خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب سترة المصلي - حديث 242-246
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، والذين كانوا نجوم الدجى، هدى الله بهم من الضلالة، وبصر بهم من العمى، وفتح بهم أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا ممن سار على نهجهم واقتفى أثرهم واتبع هداهم، إنه على كل شيء قدير.
أيها الإخوة الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعندنا في هذه الليلة أربعة أحاديث أو خمسة.
قال المصنف رحمه الله: [باب سترة المصلي].
تعريف السترة
وقد ضبطت بضم السين في كتب اللغة، ككتاب التهذيب للأزهري والقاموس للفيروزآبادي والمعجم لـابن فارس وغيرهم، فهي بضم السين: (سُترة المصلي).
مشروعية السترة
فوائد السترة
كما أن من فائدتها: أنها تمنع المرور بين يدي المصلي وتمنع قطع صلاته؛ لأن المصلي إذا وضع لنفسه سترة كأنه جعل لنفسه حريماً، يعني: منطقة محرمة لا يجوز المرور منها، لا يمر منها الشيطان ولا يمر منها غيره، يمنع من المرور، لكن إذا لم يضع لنفسه سترة فقد يمر الشيطان وقد يمر غيره من شياطين الإنس، وقد لا يستطيع الإنسان أن يمنعهم من ذلك؛ لأنه قصر وفرط في وضع السترة.
هي بضم السين: سُترة، والمقصود بالسترة: هو ما يستتر به الإنسان، والمراد بها هنا: هو ما يجعله المصلي بينه وبين القبلة.
وقد ضبطت بضم السين في كتب اللغة، ككتاب التهذيب للأزهري والقاموس للفيروزآبادي والمعجم لـابن فارس وغيرهم، فهي بضم السين: (سُترة المصلي).
والسترة للمصلي مشروعة بإجماع أهل العلم، أجمع أهل العلم على أنه يستحب للمصلي أن يجعل بينه وبين القبلة سترة يستتر بها من قوس أو سهم أو عصا أو جدار أو غيره، ذكر الإجماع على ذلك الإمام ابن رشد في بداية المجتهد، وذكره ابن عبد البر، وذكره ابن حامد من الشافعية، وقال ابن قدامة في المغني : (لا نعلم في استحباب ذلك خلافاً بين أهل العلم). يعني: أجمع هؤلاء العلماء على أنها مشروعة، وقد سبق أن بينت لكم أن معنى (مشروع) يعني: مطلوب شرعاً، لكن من غير تحديد هل هو مطلوب على سبيل الإيجاب أو على سبيل الاستحباب؟ فهو مشروع عند جميع العلماء، إلا أن فئة قليلة منهم -وخاصة من المالكية- خصوا الاستحباب بما إذا خشي أن تقطع صلاته، فكأنه على هذا قالوا: يستتر في الحضر، لكن في السفر إذا كان في البرية وليس عنده أحد قالوا: لا يستحب له أن يضع سترة، هذا كلام بعض المالكية وليس له وجه، وليس لهذا التفصيل بين الحضر والسفر وجه، أو بين خشيته أن يمر أو عدم خشيته، بل السترة مشروعة عند كافة أهل العلم في جميع الأحوال.
وفائدة السترة أولاً: أنها تقطع نظر المصلي عما أمامه، فتجعل بصره محصوراً في موضع سجوده، فلا يذهب بصره يمنة ويسرة، وتذكره دائماً بأنه في صلاة، وأنه ينبغي ألا يتعدى هذا الحد الذي حده لنفسه.
كما أن من فائدتها: أنها تمنع المرور بين يدي المصلي وتمنع قطع صلاته؛ لأن المصلي إذا وضع لنفسه سترة كأنه جعل لنفسه حريماً، يعني: منطقة محرمة لا يجوز المرور منها، لا يمر منها الشيطان ولا يمر منها غيره، يمنع من المرور، لكن إذا لم يضع لنفسه سترة فقد يمر الشيطان وقد يمر غيره من شياطين الإنس، وقد لا يستطيع الإنسان أن يمنعهم من ذلك؛ لأنه قصر وفرط في وضع السترة.
الحديث الأول من أحاديث الباب هو حديث أبي جهيم بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي... ) إلى آخر الحديث.
ترجمة راوي الحديث
رواه البخاري في صحيحه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل من نحو بئر جمل -وهذا موضع بـالمدينة - فسلم عليه رجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الجدار فتيمم ثم رد عليه السلام )، والحديث رواه البخاري وذكره مسلم تعليقاً.
أما حديثه الثالث فقد رواه البغوي، وهو في نزول القرآن على سبعة أحرف: ( أن رجلين من المسلمين اختلفا في آية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف )، فهذه أحاديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه.
تخريج الحديث
المسافة الممنوع المرور فيها بين يدي المصلي
وذهب آخرون إلى أن ما بين يدي المصلي هو ما بين وقوفه وبين موضع سجوده.
وقالت فئة ثالثة: بل هو ما أمامه بقدر رمية بحجر. وهذا بعيد جداً، ولعل القول الأوسط هو الأنسب، فيقال: الممنوع هو أن تمر بين المصلي وبين آخر مكان يسجد عليه.
أما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في داخل الكعبة إلى الجدار وبينه وبينه نحو ثلاثة أذرع فإن هذا غالباً هو المناسب للسترة، أن الإنسان يجعلها في قدر ثلاثة أذرع أو قريباً من ذلك، بحيث يكون بين السترة وبين موضع السجود قدر ممر شاة.
الكلام على زيادة (من الإثم) في الحديث
والكشميهني هذا -كما ذكر السمعاني في الأنساب، وكما ذكر ياقوت في معجم البلدان - اسمه: أبو الهيثم محمد بن مكي بن محمد بن زراع الكشميهني، وتضبط كلمة الكشميهني هكذا؛ لأن عدداً من طلبة العلم سألوني: كيف تضبط هذه الكلمة؟ لأن كل إنسان يقرؤها بطريقة، بعضهم يقول الكشمهينني، وبعضهم يقول: الكشميهني، وبعضهم: الكشميهني، وبعضهم يكسر الكاف أو يفتحها، فضبط هذه الكلمة كما يلي: تضبط بضم الكاف وسكون الشين المعجمة: الكُش، أما الميم فتنطق بالكسر أو بالفتح، يجوز أن تقول: الكُشْمِي أو الكُشْمَي، وأما الياء فهي ساكنة، وأما الهاء فهي مفتوحة. إذاً: ضبطه: الكُشْمَيْهَني، أو الكُشْمِيْهَني، هكذا ضبطه السمعاني في الأنساب وياقوت الحموي في معجم البلدان، فليقيد وليعلم ذلك.
و الكشميهني لم يكن من العلماء، ولذلك تفرد بكلمة (من الإثم)، وهذه زيادة من عنده ليست في شيء من الروايات، ليست في البخاري ولا مسلم ولا في السنن ولا في المسانيد ولا في المستخرجات ولا في غيرها، ولذلك فإن الحديث رواه مالك في الموطأ بدون هذه الزيادة، والبخاري رواه عن مالك أيضاً، البخاري رواه من طريق مالك .
قال ابن عبد البر : لم يختلف على مالك في شيء من ألفاظ هذا الحديث، فكل الرواة رووه عن مالك بهذا دون زيادة (من الإثم)، وقد أنكر هذه الزيادة الحافظ ابن حجر، وأنكر على المحب الطبري أنه ذكر الحديث في كتاب الأحكام ونسبه للبخاري بهذه الزيادة، وكذلك أنكر ابن حجر على صاحب العمدة أنه ذكر الحديث بهذه الزيادة فأوهم أنها في الصحيحين وليست كذلك، وكذلك أنكر ابن الصلاح هذه الزيادة وقال: ليست في شيء من الروايات، وكذلك النووي ذكر الحديث في المجموع بدون الزيادة: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين ) بدون كلمة: (من الإثم)، ثم قال: وقد روينا الحديث في الأربعين للإمام الرهاوي بزيادة: (ماذا عليه من الإثم)، فدل على أن زيادة (من الإثم) لا توجد إلا في كتاب الأربعين للإمام الرهاوي .
وكذلك في مصنف ابن أبي شيبة جاء الحديث: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ) يعني: من الإثم، فكأنها زيادة من بعض الشراح لبيان المبهم، فظنها بعضهم من المتن فأدخلوها في صحيح البخاري .
والعجب كله من المصنف -رحمه الله- ابن حجر، فإنه قد أنكر على المحب الطبري كيف ذكر الرواية ونسبها للبخاري، وأنكر على صاحب العمدة كيف ذكر الزيادة ونسبها للشيخين، ثم وقع هو في الأمرين معاً الذي أنكره عليهما، فإنه ساق الحديث هنا بهذه الزيادة، بزيادة: (من الإثم) وقال: متفق عليه، فدل على أن اللفظ هذا على حسب كلام المصنف موجود في الصحيحين، ثم قال: واللفظ للبخاري، فدل على أن هذا اللفظ موجود في البخاري أيضاً، وكلاهما غير صحيح، وبهذا يعلم ما تقرر وعلم: فإن الإنسان بشر لا يسلم من النقص والزلة، وقد يقع هو فيما استدركه على غيره، والكمال لله عز وجل والعصمة لرسله عليهم الصلاة والسلام.
وقد رجعت لأتثبت وأتأكد إلى مخطوطاتي -مخطوطات عندي لكتاب بلوغ المرام إحداهما صورت لي من المكتبة المحمودية والأخرى صورت من مكتبة عارف حكمت كلاهما بـالمدينة المنورة - فوجدت هذه الزيادة فيهما، معنى ذلك، أن المصنف -فعلاً- وقع في الوهم، فنسب زيادة (من الإثم) إلى البخاري أو إلى المتفق عليه، وهذا خطأ؛ فإنها ليست في البخاري ولا مسلم، ولا تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإن كان معناها صحيح، (ماذا عليه) يعني: من الإثم، لكن لم ترد هذه، ليست من كلام المصطفى عليه الصلاة والسلام.
المراد بالأربعين في الحديث
فإن كان الإبهام من الرسول عليه الصلاة والسلام فهو على سبيل التفخيم والتعظيم للأمر.
ويحتمل أن يكون من بعض الرواة، فإن كان الإبهام من بعض الرواة فهو للشك والتردد، يعني: شك الراوي هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أربعين يوماً، أو قال: أربعين شهراً، أو قال: أربعين سنة؟ فآثر الراوي أن يترك التمييز بيوم أو شهر أو سنة لئلا يقع في القول على الرسول صلى الله عليه وسلم بغير علم.
أما رواية البزار التي أشار إليها المصنف في آخر الحديث قال: [ووقع في البزار من وجه آخر: أربعين خريفاً] فهذه مميزة، بدلاً من قوله هنا: (لكان أن يقف أربعين) بين لنا أن المقصود بالأربعين أربعين خريفاً، فيحتمل أن يكون المقصود بالخريف السنة، فإن هذا من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، هو معروف عند أهل اللغة كما ذكره الفيروزآبادي وغيره، ويحتمل أن يكون المراد بالخريف جزءاً من السنة، وهو الفصل المعروف بين الشتاء وبين القيض، فإنه يسمى الخريف وقدره ثلاثة أشهر.
إذاً: يحتمل هذا وهذا، والأقرب أن يكون المقصود بالخريف السنة؛ لأنه لا معنى لتحديد الفصل والله أعلم، لكن أيضاً هذه الزيادة -أربعين خريفاً- التي ذكرها المصنف عن البزار، شاذة، فإنه قد تفرد بها سفيان بن عيينة عن بقية الرواة الثقات، كـمالك وسفيان الثوري وغيرهما، وهي زيادةٌ حَكَم جماعة من أهل العلم بأنها زيادة شاذة لا تصح.
وقد جاء في رواية أخرى عند الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكان أن يقف أربعين عاماً خيراً له من تلك الخطوة التي خطاها )، وهذا دليل -أولاً- على أن قوله: (لكان أن يقف أربعين) يعني: أربعين سنة أو عاماً، وهو دليل -ثانياً- على أن التحديد بالأربعين ليس على سبيل التخصيص بالأربعين، مثلما تكلف بعضهم: لماذا خصص الأربعين؟ قالوا: لأن الإنسان يتكامل في أربعين .. إلى آخره، وأتوا بتأويلات وتعديلات لا دليل عليها، وفيها من التكلف شيء ظاهر، فحديث أبي هريرة : (لكان أن يقف مائة عام) دليل على أن ذكر الأربعين ليس للتحديد والتخصيص وإنما هو للتكثير، فهو كقول الله عز وجل: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80]، ليس معناه: أنه لو استغفر النبي صلى الله عليه وسلم إحدى وسبعين مرة لغفر الله لهم، لكن المقصود: مهما استغفرت لهم فلن يغفر الله لهم؛ لأنهم مشركون كافرون لا يغفر لهم.
إذاً: قوله: (أربعين) ليس المقصود التحديد بأربعين، لكن المقصود التكثير وتعظيم الإثم المترتب على مرور الإنسان بين يدي المصلي.
قوله عليه الصلاة والسلام: ( لكان أن يقف أربعين خيراً له ) هكذا هو في الرواية في الصحيحين: (خيراً) بالنصب، وإعرابها حينئذ خبر (كان)، والتقدير: لكان وقوفه أربعين سنة خيراً له من المرور. وقد جاء في رواية الترمذي بالرفع: (خير له)، وعلى هذا أعربها ابن العربي بأنها اسم (كان) والخبر هو (أن يقف)، أي: لكان خيرٌ له أن يقف، وقد يشكل على هذا أنه نكرة، ولا يجوز الابتداء بالنكرة كما قال ابن مالك، ولكن يمكن أن يقال: إنها نكرة موصوفة.
فوائد الحديث
أولها: تحريم المرور بين يدي المصلي.
وقد ذكر بعض المالكية للمرور بين يدي المصلي أربع صور:
الصورة الأولى: أن يكون المصلي تعمد التعرض للمار والمار كان له مندوحة ومساغ ألا يمر بين يديه، مثال: إنسان جاء ووقف يصلي في الطريق وهو يعرف أن الناس سيمرون بين يديه، فتعمد أن يؤذيهم ويقف يصلي في طريقهم، فجاء إنسان وكان له مساغ أن يأتي من وراء المصلي، لكنه مع ذلك تعمد أن يمر من أمام المصلي، ففي هذه الحالة من الآثم منهما؟ كلاهما، كلاهما يبحث عن الشر في هذه الحالة: المصلي يصلي في الطريق ليعترض الناس، والمار كان يستطيع أن يأتي من وراء المصلي لكنه لم يفعل، ففي هذه الحالة كلاهما آثم.
الصورة الثانية: ألا يتعمد المصلي التعرض للمارة والمار لا يجد مساغاً، مثلاً: مصل أتى وصلى إلى سترة واقترب منها بعيداً عن الناس، فجاء مار بعدما ازدحم الناس وتكاثروا ولم يجد له مساغاً إلا أن يمر بين يدي المصلي وهو مضطر إلى ذلك لا يستطيع أن يقف وينتظر، فمر بين يديه، ففي هذه الحالة على من الإثم؟ ليس على أحد منهما إثم، كلاهما معذور، المصلي ما قصر فاتخذ الحيطة الواجبة أو المستحبة، وكذلك المار اضطر إلى ذلك، فلا إثم عليهما.
الحالة الثالثة: أن يتعمد المصلي التعرض للمارة ولا يجد المار مساغاً، مثل طريق ضيق وقف فيه إنسان وصلى، فجاء إنسان ما يستطيع أن يمر إلا من أمام المصلي فمر من أمامه، ففي هذه الحالة الإثم على المصلي؛ لأنه هو الذي تعمد الوقوف للصلاة في الطريق.
الصورة الرابعة: هي ألا يتعمد المصلي التعرض للمارة ويجد المار مساغاً، مثل: إنسان يصلي إلى سترة فجاء رجل فمر بين يديه وكان يستطيع أن يمر من ورائه، ففي هذه الحالة الإثم على المار؛ لأنه كان يستطيع أن يأتي من وراء المصلي ولا يقطع عليه صلاته.
أما بالنسبة للحرم هناك بعض أهل العلم قالوا: إن الحرم مستثنى من ذلك، واحتجوا بـ حديث المطلب : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والطوف يمرون بين يديه )، ولكنه حديث ضعيف فيه انقطاع.
وممن يذهب إلى هذا القول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، فإنه يرى أنه لا حرج في المرور بين يدي المصلي.
والأقرب أن الحرم كغيره في الأحوال العادية، لكنه يتسامح فيه للحاجة والضرورة إذا كثر الناس وكثر الزحام، لما في ذلك من الحرج والمشقة العظيمة في تجنب المرور بين يدي المصلي، وكل زحام فإنه يكون كذلك، سواء كان في الحرم المكي أو المدني أو غيرهما.
وذكر بعض أهل العلم من فوائد الحديث: أن المرور بين يدي المصلي من كبائر الذنوب، واحتجوا على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم توعده بهذا الإثم العظيم، وهذا يحتاج إلى تأمل.
ومن فوائد الحديث -وهي فائدة وإن كانت ظاهرة إلا أنها نفيسة تستحق التقييد-: أن عذاب الآخرة أعظم من عذاب الدنيا، ولكن الناس لغفلتهم وقلة فقههم وضعف يقينهم يتحملون عذاب الآخرة ولا يتحملون عذاب الدنيا، مع أن القاعدة التي يقر بها جميع العقلاء: أنه تدفع المفسدة الأعظم بالمفسدة الأخف، يرتكب أخف الضررين لدفع أشدهما، ولكن الناس لا يرون الآخرة ولا يشاهدونها عياناً وتغفل قلوبهم فيؤثرون العاجلة، ولذلك يذكّرون بهذا كثيراً، كما قال الله عز وجل: وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا [التوبة:81] .
وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الملاعنة (الرجل الذي رمى امرأته بالزنا فتلاعنا) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرجل والمرأة بأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وهكذا هنا عذاب الدنيا ما هو؟ هو أن تقف خمس دقائق تنتظر حتى يسلم المصلي، هذا عذاب الدنيا، قد تقف في الشمس أو قد لا تكون شمساً، لكن المهم أنك واقف أو قاعد، وقد يكون فيه بعض القطيعة للإنسان عن عمل يريده، فلو تصورنا أن في هذا عناء على الإنسان وتعباً؛ فهل يقاس هذا بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الإنسان لو تصور حجم العذاب الذي سينزل به لكان انتظاره ليس خمس دقائق فقط بل أربعين سنة، وفي حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه مائة سنة، فما بال الإنسان يرتكب هذه المعصية وينسى العذاب الشديد الذي توعد الله تعالى به من يفعل ذلك؟! مع أنه لو فعل هذا لم يكن عليه فيه مشقة تذكر.
فهذا دليل على ضعف اليقين وقلة الفقه، وإلا فإن الإنسان مجبول مفطور على تحمل المفسدة الأخف في دفع الأشد، وهذا معروف عند جميع العقلاء وفي جميع الملل والأديان.
الفائدة الرابعة: أن المنهي عنه هو المرور قريباً من المصلي بينه وبين سترته، أو بينه وبين موضع سجوده، أما لو مر وراء ذلك فإنه لا حرج عليه.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4784 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4394 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4213 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4095 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4047 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4021 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3974 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3917 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3900 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3879 استماع |