الروض المربع - كتاب الصلاة [9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب شروط الصلاة:

الشرط: ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده. شروطها أي: ما يجب لها قبلها، أي: تتقدم عليها وتسبقها إلا النية فالأفضل مقارنتها للتحريمة, ويجب استمرارها أي: الشروع فيها، وبهذا المعنى فارقت الأركان].

تعريف الشرط

المؤلف رحمه الله حينما بين أحكام الأذان، بين هنا أنه بعد الأذان إذا شرع المسلم في الذهاب إلى المسجد، أو عند حصول الصلاة، لا بد أن تتوافر فيه شروط الصلاة؛ لأن الشروط خارج الماهية, وشروط الصلاة داخلة في قاعدة الشرط, والشرط عرفه المؤلف بقوله: (ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد المشروط عند وجوده), هذا هو تعريف الشرط.

وللشرط تعاريف كثيرة, ومنها ما عرفه صاحب الموافقات: وصفاً ظاهراً منضبطاً مكملاً لمشروطه, يستلزم عدمه عدم الحكم, ولا يستلزم وجوده وجود الحكم.

مثاله: الطهارة شرط لصحة الصلاة، هذا الشرط هو وصف ظاهر منضبط مكمل لمشروطه، وهي الصلاة, فيلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة قطعاً؛ لكن لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة, فبعض العلماء يعرف الشرط فيقول: ما يلزم من عدمه العدم, ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.

ما معنى (عدم لذاته) أي: أحياناً يوجد الشرط ولا يلزم من وجوده وجود المشترط, مثاله: أتوضأ لكن ما يلزم أني أصلي.

ولا يلزم عدم لذاته, أي: لذات الشرط, فأحياناً أتطهر وأصلي الظهر، لكن صلاتي هنا غير صحيحة, ولا علاقة لها بالشرط, إنما لها علاقة بشيء آخر، مثل أن يكون الوقت لم يدخل بعد, أو لوجود مانع آخر غير هذا الشرط, هذا هو تعريف الشرط.

الفرق بين الشرط والركن

والشرط يفارق الأركان بثلاثة وجوه, ذكر المؤلف منها واحداً:

الفرق الأول: أن الشرط خارج ماهية العبادة, أو خارج ماهية الشيء, وأما الركن فهو جزء من العبادة. مثاله: الطهارة خارج ماهية الصلاة, بخلاف الركن مثل الركوع فإنه جزء من العبادة, لا يمكن تصور العبادة إلا بوجود الركن.

الفرق الثاني: أن الشرط يجب استصحابه قبل الشيء إلى انتهائه, قبل العبادة إلى انتهائها, فالطهارة تحصل قبل الصلاة, ويجب بقاؤها حتى آخر الصلاة, بخلاف الركن, فإنه يبدأ بوجوب العبادة وينتهي بانتهاء العبادة.

الفرق الثالث: يقولون: إن الشرط قبل الصلاة، والركن داخلها، وهذا الشرط هو مثل ما قلنا: ماهية العبادة وخارج الماهية, فالفروق إذاً: اثنان على الراجح.

واستثنوا النية من الشروط قالوا: النية وإن كانت شرطاً إلا أنه يستحب وجودها مقارنة بالعبادة حتى انتهائها, هذا على سبيل الاستحباب, وإلا لو وجدت النية قبل العبادة صح ذلك؛ لأنه يجب استصحابها, هذا هو الفرق بين الركن والشرط, وقد ثبت في الشرط مثل ما ثبت في الركن, وهو أنه لا تصح العبادة إلا بوجوده, والركن لا تصح العبادة إلا بوجوده.

لأجل هذا جعلت المالكية والشافعية والحنابلة أن الطهارة في الطواف شرط؛ لأن الطهارة خارج ماهية الطواف, ولكننا نقول على مذهب أبي حنيفة وهو الراجح: أن الطهارة ثبتت: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ), لكنه لم يثبت أنه لو لم توجد الطهارة لم يصح الطواف.

كما أننا نقول: يجب أن تمس المصحف وأنت طاهر, لكن ما في دلالة على أنك لو قرأت القرآن ومسكت المصحف من غير طهارة لا تؤجر, فدل ذلك على أن الطهارة في الطواف الراجح أنها واجبة وليست بشرط، وليست بمستحبة.

قال المؤلف رحمه الله: (شروطها, أي: شروط العبادة التي تجب قبل العبادة) وهي التي تتقدمها وتسبقها إلا النية، فإنه وإن جاز أن تسبق النية العبادة مع بقاء استصحاب أصلها، إلا أن الأفضل أن تكون مقارنة للعبادة؛ ولهذا قال المؤلف: (فالأفضل مقارنتها للتحريمة, ويجب استمرارها أي: الشروع فيها، وبهذا المعنى فارقت الأركان).

اشتراط الإسلام والعقل والتمييز

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [منها أي: من شروط الصلاة، الإسلام والعقل والتمييز, وهذه شروط في كل عبادة إلا التمييز في الحج ويأتي؛ ولذلك لم يذكرها كثير من الأصحاب هنا, ومنها: الوقت، قال عمر : الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به، وهو حديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ثم قال: ( يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك ), فالوقت سبب وجوب الصلاة؛ لأنها تضاف إليه وتتكرر بتكرره].

قول المؤلف: (منها أي: من شروط الصلاة), ذكر المؤلف ثلاثة شروط: الإسلام, والعقل, والتمييز, وهذه الشروط الثلاثة لم يذكرها الماتن, لكن ذكرها الشارح, وكأن هذا أمر معلوم في كل عبادة, أن الإسلام والعقل والتمييز لا بد منها في كل عبادة, إلا الحج فإن التمييز لا يلزم, فيصح من الصبي ولو كان غير مميز؛ لما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء, فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون, فرفعت امرأة صبياً لها, فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر ), فالحج يصح من غير المميز, أهم شيء أنه لا يكون مجنوناً.

وسائر العبادات لا بد فيها من توفر ثلاثة شروط, ولماذا أسقطها المؤلف, وقبله صاحب المقنع؟ أسقطها إما لأن هذه الشروط معلومة في كل عبادة, وإما أن تكون هذه الشروط الثلاثة شروطاً للنية التي يجب توفرها في العبادة, وليست شروطاً ابتدائية لهذه العبادة.

فإذا قلنا: الإسلام العقل التمييز هذه يجب توفرها, لكن هذه الثلاثة داخلة في النية, فإذاً تكون هذه الثلاثة داخلة في النية وليست ابتدائية.

قال المؤلف رحمه الله: (وهذه شروط في كل عبادة إلا التمييز في الحج ويأتي؛ ولذلك لم يذكرها كثير من الأصحاب هنا) لم يذكروها إما لمعرفتها ولأنها داخلة في كل عبادة, وإما أن تكون هذه الشروط داخلة في النية التي يجب توفرها؛ لكنها ليست شروطاً ابتدائية للصلاة, كالوقت والطهارة ونحو ذلك.

قول التمييز: أن يكون مميزاً؛ لكن هل العبرة بالعمر وهو سبع سنين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ), هل التمييز يحصل بسبع أم التمييز كما يقول النووي والحنابلة في قول: هو كل من فهم الخطاب ورد الجواب؟

هذا خلاف بين العلماء, والأقرب -والله أعلم- أن التمييز: هو كل من يميز بين العبادة من غيرها, وليس المراد فهم الخطاب ورد الجواب؛ لأن هذا يحصل بثلاث وأربع سنين؛ لكن الذي يظهر والله أعلم هو كل من يعلم الفرق بين هذه العبادة من عدمها، ويحصل أحياناً بست سنوات, أو خمس سنوات ونصف, أو سبع سنين على حسبها.

اشتراط دخول الوقت

قال المؤلف رحمه الله: (الوقت), معنى كون الوقت شرطاً للصلاة أن العبادة لا تصح إلا بدخول الوقت, وليس معنى ذلك أنها لو خرج الوقت لا تصح العبادة, على القول الراجح وهو قول الأئمة الأربعة, ولكن المراد أن الوقت هنا لا تصح العبادة قبل وجوده, وأما لو تأخرت العبادة حتى خرج الوقت، فإن هذا غير مراد المؤلف، والله أعلم.

ثم إن الوقت المذكور هنا -الذي ذكره المؤلف في شروط الصلاة- إنما هو شرط في الصلوات المفروضة المكتوبة, وإلا فإن التطوعات المطلقة لا يلزم منها وقت؛ ولهذا ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله أن من العبادات ما لا تصح إلا بالوقت كالصلاة المفروضة, ومنها ما يصح في كل وقت كركعتي الطواف, والصلوات الفوائت, ومنها ما يصح في غير أوقات النهي كالصلوات النوافل, ومنها ما يكون لسبب كالكسوف والخسوف وصلاة دخول المسجد، وغير ذلك.

وذكر المؤلف أثر عمر : (الصلاة لها وقت شرطه الله لها, لا تصح إلا به), لم نجد هذا الأثر. وأحسن منه أن أبا بكر رضي الله عنه قال لـعمر : واعلم أن لله صلاة بالنهار لا يقبلها بالليل, وصلاة بالليل لا يقبلها بالنهار. إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

ثم ذكر حديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ثم قال: ( يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك, والوقت فيما بين هذين الوقتين ), هذا الحديث ذكره المؤلف اختصاراً وذكر الشاهد منه, والحديث رواه الترمذي و أبو داود و النسائي و ابن ماجه و أحمد وغيرهم وكلهم من طريق عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم بن عباد , عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أمني جبريل عند البيت مرتين -ثم ذكر الصلوات كلها أول الوقت وذكر آخر الوقت ثم قال: يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين ), وهذا الحديث في سنده عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة , وقد تكلم فيه الحفاظ, وأشد من تكلم فيه الإمام أحمد , فقد حكى أنه متروك, وبعضهم لينه، وذكر الحافظ أنه صدوق له أوهام, ولكن الحافظ ابن حجر قال: هذا حديث مشهور صحيح, وقد تابع عبد الرحمن بن الحارث عبد الله بن عمر العمري المكبر كما عند عبد الرزاق , وهذا ليس في مصنف عبد الرزاق المطبوع، لكن في نسخ بعض العلماء, فأنتم تعرفون أن عبد الرزاق له آثار غير موجودة في المطبوع لكن الذي يظهر والله أعلم, وإن صححه الحافظ أبو عمر بن عبد البر ، و أبو بكر بن العربي إلا أن الحديث ضعيف؛ لأن متابعة عبد الله بن عمر العمري هي أيضاً تحتاج إلى متابعة, ثم إن الحديث فيه نكارة، قال: ( أمني جبريل عند البيت ), وظاهر هذا أنه أمه عند البيت مستقبلاً القبلة, كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر , ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستقبل القبلة إلا بعد الهجرة, فهذا الحديث الذي يظهر -والله أعلم- أنه ضعيف, كما أشار إلى ذلك الإمام أحمد.

قال المؤلف رحمه الله: (والوقت سبب وجوب الصلاة)؛ لأن السبب أحياناً يوافق الشرط من بعض الوجوه, فصار الوقت سبباً لوجوب الصلاة؛ ولهذا فارق الوقت سائر الشروط؛ لأن الوقت شرط أداء وشرط وجوب, بخلاف الشروط الأخرى, فإنها شرط أداء.

إذاً الوقت فيه شرط وجوب وفيه شرط أداء, أما سائر الشروط التي سوف يذكرها المؤلف فهي شرط أداء وليست شرط وجوب, يعني: إذا أديتها لا بد أن تكون قد توفر في حقك هذا الشرط. بمعنى أنه إذا دخل الوقت وجبت عليك الصلاة.

اشتراط الطهارة

قال المؤلف رحمه الله: [ومنها الطهارة من الحدث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ), متفق عليه, والطهارة من النجس، فلا تصح الصلاة مع نجاسة بدن المصلي أو ثوبه أو بقعته ويأتي.

والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة، ولا يجب غيرها إلا لعارض كالنذر, فوقت الظهر، وهي الأولى من الزوال, أي: ميل الشمس إلى المغرب, ويستمر إلى مساواة الشيء الشاخص فيئه بعد فيء الزوال, أي: بعد الظل الذي زالت عليه الشمس].

قول المؤلف: (ومنها), أي: من الشروط (الطهارة من الحدث), والحدث: وصف قائم بالبدن, يمنع من الصلاة ونحوها, فلا بد من إزالة هذا الحدث المعنوي, ولا يكون ذلك إلا بالطهارة, فإن كان الحدث حدثاً أصغر اكتفي بالوضوء, وإن كان الحدث حدثاً أكبر فلا بد فيه من الغسل, ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، ولما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يقبل الله صلاة من غير طهور, ولا صدقة من غلول ), فدل ذلك على أن الطهارة شرط للعبادة.

إلا أن المؤلف رحمه الله زاد في الطهارة, قوله: (الطهارة من النجس)، ومن المعلوم أن هذا شرط جديد، وهو اجتناب النجاسة, لكن المؤلف ذكر هذا من باب الاستطراد، وإلا سوف يذكره شرطاً جديداً.

وعلى هذا فقول المؤلف: (والطهارة من النجس), هذا ينبغي أن يستفرده بشرط جديد لأمور:

أولاً: لأن الطهارة من الحدث مجمع عليه, وأما الطهارة من النجس فليس مجمعاً عليه, فكان الأولى بالمؤلف أن يخرجه, فالذين قالوا: بأن الطهارة من النجس شرط هم الجمهور، خلافاً لـمالك ، وإن كان قول مالك قوياً كما سوف يأتي شرح ذلك مفصلاً إن شاء الله.

الثاني: أن المؤلف ذكر هذا بشرط جديد, فجعله من اجتناب النجاسات.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا تصح الصلاة مع نجاسة بدن المصلي, أو ثوبه أو بقعته ويأتي), نحن قلنا: إن الطهارة هي التي ثبت وجوبها، وثبت عدم صحة العبادة بفقدها، لكن هل جاء حديث بوجوب طهارة البدن والثوب؟ نعم جاء, وهو حديث أبي سعيد عند الأربعة: ( أن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى ). وهل جاء حديث على أنه إذا صليت بالثوب النجس تبطل صلاتك؟ لم يأتنا؛ بل جاءنا ما يفيد أن اجتناب النجاسة يخالف سائر الشروط, فلو أن مسلماً قبل الوقت بدقيقة كبر للظهر, ثم أدى باقي الصلوات داخل الوقت فلا تصح صلاته.

ولو أن شخصاً لم يجد الماء ووجد التراب؛ ولكنه لم يتيمم فقال: الله أكبر ثم تيمم, هل تصح صلاته, وقل مثل ذلك في سائر الشروط, إلا اجتناب النجاسة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما علم أن بهما أذى لم يعد الصلاة, بل أزالهما, مما يدل على أن اجتناب النجاسة شيء يخالف سائر الشروط, فلا يلزم من عدمه العدم, ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم, فعلى هذا يظهر أن اجتناب النجاسة واجب وليس بشرط, فلو صلى بالنجاسة فهو آثم لكن صلاته صحيحة، والله أعلم.

المؤلف رحمه الله حينما بين أحكام الأذان، بين هنا أنه بعد الأذان إذا شرع المسلم في الذهاب إلى المسجد، أو عند حصول الصلاة، لا بد أن تتوافر فيه شروط الصلاة؛ لأن الشروط خارج الماهية, وشروط الصلاة داخلة في قاعدة الشرط, والشرط عرفه المؤلف بقوله: (ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد المشروط عند وجوده), هذا هو تعريف الشرط.

وللشرط تعاريف كثيرة, ومنها ما عرفه صاحب الموافقات: وصفاً ظاهراً منضبطاً مكملاً لمشروطه, يستلزم عدمه عدم الحكم, ولا يستلزم وجوده وجود الحكم.

مثاله: الطهارة شرط لصحة الصلاة، هذا الشرط هو وصف ظاهر منضبط مكمل لمشروطه، وهي الصلاة, فيلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة قطعاً؛ لكن لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة, فبعض العلماء يعرف الشرط فيقول: ما يلزم من عدمه العدم, ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.

ما معنى (عدم لذاته) أي: أحياناً يوجد الشرط ولا يلزم من وجوده وجود المشترط, مثاله: أتوضأ لكن ما يلزم أني أصلي.

ولا يلزم عدم لذاته, أي: لذات الشرط, فأحياناً أتطهر وأصلي الظهر، لكن صلاتي هنا غير صحيحة, ولا علاقة لها بالشرط, إنما لها علاقة بشيء آخر، مثل أن يكون الوقت لم يدخل بعد, أو لوجود مانع آخر غير هذا الشرط, هذا هو تعريف الشرط.

والشرط يفارق الأركان بثلاثة وجوه, ذكر المؤلف منها واحداً:

الفرق الأول: أن الشرط خارج ماهية العبادة, أو خارج ماهية الشيء, وأما الركن فهو جزء من العبادة. مثاله: الطهارة خارج ماهية الصلاة, بخلاف الركن مثل الركوع فإنه جزء من العبادة, لا يمكن تصور العبادة إلا بوجود الركن.

الفرق الثاني: أن الشرط يجب استصحابه قبل الشيء إلى انتهائه, قبل العبادة إلى انتهائها, فالطهارة تحصل قبل الصلاة, ويجب بقاؤها حتى آخر الصلاة, بخلاف الركن, فإنه يبدأ بوجوب العبادة وينتهي بانتهاء العبادة.

الفرق الثالث: يقولون: إن الشرط قبل الصلاة، والركن داخلها، وهذا الشرط هو مثل ما قلنا: ماهية العبادة وخارج الماهية, فالفروق إذاً: اثنان على الراجح.

واستثنوا النية من الشروط قالوا: النية وإن كانت شرطاً إلا أنه يستحب وجودها مقارنة بالعبادة حتى انتهائها, هذا على سبيل الاستحباب, وإلا لو وجدت النية قبل العبادة صح ذلك؛ لأنه يجب استصحابها, هذا هو الفرق بين الركن والشرط, وقد ثبت في الشرط مثل ما ثبت في الركن, وهو أنه لا تصح العبادة إلا بوجوده, والركن لا تصح العبادة إلا بوجوده.

لأجل هذا جعلت المالكية والشافعية والحنابلة أن الطهارة في الطواف شرط؛ لأن الطهارة خارج ماهية الطواف, ولكننا نقول على مذهب أبي حنيفة وهو الراجح: أن الطهارة ثبتت: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ), لكنه لم يثبت أنه لو لم توجد الطهارة لم يصح الطواف.

كما أننا نقول: يجب أن تمس المصحف وأنت طاهر, لكن ما في دلالة على أنك لو قرأت القرآن ومسكت المصحف من غير طهارة لا تؤجر, فدل ذلك على أن الطهارة في الطواف الراجح أنها واجبة وليست بشرط، وليست بمستحبة.

قال المؤلف رحمه الله: (شروطها, أي: شروط العبادة التي تجب قبل العبادة) وهي التي تتقدمها وتسبقها إلا النية، فإنه وإن جاز أن تسبق النية العبادة مع بقاء استصحاب أصلها، إلا أن الأفضل أن تكون مقارنة للعبادة؛ ولهذا قال المؤلف: (فالأفضل مقارنتها للتحريمة, ويجب استمرارها أي: الشروع فيها، وبهذا المعنى فارقت الأركان).