شرح الأصول الثلاثة - الأصل الثاني [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين.

وبعد:

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه الأصول الثلاثة:

[الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة، وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان، وكل مرتبة لها أركان.

فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.

فدليل الشهادة قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله وحده.

(لا إله) نافياً جميع ما يعبد من دون الله، (إلا الله) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ملكه.

وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28]، وقوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]].

هذا هو الأصل الثاني من الأصول التي تضمنتها هذه الرسالة المباركة، وهو معرفة دين الإسلام بالأدلة، والأدلة الدالة على هذا الدين القويم أدلةٌ متنوعة، أدلة خلقية وأدلة سمعية، أي: أدلة مشاهدة وأدلة متلوّة، فأما الأدلة المشاهدة فهي ما لفت الله عز وجل إليه الأنظار من الآيات السماوية والأرضية، العلوية والسفلية الدالة على صدق ما جاءت به الرسل، وصحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام، وأما الأدلة المتلوّة السمعية فهو هذا الكتاب المبين القرآن الحكيم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على خاتم النبيين.

والإسلام يتوصل إلى صحته عن الطريقين جميعاً: عن طريق النظر في الأدلة الخلقية، ولذلك أمر الله بالنظر إليها، وعن طريق النظر بالأدلة السمعية -الأدلة المتلوة- الدالة على صحة هذا الدين القويم، وأنه من لدن حكيم خبير، فقوله: [بالأدلة] يشمل هذين النوعين.

ثم بين المؤلف رحمه الله الدين بقوله: [وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك] عندي: (والخلوص من الشرك).

وهذه الأمور الثلاثة بها يستقيم إسلام المرء، والمراد به: الاستسلام لله بالتوحيد، وهذا هو الأصل الذي اتفقت عليه الرسل، ولتأكيد هذا قال: [والبراءة من الشرك]؛ فإنه لا يحصل تمام الاستسلام لله بالتوحيد إلا بالبراءة من الشرك، قال الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، فجعل الاستمساك بالعروة الوثقى مرتبًا على أمرين: على الكفر بالطاغوت، وعلى الإيمان بالله تعالى، فلا يحصل لأحد الاستمساك بالعروة الوثقى والقرار على الإسلام إلا بهذين الأمرين، وهما اللذان عرّف بهما الشيخ رحمه الله الإسلام بقوله: [وهو الاستسلام لله بالتوحيد والبراءة من الشرك].

أما الانقياد له بالطاعة فلا إشكال أنه من الإسلام، وأنه لا يكون المرء مسلماً إلا بانقياده لله جل وعلا بالطاعة فيما أمر، وبالطاعة في اجتناب ما نهى عنه وزجر، وهو من لوازم الاستسلام لله تعالى، وإنما أفرده بذكر مستقل لأنه أراد أن يحصل في هذا التعريف الإحاطة بالإسلام الظاهري والباطني، أي: بإسلام القلب والجوارح. وإلا فلو قال: (الإسلام: هو الاستسلام لله وحده) لكفى في بيان ماهية الإسلام، ولذلك عرّف شيخ الإسلام ابن تيمية الإسلام بقوله: (الإسلام: هو الاستسلام لله وحده)، وأصله في القلب بالخضوع، والمحبة، والخوف، والرجاء، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، وبالجوارح، في باب العمل بالانقياد له سبحانه وتعالى، فلا يقر الإسلام في قلب أحد إلا بهذين.

التفصيل في بيان مراتب الدين

ثم بعد أن ذكر البيان المجمل لهذا الدين أراد ذكره على وجه التفصيل، فقال رحمه الله: [وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان]، وبه نعرف أن التعريف السابق يشمل جميع هذه المراتب، فالإسلام الذي تقدم تعريفه هو الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم المتضمن لجميع ما أمر به ونهى عنه ودعا إليه، وهذا الذي أمر به أو نهى عنه أو دعا إليه يندرج تحت ثلاثة أمور، وهي المراتب التي أشار إليها بقوله: [وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان]، فهذه هي مراتب الدين، والدليل على هذه المراتب الثلاث، وأنها تشمل الدين، ويندرج تحتها جميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حديث جبريل؛ فإنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، وفي رواية: (أمر دينكم)، فجعل ما تقدم ذكره من بيان الإسلام والإيمان والإحسان تعليماً لأمر الدين، ولذلك كان هذا الحديث أصل الدين الذي يجب على كل أحد، فمن أنكر شيئاً مما تضمنه هذا الحديث في الإسلام والإيمان والإحسان فإنه لم يقر بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم تثبت قدمه في دين الإسلام، وهذه المراتب الثلاث يدخل بعضها في بعض، فالإسلام أوسعها دائرة، فهو ينتظم الإيمان والإحسان، وأخص منه الإيمان، وأخص منه الإحسان، وسيأتي تفصيلها في كلام المؤلف رحمه الله.

ودليل هذه المراتب من كتاب الله عز وجل قوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]، فهذه المراتب الثلاث تقابل المراتب المذكورة في كلام الشيخ رحمه الله، وهي المضمنة في حديث جبريل.

واعلم أن هذه الأسماء الثلاثة إذا افترقت دل كل واحد منها على مضمون الآخر، وإذا اجتمعت كما هو الحال في حديث جبريل اختص كل اسمٍ بمعنى مستقل، والجامع لهذه المعاني أن الإسلام يتعلق بالعمل الظاهر, والإيمان يتعلق بعمل القلب، والإحسان هو الغاية في عمل القلب وعمل الظاهر، فالإحسان هو المنتهى في أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فمن حقق الإحسان يكون قد حقق الإيمان والإسلام، ومن حقق الإيمان فإنه قد حقق الإسلام، ومن أتى بالإسلام لا يكون قد حصل على مرتبة الإيمان ولا الإحسان، والدليل على ذلك قوله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، فدل ذلك على أن المتصف بالإسلام قد لا يتحقق به وصف الإيمان.

فنبدأ في بيان ما ذكره المؤلف رحمه الله في كل مرتبة.

ثم بعد أن ذكر البيان المجمل لهذا الدين أراد ذكره على وجه التفصيل، فقال رحمه الله: [وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان]، وبه نعرف أن التعريف السابق يشمل جميع هذه المراتب، فالإسلام الذي تقدم تعريفه هو الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم المتضمن لجميع ما أمر به ونهى عنه ودعا إليه، وهذا الذي أمر به أو نهى عنه أو دعا إليه يندرج تحت ثلاثة أمور، وهي المراتب التي أشار إليها بقوله: [وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان]، فهذه هي مراتب الدين، والدليل على هذه المراتب الثلاث، وأنها تشمل الدين، ويندرج تحتها جميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حديث جبريل؛ فإنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، وفي رواية: (أمر دينكم)، فجعل ما تقدم ذكره من بيان الإسلام والإيمان والإحسان تعليماً لأمر الدين، ولذلك كان هذا الحديث أصل الدين الذي يجب على كل أحد، فمن أنكر شيئاً مما تضمنه هذا الحديث في الإسلام والإيمان والإحسان فإنه لم يقر بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم تثبت قدمه في دين الإسلام، وهذه المراتب الثلاث يدخل بعضها في بعض، فالإسلام أوسعها دائرة، فهو ينتظم الإيمان والإحسان، وأخص منه الإيمان، وأخص منه الإحسان، وسيأتي تفصيلها في كلام المؤلف رحمه الله.

ودليل هذه المراتب من كتاب الله عز وجل قوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]، فهذه المراتب الثلاث تقابل المراتب المذكورة في كلام الشيخ رحمه الله، وهي المضمنة في حديث جبريل.

واعلم أن هذه الأسماء الثلاثة إذا افترقت دل كل واحد منها على مضمون الآخر، وإذا اجتمعت كما هو الحال في حديث جبريل اختص كل اسمٍ بمعنى مستقل، والجامع لهذه المعاني أن الإسلام يتعلق بالعمل الظاهر, والإيمان يتعلق بعمل القلب، والإحسان هو الغاية في عمل القلب وعمل الظاهر، فالإحسان هو المنتهى في أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فمن حقق الإحسان يكون قد حقق الإيمان والإسلام، ومن حقق الإيمان فإنه قد حقق الإسلام، ومن أتى بالإسلام لا يكون قد حصل على مرتبة الإيمان ولا الإحسان، والدليل على ذلك قوله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، فدل ذلك على أن المتصف بالإسلام قد لا يتحقق به وصف الإيمان.

فنبدأ في بيان ما ذكره المؤلف رحمه الله في كل مرتبة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الأصول الثلاثة - الأصل الثالث [3] 2052 استماع
شرح الأصول الثلاثة - الأصل الأول [2] 1947 استماع
شرح الأصول الثلاثة - الأصل الثاني [2] 1790 استماع
شرح الأصول الثلاثة - الأصل الثالث [1] 1485 استماع
شرح الأصول الثلاثة - الأصل الثالث [2] 1170 استماع
شرح الأصول الثلاثة - الأصل الثاني [3] 1090 استماع
شرح الأصول الثلاثة - المقدمة 1040 استماع
شرح الأصول الثلاثة - الأصل الأول [1] 964 استماع