خطب ومحاضرات
كتاب التوحيد - باب من تبرك بشجر وحجر ونحوهم
الحلقة مفرغة
حكم التبرك بقصد العبادة أو بقصد طلب البركة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
اعلم أن التبرك بآثار الصحابة، أو بآثار الصالحين، الذي يظهر والله أعلم أن ذلك ممنوع، وأنه محرم، وأن ذلك بدعة، أما أنه شرك فليس بشرك، ولكنه محرم أو بدعة، والله أعلم.
وهذا الباب هو مراد المؤلف في ذلك، ولهذا من دقته رضي الله عنه ورحمه لم يذكر حكماً؛ لأن ذلك يختلف، فمنه ما هو شرك أكبر أو أصغر، ومنه ما هو ليس بشرك، ولكنه محرم وبدعة.
قال المؤلف رحمه الله: [وتبرك، أي: طلب البركة ورجاها واعتقدها. قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19] ].
البركة هي الخير الكثير، فالإنسان يسأل ربه البركة، والبركة أصلها من الباء والراء والكاف، والمقصود بها طلب الشيء الواسع والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20]، قال القرطبي: إن فيها حذفاً تقديره: أفرأيتم هذه الآلهة؟ هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله؟ وقال غيره: (الثالثة الأخرى) المتأخرة الوضيعة المقدار. اهـ.
فأما (اللات) فقرئ بالتخفيف والتشديد، فعلى الأولى قال ابن كثير: كانت صخرة بيضاء منقوشة عليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء عظيم ].
السدنة هم خدمها والذين يحافظون عليها.
المراد باللات وسبب تسميتها
قال ابن هشام: وكانت في موضع مسجد الطائف الأيسر، فلم يزل كذلك حتى أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار، وعلى الثانية قال: قال ابن عباس: كان رجل يلت السويق للحجاج، فلما مات عكفوا على قبره، ذكره البخاري، وعن ابن عباس أيضاً كان يبيع السويق والسمن عند الصخرة ويسلؤه عليها، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة، إعظاماً لصاحب السويق.
فإذا كانت عبادة الصخرة لأجل صاحب السويق فلا تخالف بين القولين، فمن قال: إنها صخرة أو بنية لم ينكر أن يكونا على القبر].
إذاً: اللات هل المقصود بها الرجل الذي كان يلت السويق، أم هي صخرة بيضاء نقية كان صاحب السويق يلتها وينشرها ويسلؤها في تلك الصخرة؟ والذي يظهر -والله أعلم- أن اللات صخرة كانت في ثقيف، وهي بقعة وصخرة، ولهذا جاء المغيرة بن شعبة حينما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم فهدمها وحرقها، هذا هو الظاهر والله أعلم.
وأما سبب التسمية: فهل كانت لأجل صاحبها وهو الذي يلت السويق، أم لأجل أنها كانت يوضع فيها سويق؟ كلا القولين صحيح والله أعلم.
فكان الذين يأتون إلى الصخرة يعبدون الصخرة ويعبدون نفس الرجل، فيدعونه من دون الله، فجمعوا بين شركين: شرك لصاحب الصخرة، وشرك للصخرة نفسها والله أعلم.
المراد بالعزى وسبب تسميتها
وقال ابن جرير: كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها كما قال أبو سفيان يوم أحد ].
إذاً: العزى الذي يظهر والله أعلم أنها مجموعة من شجر وبناء، وامرأة جنية فيها، وهذا يدل على أن أماكن التبرك من أماكن الشرك يكثر فيها الجن؛ لأنهم أحياناً يتكلمون مع من جاء يعبدها، فيظن هذا المسكين أن الذي يتكلم هو نفس الصخرة، أو أن الذي يتكلم هو نفس صاحب القبر، فربما كان الجني المشرك هو الذي مريضه أمرض بإذن الله، فإذا جاء إلى مثل هذا القبر فتقرب إليه أزال ما كان قد صنعه، فيظن هذا العابد المشرك بالله أن الذي شفى مريضه هي الصخرة، أو أن الذي شفى مريضه هي السمرة، أو أن الذي شفى مريضه هو صاحب القبر، وبهذا يغوونهم عن عبادة الله إلى عبادة ما سواه، فتراه يقول: إني دعوت الله ودعوت ودعوت فلم أر يستجاب لي، وذهبت إلى الراقي يرقى لي بالقرآن فلم أر ذلك ينفع، فلما ذهبت إلى الساحر وتقربت إليه بأن ذبحت أو فعلت شفي مريضي سريعاً، فهذا لا شك أنه من الفتن التي تقع كلما ابتعد الناس عن نهج النبوة.
ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان ( لتضطربن أليات نساء دوس على ما كانوا يعبدونه من دون الله ) فيرجع الشرك بالله كما كان؛ ولهذا يخطئ كثير من المفكرين والتنويريين الذين يقولون: مسألة دعاء الموتى ودعاء القبور اندثرت وذهبت، فينبغي أن نكون مناقشين للمسائل العصرية، وكأن هذا الشرك قد اندثر وليس بموجود، ولا أريد أن أسمي بعض الدول الآن التي حينما تولى عليها بعض من كان ينتسب إلى الإسلام ويريد نصرة الإسلام قام الصوفية وتكلموا ونافحوا عن أضرحتهم وعن سدنتهم، مما يدل على أن هؤلاء يعظمونها أشد من تعظيمهم للمساجد والله المستعان.
المراد بمناة وسبب تسميتها
قال ابن هشام: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فهدمها يوم الفتح. اهـ.
وقيل: كانت أكمة، ولا يبعد أن يكون البناء فوقها، وسميت مناة من اسم الله المنان، وقيل: لكثرة ما يمنى عندها من الدماء أي يراق].
سميت مناة لأجل أنها اشتقت من اسم من أسماء الله وهو المنان، وقيل: مناة؛ لأن من عبدها يعطى من المن والبركة عياذاً بالله، وقيل: إنما سميت مناة لكثرة ما يراق من الدماء فيها. والذي يظهر -والله أعلم- أن سبب التسمية ليس لأجل أنها أريق بها الدماء ابتداء؛ أو لأنهم وضعوها وسموها فجاء الناس يعبدونها من دون الله، والذي يظهر أنها اشتقت من اسم الله، ولهذا كل هذه الأصنام: العزى ومناة واللات وإن كانت قد اشتق منها معنى من معاني الذي يفعل عندها، ولكن إنما أخذوها لأجل موافقة الاشتقاقين: اشتقاق من اسم من أسماء الله، أو صفة من صفاته، أو ما كان يفعل عندها، ولهذا تجد أنهم حينما يسمون مناة فإنما يطلب السدنة ممن يجيء إليها أن يريق فيها الدم، وأما من أتى إلى اللات فإنما يطلبون منه الطعام والنقود، وقل أن يذبح لها، فكانوا يشتقون مما كان يفعل عندها، أو ما كان صاحبه يصنعه عندما يأتي إليها، والله المستعان.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
اعلم أن التبرك بآثار الصحابة، أو بآثار الصالحين، الذي يظهر والله أعلم أن ذلك ممنوع، وأنه محرم، وأن ذلك بدعة، أما أنه شرك فليس بشرك، ولكنه محرم أو بدعة، والله أعلم.
وهذا الباب هو مراد المؤلف في ذلك، ولهذا من دقته رضي الله عنه ورحمه لم يذكر حكماً؛ لأن ذلك يختلف، فمنه ما هو شرك أكبر أو أصغر، ومنه ما هو ليس بشرك، ولكنه محرم وبدعة.
قال المؤلف رحمه الله: [وتبرك، أي: طلب البركة ورجاها واعتقدها. قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19] ].
البركة هي الخير الكثير، فالإنسان يسأل ربه البركة، والبركة أصلها من الباء والراء والكاف، والمقصود بها طلب الشيء الواسع والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20]، قال القرطبي: إن فيها حذفاً تقديره: أفرأيتم هذه الآلهة؟ هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله؟ وقال غيره: (الثالثة الأخرى) المتأخرة الوضيعة المقدار. اهـ.
فأما (اللات) فقرئ بالتخفيف والتشديد، فعلى الأولى قال ابن كثير: كانت صخرة بيضاء منقوشة عليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء عظيم ].
السدنة هم خدمها والذين يحافظون عليها.
قال المؤلف رحمه الله: [ وحوله فناء عظيم عند أهل الطائف وهم ثقيف ومن تابعها يفتخرون به على من عداهم من العرب بعد قريش.
قال ابن هشام: وكانت في موضع مسجد الطائف الأيسر، فلم يزل كذلك حتى أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار، وعلى الثانية قال: قال ابن عباس: كان رجل يلت السويق للحجاج، فلما مات عكفوا على قبره، ذكره البخاري، وعن ابن عباس أيضاً كان يبيع السويق والسمن عند الصخرة ويسلؤه عليها، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة، إعظاماً لصاحب السويق.
فإذا كانت عبادة الصخرة لأجل صاحب السويق فلا تخالف بين القولين، فمن قال: إنها صخرة أو بنية لم ينكر أن يكونا على القبر].
إذاً: اللات هل المقصود بها الرجل الذي كان يلت السويق، أم هي صخرة بيضاء نقية كان صاحب السويق يلتها وينشرها ويسلؤها في تلك الصخرة؟ والذي يظهر -والله أعلم- أن اللات صخرة كانت في ثقيف، وهي بقعة وصخرة، ولهذا جاء المغيرة بن شعبة حينما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم فهدمها وحرقها، هذا هو الظاهر والله أعلم.
وأما سبب التسمية: فهل كانت لأجل صاحبها وهو الذي يلت السويق، أم لأجل أنها كانت يوضع فيها سويق؟ كلا القولين صحيح والله أعلم.
فكان الذين يأتون إلى الصخرة يعبدون الصخرة ويعبدون نفس الرجل، فيدعونه من دون الله، فجمعوا بين شركين: شرك لصاحب الصخرة، وشرك للصخرة نفسها والله أعلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
كتاب التوحيد - باب من الشرك النذر لغير الله - وباب من الشرك الاستعاذة بغير الله | 2993 استماع |
كتاب التوحيد - باب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب [1] | 2687 استماع |
كتاب التوحيد - باب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب [2] | 2291 استماع |
كتاب التوحيد - باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه | 2013 استماع |
كتاب التوحيد - باب قوله تعالى: (أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون) | 1924 استماع |
كتاب التوحيد - باب تفسير التوحيد وشهادة لا إله إلا الله | 1819 استماع |
كتاب التوحيد - العبادة | 1667 استماع |
كتاب التوحيد - باب الشفاعة | 1578 استماع |
كتاب التوحيد - من قوله: (حديث عبادة بن الصامت) | 1391 استماع |
كتاب التوحيد - باب قوله: (ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين) | 1312 استماع |