الروض المربع - كتاب الصلاة [91]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [وحرم أن يقيم غيره ولو عبده، أو ولده الكبير فيجلس مكانه؛ لحديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه )، متفق عليه، ولكن يقول: افسحوا، قاله في التلخيص]. ‏

حكم إقامة الغير من مكانه ولو كان عبداً أو ولداً للجلوس فيه

قول المؤلف: (وحرُم أن يقيم غيره ولو عبده أو ولده الكبير)، يعني: ولو كان ممن له حق عليه كالوالد مع ولده أو السيد مع عبده، فإنه لا يقيمه (لحديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه ) ).

قال المؤلف رحمه الله: (ولكن يقول: افسحوا، قاله في التلخيص)، هذا جاء مرفوعاً من حديث جابر عند مسلم ، قال: ( لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده، ولكن تفسحوا )، وكتاب التلخيص عند الحنابلة للفخر بن تيمية ، وأما التلخيص عند الشافعية للجويني ومن الملاحظ أن تسمية كتب الشافعية والحنابلة قريبة والله أعلم، ولعل من أسباب ذلك هو وجود المدارس التي تدرس كتب المذاهب، فمثلاً: المدرسة المستنصرية من مدارس الحنابلة التي كانوا يدرسون فيها مذهبهم، وقد ألف الحنابلة كتاب الحاوي في الفقه لـعبد الرحمن بن عمر الذي يسمى أبا طالب الضرير ، ألف الماوردي كتاب الحاوي على المذهب الشافعي، وأيضاً مما يتقارب فيه الحنابلة والشافعية أن كلمة القاضي موجودة عند الشافعية وموجودة عند الحنابلة، حتى أسماء الكتب، وأسماء الرجال، ولعل هذا نوع من التمازج والتنافس الذي يكون بين المدارس.

وقد كانت المدارس نوعاً من الجامعات أو المجمعات الدراسية التي يُدرس فيها كتب المذهب من أسهلها إلى أعلاها، على الطلاب المبتدئين والمنتهيين.

حكم إقامة الصغير من مكانه في المسجد والجلوس فيه

قال المؤلف رحمه الله: (إلا الصغير)، يعني: لا بأس أن يقيم الصغير ليجلس في مكانه، وقد ذكرنا في مسألة الإمامة والإتمام أن الحنابلة يرون أن الأفضل أن لا يبقى الصغير في الصف الأول استدلالاً بحديث: ( ليلني منكم أولو الأحلام والنُهى )، وقالوا: إن هذا أمر فلا يبقى الصغير في الصف الأول بل يبقى في الخلف، وقلنا: الراجح والله أعلم خلافاً للجمهور أن معنى (ليلني) حث وحظ وليس أمراً، وهو أمر من باب التأكيد الحضور وليس إقامة غيرهم إذا جلسوا فيه، فالصحيح أن الصغير أيضاً له حق فلا يقام من مكانه ليجلس فيه، والله أعلم.

حكم إقامة من جلس في المكان ليحفظه لصاحبه بإذنه أو بدون إذنه

قال المؤلف رحمه الله: [ومن قدم صاحباً له فجلس في موضع يحفظه له، وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه، قاله في الشرح؛ لأن النائب يقوم باختياره، لكن إن جلس مكان الإمام، أو طريق المارة، أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم، قاله في المعالي].

يقول المؤلف: إن النهي أن يقيم الرجل أخاه فيما إذا كان الجالس إنما جلس لمصلحة نفسه، وأما إن كان الجالس إنما جلس ليحفظ هذا المكان لغيره فلا بأس أن يُقيمه؛ لأن الجالس الأول بمثابة النائب، فإذا جلس ليحفظه له فإنه غير داخل في النهي، هذا كلام المؤلف، فالذي يبعث ولده ليجلس في المسجد ثم يأتي بعد ذلك متأخراً، أو يؤاجر شخصاً في الحرم ليأتي مبكراً فيبسط له البُسط والفُرش ثم يأتي بعد ذلك، لا شك أن هذا نوع من الاغتصاب؛ اغتصاب البُقع وأعمال الخير، ولا شك أن هذا منهي عنه، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية أنه إذا رأى ذلك فإنه ينزعها ويصلي إذا علم أنه ليس في المسجد ولم يأت بنفسه إلى المسجد.

ثم ذكر مسألة فقال: لو صلى عليها، هل يأخذ حكم الصلاة في الأرض المغصوبة أم لا؟ وهذا ليس في أرض مغصوبة؛ لأنها ليست حقاً له -والله أعلم- وعلى هذا فلا ينبغي ما يفعله الناس في الحرم من الحجوزات والفرش ليأتي المؤجر الذي استأجره ويجلس فيها، وبلغني أنهم قد وضعوا جهات في الحرم لمنع مثل هذا، وهذا حقيقة يُشكرون عليه؛ لأن مثل هذا أصبح فيه نوع من الازدراء والمباهاة، والله أعلم.

الحالات التي يجوز فيها إقامة الغير من مكانه

قال المؤلف رحمه الله: (لكن إن جلس في مكان الإمام أو طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق أُقيم)، يعني: أن مسألة إقامة المسلم غيره من مجلسه لا تخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يقيمه ليجلس في مكانه، فالحنابلة يقولون: إن كان الجالس الأول إنما جلس لمصلحة نفسه فلا يُقيمه، وهو حرام سواء كان ولده أو عبده، أما إن أمر غيره أن يجلس على أنه نائب له ثم أقامه بعد ذلك فلا بأس؛ فقد قال: (ومن قدم صاحباً له فجلس في موضع يحفظه له، وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه، قال: لأن النائب يقوم باختياره)، فهذه الحالة الأولى.

الحالة الثانية: أن يُقيم غيره ولا يُريد أن يجلس فيه؛ لأن المكان الذي جلس فيه الغير ليس مكاناً له، مثل: أن يجلس المصلي في مكان الإمام، أو أن يجلس في طريق الناس -مثل الجلوس في الدرج فإنهم يجلسون فيها فيؤذون المصلين- فله أن يقيمه، والنهي إنما هو في أن يقيمه ليجلس في مكانه، أما إن أقامه لأنه جلس في موضع ليس للجلوس فلا حرج.

وهل له أن يقيمه إذا كان مكاناً للمؤذن؟

من المعلوم أن الصحابة لم يجعلوا للمؤذن مكاناً خاصاً فيه، والذي يظهر لي والله أعلم أنه لا بأس بأن يكون للمؤذن مكان يجلس فيه، وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الإنسان عطناً يجلس فيه كأعطان الإبل، فهذا الحديث رواه البخاري معلقاً بصيغة التمريض وهو ضعيف، والذي يظهر لي أنه لا ينبغي للمصلين أن يجلسوا في مكان المؤذن، وبعض الإخوة خاصة الشباب هداهم الله تجده يأتي مسجداً وربما لا يعرفه أحد فيجلس مكان المؤذن فإذا سُئل؟ قال: ليس فيه دليل، طيب الناس لا يعرفونك ولا يعرفون علمك، ولا يدرون عن هذه المسألة، ولربما وقع في قلوبهم عليك وعلى ما تحمله من مبادئ من التزام وغيره شيء كثير، ولهذا ينبغي للإنسان أنه إذا علم شيئاً والناس لا يعلمونه أن يأتيهم باللين والموافقة، فإن النفوس مجبولة على بغض من أخذ منها ما تظنه حقاً لها، والعلم عند الله.

وعلى هذا فالذي يظهر لي والله أعلم أنه وإن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد مكان للمؤذن لكن اعتاد الناس ذلك؛ ليسهل على المؤذن الإقامة، ويعرف الإمام، والله تبارك وتعالى أعلم.

قول المؤلف: (وحرُم أن يقيم غيره ولو عبده أو ولده الكبير)، يعني: ولو كان ممن له حق عليه كالوالد مع ولده أو السيد مع عبده، فإنه لا يقيمه (لحديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه ) ).

قال المؤلف رحمه الله: (ولكن يقول: افسحوا، قاله في التلخيص)، هذا جاء مرفوعاً من حديث جابر عند مسلم ، قال: ( لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده، ولكن تفسحوا )، وكتاب التلخيص عند الحنابلة للفخر بن تيمية ، وأما التلخيص عند الشافعية للجويني ومن الملاحظ أن تسمية كتب الشافعية والحنابلة قريبة والله أعلم، ولعل من أسباب ذلك هو وجود المدارس التي تدرس كتب المذاهب، فمثلاً: المدرسة المستنصرية من مدارس الحنابلة التي كانوا يدرسون فيها مذهبهم، وقد ألف الحنابلة كتاب الحاوي في الفقه لـعبد الرحمن بن عمر الذي يسمى أبا طالب الضرير ، ألف الماوردي كتاب الحاوي على المذهب الشافعي، وأيضاً مما يتقارب فيه الحنابلة والشافعية أن كلمة القاضي موجودة عند الشافعية وموجودة عند الحنابلة، حتى أسماء الكتب، وأسماء الرجال، ولعل هذا نوع من التمازج والتنافس الذي يكون بين المدارس.

وقد كانت المدارس نوعاً من الجامعات أو المجمعات الدراسية التي يُدرس فيها كتب المذهب من أسهلها إلى أعلاها، على الطلاب المبتدئين والمنتهيين.

قال المؤلف رحمه الله: (إلا الصغير)، يعني: لا بأس أن يقيم الصغير ليجلس في مكانه، وقد ذكرنا في مسألة الإمامة والإتمام أن الحنابلة يرون أن الأفضل أن لا يبقى الصغير في الصف الأول استدلالاً بحديث: ( ليلني منكم أولو الأحلام والنُهى )، وقالوا: إن هذا أمر فلا يبقى الصغير في الصف الأول بل يبقى في الخلف، وقلنا: الراجح والله أعلم خلافاً للجمهور أن معنى (ليلني) حث وحظ وليس أمراً، وهو أمر من باب التأكيد الحضور وليس إقامة غيرهم إذا جلسوا فيه، فالصحيح أن الصغير أيضاً له حق فلا يقام من مكانه ليجلس فيه، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ومن قدم صاحباً له فجلس في موضع يحفظه له، وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه، قاله في الشرح؛ لأن النائب يقوم باختياره، لكن إن جلس مكان الإمام، أو طريق المارة، أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم، قاله في المعالي].

يقول المؤلف: إن النهي أن يقيم الرجل أخاه فيما إذا كان الجالس إنما جلس لمصلحة نفسه، وأما إن كان الجالس إنما جلس ليحفظ هذا المكان لغيره فلا بأس أن يُقيمه؛ لأن الجالس الأول بمثابة النائب، فإذا جلس ليحفظه له فإنه غير داخل في النهي، هذا كلام المؤلف، فالذي يبعث ولده ليجلس في المسجد ثم يأتي بعد ذلك متأخراً، أو يؤاجر شخصاً في الحرم ليأتي مبكراً فيبسط له البُسط والفُرش ثم يأتي بعد ذلك، لا شك أن هذا نوع من الاغتصاب؛ اغتصاب البُقع وأعمال الخير، ولا شك أن هذا منهي عنه، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية أنه إذا رأى ذلك فإنه ينزعها ويصلي إذا علم أنه ليس في المسجد ولم يأت بنفسه إلى المسجد.

ثم ذكر مسألة فقال: لو صلى عليها، هل يأخذ حكم الصلاة في الأرض المغصوبة أم لا؟ وهذا ليس في أرض مغصوبة؛ لأنها ليست حقاً له -والله أعلم- وعلى هذا فلا ينبغي ما يفعله الناس في الحرم من الحجوزات والفرش ليأتي المؤجر الذي استأجره ويجلس فيها، وبلغني أنهم قد وضعوا جهات في الحرم لمنع مثل هذا، وهذا حقيقة يُشكرون عليه؛ لأن مثل هذا أصبح فيه نوع من الازدراء والمباهاة، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (لكن إن جلس في مكان الإمام أو طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق أُقيم)، يعني: أن مسألة إقامة المسلم غيره من مجلسه لا تخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يقيمه ليجلس في مكانه، فالحنابلة يقولون: إن كان الجالس الأول إنما جلس لمصلحة نفسه فلا يُقيمه، وهو حرام سواء كان ولده أو عبده، أما إن أمر غيره أن يجلس على أنه نائب له ثم أقامه بعد ذلك فلا بأس؛ فقد قال: (ومن قدم صاحباً له فجلس في موضع يحفظه له، وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه، قال: لأن النائب يقوم باختياره)، فهذه الحالة الأولى.

الحالة الثانية: أن يُقيم غيره ولا يُريد أن يجلس فيه؛ لأن المكان الذي جلس فيه الغير ليس مكاناً له، مثل: أن يجلس المصلي في مكان الإمام، أو أن يجلس في طريق الناس -مثل الجلوس في الدرج فإنهم يجلسون فيها فيؤذون المصلين- فله أن يقيمه، والنهي إنما هو في أن يقيمه ليجلس في مكانه، أما إن أقامه لأنه جلس في موضع ليس للجلوس فلا حرج.

وهل له أن يقيمه إذا كان مكاناً للمؤذن؟

من المعلوم أن الصحابة لم يجعلوا للمؤذن مكاناً خاصاً فيه، والذي يظهر لي والله أعلم أنه لا بأس بأن يكون للمؤذن مكان يجلس فيه، وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الإنسان عطناً يجلس فيه كأعطان الإبل، فهذا الحديث رواه البخاري معلقاً بصيغة التمريض وهو ضعيف، والذي يظهر لي أنه لا ينبغي للمصلين أن يجلسوا في مكان المؤذن، وبعض الإخوة خاصة الشباب هداهم الله تجده يأتي مسجداً وربما لا يعرفه أحد فيجلس مكان المؤذن فإذا سُئل؟ قال: ليس فيه دليل، طيب الناس لا يعرفونك ولا يعرفون علمك، ولا يدرون عن هذه المسألة، ولربما وقع في قلوبهم عليك وعلى ما تحمله من مبادئ من التزام وغيره شيء كثير، ولهذا ينبغي للإنسان أنه إذا علم شيئاً والناس لا يعلمونه أن يأتيهم باللين والموافقة، فإن النفوس مجبولة على بغض من أخذ منها ما تظنه حقاً لها، والعلم عند الله.

وعلى هذا فالذي يظهر لي والله أعلم أنه وإن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد مكان للمؤذن لكن اعتاد الناس ذلك؛ ليسهل على المؤذن الإقامة، ويعرف الإمام، والله تبارك وتعالى أعلم.