العظمة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعــد:

أيها الإخوة الكرام: أيها الإخوة الحضور! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مهما تكلمنا في هذه المحاضرة ومهما تحدثنا فنحن مقصرون، ولن نثني على الله عز وجل حق الثناء، فالله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلى، نثبت كل الأسماء وكل الصفات لله جل وعلا على ما تليق به: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].. وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91].

موسى عليه السلام كلم الله جل وعلا مباشرة، فكان كليم الله، وبعد أن كلم الله اشتاق لرؤيته، والنظر إليه، فطلب من ربه هذا الطلب: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] أريد رؤيتك وأشتاق لرؤيتك، قال الله جل وعلا: لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143] في هذه الدنيا لن يراه أحد.

أما يوم القيامة فيراه المؤمنون: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23].. قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ [الأعراف:143] انظروا إلى الشرط الذي اشترطه الله على موسى قال: انظر إلى الجبل الأصم الشامخ العظيم إن أطاق رؤيتي فسوف تراني، فإذا بالرب جل وعلا يتجلى للجبل قال ابن عباس: [قدر رأس الإصبع] فإذا بالجبل العظيم يندك ولا يبقى من الجبل شيء.

وموسى لما رأى المنظر خر على الأرض صعقاً، ولما أفاق: قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ [الأعراف:143].

قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143].. وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91].

هل من ترك الصلاة قدر الله حق قدره؟

هل من أكل الربا قدر الله حق قدره؟

يقول الله جل وعلا لمن أكل الربا: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] قال ابن عباس ترجمان القرآن: [يأتي يوم القيامة فيعطى رمح ويقال له يوم القيامة: بارز ربك] حارب الله جل وعلا، لأنه أكل الربا في هذه الدنيا: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279].. وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91].

يقول بشر رحمه الله: [لو تفكر الناس في عظمة الله جل وعلا ما عصوا ربهم جل وعلا].

يقول سعد بن بلال: لا تنظر إلى صغر المعصية -لا تقل ليس فيها شيء أن أنظر إلى فلانة أو أتكلم معها أو أختلي بها، أو أسمع الأغاني، أو أنام عن الصلاة، أو أعق الوالدين، أو أقطع الأرحام- ولكن انظر إلى من عصيت تعرف قدر المعصية، ولو عرف الناس قدر عظمة الله ما عصوا ربهم جل وعلا.

أرأيت هذه السماوات السبع، والكون كله، نحن على الأرض لا شيء، والأرض في المجموعة الشمسية لا شيء، والمجموعة الشمسية في المجرة لا شيء، والمجرة ضمن المجرات لا شيء، فنحن نقطة في فضاء كامل لا نراه، يقيس علماء الفلك الآن الفضاء بالسنوات الضوئية، شيء عجيب وكون فسيح حتى نصل إلى السماء الدنيا، ثم بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، ثم بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام.

أرأيت هذه السماوات العظيمة وهذا الكون الكبير الفسيح هذا كله بالنسبة إلى كرسي الرحمن كحلقة ملقاة في أرضٍ فلاة -أي في صحراء- هذا الكون كله والسماوات السبع كحلقة، أرأيت؟! أتخيلت؟! أتصورت؟!

نحن ماذا نساوي داخل هذه الحلقة؟ لاشيء.

ثم اعلم أن هذا الكرسي بالنسبة لعرش الرحمن جل وعلا كالحلقة بالنسبة للغلاة -الصحراء- تخيل وتصور!! الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]. يعلم ما توسوس به كل نفس، يسمع دبيب النملة على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91].

اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] أعظم آية فيها صفة الرب اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] حي لا يموت، حي لا ينام، قيوم: قائمٌ بنفسه مقيم لغيره، ما من دابة إلا وهو آخذ بناصيتها الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255].

اطلاع الله تعالى على عباده

تقول عائشة: (جاءتنا المجادلة -المجادلة التي في سورة قد سمع الله- تشتكي إلى رسول الله من زوجها، تقول عائشة: وليس بيني وبينها إلا ستارٌ رقيق، تقول: لا أسمع بعض كلامها، وإذا بالرب ينزل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1]) لا تظن عندما تختلي بنفسك في معصية أو تغترب عن الأرض؛ لتعصي الله جل وعلا، أو تغلق على نفسك الباب وتطفئ الأضواء لتعصي لا تظن أن الله قد غفل عنك:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل     خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

لهونا لعمر الله حتى تتابعت      ذنوب على آثارهن ذنوب

الإمام أحمد بن حنبل لما سمع هذه الأبيات ترك مجلس العلم، ودخل في غرفة وأغلق الباب على نفسه، وانتظره طلابه فلم يخرج، فجاءوا إلى الغرفة يريدون طرق الباب، فسمعوا الإمام أحمد يردد هذه الأبيات وهو يبكي.

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل     خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة     ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

لهونا لعمر الله حتى تتابعت      ذنوب على آثارهن ذنوب

فيا ليت أن الله يغفر ما مضى      ويأذن في توباتنا فنتوب

يقول وهب رحمه الله: [خف الله على قدر قدرته عليك] خف من الله.

زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه وعن أبيه وجده: كان إذا توضأ اصفر لونه، فيقولون له: لم يصفر لونك عند الوضوء؟ بعض الناس يكبر للصلاة ولا يدري عن الصلاة شيئاً، هذا الرجل إذا توضأ اصفر لونه قالوا: لم؟ قال: [أتدرون بين يدي من أقف؟! أقف بين يدي الله.. أقف بين يدي الله] أين الذين يكبرون للصلاة وقلوبهم في الأسواق وفي الدنيا وشهواتها؟ تجده يسمع قول الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] والقلب ما زال في الدنيا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67] وأدع هذه الآية إلى آخر المحاضرة.

التحدي بخلق الذباب

شاب كان جالساً في الطريق يمر ملكٌ طاغية ظالم فاجر طاغوت يعبده الناس من دون الله، وكان الشاب صالحاً متديناً، فرأى الناس يتجمعون حول هذا الملك الطاغية كلٌ منهم يتقرب إليه، ويتوسل إليه، ويريد منه القربى والزلفى وأموراً من الدنيا، فنظر إلى الناس، ونظر إلى هذا الملك وحوله الجنود، وحوله الحرس.

فإذا ذبابة تطير حول الملك، كلما اقتربت ووقفت على وجهه هشها من حوله، فذهبت ثم رجعت والناس يتعجبون، كلما أراد إزالتها ذهبت الذبابة ثم رجعت على وجه الملك والناس يستغربون، ذبابة ما استطاع دفعها!

فإذا بالشاب المسلم الصالح يستغل الموقف، فإذا به يرتل قول الله أعوذ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الحج:73] كل الناس يستمعون، فالله يضرب مثلاً ويقول للناس استمعوا لهذا المثل، واسمع إلى هذا المثل: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً [الحج:73] الله أكبر! أرأيت هذا المثل في هذا الموقف؟ أرأيت هذا الملك وجنده بل كل من في الأرض جميعاً الشرق والغرب بالتكنولوجيا التي اكتشفوها ووصلوا بها إلى القمر ودخلوا إلى الأرض وكسروا الذرة، هل يستطيعون أن يخلقوا ذبابة واحدة، تحدٍ من الله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج:73] هذا التحدي الأول.

التحدي الثاني: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً [الحج:73] لو أن الذباب يأخذ شيئاً من طعامهم أو شيئاً من شرابهم فإن كل أهل الأرض ما يسترجعونه؛ لأن الذباب حشرة إذا دخل الطعام مباشرة في جوفها يتحلل الطعام ويتغير مباشرة ويتفكك: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:73-74].

فإذا بالناس كل منهم يكبر ويقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله والله أكبر! وانفض الناس عن ذلك الملك: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91].

تقول عائشة: (جاءتنا المجادلة -المجادلة التي في سورة قد سمع الله- تشتكي إلى رسول الله من زوجها، تقول عائشة: وليس بيني وبينها إلا ستارٌ رقيق، تقول: لا أسمع بعض كلامها، وإذا بالرب ينزل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1]) لا تظن عندما تختلي بنفسك في معصية أو تغترب عن الأرض؛ لتعصي الله جل وعلا، أو تغلق على نفسك الباب وتطفئ الأضواء لتعصي لا تظن أن الله قد غفل عنك:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل     خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

لهونا لعمر الله حتى تتابعت      ذنوب على آثارهن ذنوب

الإمام أحمد بن حنبل لما سمع هذه الأبيات ترك مجلس العلم، ودخل في غرفة وأغلق الباب على نفسه، وانتظره طلابه فلم يخرج، فجاءوا إلى الغرفة يريدون طرق الباب، فسمعوا الإمام أحمد يردد هذه الأبيات وهو يبكي.

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل     خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة     ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

لهونا لعمر الله حتى تتابعت      ذنوب على آثارهن ذنوب

فيا ليت أن الله يغفر ما مضى      ويأذن في توباتنا فنتوب

يقول وهب رحمه الله: [خف الله على قدر قدرته عليك] خف من الله.

زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه وعن أبيه وجده: كان إذا توضأ اصفر لونه، فيقولون له: لم يصفر لونك عند الوضوء؟ بعض الناس يكبر للصلاة ولا يدري عن الصلاة شيئاً، هذا الرجل إذا توضأ اصفر لونه قالوا: لم؟ قال: [أتدرون بين يدي من أقف؟! أقف بين يدي الله.. أقف بين يدي الله] أين الذين يكبرون للصلاة وقلوبهم في الأسواق وفي الدنيا وشهواتها؟ تجده يسمع قول الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] والقلب ما زال في الدنيا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67] وأدع هذه الآية إلى آخر المحاضرة.

شاب كان جالساً في الطريق يمر ملكٌ طاغية ظالم فاجر طاغوت يعبده الناس من دون الله، وكان الشاب صالحاً متديناً، فرأى الناس يتجمعون حول هذا الملك الطاغية كلٌ منهم يتقرب إليه، ويتوسل إليه، ويريد منه القربى والزلفى وأموراً من الدنيا، فنظر إلى الناس، ونظر إلى هذا الملك وحوله الجنود، وحوله الحرس.

فإذا ذبابة تطير حول الملك، كلما اقتربت ووقفت على وجهه هشها من حوله، فذهبت ثم رجعت والناس يتعجبون، كلما أراد إزالتها ذهبت الذبابة ثم رجعت على وجه الملك والناس يستغربون، ذبابة ما استطاع دفعها!

فإذا بالشاب المسلم الصالح يستغل الموقف، فإذا به يرتل قول الله أعوذ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الحج:73] كل الناس يستمعون، فالله يضرب مثلاً ويقول للناس استمعوا لهذا المثل، واسمع إلى هذا المثل: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً [الحج:73] الله أكبر! أرأيت هذا المثل في هذا الموقف؟ أرأيت هذا الملك وجنده بل كل من في الأرض جميعاً الشرق والغرب بالتكنولوجيا التي اكتشفوها ووصلوا بها إلى القمر ودخلوا إلى الأرض وكسروا الذرة، هل يستطيعون أن يخلقوا ذبابة واحدة، تحدٍ من الله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج:73] هذا التحدي الأول.

التحدي الثاني: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً [الحج:73] لو أن الذباب يأخذ شيئاً من طعامهم أو شيئاً من شرابهم فإن كل أهل الأرض ما يسترجعونه؛ لأن الذباب حشرة إذا دخل الطعام مباشرة في جوفها يتحلل الطعام ويتغير مباشرة ويتفكك: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:73-74].

فإذا بالناس كل منهم يكبر ويقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله والله أكبر! وانفض الناس عن ذلك الملك: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91].

أخي الكريم: يا من تنام عن الصلاة!

أخي العزيز: يا من هجرت القرآن!

أختي الفاضلة: يا من مازلت تترددين هل تتحجبن أو لا تتحجبن؟

إلى الغافل عن أوامر الله ونواهيه

أخي الفاضل: يا من مازلت تبيع الحرام، أو تشتري الحرام، أو تأكل الحرام، نحن لا نتعامل مع بشر، نحن نتعامل مع رب البشر جل وعلا، الذي قال عن نفسه: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28] الله أكبر! الله يحذر البشر نفسه، ومازال بعض الناس في غيبته وغفلته.

وبعض الناس لا ينتبه، أتعرف متى ينتبه؟! إذا كان ملك الموت عند رأسه، فهنا يتذكر ويقول: قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] الآن عرفت ربك؟ الآن عرفت قدر الله عز وجل؟ أليجمع أموالاً؟ ينظر أفلاماً ومسلسلات؟ يتمتع ببيته الجديد؟ أو يعانق زوجته وحبيبته؟ أو يقبل أولاده؟ لا. نسي الدنيا كلها، ويريد شيئاً واحداً: لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].

إلى الغافل عن عظمة الله

يوماً من الأيام والنبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فإذا به يقول لهم: (تسمعون ما أسمع؟ قالوا: لا يا رسول الله) واسمعوا هذا الحديث، وأريد كل واحدٍ منكم أن يتصوره، قال: (أطت السماء) والأطيط: هو صوت الحمل على الناقة إذا كان ثقيلاً ومشت الناقة يظهر له صوت، بعضكم لعله سمع أو يتخيل هذا الصوت، وأي حمل على السماء؟ (أطت السماء وحق لها أن تئط) ما الذي حدث؟ ما الذي جرى؟ السماء العظيمة فيها حمل ثقيل، أتعرف ما الذي فيها؟ (ما من موضع شبرٍ إلا وفيه ملك ساجدٌ أو راكع) الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! (ما من موضع شبرٍ إلا وفيه ملك ساجد أو راكع).

هؤلاء الملائكة الذين لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] إذا بعثوا يوم القيامة تعرف ماذا يقولون؟

سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! لا يعصون الله، حياتهم عبادة، وركوع وسجود وتنفيذ لأوامر الله، لا يعصون الله ما أمرهم، يسبحون الله ولا يفترون، ثم ما عبدناك حق عبادتك، تعرف لماذا؟ تعرف لِمَ؟

لأن تقديرهم لله أعظم من تقديرنا لله، بعضنا يَمنُّ على الله أنه صلى خمس صلوات في المسجد، ماذا تعني خمس صلوات؟! لا شيء، كانت خمسين فجعلها الله خمساً، وهي خمس في العمل خمسون في الميزان، ومع هذا يَمنُّ على الله أنه صلاها في اليوم والليلة، يَمنُّ على الله إذا حج بيت الله، يَمنُّ على الله إذا صام الإثنين والخميس: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

أرأيت أو أسمعت بوصف أفضل الملائكة جبريل؟ جبريل له ستمائة جناح؛ كل جناح يغطي الأفق كله، فتخيل، وتصور!

هذا جبريل صاح صيحة دمر قرية كاملة.

جبريل بطرف جناحه قلب قرية على رأسها.

جبريل هذا المخلوق العظيم رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج في السماء السابعة كالحلس البالي، كالثوب الخلق، تعرف لِمَ؟ لأن جبريل قد اقترب من الله فزاد خوفاً وهلعاً: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67].

أرأيت السماوات السبع العظيمة؟ يطويها الرب جل وعلا كطي السجل للكتب: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ [غافر:15] الله، ذُو الْعَرْشِ [غافر:15] الله يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ [غافر:15] يوم القيامة يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ [غافر:16] كل الناس حفاة عراة، ويقبض الرب عز وجل الأرض بيمينه والسماوات بيده الأخرى وكلتا يديه يمين، فيقول للخليقة كلها: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ من يرد عليه، من يجرأ أن يرد على الله في ذلك اليوم؟

أين ملوك الأرض؟ أين السلاطين؟ أين المتجبرون على أمر الله؟ على شرع الله؟ على دين الله؟ أين المتكبرون عن السجود لله عز وجل؟

يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16].

أخي الفاضل: يا من مازلت تبيع الحرام، أو تشتري الحرام، أو تأكل الحرام، نحن لا نتعامل مع بشر، نحن نتعامل مع رب البشر جل وعلا، الذي قال عن نفسه: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28] الله أكبر! الله يحذر البشر نفسه، ومازال بعض الناس في غيبته وغفلته.

وبعض الناس لا ينتبه، أتعرف متى ينتبه؟! إذا كان ملك الموت عند رأسه، فهنا يتذكر ويقول: قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] الآن عرفت ربك؟ الآن عرفت قدر الله عز وجل؟ أليجمع أموالاً؟ ينظر أفلاماً ومسلسلات؟ يتمتع ببيته الجديد؟ أو يعانق زوجته وحبيبته؟ أو يقبل أولاده؟ لا. نسي الدنيا كلها، ويريد شيئاً واحداً: لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].