الروض المربع - كتاب الصلاة [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ويليه وقت المغرب وهي وتر النهار ويمتد إلى مغيب الحمرة أي الشفق الأحمر، ويسن تعجيلها إلا ليلة جمع أي مزدلفة، سميت جمعاً لاجتماع الناس فيها، ويسن لمن يباح له الجمع وقصدها محرماً.

تأخير المغرب ليجمعها مع العشاء تأخيراً قبل حط رحله].

قول المؤلف رحمه الله: (ويليه وقت المغرب), المغرب يلي وقت الضرورة من وقت صلاة العصر، وهذا بإجماع أهل العلم, أن وقت صلاة المغرب من غروب الشمس, بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من عرفة إلا بليل حينما غاب القرص.

وهذا أمر بإجماع أهل العلم, لا إشكال فيه ولم يختلف أهل العلم في ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: (وهي وتر النهار), ورد أن المغرب وتر النهار في أحاديث مرفوعة وموقوفة, أما المرفوعة فلما رواه الترمذي وغيره من حديث الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: (فرض صلاة السفر والحضر ركعتين ركعتين، فلما أقام رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة والمغرب فإنها وتر النهار), وهذا الحديث بهذا الإسناد تفرد به رجل يقال له محبوب بن الحسن وقد زاد بين الشعبي وبين عائشة مسروقاً , والمعروف عند أصحاب الشعبي أن الشعبي رواه عن عائشة مرسلاً, إذ إن الشعبي لم يسمع من عائشة , فتفرد محبوب بن الحسن فرواه من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة , فأخطأ، ومحبوب هذا ممن يهم في الحديث, وعلى هذا فالأظهر أن الرواية الصحيحة هي الإرسال وليس الوصل.

وجاء عند الإمام أحمد من طريق ابن سيرين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( صلاة المغرب وتر النهار، فأوتروا من الليل ), وهذا أيضاً حديث ضعيف, فأكثر الرواة رووه عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً, ولم يذكروا ابن عمر , وهذا الذي رجحه البزار كما في مسنده.

وأصح شيء في الباب ما رواه مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: ( صلاة المغرب وتر النهار ), وقد روى غير مالك هذا الحديث بلفظ آخر, أن ابن عمر قال: ( أتدري وتر النهار؟ قال: نعم المغرب, قال: صدقت ).

انتهاء وقت صلاة المغرب

قال المؤلف رحمه الله: (ويمتد), يعني: أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الحمرة, وأكثر أهل العلم لا يستحبون تأخير صلاة المغرب, وقد نهوا أن تصلى المغرب حينما تشتبك النجوم, يعني: حينما يكثر الظلمة؛ لهذا قال أنس : (كان المؤذن يؤذن لصلاة المغرب، فيبتدرون السواري قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم), فهذا دليل على أن ما بين الأذان والإقامة قصير, حينما قال: (فيبتدرون السواري) ومعناه: أنهم يسارعون فيما بين الأذانين، وهذا الحديث جعل بعض العلماء يقول: إن الأفضل أن يستقبل الإنسان القبلة ولو أدى ذلك إلى تقدمه على الصف الأول, وأن يستقبل الإنسان سترة ولو أدى ذلك إلى ترك أول الصف؛ لأن أنساً يقول: كانوا يبتدرون السواري, والمسألة محل بحث نذكرها إن شاء الله في حينه.

قول المؤلف: (إلى مغيب الحمرة), الأظهر أن الشفق هو الحمرة, كما صح ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه, وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ), وقد أجمع أهل العلم كما ذكر ابن المنذر أن وقت العشاء يبدأ من مغيب الشفق، وأن وقت المغرب يخرج من مغيب الشفق إلا أنهم اختلفوا في معنى الشفق, فذهب أكثر أهل العلم وهو قول مالك والشافعي وأحمد إلى أن مغيب الشفق هو الحمرة, وقد صح ذلك عن ابن عمر , وفي رواية لـمسلم أنه قال: ( ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ), ومعنى ثور هو الحمرة, خلافاً لـأبي حنيفة حينما ذكر أن الشفق هو البياض, وروى ابن المنذر ذلك عن ابن عباس وفي سنده بعض الكلام, والذي يظهر -والله أعلم- أن الشفق هو الحمرة.

استحباب تعجيل صلاة المغرب إلا في مزدلفة

قال المؤلف رحمه الله: (فيسن تعجيلها), يعني: الأفضل أن يصلي المغرب في أول الوقت, والأفضل عدم التأخير إلا في حالة واحدة ذكرها المؤلف.

قال المؤلف رحمه الله: (إلا ليلة جمع أي: مزدلفة، سميت جمعاً لاجتماع الناس فيها، فيسن لمن يباح له الجمع وقصدها محرماً), فمن كان غير محرم في يوم التاسع ليلة العاشر فلا يستحب له أن يؤخرها؛ لأنه إنما استحب الجمع لأجل التفرغ لما بعد ذلك من الأنساك.

قال المؤلف رحمه الله: (ليلة جمع, أي مزدلفة سميت جمعاً؛ لاجتماع الناس فيها), ومن المعلوم أن الناس يجتمعون في منى ويجتمعون في عرفة, ويجتمعون في مزدلفة, وقال بعضهم: إنما سميت ليلة جمع لأن آدم اجتمع بحواء في مزدلفة, والذي يظهر أن مزدلفة سميت جمعاً لأن الناس يجتمعون مع قريش في مزدلفة؛ لأن قريشاً أهل الحمس كانوا لا يذهبون مع الناس إلى عرفة, فإذا جاءوا من عرفة اجتمع أهل قريش وسائر الناس, ولهذا سميت جمعاً والله تبارك وتعالى أعلم.

ومن أسمائها المشعر الحرام, كما قال الله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198], ومن أسمائها مزدلفة، ولها تسميات الله أعلم بها.

ودليل التأخير ما رواه البخاري في صحيحه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما صلاة المغرب وصلاة العشاء, فلا يقدم الناس جمعاً حتى يعتموا, وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها ), فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما ), فالعشاء السنة فيها التأخير في العادة, والمغرب السنة فيها التعجيل في العادة، فتحول هاتان الصلاتان عن أوقاتهما المعتادة, فهذا يدل على أنه كما أن الأفضل أن يصلي المسلم الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم, فإن الأفضل أن يصلي المغرب والعشاء جمع تأخير, وهذا القول هو قول عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة, بل نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن سنة الحاج أن يؤخر صلاة المغرب إلى وقت العشاء, فيصليهما بعد مغيب الشفق.

وذكر الإمام أحمد وأبو العباس بن تيمية وابن رجب وابن حجر وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد التأخير، وذلك حينما قال له أسامة بن زيد: (يا رسول الله! الصلاة, قال: الصلاة أمامك), قال أبو عمر فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد قصد التأخير, وهذا القول هو قول عامة أهل العلم, بل ذهبت المالكية والحنفية والشافعية إلى أنه لو وصل مزدلفة قبل مغيب الشفق استحب ألا يصلي حتى يغيب الشفق.

بل قالت الحنفية: لو صلى المغرب والعشاء في وقت المغرب وجب عليه أن يعيد حتى يصليها جمع تأخير, وقال مالك في المدونة حينما سئل: أرأيت من وصل مزدلفة قبل مغيب الشفق, قال: ما أظنه, يعني: ما يمكن يصل؛ لأنه كانت مشقة, قال: أرأيت لو وصل؟ قال: أحببت له ألا يصلي حتى يجمع مع العشاء في وقت العشاء.

وقال الشافعي في الأم: والسنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء في وقت العشاء, فلو صلى المغرب في وقتها, والعشاء في وقتها, أو صلى المغرب والعشاء في وقت المغرب, أو صلى المغرب والعشاء في غير مزدلفة صحت صلاته وترك السنة, وهو قول أحمد , إلا أن متأخري الحنابلة رأوا أن الحاج إذا قدم مزدلفة قبل مغيب الشفق استحب له أن يصليها جمع تقديم من حين وصوله؛ لحديث جابر قال: ( حتى إذا وصل مزدلفة أمر بلالاً فأذن وقام قبل حط رحله ).

قال صاحب الفروع: وظاهر كلام الأصحاب -يعني: ليس نصاً- على أنه لو وصل مزدلفة قبل مغيب الشفق استحب له أن يصليها, ولو لم يدخل وقت العشاء.

إذاً هذا فهم فهمه صاحب الفروع وتبعه على ذلك كتب الحنابلة, ككشاف القناع وغيره, وحديث ابن مسعود دليل على أن الأفضل أن يؤخرها إلى وقت العشاء, هذا الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم, وهو الذي تطمئن إليه النفس ولو صلوها في وقت المغرب فالراجح جواز ذلك.

لكن يخطئ كثير من الإخوة الفضلاء حينما يكونون في حملة, فيبالغون في التعجل حتى إن أكثر الحملة لا يصلون معه, بدعوى التعجل, التعجل قبل حط الرحال لكنك تشتغل بشرطها, وهو شرط الطهارة, وأما أن يكون الناس يصلون جماعات جماعات وهم حملة واحدة, فالأولى أن ينتظروا قليلاً حتى يتوضأ الناس, ثم يؤذن ثم يقيم بأذان واحد وإقامتين.

وأكثر مشايخنا على أن السنة في حقهم على مذهب الحنابلة المتأخرين, وهو أن يصليها من حين وصوله, وأكثر كتب المناسك السابقة على أن الأفضل كما قلت التأخير, وشيخنا عبد العزيز بن باز وشيخنا محمد بن عثيمين والشيخ الألباني هم الذين أظهروا هذا القول, يعني: التقديم، وتبعهم بعد ذلك المتأخرون كما في كتب المناسك, وإلا فإن عامة أهل العلم, بل نقل ابن المنذر وغيره, بالإجماع بل قال أحمد: سنة الحاج أن يصلي الظهر والعصر في وقت الظهر, والمغرب والعشاء في وقت العشاء, والله تبارك وتعالى أعلم, والمسألة على الأفضلية ليس إلا.

قال المؤلف رحمه الله: (ليجمعها مع العشاء تأخيراً قبل حط رحله), هذا هو المعروف تأخيراً, لكن قولهم أعني متقدمي الحنابلة قبل حط رحله, قال ابن مفلح : وظاهر كلام الأصحاب على أنه لو قدم مزدلفة قبل مغيب الشفق استحب له أن يصلي قبل حط رحله, وحديث أسامة بن زيد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة أمامك ), فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ في عرفة لقول أسامة: ( توضأ وضوءاً دون الوضوءين ولم يبلغ حتى إذا أتى مزدلفة توضأ ), والآن بعض الإخوة لا ينتظر الإخوة حتى يتوضئوا, والرسول صلى الله عليه وسلم حينما وصل مزدلفة توضأ, لكنه لم ينشغل في حط الرحال, ونحن نقول للحملات: أنتم انشغلوا في الوضوء وانتظروا ولا تنشغلوا في حط الرحل, والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ويمتد), يعني: أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الحمرة, وأكثر أهل العلم لا يستحبون تأخير صلاة المغرب, وقد نهوا أن تصلى المغرب حينما تشتبك النجوم, يعني: حينما يكثر الظلمة؛ لهذا قال أنس : (كان المؤذن يؤذن لصلاة المغرب، فيبتدرون السواري قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم), فهذا دليل على أن ما بين الأذان والإقامة قصير, حينما قال: (فيبتدرون السواري) ومعناه: أنهم يسارعون فيما بين الأذانين، وهذا الحديث جعل بعض العلماء يقول: إن الأفضل أن يستقبل الإنسان القبلة ولو أدى ذلك إلى تقدمه على الصف الأول, وأن يستقبل الإنسان سترة ولو أدى ذلك إلى ترك أول الصف؛ لأن أنساً يقول: كانوا يبتدرون السواري, والمسألة محل بحث نذكرها إن شاء الله في حينه.

قول المؤلف: (إلى مغيب الحمرة), الأظهر أن الشفق هو الحمرة, كما صح ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه, وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ), وقد أجمع أهل العلم كما ذكر ابن المنذر أن وقت العشاء يبدأ من مغيب الشفق، وأن وقت المغرب يخرج من مغيب الشفق إلا أنهم اختلفوا في معنى الشفق, فذهب أكثر أهل العلم وهو قول مالك والشافعي وأحمد إلى أن مغيب الشفق هو الحمرة, وقد صح ذلك عن ابن عمر , وفي رواية لـمسلم أنه قال: ( ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ), ومعنى ثور هو الحمرة, خلافاً لـأبي حنيفة حينما ذكر أن الشفق هو البياض, وروى ابن المنذر ذلك عن ابن عباس وفي سنده بعض الكلام, والذي يظهر -والله أعلم- أن الشفق هو الحمرة.