الروض المربع - كتاب الجنائز [13]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

ما يقال عند المرور بالمقابر

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويسن أن يقول إذا زارها أو مر بها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، للأخبار الواردة بذلك، وقوله: إن شاء الله بكم لاحقون استثناء للتبرك، أو راجع للحوق لا للموت، أو إلى البقاع. ويسمع الميت الكلام، ويعرف زائره يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس، وفي الغنية يعرفه كل وقت، وهذا الوقت آكد. وتباح زيارة قبر كافر، وتسن تعزية المسلم المصاب بالميت ولو صغيراً قبل الدفن وبعده، لما روى ابن ماجه وإسناده ثقات عن عمرو بن حزم مرفوعاً: ( ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة )، ولا تعزية بعد ثلاث، فيقال لمصاب بمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك، وبكافر: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك. وتحرم تعزية كافر وكره تكرارها، ويرد معزى: استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك ].

قول المؤلف: (ويسن أن يقول إذا زارها أو مر بها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم)، ثم قال: (للأخبار الواردة).

هل يثبت الدعاء عند المرور إلى المقبرة، أو عند المرور في القبور، أو بين القبور؟

الذي يظهر -الله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- أن مجرد المرور عند المقابر يسن معه أن يقول الإنسان هذا الدعاء، ولهذا أرى والله أعلم أن الإنسان لو كان في سيارته فمر بجانب سور المقبرة فلا حرج أن يقوله؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة الطويل، وفيه: ( يا رسول الله! ماذا أقول إذا مررت بالقبور؟ قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين ) الحديث، وهذا كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم -والله أعلم- أن نهي النساء عن زيارة القبور كان ثابتاً، وقولنا: إنه كان في آخر الإسلام في آخر حياته صلى الله عليه وسلم؛ لأن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتصلي عليهم )، وفيه أن عائشة راقبت النبي صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة : ( فأحضر فأحضرت، فأسرع فأسرعت، فما هو إلا أن دخلت البيت، فجلست على السرير، فدخل فرآني حشيا رابياً -يعني: أتنفس بقوة- فقال: ما شأنك يا عائشة؟ فالتفت فقلت: لا شيء، قال: لتخبرني، أو ليخبرني اللطيف الخبير، فأخبرته الخبر فلهدني لهدة على صدري حتى أوجعتني، فقال: أما تخشين أن يحيف الله عليك ورسوله) الحديث، وهذا يدل على أن ذلك كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم.

والمؤلف رحمه الله ذكر بعض الأحاديث بعضها في بعض، وهنا مسألة متعلقة بالجمع بين الأحاديث، هل يفعل هذا تارة وهذا تارة، وهل لو جمع بعض الأحاديث يكون جائزاً؟

أولاً: نحن نعلم أن ثمة فرقاً بين الدعاء والذكر، فأما الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ذكر مقصود به التقييد، فهذا -والله أعلم- لا يفعله إلا مرة، ولا يجمع، وذلك مثل الذكر الوارد في التشهد الأول أو الثاني، أو الذكر الوارد في دعاء الاستفتاح، فهذا المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر مرة واحدة، فاستفتح بسبحانك اللهم مثلاً، وإن كان لم يثبت أنه قاله مرفوعاً، وإن كان ثبت عن عمر، ومثلما لو دعا: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي )، فلا يشرع أن يقول: اللهم باعد بين خطاياي، ويقول: سبحانك اللهم، هذا هو قول عامة أهل العلم خلافاً لـابن هبيرة وبعض فقهاء الحنابلة، وقد ذكروا دليل ذلك فيما رواه البيهقي من حديث علي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح فيقول: اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها، أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ) الحديث، والذي يظهر والله أعلم أن ذلك غير مشروع، وقد تكلم فيه ابن القيم، وأبو العباس بن تيمية وابن رجب.

وعليه فالتشهد لا يشرع الإنسان أن يقول تشهد عمر، ثم تشهد ابن عباس ، ثم تشهد ابن مسعود؛ لأن هذا ذكر يقصد به التقييد، يعني: مرة واحدة.

القسم الثاني: الذكر الذي يقصد به مطلق الذكر؛ لورود أحاديث تدل على المطلقية، كما قال تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:98]، فهذا لا حرج أن يذكر الإنسان كل ما ورد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقصد فعل ذكر عقب عبادة، والله أعلم، يعني: عبادة مقصودة فيها ذكر معين، فهذا لا حرج أن يذكر الإنسان كل ما ورد في الصباح، وكل ما ورد في المساء، أو كل ما ورد عند نزول المطر.

ثانياً: الدعاء، فالدعاء ليس له حد محدود، فيجوز للإنسان أن يدعو بكل ما ورد فيدعو عند نزول المطر بكل ما ورد، ويدعو عند الخروج من المنزل بكل ما ورد، ويدعو في دخول المسجد بكل ما ورد؛ لأن هذا موطن دعاء فيجوز للإنسان أن يذكر ما ورد، وعليه فلا بأس أن يجمع فيه كل ما ورد، ولا يعد هذا جمعاً بين الأذكار التي يقصد بها التقييد، والمؤلف رحمه الله جمع بين حديثين، فبأي دعاء دعا حصل على السنة والله أعلم.

المراد بقوله: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون

قال المؤلف رحمه الله: (وإنا شاء الله بكم لاحقون).

هذا التعليق ذكره المؤلف بقوله: (استثناءً للتبرك)، يعني: قوله (إن شاء الله) لم يقصد به التعليق، وإنما قصد بها التبرك؛ لأن كلمة (إن شاء الله) قد يقصد بها تعليق الأمر على المشيئة، وقد يقصد به التبرك.

قال المؤلف رحمه الله: (أو راجع للحوق لا للموت)؛ لأن اللحوق إليهم قد يحصل وقد لا يحصل، أما الموت فهو حاصل، الآن لو قلت: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يقصد به اللحوق، إما لحوق الموت فهذا واقع لا محالة، وإما اللحوق إليهم، يعني: يدفن في مقابرهم، فهذا واقع احتمالاً، والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن قوله: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) إنما هو تعليق بمشيئة الوقت، وليس بمشيئة اللحوق إليهم، وليس مقصوداً به التبرك، فإذا قلت أنا: يا فلان! إن شاء الله سأزورك، فهذا تعليق على وقت المجيء، فإذا قلت: وإنا إن شاء الله بكم للاحقون يعني: أننا لاحقون لا محالة، لكن متى ذلك؟ هو بمشيئته سبحانه، وهذا هو الظاهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، فليس استثناءً للتبرك، وليس راجعاً للحوق لا للموت، ولكن الذي يظهر -والله أعلم- أن ذلك إنما هو تعليق لمشيئة وقت المجيء فلا يعلمه إلا الله، ولهذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، وهذا هو الظاهر والله أعلم.

ثم إن قول المؤلف: (أو إلى البقاع) يعني: إن شاء الله بكم لاحقون إلى هذه البقعة نفسها، والذي يظهر والله أعلم أن ذلك تعليق لمشيئة الرب جل جلاله في وقت الوفاة.

سماع الميت لكلام الزائر

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويسمع الميت الكلام ويعرف زائره يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس).

أما سماع الميت فدليله ما ورد في بعض النصوص، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( إنه ليسمع قرع نعالهم ).

والثاني: جاء في بعض الروايات رواها أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد وغيره: ( ما من مسلم يمر على قبر أخيه في الدنيا أو كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه فيسلم عليه )، وهذا الحديث تكلم فيه أهل العلم، فضعفه ابن الجوزي ، و أبو عمر بن عبد البر و ابن عبد الهادي و ابن رجب ، وصححه بعض المتأخرين مثل عبد الحق الإشبيلي و أبو العباس بن تيمية، وذكر عن عبد الله بن المبارك أنه قال: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر والله أعلم أن الميت يعلم بمجيء زائره إليه، والعلم هنا إنما هو بانتفاعه بدعاء الزائر.

أما السلام عليه فالذي يظهر والله أعلم التوقف؛ لأن الحديث الوارد فيه ضعيف، فحينئذٍ فإن القول بأن الميت يسمع كلام الأحياء مطلقاً ليس بصحيح؛ لقوله تعالى: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22]، وهذا نص محفوظ، فلا يخرج عنه إلا ما جاء فيه الدليل.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( يا عتبة بن ربيعة ويا فلان ويا فلان! هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً؟ )، وفيه أن الصحابة استشكلوا مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الكفرة الذين قتلوا في بدر، فقال: ( والله ما أنتم بأسمع مما أقول منهم )، فهذا والله أعلم ليس هو سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المقصود أن الله أسمعهم ذلك، وهذا من المعجزات، وأما أن كل من مات ينادى فهذا لا يصح؛ لأن الميت لا يسمع، هذا هو الصحيح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

معرفة الميت لمن يزوره

قال المؤلف رحمه الله: (ويعرف زائره يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس).

هذا لم يثبت فيه بإسناد صحيح، وعليه فتقييد ذلك بيوم الجمعة بعد الفجر وقبل طلوع الشمس محل نظر والله أعلم، وقد بالغ ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح، وذكر بعض الأشياء التي ربما لا تعلم إلا بنص شرعي، وكذلك أبو العباس أشار إلى أن الأموات يجتمعون ويتزاورون، وهذا لا نستطيع أن نثبته بيقين، ولا ننفيه، إلا بثلاثة أشياء، فإن ثبوت العلم لا يكون إلا بثلاث: الأول: إما برؤيته، الثاني: أو برؤية نظيره، الثالث: أو بالخبر الصادق عنه، وما عدا ذلك فإنك لا تستطيع أن تثبت شيئاً، وبالتالي فإن القول بأن الآثار قد جاءت بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات، فهذا نقل عن أبي أيوب أنه كان يقال: ما فعل فلان، وما فعلت فلانة؟ كما ذكر ابن المبارك عن أبي أيوب ، فأقول: إن هذا قد يقال إنه من باب ما تواطأت وتواردت به الرؤى، أما أن يكون ذلك ثابتاً، فالله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

زيارة قبر الكافر

قال المؤلف رحمه الله: (وتباح زيارة قبر كافر).

زيارة قبر الكافر لا بأس به بشرط ألا يستغفر له؛ لما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يؤذن لي، فاستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكر الآخرة )، وإذا ثبتت زيارة قبر الكافر فإن زيارة الكافر الحي من باب أولى، فإن زيارة الكافر الحي قد ينفعه بإسلامه، أو الكف عن شره، أو لأي مقصد شريطة أن يكون المقصد الأعلى هو رضا الله سبحانه وتعالى وطاعته، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زار فتىً من اليهود كان مريضاً.

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويسن أن يقول إذا زارها أو مر بها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، للأخبار الواردة بذلك، وقوله: إن شاء الله بكم لاحقون استثناء للتبرك، أو راجع للحوق لا للموت، أو إلى البقاع. ويسمع الميت الكلام، ويعرف زائره يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس، وفي الغنية يعرفه كل وقت، وهذا الوقت آكد. وتباح زيارة قبر كافر، وتسن تعزية المسلم المصاب بالميت ولو صغيراً قبل الدفن وبعده، لما روى ابن ماجه وإسناده ثقات عن عمرو بن حزم مرفوعاً: ( ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة )، ولا تعزية بعد ثلاث، فيقال لمصاب بمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك، وبكافر: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك. وتحرم تعزية كافر وكره تكرارها، ويرد معزى: استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك ].

قول المؤلف: (ويسن أن يقول إذا زارها أو مر بها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم)، ثم قال: (للأخبار الواردة).

هل يثبت الدعاء عند المرور إلى المقبرة، أو عند المرور في القبور، أو بين القبور؟

الذي يظهر -الله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- أن مجرد المرور عند المقابر يسن معه أن يقول الإنسان هذا الدعاء، ولهذا أرى والله أعلم أن الإنسان لو كان في سيارته فمر بجانب سور المقبرة فلا حرج أن يقوله؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة الطويل، وفيه: ( يا رسول الله! ماذا أقول إذا مررت بالقبور؟ قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين ) الحديث، وهذا كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم -والله أعلم- أن نهي النساء عن زيارة القبور كان ثابتاً، وقولنا: إنه كان في آخر الإسلام في آخر حياته صلى الله عليه وسلم؛ لأن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتصلي عليهم )، وفيه أن عائشة راقبت النبي صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة : ( فأحضر فأحضرت، فأسرع فأسرعت، فما هو إلا أن دخلت البيت، فجلست على السرير، فدخل فرآني حشيا رابياً -يعني: أتنفس بقوة- فقال: ما شأنك يا عائشة؟ فالتفت فقلت: لا شيء، قال: لتخبرني، أو ليخبرني اللطيف الخبير، فأخبرته الخبر فلهدني لهدة على صدري حتى أوجعتني، فقال: أما تخشين أن يحيف الله عليك ورسوله) الحديث، وهذا يدل على أن ذلك كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم.

والمؤلف رحمه الله ذكر بعض الأحاديث بعضها في بعض، وهنا مسألة متعلقة بالجمع بين الأحاديث، هل يفعل هذا تارة وهذا تارة، وهل لو جمع بعض الأحاديث يكون جائزاً؟

أولاً: نحن نعلم أن ثمة فرقاً بين الدعاء والذكر، فأما الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ذكر مقصود به التقييد، فهذا -والله أعلم- لا يفعله إلا مرة، ولا يجمع، وذلك مثل الذكر الوارد في التشهد الأول أو الثاني، أو الذكر الوارد في دعاء الاستفتاح، فهذا المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر مرة واحدة، فاستفتح بسبحانك اللهم مثلاً، وإن كان لم يثبت أنه قاله مرفوعاً، وإن كان ثبت عن عمر، ومثلما لو دعا: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي )، فلا يشرع أن يقول: اللهم باعد بين خطاياي، ويقول: سبحانك اللهم، هذا هو قول عامة أهل العلم خلافاً لـابن هبيرة وبعض فقهاء الحنابلة، وقد ذكروا دليل ذلك فيما رواه البيهقي من حديث علي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح فيقول: اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها، أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ) الحديث، والذي يظهر والله أعلم أن ذلك غير مشروع، وقد تكلم فيه ابن القيم، وأبو العباس بن تيمية وابن رجب.

وعليه فالتشهد لا يشرع الإنسان أن يقول تشهد عمر، ثم تشهد ابن عباس ، ثم تشهد ابن مسعود؛ لأن هذا ذكر يقصد به التقييد، يعني: مرة واحدة.

القسم الثاني: الذكر الذي يقصد به مطلق الذكر؛ لورود أحاديث تدل على المطلقية، كما قال تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:98]، فهذا لا حرج أن يذكر الإنسان كل ما ورد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقصد فعل ذكر عقب عبادة، والله أعلم، يعني: عبادة مقصودة فيها ذكر معين، فهذا لا حرج أن يذكر الإنسان كل ما ورد في الصباح، وكل ما ورد في المساء، أو كل ما ورد عند نزول المطر.

ثانياً: الدعاء، فالدعاء ليس له حد محدود، فيجوز للإنسان أن يدعو بكل ما ورد فيدعو عند نزول المطر بكل ما ورد، ويدعو عند الخروج من المنزل بكل ما ورد، ويدعو في دخول المسجد بكل ما ورد؛ لأن هذا موطن دعاء فيجوز للإنسان أن يذكر ما ورد، وعليه فلا بأس أن يجمع فيه كل ما ورد، ولا يعد هذا جمعاً بين الأذكار التي يقصد بها التقييد، والمؤلف رحمه الله جمع بين حديثين، فبأي دعاء دعا حصل على السنة والله أعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2630 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2588 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2547 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2544 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2524 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2452 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2388 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2374 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2358 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2356 استماع