خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب الطهارة [24]
الحلقة مفرغة
التيمم لخوف فوت جنازة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
قال المؤلف رحمه الله: [ولا يتيمم لخوف فوت جنازة ولا وقت فرض].
المؤلف يقول: لا يتيمم الإنسان لخوف فوت جنازة، ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الإنسان لا يشرع له التيمم لما يخاف فوته كالجنازة وصلاة العيد؛ لأن ما يخاف فوته ليس بواجب في حقه وإنما هو مستحباً؛ لأن غالب ما يخاف فوته مما هو غير واجب وجوباً عينياً يكون في حقه مستحباً؛ لأن فرض الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإذا قام به من يكفي كان ذلك في حق غيرهم مستحب، فكل ما يخاف فوته عند الحنابلة والجمهور لا يصح التيمم له.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله والأوزاعي ورواية عند الحنابلة اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن كل ما يخاف فوته كالجنازة وصلاة العيد يشرع له التيمم، واستدلوا بأدلة منها: الدليل الأول: ما روى البخاري في صحيحه و مسلم في صحيحه معلقاً من حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام )، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد وتيمم؛ لأنه كره أن يذكر الله على غير طهر، فتيمم ثم سلم خوفاً من فوت ترك فضيلة رد السلام، فدل ذلك على أن كل ما يخاف فوته ولو كان مستحباً في حقه شرع له التيمم.
الدليل الثاني: ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا فاجأتك جِنازة وأنت على غير وضوء فتيممم )، وهذا الحديث في سنده المغيرة بن زياد يرويه عن عطاء عن ابن عباس ، و المغيرة بن زياد أخطأ في هذا الحديث وهذا مما أنكره الإمام أحمد عليه سواء رواه مرفوعاً أو موقوفاً فلا يصح، وروي مثل ذلك عن ابن عمر كما رواه ابن أبي شيبة ولا يصح، وقالوا: إن الصلاة بالتيمم خير من تفويت الصلاة، وعلى هذا فإذا استيقظ الإنسان في مخيمه وقد بقي على صلاة الفجر قليل، وهو لو قام بطلب الماء لطلع الفجر، فإنه يتيمم ليصلي صلاة الليل كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ولعل هذا القول فيه قوة، بل قال أبو بكر عبد العزيز و أبو حنيفة: لو انتقض وضوء المصلي في صلاة الجمعة فخرج من المسجد لكي يتوضأ لفاتته صلاة الجمعة، فلذلك يتيمم لأجل إدراك الجمعة، صورة المسألة: شخص صلى مع الإمام ركعة، لما قام الإمام إلى الركعة الثانية وهو يقرأ: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] أحدث، ويغلب على ظنه بل يتيقن أنه لو خرج من المسجد وبحث عن الماء لفاتته الركعة الثانية ولم يدرك مع الإمام إلا التشهد الأخير أو لم يدرك فإنه في هذه الحالة على قول أبي حنيفة و أبي بكر عبد العزيز يتيمم بأن يضرب الجدار إذا كان له غبار أو الرمل ثم يدخل فيصلي معهم الركعة الأخيرة؛ لأن الجمعة تفوت حينئذ، ومثله ما لو خشي خروج الوقت جاز له التيمم كما سوف يأتي بيانه، وهذا القول له حظ من النظر لو تأملته.
التيمم لخوف فوت وقت الفرض وما يستثنى من ذلك
يقول المؤلف: [ إلا إذا وصل مسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت ]؛ يعني: إذا جاء مسافر يبحث عن الماء ووصل إلى الماء ولكن الوقت ضيق لو أخذ في طلب الماء وهو يراه لخرج الوقت، فإن الحنابلة يقولون: جاز للمسافر أن يتيمم إذا ضاق الوقت ولو الوقت المختار، فلو أنه جاء إلى الماء أو إلى البئر والشمس قد اصفرت أو قريباً من الاصفرار هذا هو آخر الوقت المختار فإنه يتيمم ويصلي خوفاً من فوات الوقت المختار، هذا مذهب الحنابلة.
قال المؤلف رحمه الله: [إلا إذا وصل مسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعده].
إذا انتظر الماء ويعلم أنه لو انتظر حتى يأتي دوره فإنه في هذه الحالة إن خاف خروج الوقت أو خاف خروج الوقت المختار فإنه يصلي بتيمم، ومثل ذلك ما أشار إليه أبو العباس بن تيمية أن المرأة التي تدخل الحمام الذي يكون في البلاد الباردة ومعها أطفالها، فلو أنها انتظرت لكي تغتسل وتغسل أطفالها لخرج الوقت، قال: فالأقرب -والله أعلم- أنها تخرج من الحمام وتتيمم وتصلي بالتيمم، هم يقولون مثل ذلك الذين يركبون الباص من عرفة إلى مزدلفة وربما خشوا فوت الوقت؛ يعني: منتصف الليل، وبعضهم يحتاج إلى ماء، فلو نزل من الباص وتطلب الماء لخرج وقته المختار أو وقت منتصف الليل، فإننا نقول في هذه الحالة يجب عليه أن يصلي بالتيمم ولو كان الماء موجوداً في دورات المياه لكنه يخاف من الانتظار ومجيء نوبته من خروج وقت منتصف الليل، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [أو علمه قريباً وخاف فوت الوقت إن قصده].
علمه قريباً ولكنه لو قصده وانتظر مجيء نوبته أو مجيء وصوله فإنه ربما خاف خروج الوقت المختار أو الوقت.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
قال المؤلف رحمه الله: [ولا يتيمم لخوف فوت جنازة ولا وقت فرض].
المؤلف يقول: لا يتيمم الإنسان لخوف فوت جنازة، ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الإنسان لا يشرع له التيمم لما يخاف فوته كالجنازة وصلاة العيد؛ لأن ما يخاف فوته ليس بواجب في حقه وإنما هو مستحباً؛ لأن غالب ما يخاف فوته مما هو غير واجب وجوباً عينياً يكون في حقه مستحباً؛ لأن فرض الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإذا قام به من يكفي كان ذلك في حق غيرهم مستحب، فكل ما يخاف فوته عند الحنابلة والجمهور لا يصح التيمم له.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله والأوزاعي ورواية عند الحنابلة اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن كل ما يخاف فوته كالجنازة وصلاة العيد يشرع له التيمم، واستدلوا بأدلة منها: الدليل الأول: ما روى البخاري في صحيحه و مسلم في صحيحه معلقاً من حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام )، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد وتيمم؛ لأنه كره أن يذكر الله على غير طهر، فتيمم ثم سلم خوفاً من فوت ترك فضيلة رد السلام، فدل ذلك على أن كل ما يخاف فوته ولو كان مستحباً في حقه شرع له التيمم.
الدليل الثاني: ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا فاجأتك جِنازة وأنت على غير وضوء فتيممم )، وهذا الحديث في سنده المغيرة بن زياد يرويه عن عطاء عن ابن عباس ، و المغيرة بن زياد أخطأ في هذا الحديث وهذا مما أنكره الإمام أحمد عليه سواء رواه مرفوعاً أو موقوفاً فلا يصح، وروي مثل ذلك عن ابن عمر كما رواه ابن أبي شيبة ولا يصح، وقالوا: إن الصلاة بالتيمم خير من تفويت الصلاة، وعلى هذا فإذا استيقظ الإنسان في مخيمه وقد بقي على صلاة الفجر قليل، وهو لو قام بطلب الماء لطلع الفجر، فإنه يتيمم ليصلي صلاة الليل كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ولعل هذا القول فيه قوة، بل قال أبو بكر عبد العزيز و أبو حنيفة: لو انتقض وضوء المصلي في صلاة الجمعة فخرج من المسجد لكي يتوضأ لفاتته صلاة الجمعة، فلذلك يتيمم لأجل إدراك الجمعة، صورة المسألة: شخص صلى مع الإمام ركعة، لما قام الإمام إلى الركعة الثانية وهو يقرأ: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] أحدث، ويغلب على ظنه بل يتيقن أنه لو خرج من المسجد وبحث عن الماء لفاتته الركعة الثانية ولم يدرك مع الإمام إلا التشهد الأخير أو لم يدرك فإنه في هذه الحالة على قول أبي حنيفة و أبي بكر عبد العزيز يتيمم بأن يضرب الجدار إذا كان له غبار أو الرمل ثم يدخل فيصلي معهم الركعة الأخيرة؛ لأن الجمعة تفوت حينئذ، ومثله ما لو خشي خروج الوقت جاز له التيمم كما سوف يأتي بيانه، وهذا القول له حظ من النظر لو تأملته.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2631 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2589 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2548 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2545 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2525 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2453 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2388 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2375 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2359 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2357 استماع |