خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب الجنائز [10]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ وأن تتبعها امرأة، وحرم أن يتبعها مع منكر إن عجز عن إزالته وإلا وجبت ].
حكم اتباع المرأة للجنازة واتباع الجنازة بنار أو بخور
وكذلك إذا تبع الجنازة امرأة، وهذا المذهب عند الحنابلة، وهو أن اتباع الجنائز من النساء مكروه، وهو قول جمهور أهل العلم، والقول الثاني في المسألة أن ذلك محرم اختاره الآجري محمد بن الحسين الفقيه المحدث، وقد أشار المرداوي إلى أن القول بالتحريم ليس ببعيد خاصة في زمانه، وهذا هو الأصل؛ فالراجح هو الحرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك، كما في الصحيحين من حديث أم عطية أنها قالت: ( نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا )، قال أبو العباس بن تيمية فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتباع الجنائز، وأما قول أم عطية : (ولم يعزم علينا)، فهذا فهم فهمته هي، وإلا فإنه من المعلوم أن مشي النساء مع الرجال في الجنائز مما يشغب ويشغل، والموطن موطن خشوع وخنوع لله رب العالمين، فالذي يظهر -والله أعلم- أن اتباع الجنائز محرم.
حكم اتباع الجنازة إن اشتملت على منكر
إذاً عندنا أمور:
الحالة الأولى: أن يتبع الجنازة وفيها منكر يعجز عنه، فالحكم أنه يحرم عليه الحضور؛ لأن حضوره مع وجود المنكر مؤذن بسماعه ورؤيته من غير نكير، فحرم عليه الحضور؛ لأن رؤية المنكر من غير إنكاره محرم، واتباع الجنازة مستحب، والقاعدة: إذا تعارض محظور مجزوم به مع مأمور غير مجزوم به فيقدم المحظور، وهذا أمر معلوم في الشرع.
الحالة الثانية: إذا كان في اتباع الجنازة منكر، وهو قادر على إزالته فهو واجب عليه أن يحضر لأمور: لأن اتباع الجنازة مشروع، ولأجل إزالة المنكر الذي في المشروع وهو قادر على إزالته، فصار من باب: ( من رأى منكم منكراً فليغيره )، الحديث.
الحالة الثالثة: أن يكون في اتباع الجنازة منكر لم يجزم أن يزيله أو ألا يزيله، وهذا كثير، فهو لا يدري قد يزيله وقد لا يزيله، فالذي يظهر والله أعلم أن ذلك موطن اجتهاد، فإن شاء حضر، وإن شاء ترك، وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى أنه إذا غلب على ظنه أنه قد يزيله أو لا يزيله أنه موطن اجتهاد.
أقول: والذي يظهر والله أعلم أن حضوره أفضل لأمرين:
الأمر الأول: لأن حضور واتباع الجنازة مشروع.
الأمر الثاني: لأن حضوره وإنكاره للمنكر مقصود لذاته وإن لم يزل المنكر، قال تعالى: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164]، فدل ذلك على أن حضوره أفضل امتثالاً لفضيلة الاتباع، ولأجل أن إنكاره مقصود، وإن لم يزل المنكر، وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164]، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى ينجي الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وإن لم يستجب لهم، قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165]، قال ابن كثير : فلم يذكر الله الذين لم ينكروا ولم يفعلوا المنكر، فنسيهم الله حينما نسوا إنكار المنكر، وإن كانوا لم يعاقبوا.
واتباع الجنائز المقصود به المشي معها، أما صلاة النساء في المساجد من غير خلطة فلا حرج في ذلك، كما ثبت في صحيح مسلم أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمرن أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص بالمسجد فكأن الناس عابوا ذلك، فقالت عائشة : ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به.
لذا فالاتباع المقصود به ليس الصلاة، وإنما المقصود به التشييع إلى القبر.
إذاً: يحرم اتباع الجنازة إذا كان فيها منكر، سوف يشهده ويحضره ولا ينكره، والأصل أن المنكر نوعان:
القسم الأول: منكر يحصل عند الاتباع ولا يحصل عند غيره، فهذا هو الذي يريده المؤلف.
القسم الثاني: منكر موجود حال الاتباع وحال غيره، فهذا الأقرب والله أعلم أنه يحضره، مثل بعض المنكرات الموجودة التي لا تنفك عنها، فهذا يحضرها الإنسان مثلاً في الأعراس بعض النساء تلبس الثياب العارية وهذا اللبس موجود في الزواجات وفي غير الزواجات، فأنا أرى والله أعلم أن المرأة خاصة الصالحة تحضر لأمور:
أولاً: لتكثير سواد الصالحات، فإن وجود الصالحات والعفيفات والعاقلات يمنعن -بإذن الله- من انتشار مثل تلك النساء.
ثانياً: ولأن هذا المنكر موجود هنا أو هناك، فأرى أن حضورهن مطلب إلا إذا كان هناك موسيقى فالموسيقى تمنع؛ لأن هذه ليست موجودة دائماً في هذا الزمان.
يكره أن تتبع الجنازة بنار أو بمجمر، أو تتبعها نائحة؛ لأن السلف رضي الله عنهم كانوا يكرهون ذلك، وقد ثبت عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت في الجنائز، وقد قال عمرو بن العاص رضي الله عنه كما في صحيح مسلم : فإذا أنا مت فلا يتبعني نائحة ولا نار، وذكر جابر بن عبد الله أنه نهى أن يتبعه بمجمر، يعني: بالجمر سواء كان ببخور أو نحوه.
وكذلك إذا تبع الجنازة امرأة، وهذا المذهب عند الحنابلة، وهو أن اتباع الجنائز من النساء مكروه، وهو قول جمهور أهل العلم، والقول الثاني في المسألة أن ذلك محرم اختاره الآجري محمد بن الحسين الفقيه المحدث، وقد أشار المرداوي إلى أن القول بالتحريم ليس ببعيد خاصة في زمانه، وهذا هو الأصل؛ فالراجح هو الحرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك، كما في الصحيحين من حديث أم عطية أنها قالت: ( نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا )، قال أبو العباس بن تيمية فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتباع الجنائز، وأما قول أم عطية : (ولم يعزم علينا)، فهذا فهم فهمته هي، وإلا فإنه من المعلوم أن مشي النساء مع الرجال في الجنائز مما يشغب ويشغل، والموطن موطن خشوع وخنوع لله رب العالمين، فالذي يظهر -والله أعلم- أن اتباع الجنائز محرم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2631 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2589 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2549 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2545 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2525 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2453 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2388 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2375 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2359 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2357 استماع |