خطب ومحاضرات
سلسلة أصول الفقه [4]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد وصل إلينا بحث من أستاذنا الشيخ العلاّمة فضيلة الدكتور: محمد عبد المقصود حفظه الله تعالى، والخاص بجواز قيام ليلة رأس السنة في جماعة، وكما علمت أيضاً من أستاذي فضيلة الشيخ الدكتور: جمال المركبي : أن السؤال وجه له هنا، ومن عادتنا أننا دائماً نوجه السؤال الواحد لأكثر من شيخ؛ لعلنا نجد عند البعض اختلافاً ونأخذ هذا الاختلاف ونروجه، وهذه مصيبة كبيرة وأمر لا ينبغي أن يكون دأب طالب العلم أبداً؛ لأنه لا بأس من الاختلاف في الرأي كما يقول العلماء، والعلماء اختلفوا كثيراً، لكن المشكلة أن نبحث عن نقاط الخلاف ثم تروجها، وهذا لا نريده في هذا المسجد؛ لأنه يقوم على منهج السنة في طلب العلم.
وكان ينبغي علينا في الحقيقة قبل أن نبدأ في دراسة الفقه وأصول الفقه والعقيدة وقراءة البخاري وعلوم القرآن: أن ندرس كتاب حلية طالب العلم للدكتور: بكر أبو زيد؛ لأن معنى غياب آداب الطلب: الفوضى في طلب العلم، وهناك آداب للطالب في نفسه، وآداب للطالب مع شيخه، وآداب للطلب في سبعة فصول، وقد أبدع الدكتور: بكر رحمه الله، وقام العلامة فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين بشرح هذه الحلية في مجلد، فأقول: نصيحة لإخواني ولنفسي من قبلهم: أن نحفظ هذه الحلية حفظاً؛ لأن فيها آداب طلب العلم مع الشيخ، وفي الطلب أيضاً.
أما البحث الذي بين يدي الآن من أستاذنا فضيلة الشيخ: محمد عبد المقصود حفظه الله، فقد قرأته أكثر من مرة، والحقيقة أنه بحث طيب في المسألة، وحبنا للشيخ شديد، لكن مسألة قيام ليلة رأس السنة في جماعة موضوع يحتاج إلى بحث، وقد أخبرني الأخ الشيخ: طارق إبراهيم حفظه الله أنهم أرسلوا البحث إلى اللجنة الدائمة لينظروا في هذا الكلام، هل يؤخذ على إطلاقه أم يحتاج إلى مراجعة؟
والبحث فيه كلام طيب لا شك في ذلك، ووجودك في المسجد في ليلة رأس السنة مهم، ولا نختلف في هذا، بل لا نختلف أن أهل الباطل يوجدون في المسارح والملاهي ونحن نوجد في المسجد، لكن الخلاف في إقامة جماعة، فلو صلينا فرادى فلا بأس، لكن المشكلة أن نجمع الناس على إمام واحد بعد رمضان، فهذا هو مناط النزاع، ولا نزاع إن شاء الله، فشيخنا العلامة حفظه الله نحن تلامذته، لكننا نقول: في أول الأمر أقر الشيخ حفظه الله أن إقامة هذه الليلة من السنة، نعم ونحن نقر أن إقامتها من السنة في بيتك أو في المسجد، ولا شك في هذا، لكن المشكلة التي نريد أن نحققها هي مسألة جمع الناس على إمام واحد كما فعلها عمر رضي الله عنه في صلاة القيام في رمضان، فقد جمعهم على إمام واحد وهو سيدنا أبي بن كعب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، فقد صلى بهم في أول ليلة وثاني ليلة، وبالتالي فهذه المسألة لها أصل، وفي البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي بالليل، يقول ابن عباس : فقمت أصلي خلفه، فوقفت عن يساره متأخراً، فجذبني النبي وجعلني عن يمينه، قال ابن حجر معلقاً: وعلماؤنا يقولون: وفي هذا جواز القيام جماعة.
لكن هل ابن عباس قد أخبر النبي أنه سيصلي خلفه؟ وهل دعاه النبي عليه الصلاة والسلام للصلاة؟ فإن كنت تصلي بمفردك -وهذا ما أقرّه الشيخ حفظه الله في أول بحثه- في قيام هذه الليلة وجاء واحد، ثم وقف خلفك دون ترتيب مسبق ودون دعوة مسبقة، فهذا هو الذي عليه أهل العلم؛ لأن معاذاً صلى خلف النبي عليه الصلاة والسلام وهذا أيضاً دون ترتيب مسبق، أما كوننا نواجه هذا الأمر الآن في بعض مساجدنا، كما يحصل الآن أن بعض الجماعات المنسوبة إلى العمل الإسلامي في المساجد تدعو الناس لصلاة القيام في كل ليلة جمعة بعد العشاء، فيقوم أحدهم ويقول: إن شاء الله سنصلي ركعتين بعد العشاء في جماعة، فهذه مسألة خطيرة جداً، أي: أن نعقد جماعة على إمام واحد في ليلة معينة.
نعم لشيخنا وجه في جواز إحياء هذه الليلة بالطاعة، وهو أنه مخالفة لأهل المعصية، فإن كان أهل المعصية يرقصون فنحن نصلي لربنا عز وجل، فلنفتح أبواب المسجد، ولنصلي ولنقرأ القرآن، ولنجتمع في المسجد على الذكر والطاعة، لكن المشكلة في أن نجتمع على إمام واحد.
فالمسألة هذه تحتاج إلى تحقيق، وسوف ننتظر بإذن الله رد اللجنة الدائمة، ورد فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي الديار السعودية حفظه الله تعالى.
ولا نريد للمسألة أن تتسع أكثر من هذا؛ لأن البعض يروج الآن ويسأل ويتصل: ماذا سنفعل؟ هل سمعتم قول الشيخ؟ والمسألة لا تحتاج إلى تعب وجهد بهذه الطريقة، فالرجل يريد للأمة أن تجتمع على طاعة في ليلة من ليالي المعصية فجزاه الله خيراً على هذا، وهو مجتهد إن شاء الله عز وجل، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا جميعاً الصواب والرشد والحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
قال الناظم رحمه الله:
والمدرجات في الحديث ما أتت من بعض ألفاظ الرواة اتصلت
وما روى كل قرين عن أخه مدبّج فاعرفه حقاً وانتخه
ذكر الناظم في هذين البيتين: الحديث المدرج، والحديث المدبّج.
الإدراج لغةً واصطلاحاً
واصطلاحاً: هو كلام ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أضافه الراوي من عند نفسه، إما لبيان المعنى، وإما كلام اتصل بالحديث فظن الناس أنه من الحديث.
حكم الإدراج في الحديث
كما قد يكون الإدراج لتأكيد الحديث وبيان أهميته، وقد يكون الإدراج سوء قصد، ولذا فالإدراج غير مقبول إلا أن يبين أنه إدراج.
أنواع الإدراج
النوع الأول: إدراج في أول المتن، ومثاله: ما رواه أبو هريرة عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ويل للأعقاب من النار)، والأعقاب: مؤخرة القدم؛ لأنها مظنة الإهمال والنسيان وعدم الغسل، فإذا بـأبي هريرة يقول: (أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)، فزاد: أسبغوا الوضوء، فحينما نقول: قال صلى الله عليه وسلم: (أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار)، نقول: في الحديث إدراج في أول المتن، وهي: أسبغوا الوضوء، والذي بيّن أنها إدراج: رواية البخاري ، قال البخاري : قال أبو هريرة رضي الله عنه: أسبغوا الوضوء فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (ويل للأعقاب من النار).
النوع الثاني: إدراج في وسط المتن، ومثاله: ما رواه البخاري من حديث الزهري عن عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار حراء - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد)، فلفظ (التعبد) من كلام الزهري أراد به أن يفسر التحنث، فهذا إدراج في وسط الحديث من الزهري أراد به أن يبين المعنى.
النوع الثالث: أن يكون الإدراج في آخر المتن، ومثاله: حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري : (للعبد المملوك أجران)، هذا هو الحديث، فإذا بـأبي هريرة يضيف: والذي نفسي بيده! لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك، فهذا كله من كلام أبي هريرة ، والذي يثبت أنه من كلام أبي هريرة قوله: بر أمي؛ لأن أمه ماتت قبل بعثته بكثير صلى الله عليه وسلم، فكون أبو هريرة يقول: لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك، هذا كلام مدرج من أبي هريرة في آخر الحديث.
ومن الإدراج أيضاً في آخر المتن: إدراج ابن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، فهذا قول ابن عمر وليس قول النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا يسمى إدراجاً في آخر المتن؛ لأن قوله: وكان ابن عمر يقول، يبين أن القول لـابن عمر ، فتبين أن هذا الكلام ليس بكلام النبي عليه الصلاة والسلام.
وهناك أمور لا بد أن نفقهها لأنها تصطدم مع نصوص ثابتة، فمثلاً: حديث: (بين قبري ومنبري روضة)، فلماذا نقول: إن لفظة (قبري) غير صحيحة؟
لأن الصحابة اختلفوا على مكان قبره، فلو كانوا يعلمون أين يدفن لما اختلفوا، فخلافهم حجة على أنه لم يقل: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، إذ أنهم ما علموا حين مات أين القبر؟
قال العلماء: وهذا يدل على أن الحديث غير صحيح فضلاً على أنه لا يدري أين سيموت، قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، والصحابة اختلفوا أين يدفن، فلو كانوا يعلمون أنه قال: بين قبري ومنبري..، إذاً لعرفوا أين القبر؛ لأنه حدد لهم أين القبر.
الإدراج لغةً: الإضافة والإدخال والزيادة، يقال: أدرجت، أي: أضفت، وزدت في المتن ما ليس منه.
واصطلاحاً: هو كلام ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أضافه الراوي من عند نفسه، إما لبيان المعنى، وإما كلام اتصل بالحديث فظن الناس أنه من الحديث.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة أصول الفقه [8] | 1759 استماع |
سلسلة أصول الفقه [5] | 1289 استماع |
سلسلة أصول الفقه [3] | 1269 استماع |
سلسلة أصول الفقه [6] | 1252 استماع |
سلسلة أصول الفقه [9] | 1219 استماع |
سلسلة أصول الفقه [7] | 1024 استماع |
سلسلة أصول الفقه [2] | 927 استماع |
سلسلة أصول الفقه [1] | 553 استماع |