خطب ومحاضرات
أنين الفجر
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
من الممكن أن نتكلم عن قيام الليل، وعن السحر، ونتكلم عن ناشئة الليل لأنها: أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6] أما أن نتكلم عن صلاة الفجر فهذا خلل، وضعف، وقصور، لأنه ما كان يعرف في سلف الأمة وفي القرون الأوائل أناس لا يصلون الفجر، وما كان يعرف هذا إلا في صفوف المنافقين، أما في صفوف المؤمنين، فلم يكن يوجد هذا.. قد يتخلف إنسان مرة لعذر أو مرض أو نوم ومع هذا كان يلام ويعنف على هذا الأمر، أما أن يعرف إنسان لا يصلي الفجر فهذا غير موجود في صفوف المؤمنين.
ولهذا لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (يا رسول الله! فلان نام حتى الصبح -أي: صلى الفجر لكنه ما صلى الليل- فقال عليه الصلاة والسلام: ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنه) هذا ما قام الليل، فكيف بالذين لا يصلون الفجر؟! إنه أمر شديد، ويستحي الإنسان منه، لكن واقعنا المؤلم لا بد أن نتكلم عنه.
أخي الكريم: أنت عندما تنام عن صلاة الفجر هل تعرف ما الذي حصل؟ تصعد الملائكة وترسل الكشوف -كشوف الأسماء- كلها، وفلان غير موجود.. فلان ما صلى الفجر يا رب!
أين فلان؟ وهو أعلم به، قالوا: تركناه وهو نائم، أو تركناه وهو يلهو، أو تركناه وهو غافل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78].
لدلوك الشمس أي: صلاة الظهر، وغسق الليل، أي: صلاة العشاء، فدخلت في هذا أربع صلوات، الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وبقي صلاة وهي وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78] أي: تشهدها الملائكة، ولمَ قيل لها قرآن الفجر، وما قيل لها صلاة الفجر؟ لأن صلاة الفجر معلومٌ عنها أنها طويلة، فإذا أطال الإمام في صلاة الفجر ما الذي يحصل؟ وإذا قرأ السجدة والإنسان في يوم الجمعة ما الذي يحصل؟ هذا يتشكى، وهذا يتأفف، وهذا يتململ، وهذا يبحث له عن مسجدٍ آخر، لمَ؟ لأن المصلي الآن إن صلى فحاله -إلا من رحمه الله- وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ [النساء:142] أي: قد يقومون بعض الأحيان، لكن كيف يا رب؟ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] .
كان في عهد محمد عليه الصلاة والسلام عبد الله بن أبي ابن سلول يصلي الفجر، وهو رأس المنافقين، لكن كيف يصلي؟ يصلي وهو كسلان متثاقل، لهذا فإن أثقل صلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء.. يصلونها لكن بثقل وبكسل، وانظر إلى من يصلي صلاة الفجر، بعضهم يصلي وهو نائم، أو يصلي ولم يعلم ماذا قرأ الإمام؟! ما السبب أيها الإخوة؟
انظر إلى المسلمين بعد ساعة أو ساعتين في الساعة السابعة صباحاً، تزدحم الشوارع، وتضطرب الطرق، ويصدر إزعاج، ما الذي حدث؟ خرج الناس من البيوت.. إلى أين؟ إلى مكان عملهم، سبحان الله! ألم يكن في هذه البيوت أحياء قبل ساعة أو ساعتين؟ أليس في هذه البيوت مسلمون قبل ساعة أو ساعتين يأتون لصلاة الفجر؟ لا تدري كيف تجيب على هذا السؤال! للدنيا خرج الألوف المؤلفة، أما لصلاة الفجر فما خرج إلى المسجد إلا نصف صف، ما الذي جرى؟
يأتيني أحد المؤذنين يشتكي ويسألني سؤالاً وفيه بعض الحسرات والعبرات، فيقول: المسجد ليس فيه إمام، أنا أؤذن في المسجد، قلت له: خيراً إن شاء الله، قال: بعض الأحيان أؤذن ولا يأتي أحد، قلت له: عجيب! هذا موجود؟ قال: والله إني أنتظر حتى أخشى أن تشرق الشمس ولا يأتي أحد إلى المسجد، ثم قال: هل يجوز أن أغلق المسجد وأذهب إلى مسجدٍ آخر لأدرك صلاة الجماعة.
وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78].
صرنا الآن نترجى فلاناً، يا أخي! صلِّ الفجر مرة في الأسبوع، وكان أحد السلف واسمه طاوس يطرق الباب على صاحبٍ له، فخرج هذا الرجل متعجباً فقال له: أتزورني في هذه الساعة؟! قال: ولمَ؟ ما ظننت أن أحداً من المسلمين ينام في هذه الساعة.. آخر الليل: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6]
كان السابقون يجاهدون أنفسهم في قيام الليل، ليس في الفجر؛ فالفجر انتهينا منه، وهو صفحة قد طويت، وهذا كلام قد نسي الآن، وانتهى الأمر.
نتكلم الآن عن قيام الليل، تقول إحدى البنيات: صعدت على سطحٍ لي أنا وأختي، -بنيات صغار- في آخر الليل وما كنا نصعد إلا آخر الليل حياءً.. انظر للحياء! بنيات صغيرات لا يصعدن إلى سطح المنزل للعب واللهو إلا آخر الليل، حيث لا يراهن أحد.
وفي ليلة من الليالي صعدن فنزلن إلى البيت فقلنَ: يا أماه! قالت الأم: ما شأنكن؟ قالتا: يا أماه! ما حدث لذلك العمود الذي كان في سطح جيراننا؟ -كان هناك عمود خشبي الآن لا نراه- فضحكت الأم، وقالت: ليس ذاك بعمود، قلن: وما هو؟ قالت: ذلك منصور بن المعتمر كان يقوم الليل فمات، كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17] لا يوجد نوم في الليل؛ لأنه كلما أراد النوم تذكر جهنم وقام، وكلما نعست عينه تذكر الجنة فطار فرحاً، حتى إنه يبكي على وسادته ولا تشعر به زوجته وهي تنام على نفس الوسادة، حتى تقول فاطمة: ما أظن أن أحداً من الناس أخوف من عمر بن عبد العزيز ، تقول: قام من ليله فزعاً، فصلى وبكى حتى سقط على الأرض، تقول: حتى ظننته قد مات من شدة البكاء، (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18].
ولهذا تتعجب أن من السنة -واسمع إلى هذه السنة العجيبة الغريبة عندنا والمهجورة- أنك تنام بعد أذان الفجر إلى الإقامة، لتأخذ قسطاً من النوم، والعلماء قد اختلفوا فيها، تعرف لمَ؟ لأن بعضهم يقول: هذه لمن يقوم الليل، وذلك حتى يرتاح شيئاً قليلاً لصلاة الفجر، ولهذا من السنة إذا أُذن الأذان الأول أنك تقف عن الصلاة، وتستغفر، وترتاح شيئاً قليلاً، أو إذا كنت تريد الصوم فتـتسحر، هذا لمن يا عبد الله؟ لمن يقوم آخر الليل ليستعد لصلاة الفجر.
كان بعض السلف يقوم الليل؛ فإذا أذن الفجر كحل عينيه؛ لأنه كان يبكي ولا يريد أن يراه أحد فيعلم أنه كان يبكي، أو إذا أذن الفجر رفع صوته كأنه قام من النوم حتى لا يدري عنه أحدٌ أنه قام الليل، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9].
لعلي أسألك: لم لا تصلي الفجر؟ تقول: إني نائم.. سبحان الله! ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها، تقول بنت لأبيها: يا أبت! لا أراك تنام مثل الناس. نوم قليل.. سل أهل الملايين لا ينامون إلا بحبوب، وبعضهم لا ينام في الليل إلا ساعة وساعتين ثم يقوم من صباحه مبكراً إلى العمل، لمَ؟ يجمع الملايين، واطلب من بعض الناس أن يقوم لصلاة الفجر وتعطيه عشرة دنانير، أو مائة دينار، قل له: كل مائة يوم تصليها لك عليها ترقية، أو علاوة، ألا يصلون؟
نعم. لأنها الدنيا التي ملأت القلوب قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ [النساء:77].
الطلبة -وهذا شيء طيب أن يقوم الإنسان إلى عمله- ألا ترون ألوفاً مؤلفة منهم تقف في طابور الصباح لا يتخلف أحدهم خمس دقائق؟ انظر قبل الموعد بدقائق ترى الأفواج كلها تأتي حتى لا يتأخرون دقيقة عن طابور الصباح، وهذا لعله شيءٌ طيب لكنه دنيا، أين هم في صلاة الفجر؟
قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء:77].
أتعرف -أخي الكريم- أنك لو صليت الفجر، وخرجت في ظلام الليل لا ترى إلا شخصك يمشي، ولا تسمع إلا قرع نعليك، ولا تنظر يمنة ويسرة إلا ظلك، وأتيت إلى بيت الله لتصلي صلاة الفجر، وقد غلبك النعاس، وقد هجرت الفراش، وقد طويت ذلك الفراش لتأتي لله جل وعلا، لتركع ركعتين، ثم ترجع إلى الفراش.. أتعرف ما أجرك؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) بل أخبر أنه في ذمة الله.
وانظر إلى هذا الطالب -الذي أخبرني ثقة عنه- في يوم من الأيام وقد حضر مجلساً للذكر -مثل هذا المجلس- فسمع حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله) فاذهب وافعل ما تفعل فأنت في ذمة الله، فسمع هذا الصبي الصغير هذا فقال لأبيه وقد جاء به إلى هذا المجلس: يا أبي! ما يعني في ذمة الله؟ قال: أي: في حفظ الله، وفي رعاية الله، قال: فقط أصلي الفجر؟ قال: نعم. فقال الصبي لأبيه: إذاً يا أبي أيقظني معك في صلاة الفجر، قال: خيراً إن شاء الله، قال: يا أبي! إن لم توقظني لا أذهب إلى المدرسة، قال: خيراً إن شاء الله. وظن الأب أن الابن فيه حماس الصبيان ونشاط الطفولة فلم يوقظه لصلاة الفجر، وأيقظه للدوام، فقال الابن: لم لـمْ توقظني لصلاة الفجر؟ قال: أنت صبي صغير لكن عندما تكبر إن شاء الله أوقظك. قال: والله لا أذهب إلى المدرسة، قال: يا بني! الدراسة، قال: والله لا أذهب، أجبره فامتنع عن الذهاب للدراسة.
تعجب الأب من حماس الصبي، فجاء في اليوم الثاني -ليس خوفاً على صلاته بل خوفاً على دراسته- قال: يا بني! قم لصلاة الفجر.. فقام لصلاة الفجر، وذهب مع أبيه فصلى في جماعة، فقال لأبيه: أنا اليوم في ذمة الله؟ قال: إن شاء الله أنت في ذمة الله، فذهب إلى المدرسة ودخل الفصل فقال المدرس: من أتى بالواجب؟ وكان الطالب غائباً في اليوم الذي كان فيه الواجب، فقام الطالب وكان معه بعض الطلبة الذين لم يأتوا بالواجب، فأخذ المدرس يضربهم واحداً واحداً حتى جاء دور هذا، فقال الطالب للمدرس: لن تستطيع أن تضربني -قال: أنا أتحداك أن تضربني- قال: ما الذي جرأك عليّ؟ وأخذ يعنف عليه.. تتجرأ على مدرس وتتحداني أني أضربك؟ حالك حال الصبيان. قال: أما أنا لن تستطيع، قال: لمَ؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله) وأنا اليوم صليت الصبح في جماعة فأنا في ذمة الله، تريد أن تضربني أنا في ذمة الله وحفظه ورعايته، فضحك المدرس، وقال له: صدقت، أنت في ذمة الله ولن أضربك هذا اليوم.
وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78].
صح في الحديث أن من قام على ذكر الله وعلى صلاة قام طيب النفس نشيطاً، بعض الناس في العمل أو بعض الطلبة في المدارس تجده نشيطاً، وتجده طيب النفس حلو الكلام؛ لأنه صلى الفجر في جماعة، أول ما قام على ذكر الله، وأول ما استيقظ لله، قام للصلاة في المسجد، وتجده بعد الصلاة جلس يقرأ القرآن حتى طلعت الشمس لأنه نشيط، ثم ذهب فأفطر شيئاً قليلاً ثم ذهب إلى عمله.
سألني بعض الناس، قال: هل يجوز إذا أذن الظهر وأنا لم أصلِّ الفجر أن أصلي الفجر ثم أصلي الظهر؟
قلت: سبحان الله! سبحان ربي! إلى الظهر لم تصلِّ الفجر، وأين أنت؟ قال: أول ما استيقظت كنت متأخراً على الدراسة فذهبت إلى المدرسة، قلت: سبحان الله! تقدم المدرسة على صلاة الفجر؟! لو مت في هذه اللحظات؟! لو قبض الله روحك؟! يقول عليه الصلاة والسلام: (ولا تترك صلاة واحدة مكتوبة متعمداً)المتعمد: الذي يضع ساعته على الساعة السابعة صباحاً ويعلم أن صلاة الفجر الساعة الثالثة وأربع وعشرين دقيقة، قال عليه الصلاة والسلام: (فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة).
برئت منه ذمة الله، ولهذا وصف الله جل وعلا يصف الناس في آخر الزمن، فيقول: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] أسأل الله ألا نكون منهم.. أتعرف صفة من هذه؟
إنها صفة الذي يجلس إلى الساعة الثانية عشرة أمام التلفاز، ثم يقول: والله ما قمت لصلاة الفجر، وقد وقَّت الساعة وما قمت، ما الذي جرأك أن تجلس للساعة الثانية عشرة ليلاً، ألا تدري أنك إذا سهرت لا تستيقظ لصلاة الفجر؟ أما تعلم أن ثلاث ساعات لا تكفيك في النوم؟ لماذا لم تنم مبكراً حتى تقوم لصلاة الفجر؟
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] لم يا رب لا يصلون؟ لأنهم في الليل أمام التلفاز.. لم يا رب لا يصلون؟ لأنهم في الليل في الورق والدواوين وشرب الشاي والقهوة، ثم ينام الساعة الواحدة -نسأل الله العافية- ولا ينام إلا وهو مثل الجيفة، ولا يقوم إلا على مثل ما شبهه به عليه الصلاة والسلام، جيفة بالليل حمار بالنهار، أما الصلاة: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] أتعرف ما معنى الغي؟ قيل: هو وادٍ في جهنم، لو سارت به الجبال لذابت، نحن لا نتحمل حر الصيف، الواحد منا أول ما يركب السيارة يفتح المكيف، لا يتحمل أن يقف ساعة تحت الشمس إلا ويتظلل بالظل، هل تتحمل ذلك الوادي؟!
أتعرف ما فعلوا بالصلاة؟ ضيعوها وفرطوا فيها.
هذا رجلٌ ماتت أخته فدفنها، وأثناء دفنه لأخته سقطت محفظة النقود، فنسي المحفظة حتى رجع إلى البيت، ثم تذكر المحفظة فرجع إلى قبر أخته بعد أن غابت الشمس في الليل، فنبش القبر ليُخرج المحفظة، فلما حفر القبر ووصل إلى الجثة وجد الجثة تحترق، فمن خوفه وفزعه رد القبر كما هو وهرول فزعاً إلى أمه، فقال: يا أماه! -وهو يبكي- يا أماه! أخبريني عن أختي، ما صنعت في دنياها، قالت: ولم يا بني؟ قال: يا أماه! أخبريني فإني رأيت قبرها يشتعل عليها ناراً، قالت أمه: يا بني! والله لا أنقم على أختك من عمل سوء -ما عندها عمل سوء أبداً- إلا أنها كانت تؤخر الصلاة عن وقتها فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] قال ابن عباس: [ يؤخرون الصلاة عن وقتها ]، يصلون خمس صلوات في اليوم والليلة، لكن الفجر يصلونها بعد أن تطلع الشمس.
متى يُصلي العصر؟ قبيل الغروب.. متى يُصلي المغرب؟ بعد دخول وقت العشاء فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5] وإذا صلى كان من الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ [الماعون:6] لا يصلي لله، إنما يصلي للناس.
أخي الكريم: اسمع لهذا الحديث العظيم الذي أسأل الله عز وجل أن يقذفه في قلبك فتقوم لصلاة الفجر، يقول عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة) نعم! إن الفجر لظلام، وإن الناس في هدوءٍ وسكون، وإن الناس في نومٍ وسباتٍ عميق.
يقوم هذا من نومه، ويفتح باب بيته، تكاد تسمع صوت نعليه من آخر الشارع؛ لأنه لا يمشي غيره، فيمشي حتى يأتي إلى بيت الله، فيدخل وقد مضى على الأذان عشر دقائق، وظن المسكين أن الصف الأول قد امتلأ، وأنه لن يدرك إلا الصف الثاني أو الثالث، فيدخل فيستغرب ولا يرى إلا المؤذن، فيقول له: أصليتم؟ فيقول: لا. ولكن لم يأتِ أحد، لا حول ولا قوة إلا بالله! مضى على الأذان عشر دقائق ولم يأتِ أحد، بل بعض الأوقات يؤخر المؤذن الإقامة حتى يدخل اثنان أو ثلاثة يتمون بهم الجماعة، لم هذا يا عبد الله؟ بسبب اللآمبالاة وعدم استشعار الأجور، قال: (بالنور التام يوم القيامة) اثبت -يا عبد الله!- ولو كنت لوحدك، لا تقل: أنام مثل الناس، لا تقل: غيري ينام وأنا فقط لوحدي أقوم، اسمع فإن يوم القيامة ظلمة شديدة، هذه الشمس التي تراها تكور، والنجوم تتناثر وتنكدر، ويوم القيامة ظلمة في ظلمة.
وفي ذلك الظلام من الناس من يكون نوره كمد البصر، ومنهم من يكون نوره كأصبع في قدميه، نوره لا يكاد يضيء إلا أصبع قدميه، يضيء مرة وينطفئ مرة.
ومنهم من يمشي في ظلام يوم القيامة، لا يرى شيئاً، بل منهم في ذلك الظلام أعمى نسأل الله العافية: قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:125-126] يقول تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]، ويقول: أَضَاعُوا الصَّلاةَ [مريم:59]، ويقول سبحانه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، ويقول: أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طـه:126].
إن كنت في صف المؤمنين يوم القيامة فإنك ولا بد سوف تمر على الصراط، تعرف ما صفة الصراط؟ الآن تخيل وأنت جالس:
أدق من الشعر.. سبحان الله! هل هذا ممكن؟!
أحد من السيف، هل تتصور أنه أحد من السيف؟! أتعرف ما تحت هذا الصراط؟ نار جهنم كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [المعارج:15-16] أي: من حرها.. اللحم ينفصل عن العظم، من شدة الحر، والنار تزفر من تحتهم، وتنادي: هل من مزيد؟ ويمر هذا على الصراط، تخيل أنك تمر وأنت في ظلام، هل تستطيع أن تجتاز الصراط؟!
من يمشي في النور؟ (بشر المشائين في الظلم -أي: إلى صلاة الفجر والعشاء- بالنور التام يوم القيامة) نورٌ تام يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:13] يوم القيامة يأتي المنافقون والمؤمنون في صف واحد؛ لأن من الناس منافقين.. أمام الصالحين صالح، وأمام الفسقة فاسق، في الملأ رجلٌ طائعٌ وصالح، وإذا اختلى ارتكب جميع المنكرات، هذا فيه نفاق نسأل الله العافية، يأتي يوم القيامة فيضرب الله عز وجل سوراً فإذا بالمؤمنين في جانب والمنافقون في الجانب الثاني، المنافقون ينادون المؤمنين خلف هذا السور انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:13].
في هذا الجانب ظلمة وعذاب، وفي الجانب الآخر نور ورحمة، ينادونهم! انظرونا -أي: انتظرونا- نقتبس من نوركم، فيرد المؤمنون عليهم: قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ [الحديد:13] ارجعوا للدنيا، ارجعوا لهذه الأيام، ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [الحديد:13] ارجع في الدنيا فالتمس النور، أتعرف ما هو هذا النور؟ إنه في مثل صلاة الفجر، قال عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة).
أختم حديثي بمشكلة تصادف كثيراً من الناس، يقول: يا شيخ! والله أنام مبكراً، وأضع الساعة والساعتين، وأعزم من قلبي، وأرفع يدي لله: يا رب! أعني لصلاة الفجر، يقول: وأقول لأمي التي تقوم كل يوم لصلاة الفجر، أطرقي علي الباب، يقول: ومع هذا أستيقظ وإذا الشمس قد طلعت، أنظر للساعة ما سمعتها، أسأل أمي تقول: طرقت الباب فلم تجب، يقول: ما الحل؟ لم لا أقوم لصلاة الفجر؟
أقول لك: اسمع إلى الحسن البصري كيف يجيبك عندما سئل: قيل له: نريد قيام الليل فلا نستطيع -نحن مشكلتنا الآن صلاة الفجر، هم كانت مشكلتهم قيام الليل- قال بعضهم للحسن البصري: نتمنى قيام الليل فلا نستطيع، أتعرف بم أجاب؟ قال رحمه الله: "قيدتكم ذنوبكم" وأنا أجيبك بهذه الإجابة، إذا بذلت جميع الأسباب ورفعت يديك إلى الله، وتوكلت على الله، ولم يوفقك لقيام صلاة الفجر، فاعلم أن هناك ذنباً، وأن هناك معصية أنت أدرى بها، وأنت أعلم بها، ما أدري هل هي نظرٌ للنساء؟ أم غيبة ونميمة؟ أم بعض الأفلام والمسلسلات؟ أم اطلاع على العورات؟ أم حبٌ للأغاني والفجور؟ في قلبك معصية منعتك عن القيام لصلاة الفجر، والله عز وجل يقول: وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة:46].
سل نفسك يا عبد الله: أين هذه المعصية؟ وما هذه المعصية التي منعتك أن تقوم لصلاة الفجر؟ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] لعلك تقول: لم هذه الوقفة؟ وأكثركم يحفظ هذه الآية، وتعرف أن فيها سكتة كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] وكأن الله توقف، الله جل وعلا توقف هنا لأن الأمر شديد، والعقوبة عظيمة، والجرم يستحق هذه العقوبة: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] أصبح الذنب على الذنب، والمعصية على المعصية، كالران على القلب، لا يسمع صلاة الفجر، ولا تنفع فيه الأسباب، ولا يوفقه الله لقيامها.
سل نفسك يا عبد الله: أي معصية منعتك من قيام صلاة الفجر؟ واعلم أن الأمر خطير، وهو عمود الإسلام، وأن هذه الصلاة لو جئنا يوم القيامة ولم تكن صالحة، فلن تصلح صدقاتنا، ولا صيامنا، ولا حجنا، ولا برنا، ولا صلة أرحامنا، ولا دعوتنا إلى الله، ولا تنفع أعمالنا جميعاً: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة) أول ما يحاسب أي: من المصلين، تعالوا أيها المصلون! أما غير المصلين فيحشرون؟ مع فرعون وأبي بن خلف ، وأبي جهل.. مع أهل الشر.
أما المصلون فإن الله ينظر في صلاتهم (إن صلحت صلح سائر العمل) صلح الصيام وصلح الحج، وصلحت الصدقات، وصلح الدعاء، وسائر الأعمال (وإن فسدت) نسأل الله العافية، فسدت حيث لم يأت بها في وقتها، ولا بأركانها، ولا بخشوعها، ولا بواجباتها، ولا بسننها.. كيف نقدم لله هذه الصلاة؟ (وإن فسدت فسد سائر العمل) فالله الله أيها الإخوة! في الصلاة.
وأرجو -أيها الإخوة- أن نأتي في مجلسٍ آخر، فنبحث في مشكلة أخرى وهي قيام الليل، وقد فرغنا من هذا الأمر، نفرغ من صلاة الفجر، حتى يصبح المتخلف في صلاة الفجر كأن في وجهه علامة وسمة، حتى قال عمر بن الخطاب حين افتقد أحد الصحابة -الآن أيها الإخوة نقول: من يصلي الفجر؟ ولا نقول: من لا يصلي؟ لأنك لو سألت: من لا يصلي الفجر؟ لما استطعت أن تعدهم، أما تسأل من يصلي الفجر فيقال لك: فلان وفلان وفلان يعدون على الأصابع، أما الذين لا يصلون فإنهم لا يعدون- عمر يسأل في يوم من الأيام: أين فلان؟ -هذا السؤال، ما نسأل إذا غاب عن دوام أو عمل، أو عن عشاء ما حضر، نسأل إذا لم يصلِّ الفجر: أين فلان؟- فرأى أمه في السوق، فقال لها: يا أم فلان! أين فلان ما رأيناه في صلاة الفجر؟ فقالت: قام الليل فغلبته عيناه، فقال عمر: [والله لئن أصلي الفجر في جماعة أحب إلي من أن أقوم الليل كله].
يا عمر! ليتك تأتي إلى مجالسنا، وترى لم لا نصلي الفجر إلا من رحم الله؛ هل هو لأجل تلفاز، أو مجالس لغو، أو غيبة ونميمة.. أو غيرها نسأل الله أن يعيننا وإياكم على القيام لصلاة الفجر.
هذا وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نصيحة لمن في بيته ستلايت دون رغبة منه
الجواب: مصيبة -أيها الإخوة- أن يأتي رب المنزل ورب الأسرة بهذا الجهاز، فإن عليه وزره ووزر من رآه ونظر إليه واستمع إليه, وفسد على يديه إلى قيام الساعة، كيف يتحمل هذا؟ وإذا كان مستعداً أن يتحمل أمام الله، فليعرف أن هذا هو فعله، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6]
السؤال ليس لأولئك، إنما للشباب الذين هم مرغمون، وفي بيوتهم (ستلايت) أقول له: اتق الله حيث ما كنت، حاول أن تخرج هذا (الستلايت) من البيت بالكلمة وبالموعظة، وبالحكمة، وببيان مفاسده وأخطاره على الوالد والوالدة.. الآن نتكلم عن بعض أخطار التلفاز دعك من (الستلايت) يقولون: إن أحد الرجال دخل إلى البيت -هذا لأهل الغيرة نتكلم بهذا الكلام- دخل إلى البيت ورأى التلفاز، وأمام التلفاز ابنته الصغيرة، فنظر فإذا على الشاشة موضع قبلة -شفاه على التلفاز- فأول من شك فيه البنت الصغيرة قال: يا ابنتي! أما تستحين من هذا الفعل تقبلين الشاشة؟ فقالت البنت وهي تضحك: يا أبتي لست أنا، قال: من؟ قالت: إنها أمي، لما ظهرت صورة المطرب الفلاني لم تتمالك نفسها فقبلته على الشاشة.
بعض الناس يظن أن المرأة ما فيها شهوة! نقول: يا أخي الكريم! إنها ترى في التلفاز أجمل منك، وهي ترى بعض الرجال الذين ما تعدو أن تأتي أنت بعشر جمالهم، وهي ترى رجال -أسأل الله العافية- بصورة نساء، وهي ترى وتسمع كلمات الغزل، والفحش والبذاءة، وبعضٌهم يتبجح ويقول لك: جهاز (ستلايت) يأتي بجميع البرامج حتى إسرائيل.. أما يستحي؟! أما يدري أننا ما زلنا الآن في عداوة وحرب مع اليهود، ويقول: حتى إسرائيل! ولماذا تظن أن إسرائيل توجه قنواتها إلى الخليج؟ تعرض ماذا؟ تعرض برامج دينية، أو تعرض برامج ثقافية، أو أن الشاب المراهق عندما يأتي بالستلايت ويأتي بجهاز التلفاز في غرفته ويغلق الباب ماذا يفعل؟ أنت في يوم من الأيام كنت مراهقاً، وأنت لم تعرض لك هذه الأمور والحمد لله، خاصة كبار السن إنما تربوا على الصلاة والذكر، الواحد تقول له: لا تصلِّ، فيقول: لا. هذه من أكبر الأمور، فيقوم للصلاة بدون ساعة؛ لأنه تربى على هذا الأمر.
أما شباب اليوم -أيها الإخوة- فإنهم يغلقون الأبواب على أنفسهم وعنده الستلايت، كنا في السابق نسمع عن تهريب الأفلام الخليعة، والآن لا نحتاج إلى هذه الأمور، الآن تأتي في بيته الأفلام الخليعة والداعرة وغيرها، إذاً الأمر خطير.
هل تظن أن هذا الجيل -جيل الستلايت والدشوش- بعد ثلاثين سنة أو عشرين سنة سيقود هذه البلاد؟
هناك الساعات المخصصة للتنصير في هذه البرامج، فهل تضمن أن أولادك لا يرون، أو إخوانك، أو أختك، ساعات مخصصة للتنصير، تعرف ما معنى التنصير؟ أي: يشاهد الشاب -على الأقل- فيسمع في يوم من الأيام: ما بالكم على النصارى؟ دعوهم وحالهم، لهم دينهم ولنا ديننا، هم أهل كتاب مثلما نحن أهل كتاب، هذه الكلمات بحد ذاتها خروج عن دين الإسلام، وتكذيبٌ لله، والله يقول: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:72-73] فيخرج لنا جيل في يوم من الأيام يقول لنا: النصارى ليسوا كفاراً، ولا بد أن نفعل مؤتمراً ومجتمعاً يعيش فيه النصراني واليهودي والمسلم إخواناً متحابين متآلفين، ولا يجوز أن تقول للنصراني: كافر.
إن هذا الستلايت يريد أن يغسل الأفهام والعقائد، ويزيل قضية الولاء والبراء، حتى لا يصبح الإنسان يوالي في الله.. ويعادي في الله، يحب اللاعب البريطاني أكثر من اللاعب المسلم.
اللاعب المسلم فد يكون فيه فسق لكنه يصلي فلا بد أن تحبه، ولكن البعض يحب النصراني أكثر، وهذا نسف لعقيدة الولاء والبراء.
في بعض البلاد -حتى تعلمون أن القضية خطيرة، وهذا تخطيط عالمي، وليست الفضية أن يفتح الواحد محل ستلايت، فهذا مسكين، بل القضية أكبر وأخطر- في بعض البلاد جاءوا بإمام المسجد إلى التحقيق، ما تهمته؟ قالوا له: لماذا تقرأ في الصلاة الآيات التي فيها النصارى واليهود؟ فهناك آيات تكفر اليهود والنصارى مملوءة بالقرآن، مثل الفاتحة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فالمغضوب عليهم اليهود، والضالين هم النصارى. فقالوا: لماذا تقرأ هذه الآيات؟ فقال لهم: هذا كتاب الله، قالوا: لا. ابحث لك عن آية ثانية، لا تقرأ في هذه الآيات.. وصلوا إلى هذه الدرجة، ونحن الآن شيئاً قليلاً أزاحوها من الكتب، شيئاً فشيئاً حتى في بعض الأحيان تجد بعض الكلمات مثل هذه تزاح، أي: كنا قبل نسأل كبار السن، اسألهم ماذا يكتبون في الجرائد عن إسرائيل؟ فقالوا: العدو الإسرائيلي، وبعد سنوات قالوا: الكيان الإسرائيلي، ثم بعد سنوات قالوا: دولة إسرائيل، ونخشى أنه في يوم من الأيام في الجيل القادم نسمع كلمة إسرائيل الشقيقة! فنخشى من هذه الأمور.
فالستلايت ليست القضية فيه قضية فيلم، أو كما يضحك على بعضهم فيقال له: يا أخي! نأتي به من أجل الأخبار!! لا. القضية أكبر، فالآن -يا إخوة- الستلايت يعرض فيه أمور لا تتصورها.
جاءني أحد الناس العوام وكان عنده ستلايت، يقول: والله يا شيخ أنتم لا تتخيلون ماذا في الستلايت؟ يعني: الشاب يسمع عشرين درساً، وعشرين موعظة، ويلتزم مع الصالحين عشرين سنة، يمكن أن يرى فيلماً واحداً فينتهي، وقد يرتد، يتدمر يا إخوان، ويأتي هذا الوالد والوالدة فيقولوا: والله ما استطعنا لهم، فلقد بكوا، وقالوا لي، أما في الستلايت فحالهم حال غيرهم!
أنت أولاً حاول أن تخرج هذا الجهاز من بيتك، وأخبر الوالد أن هذا حرام ومنكر، وأن فيه مفاسد، وقد تضيع أولادك يوماً من الأيام.
الأمر الثاني: إذا لم تستطع أن تخرجه فحاول أن تخفف الشر، حاول أن تبعد إخوانك الصغار، حاول -على الأقل- في الساعات المتأخرة أن تغلق الجهاز، على الأقل تتفق بينك وبين الوالد على بعض الأفلام ثم تغلق الجهاز، وبعض القنوات يلغيها، وعلى الأقل تمنع دخول التلفزيون إلى الغرف، حاول أن تضعه في الصالة، لكي تعرف ماذا يرون في البيت.
وبعض الفتيات الهاتف عندها إلى الساعة الواحدة في الليل تتصل، على من تتصل؟!!
إذاً الأمر يا إخوان -على الأقل- هو أن نخفف الشر شيئاً فشيئاً حتى نخرج الجهاز، فالله الله أن يلبس عليك الشيطان، أو أن يسول لك، ولا تقل: انظر فقط بعض البرامج أو بعض الأمور ثم أستغفر الله، أو أنظر ثم أتوب، ثم شيئاً فشيئاً حتى يوقعك الشيطان في شباكه والله أعلم.
شبهة إبليسية في مسألة القدر
الجواب: هذه شبهة إبليسية يحتج بها بعض العصاة، يقول لك: لماذا أصلي؟ الله قد كتب أني شقي، فلا أحتاج أن أصلي، ولماذا أصلي؟ أسأل هذا الرجل وأقول له: ألا تأكل؟ ألا تشرب؟ فإذا قال: نعم. قلنا له: لماذا تأكل؟ فقد كتب الله عليك أنك تشبع، فلماذا تأكل إذاً؟ ولم تذهب للدراسة إذا كان الله جل وعلا قد كتب لك الرسوب أو النجاح؟ ولم تعمل إذا كان الله عز وجل قد كتب لك أنك سوف تحصل على هذا الرزق أو لا تحصل على هذا الزرق؟ للدنيا تسعى وللآخرة لا تسعى! لم هذه الحجة إذا كان الأمر للدين، أما إذا كان للدنيا فلا؟ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل قيل له: (فلم العمل؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) اعمل فإذا كنت من أهل الجنة فسوف يعينك الله جل وعلا وييسر لك، وإذا كنت من أهل النار فإنك لن تذهب للصلاة ولن تصلي، ولهذا أخبر الله أن الذي يبدأ بالعمل فإنه يعينه، يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] والذي يبدأ بالضلال: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5].
إذاً: الجزاء من جنس العمل، ولهذا ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله جل وعلا يقول: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به)، وفي حديث آخر قال: (وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
إذاً: القضية أنك إذا بدأت في الهداية والالتزام وفقك الله جل وعلا، وإذا بدأت بالضلال فإن الله جل وعلا كما قال: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5] إذاً عليك أن تعمل وتجتهد، والأمر مكتوب.. مكتوب أن فلاناً سوف يختار هذا الطريق، كما قال الله جل وعلا: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10].. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3].
هذاه الله عز وجل هداية إرشاد، أي: بين له طريق الخير وطريق الشر، فإذا اختار طريق الخير فإن الله قد كتبه له في الأزل، وإذا اختار طريق الشر فإن الله قد كتبه عليه، واختيارك لطريق الخير أو الشر مكتوب في الأزل، مكتوب أن فلان بن فلان عرض له طريقان فإذا به يختار هذا الطريق فصلى وصام، وحافظ على صلاة الفجر، وحضر مع الصالحين، ودعا إلى الله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، مكتوبٌ لك في الأزل أنك اخترت هذا فكتب الله عليك هذا.
أما ذاك فمكتوب أنه صد وولى واختار هذا الطريق؛ لأنه هو الذي اختار هذا الأمر، وكتب الله عز وجل أنه سوف يختار هذا الطريق ويدخل النار والله أعلم.
استمع المزيد من الشيخ نبيل العوضي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رسالة إلى كل من ابتلي بمس أو سحر أو عين | 2683 استماع |
فرصة للتوبة | 2630 استماع |
فصة برصيصا | 2597 استماع |
التوحيد | 2594 استماع |
قصة الفاروق الحلقة السادسة | 2528 استماع |
العبادة في رمضان | 2486 استماع |
الوقت وأهميته | 2467 استماع |
دعاة الفساد | 2460 استماع |
لنخرج العباد من عبادة العباد | 2456 استماع |
لقاء مع الشيخ المغامسي | 2437 استماع |