مقدمة في تفسير القرآن الكريم [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

إن من الأسباب المعينة على تدبر القرآن إخلاص النية لله عز وجل، وتحصيل آداب التلاوة، والإكثار من تلاوة القرآن، ومعرفة أسباب النزول، والإحاطة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة كلام العرب وأساليبهم في البيان، وأن يسأل الإنسان عما يجهل من أجل أن يعرف مراد الله عز وجل من كلامه، فهذه كلها مما يعين على التدبر.

أيها الإخوة الكرام! التفسير هو أحد أنواع التدبر، والكلام محصور في تعريف التفسير ما هو، وحكمه، والكلام عن أنواعه، باعتبار اتجاهات المفسرين، وباعتبار طرق الوصول إليه، وباعتبار أساليبه، وباعتبار معرفة الناس به، ثم ذكر قواعد عامة يحتاج إليها طالب العلم إذا أراد أن يفسر القرآن.

التفسير في اللغة: مشتقة من مادة فسر، بمعنى أوضح وأبان وأظهر، فكلمة التفسير بمعنى البيان والإيضاح والظهور، ومنه قول الله عز وجل: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:33].

والتفسير في الاصطلاح: هو معرفة معاني كلام الله المعجز المنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

والعلم بالتفسير واجب على الأمة على العموم؛ فلا يجوز أن يخلو عصر أو مصر من عالم بتفسير كلام الله عز وجل، أي أنه لا بد أن يتفرغ أناس من أجل أن يعرفوا مراد الله من كلامه، وهذا المعنى ينطبق على سائر العلوم الشرعية؛ لأن الله تعالى قال: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122].

إذا أردنا أن نقسم التفسير من حيث معرفة الناس به، نجد أن عالماً كبيراً من علماء هذه الأمة وهو الحبر البحر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قد قسمه إلى أربعة أقسام من حيث معرفة الناس به:

تعرفه العرب من كلامها

القسم الأول: نوع تعرفه العرب من كلامها، قال الله عز وجل: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً [يوسف:2]، وقال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً [الزخرف:3]، وقال: لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:194-195]، وقال: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103].

والقرآن نزل بكلام العرب، وألفاظ القرآن تعرفها العرب من كلامها؛ فمثلاً لو سألت عربياً من العرب الأقحاح عن معنى (الصمد) فإنه سيعرفه، ولو سألته عن معنى (الغاسق) سيعرفه، ولو سألته عن قوله تعالى: (وقب) سيعرفه من لسانه، وكذلك الأساليب التي كانوا يستعملوها، مثل قول الله عز وجل: كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً [الإسراء:50]، فالعرب يعرفون أن هذا الكلام يراد منه التعجيز؛ لأن المشركين قالوا: أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً [الإسراء:98]، فقال الله لهم: كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً [الإسراء:50]؛ فالعربي يفهم من هذا بأنه ليس المراد الأمر على حقيقته بأن يتحول الإنسان إلى حجارة أو إلى حديد؛ بل المراد التعجيز، كذلك قول الله عز وجل: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49]، العرب يفهمون من هذا أن المراد به الامتهان والتحقير، وإن كان ظاهر الألفاظ التكريم والتبجيل.

ومثله قول الله عز وجل: وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]؛ فالعرب يفهمون بأن المراد به التهديد وليس على ظاهره؛ لأن الله يقول: آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا [الإسراء:107]، فهذا هو القسم الأول، قسم تعرفه العرب من كلامها؛ لأن القرآن نزل بلسانهم، وعلى وفق أساليبهم في الكلام.

لا يعذر أحد بجهله

القسم الثاني: قسم لا يعذر أحد بجهله، عربياً كان أو أعجمياً، وهو الذي تضمن أصول العقائد، وأصول العبادات، وأصول الأخلاق، وقواعد الحلال والحرام، مثل قول الله عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ [محمد:19]، فيجب علينا جميعاً أن نعرف المعنى المراد، وقول الله عز وجل: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، فيجب على الكل أن يعرف معنى هذا الكلام؛ لأن هذه عقائد، وكذلك قول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، يجب علينا جميعاً أن نحيط بها.

تعرفه العلماء دون العامة

القسم الثالث: قسم تعرفه العلماء دون العامة، مثل قول الله عز وجل: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، مع قول الله عز وجل: يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ... [النساء:176]، إلى آخر الآية، وبعض الناس قد يستشكل ويقول: كيف في هذه الآية قال: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، ثم جاء في هذه الآية وقال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، والآيتان تتكلمان عن الإخوة؟ فأهل العلم يعرفون بأن الآية الأولى مراد بها الإخوة من الأم، والآية التي في آخر سورة النساء مراد بها الأشقاء أو الإخوة لأب، فهذا قسم يختص به أهل العلم.

لا يعلم تأويله إلا الله

القسم الرابع: ما لا يعلم تأويله إلا الله، يعني: لا يعرفه لا العلماء ولا العامة، وإنما يختص بعلم تأويله الله جل جلاله، مثاله كيفية الصفات، فإن الله عز وجل قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، كيف استوى لا يعرفه عالم ولا متعلم، ومثل قول الله عز وجل: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82]، فهذه الدابة شكلها وصفتها لا يعلم بها إلا الله لكونها من الغيبيات التي اختص الله عز وجل بعلمها.

ومثل قول الله عز وجل: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ [الزمر:68]، الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، لكن حجمه وكيفيته لا يعلمها إلا الله.

إذاً نقول: التفسير من حيث علم الناس به قسمه ابن عباس إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: قسم تعرفه العرب من كلامها؛ لأن القرآن نزل على وفق أساليبهم.

القسم الثاني: قسم لا يعذر أحد بجهله، وهو المشتمل على العقائد والأخلاق والعبادات والحلال والحرام.

القسم الثالث: قسم يختص به العلماء، ويخفى على عامة الناس.

القسم الرابع: قسم لا يعلم تأويله إلا الله، وهي الآيات التي سماها الله متشابهات، كما في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ [آل عمران:7] جل جلاله.

القسم الأول: نوع تعرفه العرب من كلامها، قال الله عز وجل: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً [يوسف:2]، وقال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً [الزخرف:3]، وقال: لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:194-195]، وقال: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103].

والقرآن نزل بكلام العرب، وألفاظ القرآن تعرفها العرب من كلامها؛ فمثلاً لو سألت عربياً من العرب الأقحاح عن معنى (الصمد) فإنه سيعرفه، ولو سألته عن معنى (الغاسق) سيعرفه، ولو سألته عن قوله تعالى: (وقب) سيعرفه من لسانه، وكذلك الأساليب التي كانوا يستعملوها، مثل قول الله عز وجل: كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً [الإسراء:50]، فالعرب يعرفون أن هذا الكلام يراد منه التعجيز؛ لأن المشركين قالوا: أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً [الإسراء:98]، فقال الله لهم: كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً [الإسراء:50]؛ فالعربي يفهم من هذا بأنه ليس المراد الأمر على حقيقته بأن يتحول الإنسان إلى حجارة أو إلى حديد؛ بل المراد التعجيز، كذلك قول الله عز وجل: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49]، العرب يفهمون من هذا أن المراد به الامتهان والتحقير، وإن كان ظاهر الألفاظ التكريم والتبجيل.

ومثله قول الله عز وجل: وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]؛ فالعرب يفهمون بأن المراد به التهديد وليس على ظاهره؛ لأن الله يقول: آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا [الإسراء:107]، فهذا هو القسم الأول، قسم تعرفه العرب من كلامها؛ لأن القرآن نزل بلسانهم، وعلى وفق أساليبهم في الكلام.

القسم الثاني: قسم لا يعذر أحد بجهله، عربياً كان أو أعجمياً، وهو الذي تضمن أصول العقائد، وأصول العبادات، وأصول الأخلاق، وقواعد الحلال والحرام، مثل قول الله عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ [محمد:19]، فيجب علينا جميعاً أن نعرف المعنى المراد، وقول الله عز وجل: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، فيجب على الكل أن يعرف معنى هذا الكلام؛ لأن هذه عقائد، وكذلك قول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، يجب علينا جميعاً أن نحيط بها.

القسم الثالث: قسم تعرفه العلماء دون العامة، مثل قول الله عز وجل: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، مع قول الله عز وجل: يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ... [النساء:176]، إلى آخر الآية، وبعض الناس قد يستشكل ويقول: كيف في هذه الآية قال: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، ثم جاء في هذه الآية وقال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، والآيتان تتكلمان عن الإخوة؟ فأهل العلم يعرفون بأن الآية الأولى مراد بها الإخوة من الأم، والآية التي في آخر سورة النساء مراد بها الأشقاء أو الإخوة لأب، فهذا قسم يختص به أهل العلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الثالث 2770 استماع
تفسير سورة نوح [3] 2767 استماع
تفسير سورة النور - الآية [31] الرابع 2667 استماع
تفسير سورة النور - الآية [3] الأول 2653 استماع
تفسير سورة النور - قصة الإفك [5] 2532 استماع
تفسير سورة يس [8] 2523 استماع
تفسير سورة يس [4] 2478 استماع
تفسير سورة يس [6] 2469 استماع
تفسير سورة النور - الآيات [23-26] 2236 استماع
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الرابع 2222 استماع