شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب الأذان - حديث 206-208


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبدأ بعون الله تعالى بحصة هذه الليلة.

أما بعد:

فنبدأ بالحديث المتبقي من الأسبوع الماضي، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنه: ( أن بلالاً أذن قبل الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: ألا إن العبد قد نام، ألا إن العبد قد نام ).

تخريج الحديث

يقول المصنف: رواه أبو داود وضعفه.

هذا الحديث رواه أبو داود -كما ذكر المصنف- من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه، وكذلك رواه الدارقطني في سننه وزاد فيه: ( أن بلالاً

رجع وقال: ليت بلالاً

لم تلده أمه، ليت بلالاً

لم تلده أمه وابتل من نضح دم جبينه
).

قال شعراً يتأسف على نفسه:

ليت بلالاً لم تلده أمه وابتل من نضح دم جبينه

وأشار المصنف إلى أن أبا داود ضعف الحديث، والواقع أن أبا داود لم يصرح بضعف الحديث، وإنما رواه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، وقال عقب روايته: إنه لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة وانفرد برفعه، يعني: لم يروه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا حماد بن سلمة .

ثم ساقه أبو داود أيضاً من طريق آخر عن نافع نفسه عن مؤذن لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه -اسمه: مسروح - أنه (أذن قبل الفجر، فدعاه عمر وأمره أن يعود فيصيح: ألا إن العبد قد نام ألا إن العبد قد نام، فذهب وصاح)، قال أبو داود : وهذا أصح.

إذاً: أبو داود لم يصرح بأن الحديث المرفوع ضعيف، إنما ساق الحديث الموقوف على عمر، وأن القصة وقعت له مع مؤذنه مسروح، ساقها وقال: إنها أصح من الرواية المرفوعة.

وكما تلاحظون فإن رواة الحديث حفاظ ثقات أثبات، حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر حسبك به، ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: رواته ثقات حفاظ، لكن اتفق الأئمة على أنه موقوف، وأن حماداً أخطأ في رفعه، ثم ذكر رحمه الله من الذين صرحوا بأن حماداً أخطأ في رفعه، ذكر علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري وأبا داود والترمذي والدارقطني والأثرم وغيرهم، وأبو حاتم الإمام المشهور محمد بن إدريس الحنظلي الرازي -وليس المقصود به ابن حبان - وكذلك الذهلي، كل هؤلاء صرحوا بأن حماداً أخطأ فرفعه، والصواب: أنه موقوف، وحسبك بهؤلاء الأئمة الجهابذة، ولذلك فإن الراجح أن الحديث ضعيف موقوف، لكن صحيح أن القصة وقعت لـعمر مع مؤذنه مسروح.

وقد حاول بعض العلماء تصحيح الحديث لأن ظاهر إسناده السلامة، ومن أكثر من حرص على ذلك أبو الفضل الغماري أحمد بن محمد الصديق، وهو عالم مغربي في الحديث من المعاصرين، له كتاب اسمه: الهداية في تخريج أحاديث البداية، خرج فيه أحاديث بداية المجتهد، وتصدى لهذا الحديث فنصره نصراً مؤزراً، لكنه لم يصنع شيئاً؛ لأنه ماذا نصنع بـأبي الفضل أحمد الغماري مقابل عشرة من الجهابذة يستنزل بهم المطر من السماء وأئمة فحول أفذاذ؟! لا يصنع مع هؤلاء شيئاً، ولذلك فإن الصواب ما ذهب إليه الأئمة السابقون من أن الحديث موقوف، هذا فيما يتعلق بدرجة الحديث من حيث رفعه.

أما من حيث متن الحديث فإن في متنه -أيضاً- بعض الغرابة والنكارة، وذلك لأن من المعلوم أن بلالاً رضي الله عنه كان يؤذن بليل، كما في حديث ابن عمر السابق: ( أن بلالاً

يؤذن بليل )، فكانت هذه عادة بلال رضي الله عنه أنه يؤذن بليل قبل الفجر، إذاً: لا غرابة أن يؤذن قبل الفجر، ولا يمكن أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعود فيقول: (ألا إن العبد قد نام) مع أنه أذن بذلك عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو إقراره ورضاه وموافقته، فسند الحديث ومتنه كلاهما مُعلَّ.

حكم الأذان قبل دخول الوقت

الحديث يتعلق به مسألة وبما قبله، وهي مسألة الأذان الأول في صلاة الفجر، هل يؤذن لصلاة الفجر قبل دخول الوقت أم لا يؤذن؟

وهذه مسألة متعلقة بحديث ابن عمر هذا، كما هي متعلقة بحديث ابن عمر وعائشة الذي قبله: ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ).

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب الإمام أحمد ومالك والشافعي والأوزاعي وإسحاق -ونسبه الحافظ ابن حجر للجمهور وهو كذلك- إلى أنه يشرع الأذان الأول لصلاة الفجر خاصة قبل دخول وقتها.

وحجتهم في ذلك ظاهرة، وهي حديثا ابن عمر وعائشة في أن بلالاً يؤذن بليل، يعني: قبل الفجر، وأن العلة أنه (لينبه نائمكم ويرجع قائمكم)، هذا القول الأول.

والقول الثاني في المسألة: هو قول أبي حنيفة ومحمد وسفيان، قالوا: لا يشرع الأذان الأول في صلاة الفجر؛ وذلك قياساً على سائر الصلوات، فقالوا: كما أنه ليس لصلاة الظهر -مثلاً- أو العصر أو المغرب أو العشاء أذان أول قبل الوقت؛ فكذلك لا يشرع لصلاة الفجر أذان أول قبل دخول الوقت.

وقياسهم هذا سبق نظائره وأن الأصوليين يسمونه قياساً فاسد الاعتبار، وهو القياس في مقابلة النص؛ لأن القياس إنما يكون على النص، يقاس على النص ما لم يذكر، أما أنه إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فلا يقاس مع ورود نص صحيح صريح في ذلك.

وقد ذكر بعضهم قولاً ثالثاً في المسألة ونسبه لبعض أهل الحديث، وهو أنهم يقولون: إن كان في المسجد مؤذنان فلا بأس أن يؤذن أحدهما الأذان الأول، وإن لم يكن إلا مؤذن واحد فإنه لا يؤذن الأذان الأول، قالوا: لأنه إذا كان المؤذن واحداً وأذن قبل الوقت فقد يلتبس هذا على الناس، فيظنون الوقت قد دخل وهو لم يدخل، وهذا القول ضعيف كسابقه؛ لأن الالتباس مرفوع بالتثويب.

فإذا قلنا: إن المؤذن يثوب -سواء قلنا: يثوب بالأذان الأول أو بالأذان الثاني- إنه يثوب في أحد الأذانين فإن التثويب يدفع اللبس الحاصل، فيعلم الناس أن هذا الأذان هو الأول أو الثاني لوجود التثويب أو عدم وجوده فيه.

والقول الراجح في هذه المسألة أن الأذان الأول لصلاة الفجر مشروع، وكان واقعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان يؤذن بلال بليل، فالراجح أن الأذان الأول لصلاة الفجر مشروع.

يقول المصنف: رواه أبو داود وضعفه.

هذا الحديث رواه أبو داود -كما ذكر المصنف- من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه، وكذلك رواه الدارقطني في سننه وزاد فيه: ( أن بلالاً

رجع وقال: ليت بلالاً

لم تلده أمه، ليت بلالاً

لم تلده أمه وابتل من نضح دم جبينه
).

قال شعراً يتأسف على نفسه:

ليت بلالاً لم تلده أمه وابتل من نضح دم جبينه

وأشار المصنف إلى أن أبا داود ضعف الحديث، والواقع أن أبا داود لم يصرح بضعف الحديث، وإنما رواه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، وقال عقب روايته: إنه لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة وانفرد برفعه، يعني: لم يروه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا حماد بن سلمة .

ثم ساقه أبو داود أيضاً من طريق آخر عن نافع نفسه عن مؤذن لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه -اسمه: مسروح - أنه (أذن قبل الفجر، فدعاه عمر وأمره أن يعود فيصيح: ألا إن العبد قد نام ألا إن العبد قد نام، فذهب وصاح)، قال أبو داود : وهذا أصح.

إذاً: أبو داود لم يصرح بأن الحديث المرفوع ضعيف، إنما ساق الحديث الموقوف على عمر، وأن القصة وقعت له مع مؤذنه مسروح، ساقها وقال: إنها أصح من الرواية المرفوعة.

وكما تلاحظون فإن رواة الحديث حفاظ ثقات أثبات، حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر حسبك به، ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: رواته ثقات حفاظ، لكن اتفق الأئمة على أنه موقوف، وأن حماداً أخطأ في رفعه، ثم ذكر رحمه الله من الذين صرحوا بأن حماداً أخطأ في رفعه، ذكر علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري وأبا داود والترمذي والدارقطني والأثرم وغيرهم، وأبو حاتم الإمام المشهور محمد بن إدريس الحنظلي الرازي -وليس المقصود به ابن حبان - وكذلك الذهلي، كل هؤلاء صرحوا بأن حماداً أخطأ فرفعه، والصواب: أنه موقوف، وحسبك بهؤلاء الأئمة الجهابذة، ولذلك فإن الراجح أن الحديث ضعيف موقوف، لكن صحيح أن القصة وقعت لـعمر مع مؤذنه مسروح.

وقد حاول بعض العلماء تصحيح الحديث لأن ظاهر إسناده السلامة، ومن أكثر من حرص على ذلك أبو الفضل الغماري أحمد بن محمد الصديق، وهو عالم مغربي في الحديث من المعاصرين، له كتاب اسمه: الهداية في تخريج أحاديث البداية، خرج فيه أحاديث بداية المجتهد، وتصدى لهذا الحديث فنصره نصراً مؤزراً، لكنه لم يصنع شيئاً؛ لأنه ماذا نصنع بـأبي الفضل أحمد الغماري مقابل عشرة من الجهابذة يستنزل بهم المطر من السماء وأئمة فحول أفذاذ؟! لا يصنع مع هؤلاء شيئاً، ولذلك فإن الصواب ما ذهب إليه الأئمة السابقون من أن الحديث موقوف، هذا فيما يتعلق بدرجة الحديث من حيث رفعه.

أما من حيث متن الحديث فإن في متنه -أيضاً- بعض الغرابة والنكارة، وذلك لأن من المعلوم أن بلالاً رضي الله عنه كان يؤذن بليل، كما في حديث ابن عمر السابق: ( أن بلالاً

يؤذن بليل )، فكانت هذه عادة بلال رضي الله عنه أنه يؤذن بليل قبل الفجر، إذاً: لا غرابة أن يؤذن قبل الفجر، ولا يمكن أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعود فيقول: (ألا إن العبد قد نام) مع أنه أذن بذلك عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو إقراره ورضاه وموافقته، فسند الحديث ومتنه كلاهما مُعلَّ.

الحديث يتعلق به مسألة وبما قبله، وهي مسألة الأذان الأول في صلاة الفجر، هل يؤذن لصلاة الفجر قبل دخول الوقت أم لا يؤذن؟

وهذه مسألة متعلقة بحديث ابن عمر هذا، كما هي متعلقة بحديث ابن عمر وعائشة الذي قبله: ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ).

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب الإمام أحمد ومالك والشافعي والأوزاعي وإسحاق -ونسبه الحافظ ابن حجر للجمهور وهو كذلك- إلى أنه يشرع الأذان الأول لصلاة الفجر خاصة قبل دخول وقتها.

وحجتهم في ذلك ظاهرة، وهي حديثا ابن عمر وعائشة في أن بلالاً يؤذن بليل، يعني: قبل الفجر، وأن العلة أنه (لينبه نائمكم ويرجع قائمكم)، هذا القول الأول.

والقول الثاني في المسألة: هو قول أبي حنيفة ومحمد وسفيان، قالوا: لا يشرع الأذان الأول في صلاة الفجر؛ وذلك قياساً على سائر الصلوات، فقالوا: كما أنه ليس لصلاة الظهر -مثلاً- أو العصر أو المغرب أو العشاء أذان أول قبل الوقت؛ فكذلك لا يشرع لصلاة الفجر أذان أول قبل دخول الوقت.

وقياسهم هذا سبق نظائره وأن الأصوليين يسمونه قياساً فاسد الاعتبار، وهو القياس في مقابلة النص؛ لأن القياس إنما يكون على النص، يقاس على النص ما لم يذكر، أما أنه إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فلا يقاس مع ورود نص صحيح صريح في ذلك.

وقد ذكر بعضهم قولاً ثالثاً في المسألة ونسبه لبعض أهل الحديث، وهو أنهم يقولون: إن كان في المسجد مؤذنان فلا بأس أن يؤذن أحدهما الأذان الأول، وإن لم يكن إلا مؤذن واحد فإنه لا يؤذن الأذان الأول، قالوا: لأنه إذا كان المؤذن واحداً وأذن قبل الوقت فقد يلتبس هذا على الناس، فيظنون الوقت قد دخل وهو لم يدخل، وهذا القول ضعيف كسابقه؛ لأن الالتباس مرفوع بالتثويب.

فإذا قلنا: إن المؤذن يثوب -سواء قلنا: يثوب بالأذان الأول أو بالأذان الثاني- إنه يثوب في أحد الأذانين فإن التثويب يدفع اللبس الحاصل، فيعلم الناس أن هذا الأذان هو الأول أو الثاني لوجود التثويب أو عدم وجوده فيه.

والقول الراجح في هذه المسألة أن الأذان الأول لصلاة الفجر مشروع، وكان واقعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان يؤذن بلال بليل، فالراجح أن الأذان الأول لصلاة الفجر مشروع.