الروض المربع - كتاب الصلاة [74]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ولا تكره إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب كغيره، وكره قصد مسجد للإعادة، ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة].

حكم إعادة صلاة الجماعة في مسجد ليس له إمام راتب

مسألة إعادة الجماعة في المسجد لا بد فيها من تحرير مسائل النزاع:

المسألة الأولى: اتفق الفقهاء على أن المسجد إذا لم يكن له إمام راتب؛ فيجوز تكرار الجماعة فيه، والمقصود بتكرار الجماعة: هو أن تصلي جماعة، حتى إذا سلم الإمام، تأتي جماعة أخرى فتصلي، حتى إذا انتهى الإمام تأتي جماعة أخرى، وليس المقصود بتكرار الجماعة أن تكون هناك جماعة تصلي والأخرى تصلي وهم في وقت واحد أو قريباً من وقت واحد، فالمقصود بتكرار الجماعة أن تأتي جماعة حتى إذا سلم إمام هذه الجماعة، تأتي جماعة أخرى.

فأقول: اتفق الفقهاء على أنه إذا لم يكن للمسجد إمام راتب؛ فيجوز تكرار الجماعة، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كـالنووي وغيره.

حكم إعادة صلاة الجماعة في مسجد طريق يطرقه الناس

المسألة الثانية: أنه إذا كان المسجد مسجد طريق يطرقه الناس، كمساجد المحطات مثلاً، أو مساجد الطرقات التي تكون بين المدن، فهذا مسجد اعتاد الناس أن يأتوه ويطرقوه، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تكون المساجد طرقاً، يعني: أن يدخل الناس ويطلعوا من غير صلاة، كما جاء عند البيهقي من حديث جابر ، والمقصود من ذلك أن الناس يأتون فيصلون ويخرجون، فهنا أيضاً لا بأس بتكرار الجماعة، كما أشار إلى ذلك الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم.

حكم إعادة صلاة الجماعة في مسجد له إمام راتب

المسألة الثالثة: إذا كان للمسجد إمام راتب، ولم يكن في طريق، فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم تكرار الجماعة، فالمذهب لا تكره إلا إذا قصد إعادة الصلاة، كما لو كان لا يريد أن يصلي خلف إمام هذا المسجد فيقصد التكرار، فإذا سلم الإمام جاء وأوجد جماعة، فإنه هنا قصد بذلك أن يجعل الجماعة عزين يعني متفرقين وقصد التفرق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار )، كما جاء في حديث ابن عمر عند الإمام أحمد وغيره، فأما إذا لم يقصد الجماعة بل كان ذلك على سبيل الاتفاق والعرض، فإن الحنابلة يقولون: لا يكره.

إذاً الحنابلة رحمهم الله يقولون: إن الجماعة لا تكره إذا جاءت عرضاً، فلو أن إمامنا سلم وجاء أناس يريدون أن يصلوا، فهل نقول لهم: يصلي كل واحد بمفرده أم يصلون جماعة؟ هنا هل قصدوا الجماعة أم قصدوا الصلاة؟ قصدوا الصلاة، فهنا الحنابلة يقولون: لا تكره إعادة الجماعة.

واستدلوا بأمور: الدليل الأول: بحديث رواه أبو داود وغيره من حديث أبي سعيد الخدري ( أن رجلاً أتى المسجد، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى، فصلى وحده، فقال صلى الله عليه وسلم: من يتصدق على هذا -أو ألا رجل يتصدق على هذا-؟ فقام رجل فصلى معه )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكون مع هذا الرجل جماعة، وهذا دليل على أن الجماعة الثانية إذا لم تقصد إلا لأداء الصلاة جماعة فإن هذا ليس بمكروه.

الدليل الثاني قالوا: ولأن كل الأحاديث الواردة في النهي ضعيفة مرفوعة، ولا كراهة إلا بدليل، وهذه قاعدة لا كراهة إلا بدليل.

وذهب الشافعي رحمه الله ومن وافقه إلى أن الجماعة حينئذ تكره، وهو ظاهر صنيع الإمام البخاري ، فقد ذكر في صحيحه معلقاً أن حذيفة رضي الله عنه جاء المسجد فوجد الناس قد صلوا ومعه أصحابه فذهبوا فرجعوا إلى البيوت فصلى كل واحد وحده، وكذلك كان السلف يصلون وحدهم.

والذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو مذهب الحنابلة لحديث أبي سعيد ، ثم إن قول الصحابي إنما يعد حجة لمن أخذ به إذا لم يخالف وقد خولف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أي ساعة من ليل أو نهار )، وهذا يدل على أن هذه صلاة سواء صلوا وحدهم أو فرادى.

إذاً كل الأحاديث الواردة في مثل هذا النهي لا تصح، وعلى هذا فيكون عموم الأحاديث الدالة على فضل الجماعة تدخل في ذلك.

حكم قصد المسجد لإعادة الجماعة فيه

قال المؤلف رحمه الله: (وكره قصد مسجد للإعادة)، يعني: إعادة الصلاة جماعة، يعني: أنا أصلي في هذا المسجد ثم أخرج وأروح أصلي في مسجد آخر، فهذا يكره لما روى أبو داود رضي الله عنه ورحمه أن ابن عمر رضي الله عنه قال: إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن من أعاد الصلاة فإن الفرض هو الأول خلافاً لبعض أقوال مالك رحمه الله، فإن بعض الفقهاء قالوا: إن الفرض على ما نواه، وبعضهم يقول: الأكمل، والصحيح أن الفرض هو الأول، ولا يشرع أن يعيد الإنسان الصلاة مرتين.

حكم إعادة الجماعة في مسجد مكة والمدينة

قال المؤلف رحمه الله: [ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة ولا فيهما لعذر، وتكره فيهما لغير عذر، لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الراتب، ( وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )].

قول المؤلف رحمه الله: (ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة)، يعني: في غير المسجد الحرام والمسجد النبوي (ولا فيهما لعذر، وتكره فيهما لغير عذر)، يعني: أن تكرار الجماعة عند الحنابلة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي إن كان لعذر جاز، وإذا لم يكن هناك عذر فيكره، قال المؤلف: (لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الراتب)، وليس ثمة فرق بين مكة والمدينة، بل إنه لو قيل بجواز مكة والمدينة دون غيرهما لكان أولى؛ لأن ورودهما في الغالب لم يكن لأجل الإمام من عدمه، بل لأجل ذات البقعة، فكان الأولى بأن يقال: وجود مكة والمدينة وتكرار الجماعة بعد الجماعة أولى بالجواز من غير العذر والمشقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( يا بني عبد مناف ! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار )، والأصل أنه ما كان في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ حكم غيره من المساجد إلا بدليل، فهم يريدون أن يقولوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: ( من يتصدق على هذا؟ )، إنه لعذر.

والصحيح أن الحنابلة استدلوا بالجواز، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من يتصدق على هذا؟ )، وهذا كان في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا فالذي يظهر -والله أعلم- أنه ليس ثمة كراهة لا في المسجد الحرام ولا في المسجد النبوي ولا غيرهما من المساجد، بشرط أنه إذا لم يكن من عادته أن يوجد الجماعة ويقصد التكرار لعدم رضاه بالإمام؛ فإن هذا لا يجوز لأمور:

أولاً: لأن الجماعة إنما شرعت لأجل التأليف بين قلوب الناس، وهذا يريد أن يفرق، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما لي أراكم عزين؟ ألا تصلون كما تصلي الملائكة يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف )، كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر ، إلا إذا كان هذا الإمام ليس مرضياً من حيث الديانة، مثل أن يكون -والعياذ بالله- ممن يرى الطواف على القبور، أو يضع قبراً ويصلي عنده، فإن ذلك من المحرمات ومن وسائل الشرك كما لا يخفى.

فأما إذا كان يطوف بهذا القبر فلا شك أن هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله.

مسألة إعادة الجماعة في المسجد لا بد فيها من تحرير مسائل النزاع:

المسألة الأولى: اتفق الفقهاء على أن المسجد إذا لم يكن له إمام راتب؛ فيجوز تكرار الجماعة فيه، والمقصود بتكرار الجماعة: هو أن تصلي جماعة، حتى إذا سلم الإمام، تأتي جماعة أخرى فتصلي، حتى إذا انتهى الإمام تأتي جماعة أخرى، وليس المقصود بتكرار الجماعة أن تكون هناك جماعة تصلي والأخرى تصلي وهم في وقت واحد أو قريباً من وقت واحد، فالمقصود بتكرار الجماعة أن تأتي جماعة حتى إذا سلم إمام هذه الجماعة، تأتي جماعة أخرى.

فأقول: اتفق الفقهاء على أنه إذا لم يكن للمسجد إمام راتب؛ فيجوز تكرار الجماعة، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كـالنووي وغيره.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2629 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2587 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2546 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2543 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2522 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2451 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2386 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2373 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2357 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2355 استماع