الروض المربع - كتاب الصلاة [5]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يقاتل أهل بلد تركوها، أي: الأذان والإقامة فيقاتلهم الإمام أو نائبه؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالباً أجزأ عن الكل ].

من المعلوم أن كل شعيرة من شعائر الإسلام إذا منع أهل بلد أداءها فإنه يجب على الإمام الأعظم أن يقاتلهم؛ لأجل إقامتها؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، فالأذان والإقامة من شعائر الإسلام الظاهرة، والمؤلف يقول: (فيقاتلهم)، لأن ثمة فرقاً بين القتل والمقاتلة، فالمقاتلة لا يتابع مدبرهم ولا يُجهز على جريحهم؛ فليس المقصود هو القتل المعين، إنما المقصود تأديبهم وإعادتهم إلى ما عليه أهل الإسلام، فعلى هذا يقاتلون، فإن جُرح منهم أحد فلا يُجهز عليه، ولا يُتبع مدبرهم، لكن المقصود هو إظهار هذه الشعيرة وتعظيمها في نفوس أهل الإسلام.

وهذا القول أعني: يقاتل أهل البلد حتى ولو قلنا بأنها فرض كفاية أو سنة، لكن بعض الفقهاء يقول: إذا قلنا: إنها سنة فلا يقاتل أهل البلد، أما إذا قلنا: إنها فرض كفاية فيقاتل أهل البلد، فعلى هذا فالمقاتلة هنا هي قول من قال بفرض الكفاية، ومن قال: إنها سنة على قول. وأما من قال: إنها سنة، فمنهم من يقول: يقاتلون؛ لأنها شعيرة، ومنهم من يقول: لا يقاتلون؛ لأنها سنة، والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن إظهار الأذان والإقامة مقصود بهما وجود الإسلام في هذا البلد وتحكيم شرعه، فإذا وجد التحكيم والشرع فلا يلزم المقاتلة؛ لحديث أنس كما في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أغار على قوم كان يُغير إذا طلع الفجر، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار)، فقوله: (أمسك وإلا أغار)، دليل على أن الأذان نوع من التزام هذا البلد بالإسلام، ولا يُعلم ذلك إلا بالأذان؛ لأنه كان يريد أن يغير عليهم لأنهم لم يكونوا مسلمين، فإذا ظهر الإسلام في هذا البلد فلا يلزم المقاتلة، لأن إيجاب المقاتلة مع إظهار الإسلام وأحكامه محل يحتاج معه إلى دليل، والله أعلم.

الأذان المجزئ في البلد

قال المؤلف رحمه الله: (وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالباً أجزأ عن الكل)، يعني: لو أنه يؤذن في وسط البلد مسجد واحد أو مسجدان، أو مسجد في طرف الشرق ومسجد في طرف الغرب، ومسجد في الشرقي والجنوبي والوسط، واكتفى الناس بذلك فلا حرج أيضاً، فالقصد أن يحصل به الاكتفاء، فإذا لم يحصل فلا بد من حصوله ولو زاد، والله أعلم.

والمؤلف ذكر صوراً إذا كان البلد قريباً، أما مثل بلادنا هنا فالحي الواحد ربما يكون أكبر من بعض المدن في عهد السلف، فلو نظرنا إلى بعض أحياء مدينة الرياض هي أكبر من مدن أخرى في بعض دول الخليج، وبعض الأحياء في الدول العربية كبيرة جداً جداً، فالقضية هي أن المؤلف يذكر صوراً كانت تتناسب مع الواقع الذي يعيشه رحمه الله، ولهذا يقول: (وإن كان واحداً وإلا زيد بقدر الحاجة) فالآن مثلاً في الرياض في منطقة حي الفلاح هل يكفي أذان واحد؟ لا، ما يكفي؛ لأنه لا يحصل به إعلام كل الحي، أو حي الوادي أو حي الفلاح أو حي الازدهار، ما يكفي واحد، ولو طبقنا بعض المسائل الفقهية الموجودة يقولون: ولا يقام لصلاة الجمعة إلا في مسجد واحد إلا بقدر الحاجة، لو طبقنا هذا في الرياض لما كفى، ولصلت العالم في الشوارع، ولوجدوا مشقة في الصلاة.

تعدد المؤذنين

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن كان واحداً وإلا زيد بقدر الحاجة كل واحد في جانب أو دفعة واحدة بمكان واحد ].

قوله: (أو دفعة واحدة في مكان واحد) كان في السابق يؤذن المؤذن على المنارة، ويؤذن البعض في باحة المسجد، ثم إذا جاء وقت الإقامة أقام شخص، هذا يوجد في بعض أهل الشام وأهل مصر، وقد أنكر أبو العباس بن تيمية هذا الأمر وقال: إن هذا لم يكن معروفاً عند السلف، فليس أذان هؤلاء مشروعاً باتفاق الأئمة بل هو بدعة منكرة. يقول ابن تيمية : فليس أذان هؤلاء في مكان واحد، وفي مسجد واحد بمشروع عند الأئمة بل هو بدعة منكرة، ولا شك أن قول أبي العباس بن تيمية واضح في بدعية ذلك.

فلو قلنا: في مسجد واحد يؤذن له أذانان فهذا بدعة، فيصح أذانان في صلاة الفجر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ) أما غير ذلك فلا، وكلما ابتعد الناس عن عهد النبوة كلما أحدثوا في دين الله ما استحسنتها عقولهم، ولو كان الدين بالرأي لكان محمد صلى الله عليه وسلم لم يُبعث بما بعثه الله سبحانه وتعالى، لكن الله أراد لمحمد صلى الله عليه وسلم وأراد لهذه الأمة الخيرية العظيمة، بأن لا نقتدي إلا بما فعله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ولهذا قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).

وهذا فيه فائدة وهو أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وسنة الخلفاء المهديين من بعدي) دليل على أنه يمكن أن يأتي الأئمة الفضلاء من الصحابة الكبار كـأبي بكر و عمر و عثمان و علي أن يأتوا بما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخالف نصاً شرعياً بل الأدلة العامة تؤيده، فوقف هذا الأمر على الأئمة الأربعة؛ لأن اجتهاد الواحد من غير نكير إجماع عندهم، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: وكل أمر فُعل في عهد الخلفاء الراشدين ولم يُنكر فليس ببدعة، فهذه قاعدة! لأنهم كانوا في فهم السنة أحرى، وفي اتباع النص أخلق، رضي الله عنهم أجمعين، فإذا جاء من بعدهم، وقد اختلف الناس وتفرقوا واجتهدوا، فبأي عقل يحكم كما قال الإمام مالك ، فليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة.

الأحق بالإقامة عند وجود مؤذنين

قال المؤلف رحمه الله: [ ويقيم أحدهما، وإن تشاحوا أقرع ].

هذا بناء على أنه يؤذن في مكان واحد أكثر من مؤذن ولا يشرع.

قوله: (ويقيم أحدهما) يعني: أحد المؤذنين إذا أذنا في وقت واحد، وقلنا: إن هذا ليس بمشروع، بل روى أبو داود رضي الله عنه أن المؤذن بدأ ينادي الناس بعد الأذان، فيقول: الصلاة، حي على الصلاة، الصلاة يا أمير المؤمنين! فكان ابن عمر رضي الله عنه في المسجد، فجاء المؤذن بعد الأذان فنادى: الصلاة يا أمير المؤمنين! فخرج رضي الله عنه من المسجد ويقول: أخرجتني البدعة، أخرجتني البدعة، أخرجتني البدعة. هذا الفعل من المؤذن في عهد الخلفاء الراشدين وجد من ينكر إذاً هذا هو غير المشروع، فالسبحة التي نحن نسميها السبحة معروفة، ووجدت في عهد الخلفاء الراشدين كان لـأبي هريرة ألف عقدة، وكان النساء يسبحن بالحصى، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم إنما أرشدهم إلى ما هو أفضل فقال: ( اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات ومستنطقات ).

و ابن مسعود حين دخل على أصحابه لم ينكر عليهم فعلهم في طريقة التسبيح، إنما أنكر عليهم في اجتماعهم ودورانهم بحيث يقول أحدهم: سبحان الله، فيقولون: سبحان الله، سبحان الله، فدل على أن السبحة ليست ببدعة؛ لأنها كانت موجودة في عهد الخلفاء الراشدين ولم يُنكر، وهذه قاعدة إذا ضبطها طالب العلم وتأنى فيها سلم من كثير من الأشياء التي يقال عنها: بدعة، وليست ببدعة، أو يقال عنها: مشروعة، وهي بدعة.

الأولى بالإقامة عند حصول النزاع بين المؤذنين

قال المؤلف رحمه الله: (وإن تشاحوا) يعني: تشاحوا في الأذان، أقرع الإمام أو المسئول أو جماعة المسجد أو باني المسجد ممن له سلطان في هذا المسجد بالقرعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه )، وقد ذكر أهل السير أن في معركة القادسية تشاح الصحابة والتابعون في الأذان، فأقرع سعد بن أبي وقاص بينهم، فوقعت القرعة على أحدهم فأذن.

ولأهمية الأذان كان بعض الصحابة وبعض التابعين يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم وأن يؤذن لهم، وكان جرير بن عبد الله البجلي إذا سافر معه أصحابه يشترط عليهم الأذان، وهذه فائدة فبعض الإخوة إذا أراد أن يسافر يذهب أحدهم إلى مدير الرحلة يقول: أنا أريد أن أؤذن، فلا حرج في ذلك، بل هو أمر حسن.

ثم إني أقول: إذا فعل الصحابة أمراً ولم يُنكر ولم يُتابعوه، فنقول: حسن ولا نقول: إنه سنة؛ لأن السنة ما ثبتت في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما إذا فُعل في عهد الصحابة، وتابعوه، وأقروه صار إجماعاً فهو إلى الاستحباب حسن، وهذه طريقة أبي العباس بن تيمية رحمه الله، مثل القنوت في الوتر العام في غير رمضان لم يثبت، أو لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت، وحديث الحسن بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه دعاءً يدعو به في القنوت زيادة (في القنوت) منكرة كما ذكر ذلك الدارقطني ، وأن أبا الحوراء لم يسمع من الحسن كما أشار إلى ذلك الدارقطني و ابن خزيمة ، وعلى هذا فنقول: إن قنت فحسن؛ لأن ابن مسعود كان يقنت، وإن ترك فحسن فإن من الصحابة من ترك، فأخذنا نحن بفعل الصحابة كلهم، وتصح.

قال المؤلف رحمه الله: (وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالباً أجزأ عن الكل)، يعني: لو أنه يؤذن في وسط البلد مسجد واحد أو مسجدان، أو مسجد في طرف الشرق ومسجد في طرف الغرب، ومسجد في الشرقي والجنوبي والوسط، واكتفى الناس بذلك فلا حرج أيضاً، فالقصد أن يحصل به الاكتفاء، فإذا لم يحصل فلا بد من حصوله ولو زاد، والله أعلم.

والمؤلف ذكر صوراً إذا كان البلد قريباً، أما مثل بلادنا هنا فالحي الواحد ربما يكون أكبر من بعض المدن في عهد السلف، فلو نظرنا إلى بعض أحياء مدينة الرياض هي أكبر من مدن أخرى في بعض دول الخليج، وبعض الأحياء في الدول العربية كبيرة جداً جداً، فالقضية هي أن المؤلف يذكر صوراً كانت تتناسب مع الواقع الذي يعيشه رحمه الله، ولهذا يقول: (وإن كان واحداً وإلا زيد بقدر الحاجة) فالآن مثلاً في الرياض في منطقة حي الفلاح هل يكفي أذان واحد؟ لا، ما يكفي؛ لأنه لا يحصل به إعلام كل الحي، أو حي الوادي أو حي الفلاح أو حي الازدهار، ما يكفي واحد، ولو طبقنا بعض المسائل الفقهية الموجودة يقولون: ولا يقام لصلاة الجمعة إلا في مسجد واحد إلا بقدر الحاجة، لو طبقنا هذا في الرياض لما كفى، ولصلت العالم في الشوارع، ولوجدوا مشقة في الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن كان واحداً وإلا زيد بقدر الحاجة كل واحد في جانب أو دفعة واحدة بمكان واحد ].

قوله: (أو دفعة واحدة في مكان واحد) كان في السابق يؤذن المؤذن على المنارة، ويؤذن البعض في باحة المسجد، ثم إذا جاء وقت الإقامة أقام شخص، هذا يوجد في بعض أهل الشام وأهل مصر، وقد أنكر أبو العباس بن تيمية هذا الأمر وقال: إن هذا لم يكن معروفاً عند السلف، فليس أذان هؤلاء مشروعاً باتفاق الأئمة بل هو بدعة منكرة. يقول ابن تيمية : فليس أذان هؤلاء في مكان واحد، وفي مسجد واحد بمشروع عند الأئمة بل هو بدعة منكرة، ولا شك أن قول أبي العباس بن تيمية واضح في بدعية ذلك.

فلو قلنا: في مسجد واحد يؤذن له أذانان فهذا بدعة، فيصح أذانان في صلاة الفجر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ) أما غير ذلك فلا، وكلما ابتعد الناس عن عهد النبوة كلما أحدثوا في دين الله ما استحسنتها عقولهم، ولو كان الدين بالرأي لكان محمد صلى الله عليه وسلم لم يُبعث بما بعثه الله سبحانه وتعالى، لكن الله أراد لمحمد صلى الله عليه وسلم وأراد لهذه الأمة الخيرية العظيمة، بأن لا نقتدي إلا بما فعله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ولهذا قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).

وهذا فيه فائدة وهو أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وسنة الخلفاء المهديين من بعدي) دليل على أنه يمكن أن يأتي الأئمة الفضلاء من الصحابة الكبار كـأبي بكر و عمر و عثمان و علي أن يأتوا بما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخالف نصاً شرعياً بل الأدلة العامة تؤيده، فوقف هذا الأمر على الأئمة الأربعة؛ لأن اجتهاد الواحد من غير نكير إجماع عندهم، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: وكل أمر فُعل في عهد الخلفاء الراشدين ولم يُنكر فليس ببدعة، فهذه قاعدة! لأنهم كانوا في فهم السنة أحرى، وفي اتباع النص أخلق، رضي الله عنهم أجمعين، فإذا جاء من بعدهم، وقد اختلف الناس وتفرقوا واجتهدوا، فبأي عقل يحكم كما قال الإمام مالك ، فليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة.

قال المؤلف رحمه الله: [ ويقيم أحدهما، وإن تشاحوا أقرع ].

هذا بناء على أنه يؤذن في مكان واحد أكثر من مؤذن ولا يشرع.

قوله: (ويقيم أحدهما) يعني: أحد المؤذنين إذا أذنا في وقت واحد، وقلنا: إن هذا ليس بمشروع، بل روى أبو داود رضي الله عنه أن المؤذن بدأ ينادي الناس بعد الأذان، فيقول: الصلاة، حي على الصلاة، الصلاة يا أمير المؤمنين! فكان ابن عمر رضي الله عنه في المسجد، فجاء المؤذن بعد الأذان فنادى: الصلاة يا أمير المؤمنين! فخرج رضي الله عنه من المسجد ويقول: أخرجتني البدعة، أخرجتني البدعة، أخرجتني البدعة. هذا الفعل من المؤذن في عهد الخلفاء الراشدين وجد من ينكر إذاً هذا هو غير المشروع، فالسبحة التي نحن نسميها السبحة معروفة، ووجدت في عهد الخلفاء الراشدين كان لـأبي هريرة ألف عقدة، وكان النساء يسبحن بالحصى، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم إنما أرشدهم إلى ما هو أفضل فقال: ( اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات ومستنطقات ).

و ابن مسعود حين دخل على أصحابه لم ينكر عليهم فعلهم في طريقة التسبيح، إنما أنكر عليهم في اجتماعهم ودورانهم بحيث يقول أحدهم: سبحان الله، فيقولون: سبحان الله، سبحان الله، فدل على أن السبحة ليست ببدعة؛ لأنها كانت موجودة في عهد الخلفاء الراشدين ولم يُنكر، وهذه قاعدة إذا ضبطها طالب العلم وتأنى فيها سلم من كثير من الأشياء التي يقال عنها: بدعة، وليست ببدعة، أو يقال عنها: مشروعة، وهي بدعة.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن تشاحوا) يعني: تشاحوا في الأذان، أقرع الإمام أو المسئول أو جماعة المسجد أو باني المسجد ممن له سلطان في هذا المسجد بالقرعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه )، وقد ذكر أهل السير أن في معركة القادسية تشاح الصحابة والتابعون في الأذان، فأقرع سعد بن أبي وقاص بينهم، فوقعت القرعة على أحدهم فأذن.

ولأهمية الأذان كان بعض الصحابة وبعض التابعين يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم وأن يؤذن لهم، وكان جرير بن عبد الله البجلي إذا سافر معه أصحابه يشترط عليهم الأذان، وهذه فائدة فبعض الإخوة إذا أراد أن يسافر يذهب أحدهم إلى مدير الرحلة يقول: أنا أريد أن أؤذن، فلا حرج في ذلك، بل هو أمر حسن.

ثم إني أقول: إذا فعل الصحابة أمراً ولم يُنكر ولم يُتابعوه، فنقول: حسن ولا نقول: إنه سنة؛ لأن السنة ما ثبتت في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما إذا فُعل في عهد الصحابة، وتابعوه، وأقروه صار إجماعاً فهو إلى الاستحباب حسن، وهذه طريقة أبي العباس بن تيمية رحمه الله، مثل القنوت في الوتر العام في غير رمضان لم يثبت، أو لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت، وحديث الحسن بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه دعاءً يدعو به في القنوت زيادة (في القنوت) منكرة كما ذكر ذلك الدارقطني ، وأن أبا الحوراء لم يسمع من الحسن كما أشار إلى ذلك الدارقطني و ابن خزيمة ، وعلى هذا فنقول: إن قنت فحسن؛ لأن ابن مسعود كان يقنت، وإن ترك فحسن فإن من الصحابة من ترك، فأخذنا نحن بفعل الصحابة كلهم، وتصح.

قال المؤلف رحمه الله: [وتصح الصلاة بدونهما لكن يكره].

هذا قول عامة أهل العلم على أن الصلاة تصح بدونهما، ولكن يُكره إلا عند ابن حزم رحمه الله فإنه أبطل الصلاة لمن ترك الإقامة، والراجح والله أعلم أن الصلاة تصح؛ لما جاء في صحيح مسلم : ( أن الأسود بن يزيد و علقمة رضي الله عنهما دخلا على ابن مسعود فقال: أصلى الناس خلفكم؟ قلنا: لا، قال: قوموا فأصلي بكم، قال: فصلينا معه، فأقامنا أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فصلى بنا من غير أذان ولا إقامة )، وهذا الحديث فيه مسائل كثيرة لكن نرجئها إن شاء الله في شروط الإمامة التي سوف يذكرها المؤلف، فالشاهد من الأثر: ( فصلى بنا من غير أذان ولا إقامة ).

أما قوله: (لكن يُكره) الأقرب، والله تبارك وتعالى أعلم، أنهم إذا كانوا جماعة وتركوا الأذان، يعني: كانوا في سفر، ولا يسمع أذان، ولا يصل إلى قرية، فالأذان واجب في حقهم لهذه الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك بن الحويرث : ( إذا سافرتما فأذنا وأقيما )، وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، وهذا فرض كفاية في حقهم، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإلا فقد أثموا.

قال المؤلف رحمه الله: (لكن يُكره) الأقرب عدم الكراهة بل التحريم؛ لأن المؤلف حكم عليه بفرض كفاية، فإذا لم يقم به من يكفي فلا يقال: إنه يُكره، ويقال: يُكره إذا كان قد فُعل الكفائي، أما أن يقول: يُكره مطلقاً قام به من يكفي أم لا فهذا محل نظر، وعلى القول: بأن الإقامة فرض عين فإنه يحرم، ولو قام به من يكفي، وقد كنت قلت من قبل: إن القول بالإقامة للمنفرد واجبة وللجماعة هذا هو الأظهر والله أعلم، وإن كان في النفس منها شيء أعني: الإقامة إذا كانت للمنفرد، فقد تأملتها كثيراً فوجدت أن الإقامة نوع من النداء؛ لأن الإنسان يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، وهو حاصل وحده، فلو كان جماعة لناسب أن يقال: إنه فرض عين في حق الجماعة، أما الواحد فلا؛ لأن لا معنى أن يقيم وهو ينادي نفسه. وقد تأملت هذه المسألة وقرأت فيها ولهذا أقول: الحقيقة أنا أتوقف في باب الإقامة هل هي فرض عين أم فرض كفاية؟ أما الأذان فهي واضحة عندي أنها فرض كفاية كما قلت سابقاً، وأما الإقامة فهي محل توقف عندي، الآن أقوله وأستغفر الله من الزلل والخطأ، والله يغفر نقصنا وتقصيرنا.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2629 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2587 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2546 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2543 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2522 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2451 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2386 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2373 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2357 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2354 استماع