المنافقون


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئاً مما أمر به إلا بلغه، فتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة, وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، و( ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ): إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134].

أيها المسلمون عباد الله! إن شهر رمضان قد تصرمت أيامه، وها هو ذا قد انتصف، فأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ما مضى، وأن يبارك لنا فيما بقي.

أيها المسلمون عباد الله! ( إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها، لعل دعوة توافق رحمة يسعد صاحبها سعادة لا يشقى بعدها أبداً )، أروا الله عز وجل من أنفسكم خيراً، واظبوا على الصلوات المكتوبات مع جماعة المسلمين، وأكثروا من قراءة القرآن، وتقربوا إلى الله عز وجل بالصدقات، واحرصوا على صلاة القيام فإن أفضل أيام رمضان أواخره، وهي الأيام التي ترجى فيها ثمرة رمضان وهديته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل في كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد مردة الشياطين، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان، قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا، وإنما يعطى الأجير أجره إذا وفى عمله ).

أيها المسلمون عباد الله! لا يزال الحديث عن النفاق والمنافقين في كتاب الله الكريم، فإن القرآن الكريم قد أبدأ وأعاد في التحذير منهم، وبيان خطرهم: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] .

فما هي صفاتهم؟ وما هي أخلاقهم؟ وما هي أفعالهم؟ من أجل أن نحذرها؛ لأن النفاق يوصل صاحبه إلى النار التي وصفها الله بقوله: نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى [الليل:14-15] .

لا يزال النفاق بأهله حتى يتردى بهم في دركات الجحيم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:145-146].

ما هي خصال المنافقين؟ أعاذني الله وإياكم منها!

السعي بالفساد في الأرض

أيها المسلمون عباد الله! أول هذه الصفات: أن المنافقين ساعون بالفساد في الأرض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، يصدون عن سبيل الله، يكذبون بقدر الله، يؤذون أولياء الله، وهم مع ذلك يزعمون أنهم مصلحون، إذا قيل لواحد منهم: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، وادعى أنه أصلح الصالحين، وأنه لا يريد إلا الخير، قال الله عز وجل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11-12]، هم الحقيقون بهذا الوصف، أنهم مفسدون ساعون بالفساد.

الجهل والخداع والتخذيل

أيها المسلمون عباد الله! ثاني هذه الصفات: أن المنافقين جهال، أغمار، مخادعون، مخذلون، خونة، كذابون، ومع ذلك يرمون غيرهم بهذه التهم، يرمون المؤمنين الطيبين بأنهم سفهاء، وأنهم جهال، وأنهم أغمار، وأنهم لا يفقهون قيلاً، ولا يهتدون سبيلاً.

هكذا كان المنافقون بالأمس، وهكذا هم اليوم، يستكثرون على أئمة المساجد حملة القرآن أن يتناولوا شأناً من الشئون العامة، فإذا تناولوا أمراً يهم أمة الإسلام وجماعة المسلمين فإنهم يصيحون وينعقون، ويقولون: ما للمسجد وللسياسة؟! ما بال أئمة المساجد يتكلمون في الشأن العام؟! إنهم ينبغي أن يحصروا كلامهم في الطهارة والصلاة والصيام، وما إلى ذلك من أمور ترقق القلوب، وترغب النفوس عن الخير، ويقولون: الدين شأن مقدس فلم تدخلونه في السياسة؟! هكذا يزعمون.

لكن أقول: إذا سكت أئمة المساجد الذين يحملون كتاب الله في صدورهم، وينطقون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الذي يتكلم؟! أيتكلم كل ناعق وزاعق؟! من لا يفقه كتاب الله ولا يعرف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! بل بعضهم والله! لا يفهم في الدين ولا في الدنيا، يريدون أن يمنعوا أئمة المساجد مما يبيحونه لأنفسهم، قال الله عز وجل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13]، يرمون غيرهم بالسفه والضلال، وهم بهذه الصفات خليقون، ولها جديرون.

قال أهل التفسير: نزلت هذه الآية في شأن عبد الله ابن سلول وإخوانه من المنافقين، كانوا جالسين فرأوا أبا بكر الصديق مقبلاً، فقام عبد الله ابن سلول فقال: مرحباً بـــأبي بكر ! مرحباً بصاحب رسول الله! مرحباً بثاني اثنين إذ هما في الغار! وما زال يثني على أبي بكر ، ثم مر عمر رضي الله عنه فقال: مرحباً بـالفاروق ! مرحباً بمن رآه الشيطان سالكاً فجاً فسلك فجاً غيره، وما زال يثني على عمر ، ثم قال لإخوانه أهل النفاق: هكذا فافعلوا إذا رأيتم هؤلاء السفهاء.

من السفهاء عند ابن سلول ؟! أبو بكر و عمر : أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13]، المنافقون هم السفهاء، هم الذين ينبغي أن تخرس ألسنتهم، وأن تشل أقلامهم، وأن يمنعوا من تضليل المسلمين.

التقلب بين الناس بوجهين

أيها المسلمون عباد الله! ثالث هذه الصفات: أن المنافق -عياذاً بالله- يبدو أمام الناس بوجهين، ويعيش بشخصيتين، المدخل غير المخرج، والمظهر يخالف المخبر، والسر يباين العلانية، يظهر أمام الناس بوجه، وأمام آخرين بوجه؛ قال الله عز وجل: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14]، وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119]، الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، هكذا المنافقون؛ كما قال ربنا عنهم: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:143].

كثرة الأيمان الفاجرة والحلف الكاذب

أيها المسلمون عباد الله! رابع هذه الصفات: الأيمان الفاجرة، والحلف الكاذب، فالمنافق حلاف مهين، فهو يعلم في قرارة نفسه أنه كذاب مخادع؛ ولذلك تسبق يمينه كلامه، إذا أراد أن يتكلم يحلف بالله أيماناً مغلظة، لم؟ لأنه يوقن بأنه كاذب، ويعلم كذلك أن المؤمنين أهل البصيرة يعرفون حاله، وفساد مقاله، قال الله عز وجل: يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [التوبة:96] ، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا [التوبة:74]، وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [التوبة:56]، سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة:95]، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون:2]، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:16] .

هؤلاء المنافقون يوم القيامة سيمارسون الخصلة ذاتها: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:18-19].

الإعراض عن أسباب المغفرة والنفحات الربانية

أيها المسلمون عباد الله! خامس صفاتهم: إعراضهم عن أسباب المغفرة، فلا يتعرضون لنفحات ربهم، ولا يهمهم أن تغفر ذنوبهم، ولا أن تمحى خطيئاتهم، ولا أن تكفر سيئاتهم، لا يفرحون بطاعة، ولا يحزنون لمعصية، لا يرجون ثواباً، ولا يخشون عقاباً: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [المنافقون:5] .

نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين, فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل جمعة إذا خرج من داره ليصعد المنبر يقوم ذلك المنافق في مشهد تمثيلي يقول: يا معشر المسلمين! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكرمكم الله به فعزروه وانصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه.

فلما كان يوم أحد انخذل عدو الله بثلث الجيش وقال: علام نقتل أنفسنا؟! أيطيع محمد أولئك الأحداث ويدع رأيي وأنا من أنا؟! ولما قيل له: ويلك! لا تخذل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم؛ قال الله عز وجل: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ [آل عمران:167] .

فلما كانت الجمعة التي تلي غزوة أحد قام عبد الله ابن سلول من أجل أن يمثل ذلك المشهد، فقال: هذا رسول الله .. فأمسك به القوم من ثوبه وقالوا له: اجلس عدو الله! لست لهذا المقام أهلاً، فخرج الخبيث من المسجد وترك صلاة الجمعة، فلقيه بعض المسلمين فقالوا له: ما لك؟! قال: قمت أشد أزر صاحبهم فنهروني كأنما قلت بجراً، قالوا له: ويلك! ارجع يستغفر لك رسول الله، قال: والله ما أحب أن يستغفر لي.

لا يريد أن يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يؤمن بثواب ولا عقاب أصلاً، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر؛ قال الله عز وجل: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون:6]، اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80].

هذا حكم الله من فوق سبع سموات؛ ولذلك لما مات هذا الخبيث وجاء ولده العبد الصالح والرجل المؤمن والصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يا رسول الله! إن الشيخ الضال قد مات، فأعطني قميصك أكفنه فيه؛ لعل الله يغفر له ) .

ما اكتفى صلوات ربي وسلامه عليه وهو الرءوف الرحيم, البر الكريم، الذي يريد للناس كل الناس الخير والمغفرة والرحمة، ما اكتفى بأن يعطيه القميص, بل ذهب معه، وأخرج الخبيث من لحده بعدما أدخلوه، وتفل في فمه من ريقه الشريف صلوات ربي وسلامه عليه، وكفنه في قميصه، وصلى عليه صلاة الجنازة، ومع هذا كله ما نفعه شيء، قال الله عز وجل مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84].

كراهية الجهاد والتقليل من شأنه

أيها المسلمون عباد الله! سادس صفاتهم: كراهيتهم للجهاد، ويعدون كل حديث عن الجهاد هرطقة فكرية، وتحليقاً في أجواء الخيال، وأن هذا أمر قد تجاوزه الزمان، ولو استطاعوا لمحوا آيات الجهاد من القرآن، ولو استطاعوا لأخرسوا كل لسان يتلو قول ربنا الرحمن: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة:111].

هذه شنشنة عرفناها من المنافقين بالأمس، وهي موجودة فيهم اليوم، بل في كل زمان ومكان، وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [محمد:20]، هذا حالهم، قال الله عز وجل: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:46-47].

التكلف في اختلاق الأعذار للتخلف عن شعائر الإسلام

أيها المسلمون عباد الله! سابع صفاتهم: ينتحلون الأعذار الباطلة من أجل أن يتخلفوا عن شعائر الإسلام ومواطنه العظام: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة:49]، سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [الفتح:11]، هكذا هم: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ [التوبة:94].

هذا حالهم، ينتحلون الأعذار من أجل أن يتخلوا عن الشعائر، بل لربما يعجز أحدهم عن شهود صلاة الجمعة مع المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ).

المنافقون أيها المسلمون عباد الله! يتكاسلون عن شعائر الإسلام؛ قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54]، هذا حالهم.

أيها المسلمون يا عباد الله! ما زال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون على أنفسهم من النفاق، حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الإمام العلم والصحابي الفذ، الذي جاهد في الله حق جهاده، وشهد المشاهد كلها، وأبلى في الإسلام بلاء حسناً، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، هذا الرجل المبارك رضي الله عنه كان يأتي حذيفة بن اليمان ويقول له: ( يا حذيفة ! سألتك بالله: هل عدني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ فكان حذيفة رضي الله عنه يبكي ويجيبه: لا، ولا أزكي أحداً بعدك ).

أسأل الله عز وجل أن يحيينا مسلمين، وأن يتوفنا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.

اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والشرك والرياء والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق، توبوا إلى الله واستغفروه.

الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين.

وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين؛ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:70].

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين.

وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون! اتقوا الله حق تقاته، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

واعلموا إخوتي في الله! أن ثامن سمة تميز بها هؤلاء المنافقين في كل عصر ومصر: أنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وقد كشف الله جل جلاله هذه الخصلة في كتابه فقال: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67].

هؤلاء المنافقون يأمرون بالمنكر, يريدون في رمضان في شهر القرآن شهر العبادة أن يبثوا على الناس ما يضعضع كيانهم ويهز إيمانهم، ويصرفهم عن معالي الأمور إلى سفسافها، يريدون أن يكون رمضان شهراً للهو والطرب واللعب، شهراً للأمور الفارغة والمجالس اللاغية, فإذا منعوا من ذلك فإنهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، لم؟ لأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وهذا حالهم.

أيها المسلمون عباد الله! أول هذه الصفات: أن المنافقين ساعون بالفساد في الأرض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، يصدون عن سبيل الله، يكذبون بقدر الله، يؤذون أولياء الله، وهم مع ذلك يزعمون أنهم مصلحون، إذا قيل لواحد منهم: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، وادعى أنه أصلح الصالحين، وأنه لا يريد إلا الخير، قال الله عز وجل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11-12]، هم الحقيقون بهذا الوصف، أنهم مفسدون ساعون بالفساد.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
الختان 2630 استماع
الوفاء خلق أهل الإيمان 2601 استماع
التفاؤل 2594 استماع
الإسلام دين الفطرة 2520 استماع
اتفاقية دارفور 2353 استماع
التوحيد 2305 استماع
الرياح السود 2281 استماع
اللجوء إلى الله 2204 استماع
أعداء الدين 2148 استماع
الأخوة الإسلامية 2141 استماع