياناً قد لا تدخل بعض الأشياء في هذا الحكم، فقولنا: قضايا، أضبط من حيث التعريف، (كلية)، هي مثل الأحكام التي تقول: الأمر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، وقلنا: قضية كلية؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب، يدخل في الاعتقاد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ [النساء:136]، فهذا أمر بالإيمان بالله وكتابه، وأيضاً: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النور:56]، هذا أمر بالصلاة، وأيضاً: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، هذا أمر بالزكاة، وأيضاً: ( إن الله كتب عليكم الحج فحجوا )، أمر بالحج، ويضاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، أمر بالصيام، كل هذه الأشياء فيها الأمر، والأمر هنا قضية كلية، دخلت في الصلاة، وفي الاعتقاد، وفي الصيام، والزكاة، والحج، وهذا معنى القضية الكلية، التي يندرج تحتها جزئيات.

فالصلاة: فيها أوامر، وهي جزئيات كثيرة، والزكاة فيها أوامر. والمستحب قضية كلية، يندرج تحته جزئيات في الصلاة والصيام وغير ذلك. هذا معنى قضية كلية، تندرج تحتها قضايا جزئية.

والمؤلف رحمه الله مهتم بالأصول، وقد ألف كتاباً اسمه: تحقيق الأمل، ذكر فيه مسائل الأصول، وأدلة كل فريق، والرد على المخالف، والاعتراض على الردود، وقد يذكر أحياناً توقفاً في المسألة، أو ترجيحاً.

وأنت سترى أنه أحياناً يختار الراجح؛ مما يدل على أن كلا المسألتين محتملة عنده، وأحياناً لا يشير إلى القول الراجح؛ مما يدل على أن هذه واضحة عنده؛ لا تحتاج إلى مزيد بحث وإطناب.

قوله: (فهذه قواعد الأصول ومعاقد الفصول)، المؤلف هنا لم يسر على ما سار عليه الذين ألفوا القواعد الأصولية، بأن يذكروا القاعدة، مثل: الأصل في الأوامر الوجوب، ثم يذكرون أمثلة عليها، والأصل في الأمر التكرار أو عدم التكرار، ثم يذكرون الأمثلة، والأصل في العموم أنه على عمومه ما لم يرد تخصيصه، ثم يذكرون الأمثلة، وإنما سار على طريقة علماء الأصول في ذكرهم للمختصرات، فكأنه قال: تحقيق الأمل هو شرح لكلام الأصوليين، وهذا الكتاب زبدته، فكأنه قعَّده واختصره.

المقصود بقول المؤلف: مجردة من الدلائل

قول المؤلف: (مجردةً من الدلائل)، يعني لم يذكر الدليل، ولا سبب الترجيح، فإن كنت تريد الدليل؛ فعليك بكتاب تحقيق الأمل أو غيره من الكتب.

المقصود بقول المؤلف: من غير إخلال بشيء من المسائل

قول المؤلف: (من غير إخلال بشيء من المسائل)، وهذه فائدة: أن طالب العلم لا يكون طالب علم بحق إلا إذا كان فاهماً للعلم، واثقاً من نفسه في ذلك، وعدم الثقة بالنفس تجعل الإنسان يتردد، ولا يحسن بطالب العلم في كل مسألة أن يتردد، ولا يعرف القول الراجح. ولهذا تجدون أحياناً العالم الموسوعي الذي عنده إلمام بالأصول والفقه والحديث، يعطي معلومات، لكن إذا سئل عن الراجح، يقول: تحتاج تأمل، وهذا ليس ورعاً، ولكن لأنه لم يحقق في ذلك، ولهذا ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يكون ملماً بأي علم، أن يكون من المحققين.

ولهذا تجدون: أئمة التحقيق كشيخنا عبد العزيز بن باز ، وشيخنا ابن عثيمين يهتمون بالتحقيق، فلو قلت للشيخ محمد : ما هو قول أبي حنيفة في كذا؟ ربما لم يعرف هذا القول أو يستحضره، كما قال في مسألة من المسائل: أما الأقوال فلا أحفظها، ولكن الراجح كذا، لماذا؟ لأنه حقق المسألة، وقرأ الأقوال، ثم اختار، وهذا هو الذي ينبغي لطالب العلم.

المقصود بقول المؤلف: تذكرة للطالب المستبين

قول المؤلف: (تذكرةً للطالب المستبين)، أي: طالب العلم الذي يريد أن يتبين هذا العلم سوف يجده في هذا الكتاب، وإن كتاب قواعد الأصول ومعاقد الفصول من الكتب المختصرة الجيدة، فإنه فيه مميزات تفوق ما في كتاب الورقات للجويني ، وإن كان الورقات قد اهتم به الأئمة اهتماماً كثيراً، وهذا الكتاب قل أن يهتم العلماء بشرحه، وإن كان المتأخرون قد اعتنوا به.

قوله: [ وتبصرةً للراغب المستعين، وبالله أستعين، وعليه أتوكل ]، وهكذا ينبغي لطالب العلم ألا يتكل إلى نفسه، فإن الإنسان إذا وكل إلى نفسه ولو طرفة عين؛ هلك وعطب.

المقصود بقول المؤلف: وهو حسبي ونعم الوكيل

قول المؤلف: (وهو حسبي ونعم الوكيل المعين)، التوكل: هو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في الأمور القلبية، وأما في الأمور العملية؛ فليس بتوكل، بل هي وكالة، ومنه: تعرف خطأ قول العامة: توكلت على الله ثم عليك، فهذا لا يجوز من وجه، وهو خطأ في اللغة من وجه آخر، فلا يجوز لأنك كأنك اعتمدت بقلبك على الله ثم على المخلوق، ولا يسوغ الاعتماد على المخلوق، والخطأ الثاني: أنك بعبارتك هذه تقصد أنك توكلت على الله في وكالة المرء لك.

والصحيح أن تقول: توكلت على الله في توكيلك لهذا الأمر، فقد استخرت ربي، وسألته؛ فاختار لي أن أوكل غيري مكاني وهو فلان، فلا تقل: توكلت على الله ثم عليك؛ لأنك تقول: فوضت أمري إلى الله، ثم فوضت لك وهذا خطأ، فأنت لم تفوض العاقبة والنتيجة والمصير، فهذا كله إلى الله قال تعالى: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ [غافر:44]، أما المخلوق؛ فإنه ينوب عنك في العمل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أحمد الله على إحسانه وإفضاله، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وأصلي وأسلم على نبيه المكمل بإرساله، المؤيد في أقواله وأفعاله، وعلى جميع صحبه وآله وبعد .. فهذه قواعد الأصول ومعاقد الفصول من كتابي المسمى بتحقيق الأمل، مجردةً عن الدلائل، من غير إخلال بشيء من المسائل، تذكرةً للطالب المستبين، وتبصرة للراغب المستعين، وبالله أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبي ونعم الوكيل المعين].

المؤلفون رحمهم الله حين التأليف أول ما يذكرون حمدهم لله سبحانه وتعالى، والثناء عليه بما هو أهله، ثم يذكر بعضهم بعد ذلك سبب تأليفه لهذا الكتاب، إما رغبةً في تيسير هذا العلم، وإما لاختصاره، أو شرحه، وإما طلباً ممن لا يسعه مخالفتهم، وإما أنه قد شرح كتاباً من كتبه؛ فأراد أن يفصله، أو يفك ألغازه.

وهكذا ينبغي لطالب العلم أول ما يشق طريقه أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى، وأن يستعين به، وأن يكثر من الدعاء والثناء على الله سبحانه وتعالى، فإذا أراد أن يفهم باباً من أبواب الفقه، أو أن يستوعب كتاباً من الكتب؛ فعليه أن يكثر من الاستعانة بالله سبحانه وتعالى.

وهذا مما يغفل عنه طالب العلم؛ فتجده يجهد جهده في أن يسأل العلماء وطلبة العلم: أي الكتب أحسن؟ وأيها أضبط؟ ولا يكثر من الاستعانة بالله والاستخارة.

ويبتدئ الأئمة رحمهم الله كتبهم بالحمد لله اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يكتب كتبه بأبي هو وأمي -عليه الصلاة والسلام- إلى الحكام وغيرهم، مبتدئه بالحمد لله رب العالمين.

قول المؤلف رحمه الله: (فهذه قواعد الأصول ومعاقد الفصول من كتابي المسمى بتحقيق الأمل)، القواعد: هي القضايا الكلية التي تندرج تحتها قضايا جزئية. وقلنا: القضايا؛ لأنها مجموعة من الأحكام، ولم نقل: هي الحكم؛ لأنه أحياناً قد لا تدخل بعض الأشياء في هذا الحكم، فقولنا: قضايا، أضبط من حيث التعريف، (كلية)، هي مثل الأحكام التي تقول: الأمر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، وقلنا: قضية كلية؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب، يدخل في الاعتقاد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ [النساء:136]، فهذا أمر بالإيمان بالله وكتابه، وأيضاً: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النور:56]، هذا أمر بالصلاة، وأيضاً: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، هذا أمر بالزكاة، وأيضاً: ( إن الله كتب عليكم الحج فحجوا )، أمر بالحج، ويضاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، أمر بالصيام، كل هذه الأشياء فيها الأمر، والأمر هنا قضية كلية، دخلت في الصلاة، وفي الاعتقاد، وفي الصيام، والزكاة، والحج، وهذا معنى القضية الكلية، التي يندرج تحتها جزئيات.

فالصلاة: فيها أوامر، وهي جزئيات كثيرة، والزكاة فيها أوامر. والمستحب قضية كلية، يندرج تحته جزئيات في الصلاة والصيام وغير ذلك. هذا معنى قضية كلية، تندرج تحتها قضايا جزئية.

والمؤلف رحمه الله مهتم بالأصول، وقد ألف كتاباً اسمه: تحقيق الأمل، ذكر فيه مسائل الأصول، وأدلة كل فريق، والرد على المخالف، والاعتراض على الردود، وقد يذكر أحياناً توقفاً في المسألة، أو ترجيحاً.

وأنت سترى أنه أحياناً يختار الراجح؛ مما يدل على أن كلا المسألتين محتملة عنده، وأحياناً لا يشير إلى القول الراجح؛ مما يدل على أن هذه واضحة عنده؛ لا تحتاج إلى مزيد بحث وإطناب.

قوله: (فهذه قواعد الأصول ومعاقد الفصول)، المؤلف هنا لم يسر على ما سار عليه الذين ألفوا القواعد الأصولية، بأن يذكروا القاعدة، مثل: الأصل في الأوامر الوجوب، ثم يذكرون أمثلة عليها، والأصل في الأمر التكرار أو عدم التكرار، ثم يذكرون الأمثلة، والأصل في العموم أنه على عمومه ما لم يرد تخصيصه، ثم يذكرون الأمثلة، وإنما سار على طريقة علماء الأصول في ذكرهم للمختصرات، فكأنه قال: تحقيق الأمل هو شرح لكلام الأصوليين، وهذا الكتاب زبدته، فكأنه قعَّده واختصره.

قول المؤلف: (مجردةً من الدلائل)، يعني لم يذكر الدليل، ولا سبب الترجيح، فإن كنت تريد الدليل؛ فعليك بكتاب تحقيق الأمل أو غيره من الكتب.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول [4] 2261 استماع
شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول [1] 1679 استماع
شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول [3] 1486 استماع
شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول [5] 1388 استماع