الروض المربع - كتاب الصلاة [60]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ سنة الوتر وأقله ركعة؛ واحدة لقوله عليه الصلاة والسلام: ( الوتر ركعة من آخر الليل ) رواه مسلم ، ولا يكره الوتر بها لثبوته عن عشرة من الصحابة منهم أبو بكر و عمر و عثمان و عائشة رضي الله عنهم.

وأكثره أي: أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة يصليها مثنى مثنى، أي: يسلم من كل ثنتين، ويوتر بواحدة؛ لقول عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة )، وفي لفظ: ( يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة )، هذا هو الأفضل.

وله أن يسرد عشراً ثم يجلس فيتشهد ولا يسلم ثم يأتي بالركعة الأخيرة ويتشهد ويسلم، وإن أوتر بخمس أو سبع سردها ولم يجلس إلا في آخرها؛ لقول أم سلمة : ( كان رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام ) رواه أحمد و مسلم وإن أوتر بتسع يسرد ثماني ثم يجلس عقب الركعة الثامنة ويتشهد التشهد الأول، ولا يسلم ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم؛ لقول عائشة ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، ويذكر الله ويحمده ويدعوه وينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعناه ].

أقل الوتر

المؤلف رحمه الله حينما ذكر مسألة الوتر، وأنها ليست بواجبة شرع في أحكامها، فقال: (أقله ركعة)، أي: أقل الوتر ركعة، هذا هو مذهب الجمهور على أن أقل الوتر ركعة، وهو مذهب الحنابلة، ومذهب مالك ، وهو مذهب الشافعي أيضاً، خلافاً لـأبي حنيفة فإنه ذهب إلى أن أقلها ثلاث ركعات يصليها كصلاة المغرب، لما ثبت عن ابن مسعود .

واستدل من قال بأن أقل الوتر ركعة بقوله صلى الله عليه وسلم: ( الوتر ركعة من آخر الليل )، ولما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي أيوب أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( الوتر حق، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بركعة فليفعل )، ولكن هذا الحديث اختلف الحفاظ فيه، فصححه مرفوعاً بعض المتأخرين، والصواب أنه موقوف كما رجح ذلك أبو حاتم و الذهلي و النسائي و الدارقطني وغيرهم.

مما يدل على جوازه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى )، فهذا يفيد بدلالة الإيماء على جواز الوتر بركعة، وإن كان ليس ظاهراً. واستدل المؤلف على ذلك بفعل الصحابة، حيث قال: فإنه ثبت عن عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يوترون بركعة، ولم يصح عن أبي بكر ولا عن عمر ، وإنما صح عن عثمان و معاوية وصدقه ابن عباس ، وصح عن ابن عمر و سعد بن أبي وقاص ، فإن ابن عمر حينما سئل، فقال: صل ركعة، فإنهم يقولون: إنها البتيراء، قال: ليست تلك بالبتيراء، ولكن البتيراء أن تصلي ركعة تتم ركوعها، وتطيل القيام فيها، ثم تصلي ركعة تخفف فيها، فكانت هذه أي: الركعة الثانية هي البتيراء، كما روى البيهقي وغيره.

حكم الوتر بركعة واحدة

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يكره الوتر بها).

يعني: على القول بأنها واحدة، لا يكره بأن يوتر بواحدة، هذا المذهب، وإن كان نقل عن مالك و أحمد ، بل قال ابن رجب في فتح الباري: وأكثر الروايات عن أحمد الكراهية، وذهبوا إلى أنه مع جواز الركعة إلا أن ذلك يكره، واستثنوا من ذلك ما لو استيقظ الإنسان لصلاة الفجر قريباً من طلوع الشمس، ولا يمكن أن يدرك إلا مقدار ركعة، قالوا: يصلي ركعة، فإن أدرك أكثر من ذلك صلى ثلاث ركعات مع صلاة الفرض، ويرون أن الوتر آكد من سنة الفجر، والأولى بالإنسان ألا يوتر بركعة، فلا بد أن يصلي معها ركعتين، فإن أحمد رحمه الله قال: إنما جاء الوتر بركعة بعد تطوع مثنى؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة )، وفي لفظ مسلم : ( صلِّ ركعتين ركعتين، فإذا خشيت الصبح سجدت سجدة واحدة )، يعني: صليت ركعة واحدة.

أكثر الوتر

قال المؤلف رحمه الله: (وأكثره) أي: أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة، يعني: أكثر الكمال إحدى عشرة ركعة؛ لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة )، وفي رواية أنها قالت: ( ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً )، فهذا الحديث يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي إحدى عشرة ركعة.

وذهب بعضهم إلى أنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، لما جاء في حديث ابن عباس كما في الصحيحين قال: ( ثم قام فصلى ركعتين ركعتين ركعتين ركعتين ركعتين ركعتين، ثم أوتر بركعة )، وهذا يفيد على أنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة.

وجاء في حديث عائشة أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، إلا أنهم اختلفوا في حديث عائشة ثلاث عشرة ركعة، ما هاتان الركعتان الأخيرتان؟ هل هما من الركعتين التي يفتتح بهما النبي صلى الله عليه وسلم صلاته؟ فإن عائشة روت في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين )، هل كانت عائشة تعد هذا من إحدى عشرة؟ المعروف أنها لم تكن تعدها؛ لأنها قالت: ( يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن )، وقال بعضهم: إن هاتين الركعتين التي جاءت في حديث عائشة ثلاث عشرة ركعة هي الركعتان اللتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد ما يوتر، كما جاء ذلك مرة تسع، ومرة إحدى عشرة، قالت عائشة في صحيح مسلم : ( كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه، فيصلي تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، فيدعو الله ويذكره ويحمده، ثم يقوم، فيجلس فيسلم، ثم يصلي ركعتين خفيفتين وهو قاعد )، فكذلك يصنع ذلك إذا صلى إحدى عشرة ركعة، وقال بعضهم: إنها المقصود الركعتين اللتين بعد الحادية عشر هي ركعتي الفجر، كما ذكر ذلك ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة، والحافظ ابن حجر في فتح الباري وغيرهم.

والذي يظهر والله أعلم على أنه لا حد لصلاة الليل، بل نقل أبو عمر بن عبد البر الإجماع على ذلك، على أنه لا حد لصلاة قيام الليل، قد نقله جمع من العلماء إجماعاً أنه لا حد لأكثره، فللإنسان أن يصلي مثنى مثنى مثنى متى ما شاء، ونص الإمام الشافعي ، وكذلك ذكر الإمام العراقي في طرح التثريب وغيرهم على أنه لا حد لأكثره، إلا أن الأفضل أن يصنع كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن تيمية : أن من صلى مثل صلاة النبي فهو أفضل، بأن يصلي إحدى عشرة ركعة يطيل فيهن القيام والركوع والسجود، فإن كان يخفف مثل صلاة الناس اليوم في التراويح، فإن مذهب جمهور الفقهاء ألا ينقص عن ثلاث وعشرين ركعة هذا ذكره ابن تيمية و أبو عمر بن عبد البر وغيرهم و العراقي أن هذا مذهب جمهور الفقهاء على أنه لا ينبغي له أن ينقص عن ثلاث وعشرين ركعة، وبهذا تعرف أخي أن شدة تمسك بعضهم؛ بأن الزيادة على إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة بدعة قول محدث، وإن وجد وجهاً عند الحنابلة فإن القول بأنه بدعة قول محدث؛ لأنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى )، وأما فعله عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يدل على البدعية؛ لأنه إذا تعارض القول مع الفعل، فالمقدم القول.

الثاني: أن فعله عليه الصلاة والسلام يجب أن يكون كماً وكيفاً، لا كماً دون الكيف، والكم أنه كان يقوم حتى تتفطر قدماه! ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله، ولعله من أحسن الأقوال يقول: العبرة بكثرة الطاعة والعبادة، فمن أطال القيام وخفف الركوع كحال النبي صلى الله عليه وسلم فهو أفضل، ومن خفف القيام وأكثر الركوع فهذا أفضل، وأما إذا تساويا كيفاً ولم يتساويا عدداً، كل واحد صار له ساعة، أيهما أفضل فيهما؟ العدد، عدد الركعات؛ لأن هذا أكثر الركوع والسجود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ربيعة بن كعب : ( فأعني على نفسك بكثرة السجود )، وقال في حديث أبي ذر : ( فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة )، وهذا يدل على كثرة السجود، وأما إذا أطال القيام كحال النبي صلى الله عليه وسلم فهو أفضل، والباب في هذا يطول، والمؤلف إنما قال: (أكثره) أي: أكثر الكمال الوارد.

المؤلف رحمه الله حينما ذكر مسألة الوتر، وأنها ليست بواجبة شرع في أحكامها، فقال: (أقله ركعة)، أي: أقل الوتر ركعة، هذا هو مذهب الجمهور على أن أقل الوتر ركعة، وهو مذهب الحنابلة، ومذهب مالك ، وهو مذهب الشافعي أيضاً، خلافاً لـأبي حنيفة فإنه ذهب إلى أن أقلها ثلاث ركعات يصليها كصلاة المغرب، لما ثبت عن ابن مسعود .

واستدل من قال بأن أقل الوتر ركعة بقوله صلى الله عليه وسلم: ( الوتر ركعة من آخر الليل )، ولما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي أيوب أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( الوتر حق، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بركعة فليفعل )، ولكن هذا الحديث اختلف الحفاظ فيه، فصححه مرفوعاً بعض المتأخرين، والصواب أنه موقوف كما رجح ذلك أبو حاتم و الذهلي و النسائي و الدارقطني وغيرهم.

مما يدل على جوازه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى )، فهذا يفيد بدلالة الإيماء على جواز الوتر بركعة، وإن كان ليس ظاهراً. واستدل المؤلف على ذلك بفعل الصحابة، حيث قال: فإنه ثبت عن عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يوترون بركعة، ولم يصح عن أبي بكر ولا عن عمر ، وإنما صح عن عثمان و معاوية وصدقه ابن عباس ، وصح عن ابن عمر و سعد بن أبي وقاص ، فإن ابن عمر حينما سئل، فقال: صل ركعة، فإنهم يقولون: إنها البتيراء، قال: ليست تلك بالبتيراء، ولكن البتيراء أن تصلي ركعة تتم ركوعها، وتطيل القيام فيها، ثم تصلي ركعة تخفف فيها، فكانت هذه أي: الركعة الثانية هي البتيراء، كما روى البيهقي وغيره.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يكره الوتر بها).

يعني: على القول بأنها واحدة، لا يكره بأن يوتر بواحدة، هذا المذهب، وإن كان نقل عن مالك و أحمد ، بل قال ابن رجب في فتح الباري: وأكثر الروايات عن أحمد الكراهية، وذهبوا إلى أنه مع جواز الركعة إلا أن ذلك يكره، واستثنوا من ذلك ما لو استيقظ الإنسان لصلاة الفجر قريباً من طلوع الشمس، ولا يمكن أن يدرك إلا مقدار ركعة، قالوا: يصلي ركعة، فإن أدرك أكثر من ذلك صلى ثلاث ركعات مع صلاة الفرض، ويرون أن الوتر آكد من سنة الفجر، والأولى بالإنسان ألا يوتر بركعة، فلا بد أن يصلي معها ركعتين، فإن أحمد رحمه الله قال: إنما جاء الوتر بركعة بعد تطوع مثنى؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة )، وفي لفظ مسلم : ( صلِّ ركعتين ركعتين، فإذا خشيت الصبح سجدت سجدة واحدة )، يعني: صليت ركعة واحدة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2631 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2589 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2547 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2544 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2525 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2453 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2388 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2375 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2359 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2357 استماع