نهاية التاريخ [1-2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة الكرام: يقول الله جل وعلا: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1]العالم اليوم يشهد تغيرات كثيرة، وإننا ننظر اليوم إلى من حولنا فنرى بعض الأمور التي نستنكرها، والتي لم نكن نراها من قبل، بل القارئ منا والمتصفح لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الناس اليوم يرتقبون نهاية التاريخ وتوقف الزمان، ونهاية هذا العالم، بل لم يجتمع المسلمون والنصارى واليهود على شيءٍ مثلما اجتمعوا اليوم على أن الساعة قد اقتربت، وأن العالم سينتهي، وأن التاريخ يوشك على أن يتوقف، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5].

لقد اقتربت الساعة منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم، واقتربت الدنيا من نهايتها.

وقد بعث الله عز وجل إلى هذه الأرض أنبياء ومرسلين بالألوف، من آدم عليه السلام أول نبي، ونوح عليه السلام أول رسول وجعل آخر الأنبياء والمرسلين الذي به يختم وتختم الأمم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

فنحن جئنا -أصلاً- في نهاية الدنيا، وفي نهاية الزمان. وقد مضى على بعثة النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من ألف وأربعمائة عام، ماذا نقول نحن في هذه الأيام؟ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1].

وسوف أذكر لكم في حديثي هذا بعض العلامات التي تدل على أن الساعة قد أوشكت على القيام، وأن التاريخ قد أوشك على الانتهاء، وأن الزمن قد أوشك أن يقف.

سوف أذكر لكم علامات وعلامات وأدع بعضها اختصاراً للوقت، ولكن العجيب ليس هذا، لكن العجيب حال الناس اليوم، قال الشاعر:

إلى الله تب قبل انقضا زمن العمر     أخي ولا تأمن مساورة الدهر

لقد حدثتك الحادثات نزولهـا     أخي ولا تأمن مساورة الدهر

تنوح وتبكي للأحبة أن مضوا     ونفسك لا تبكي وأنت على الإثر

اعلم -يا عبد الله!- أن الدنيا قد اقتربت من زوالها ونهايتها، فماذا فعلت؟ وماذا قدمت؟

سوف أذكر لك علامات إياك أن تمرن عليك هذه العلامات هكذا، كأنك لا تسمع شيئاً، وكأنك لا تنتبه لها، هذه العلامات التي سوف أذكرها هذه الساعة اعلم -يا عبد الله- أنها خرجت من نبيٍ صادق صدوق قال الله عز وجل فيه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

واعلم -يا عبد الله!- أننا ربما ندرك العلامات الكبرى؛ لأن هناك علامات للساعة صغرى، وهناك علامات كبرى هي في نهاية العالم، وفي الزمن الأخير وفي اللحظات الأخيرة سوف تكون العلامات الكبرى، ولكن ربما نراها وربما لا نراها، لكن إن مات الإنسان فقد قامت قيامته أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56].

تعرف -يا عبد الله!- لما أقول لك: علامات الساعة .. علامات الطامة الكبرى .. علامات وقوع الصاخة والقارعة .. علامات يوم الحسرة .. يوم مقداره خمسون ألف سنة .. علامات يوم التغابن .. علامات يوم القارعة .. يوم الصاخة .. الطامة .. الواقعة .. الحاقة .. كل هذه الأسماء التي سمعتها وسمعت أوصافها يومٌ تتشقق فيه السماء، وتتزلزل فيه الأرض، وتدك فيه الجبال، وتحترق فيه البحار، هذه علاماتها يا عبد الله! لا تظن أن الأمر هين، وأن القضية سهلة، وأننا سنموت وينتهي الأمر، يا ليت الأمر يقف عند موتنا.

يوم القيامة لو علمت بهوله     لفررت من أهل ومن أوطان

يوم تشققت السماء لهوله     وتشيب منه مفارق الولدان

يوم عبوس قمطرير شره     في الخلق منتشر عظيم الشان

ها هي الدنيا قد أدبرت، وها هي أيامها الأخيرة، وها نحن نعيش الآن في الزمن الأخير، ولعلنا ندرك فيه العلامات الكبرى، وأشراط الساعة الكبرى.

واعلم -يا أخي الكريم- أنني أحدثك من هذا المكان محذراً، ومنذراً؛ لأن هناك بعض العلامات إذا وقعت لا تنفع معها توبة، مهما صنعت، هناك بعض علامات الساعة إذا وقعت وجاءت والله لو بكيت دماً، ولو ظللت طوال يومك وليلتك تبكي وتتوب وتستغفر وتخر راكعاً وساجداً لله عز وجل فإن الله عز وجل لا يقبل توبة تائبٍ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].

لهذا أذكرك بهذه العلامات، وأنا أرجو أن تنتبه، وكل علامة وكل حادثة سوف أذكرها قربتنا أكثر إلى هذا اليوم العظيم، أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6].

بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

أتعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث كما قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وفرق بين السبابة والوسطى.

وقال: (بعثت في نسم الساعة) أول الريح قبل أن تأتي الريح يسمى نسيماً، يأتي هبوب خفيف قبل أن تأتي الريح، هذا النسم أو النسيم هو بداية الريح، فكأن بداية الساعة بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.

بل أخبر بعض الصحابة أنه إذا حصلت أمورٌ ستة، ووقعت فاعددها ثم انتظر الساعة، منها: قال: (موتي) موت النبي عليه الصلاة والسلام الذي به أظلمت المدينة .. الذي به أنكر الناس قلوبهم .. الذي بعده صار الناس كالشاة في ليلة مطيرة .. الذي به ضج الناس وحزنوا، وأعظم مصيبة مرت على وجه الأرض هي موته عليه الصلاة والسلام: أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

نعم. مات النبي عليه الصلاة والسلام لكنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ما ترك خيراً إلا وأمرنا به، ولا شراً إلا نهانا عنه عليه الصلاة والسلام، وأخبر الصحابة عن الست التي تقع قبل قيام الساعة: (ثم فتح بيت المقدس ) وقد فتح في عهد عمر بن الخطاب ، وانظروا كم بيننا وبين عهد عمر ، وأخبر عن الطاعون: (ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم) ومات كثير من الصحابة في ذلك الطاعون، وقد أخبر به عليه الصلاة والسلام، وأخبر أن هذا علامة من علامات قرب الساعة.

ظهور الفتن

وأخبر أنه ستكون هناك فتن، ألا ترون الفتن يا عباد الله؟! ألا تخرجون إلى الشوارع؟! ألا تقرءون الجرائد؟! ألا تسمعون الأخبار؟! (فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً) في الصباح كانت عقيدته سليمة، وكان مؤمناً، ولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين، لكنه يمسي كافراً، ولاؤه لغير الله، وحبه لغير المؤمنين، وعقيدته غير الإسلام، ألا ترونهم وتسمعون بهم؟ (يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل).

هذه كلها علامات من علامات انتهاء هذه الدنيا وخرابها وزوالها ونهايتها.

قام النبي عليه الصلاة والسلام يوماً من الأيام من نومه فزعاً فقال: (سبحان الله! ماذا أنزل الله من الفتن، ثم قال عليه الصلاة والسلام: من يوقظ صواحب الحجرات كي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:1-2].

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (سوف تأتي فتن يرقق بعضها بعضا) كلما جاءت فتنة أنستنا ما قبلها، فُتن المسلمون في الأندلس ، حيث قتلوا على أيدي الصليبيين الحاقدين، وضاعت حضارة بكاملها، وأصبنا بحزن وبغم وهم شديدين ثم مرت السنون، فإذا بها تجيء فتنة أخرى فتنسينا ما قبلها، حتى في هذا الزمن، في الزمن المعاصر المتلاحق المتسارع، وأنتم تذكرون هذه الفتن.

أتذكرون حرب الشيوعيين الملحدين لإخواننا المسلمين في أفغانستان ؟ كم قتلوا؟! كم سفكوا من الدماء؟! كم جرحوا؟! كم اغتصبوا؟! كم سلبوا من الأموال؟! وهبَّ المسلمون لنجدتهم، لم تكن مصيبة مثلها، لكن تمر الأيام وننسى، نسينا في حادثة أفغانستان ما قبلها من احتلال المسجد الأقصى، وقتل المسلمين في فلسطين، وحرق المسجد الأقصى.

مصيبتنا أن الفتنة ترقق ما قبلها، وتنسينا ما قبلها، بل ما بعد أفغانستان أتذكرون يوم ذبح وقتل المسلمون في البوسنة، وذبح الناس كالشياه حتى كانوا جثثاً منتاثرة وأشلاء في الشوارع والطرقات، وسالت الدماء من الأطفال والنساء، واغتصب الفتيات على أيدي الصليبيين الحاقدين، ولكننا نسينا وسرعان ما ننسى.

جاءت الشيشان ، وكل الدول والشعوب والجمهوريات استقلوا عن الدولة الشيوعية الماركسية الحاقدة، ولما أراد المسلمون هذا قُتلوا وسُفكت دماؤهم، واغتصبت نساؤهم، وتيتم أطفالهم وإلى اليوم يسامون الهوان، لكن:

رب وامعتصماه انطلقت     ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعنا لكنها     لم تلامس نخوة المعتصم

وبعد الشيشان هكذا ننسى الحروب واحدة بعد الأخرى، ننسى مآسينا، مأساة بعد أخرى، جاءت أفغانستان لتسام الهوان مرة أخرى فسفكت فيها الدماء، قرية بأجمعها (300) طفل وامرأة وشيخ ورجل قتلوا في لحظة واحدة، صواريخ لا تبقي ولا تذر، فإذا بها تحرق الناس في بيوتهم، وتقتلهم في منازلهم، وتحرق البيوت والمساجد على رءوس أهلها، مسلمون يصلون التراويح تنزل الصواريخ على رءوسهم فتجعلهم رماداً يباباً، لكننا سرعان ما نسينا، فتن كقطع الليل المظلم.

وها نحن الآن نرى إخواننا المسلمين في العراق بين طفلٍ وامرأة وشيخ ينامون تحت الأرض في الخنادق ولكنه قبرهم، احترق الأطفال .. قطعت الجثث .. شوه الناس .. أحرقت المصاحف .. هدمت المساجد .. فتن يرقق بعضها بعضا، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف: (يأتي يوم يكثر فيه الهرج -يعني: القتل- فلا يعرف القاتل لم قُتل، ولا يعرف المقتول لم قتل، حتى إن الرجل ليمر على القبر فيتمرغ فيه، فيقول: يا ليتني كنت مكانك) ماذا نفعل إذاً؟

يقول عليه الصلاة والسلام في هذه الفتن: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر) .. يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187] استعد يا عبد الله! فالهرج كثير، والقتل كثير، والفتن عظيمة.

يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على جمر، للصابر على دينه أجر خمسين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام .. أكثر من العبادة .. أكثر من قراءة القرآن .. أكثر من الذكر .. من طلب العلم .. من الدعوة إلى الله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم -وهو في المدينة - أن هذه الفتن ستكون من قبل المشرق.

خروج نار من أرض الحجاز

أيضاً من العلامات التي تدل على أن الساعة قد اقتربت: أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها ستخرج نار عظيمة من الحجاز، فقال: (لن تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل بـبصرى ) يعني أهل الشام يرون هذه النار وهي تخرج من الحجاز عند المدينة! وهذه أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام في حياته.

فهل هذا حصل أو أنه سيحصل؟ هل سننتظر هذا اليوم أو أنه قد أتى؟

في القرن السابع الهجري قبل تقريباً أكثر من (700) عام خرجت هذه النار، ووقعت وكان بعض أهل العلم قد عاصر هذه الأيام، خرجت نار عند المدينة، وسبقت هذه النار زلازل، ارتجف فيها الأرض وخاف الناس: ما هذا الزلزال؟ وخرجت أصوات لا يعرف الناس ما سببها، ينظرون إلى الأرض ترجف تحتهم أياماً، قيل: سبعة أيام والأرض تتزلزل من تحتهم.

ثم فجأة تخرج النار عندهم في الحجاز وهم في المدينة يرونها، والنار بالقرب من المدينة تخرج من الأرض، ثم ترتفع ثم تسير في الأرض كالأنهار، نار وحمم وجحيم، تخرج النار من الأرض والناس يتذكرون هذا الحديث، وعلموا أن الساعة قد اقتربت، فذهب أهل العلم إلى الأمراء والحاكم ينصحونه في الله، ويذكرونه ويأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، وإذا بالناس يبكون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تجمع الأولاد والنساء والشيوخ والرجال في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام حتى الأمراء والحكام، حتى الأغنياء كل الناس قد تجمعوا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بين تائب وعابد ومصلٍ وخاشع وذاكر وساجد، أرجعوا للناس مظالمهم وتحللوا من المظالم، أرجعوا للناس حقوقهم، وتابوا إلى الله جل وعلا، حتى إن أحد العلماء كتب شعراً يصف فيه حال المسلمين، يقول:

يا كاشف الضر صفحاً عن جرائمنا     لقد أحاطت بنا يا رب بأساء

نشكو إليك خطوباً لا نطيق لها     حملاً ونحن بها حقاً أحقاء

زلازل تخشع الصم الصلاب لها     وكيف يقوى على الزلزال شماء

أقام سبعاً يرج الأرض فانصدعت     عن منظر منه عين الشمس عشواء

بحر من النار تجري فوقـه سفن     من الهضاب لها في الأرض أرساء

كأنما فوقه الأجبال طافية     موج عليه لفرط الوهج وعثاء

ترمي لها شرر كالقصر طائشة     كأنها دمة تنصب هطلاء

تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت     رعباً وترعد مثل السعف أضواء

(لن تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل بـبصرى ) وهذا حصل -يا عبد الله!- قبل أكثر من سبعمائة عام، ماذا ستصنع الآن؟ ماذا ستفعل الآن يا عبد الله؟ أنت الآن ترى أن العلامات كثيرٌ منها قد ظهر، وكثير منها قد انقضى.

يا عبد الله: إن كنت قد فرطت في الصلاة فاستعد من الآن، واجتهد من الآن، إن كنت قد هجرت القرآن فابدأ بتلاوته فإن الساعة قد اقتربت، إن كنت ممن لا يزال مصراً على بعض الذنوب والمعاصي فنصيحتي لله -إي وربي! أنصحك لله جل وعلا- من الآن تب منها، تذكر ذنوبك، تذكر بعض المعاصي، تذكر بعض الآثام التي تصر عليها وقل لنفسك: ماذا تنتظرين؟ وماذا ترقبين؟ هل تنتظرين أن تقوم الساعة على رأسك لتتوبي، فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ [محمد:18].

ألا ترى ما حولك من علامات الساعة يا عبد الله؟

ضياع الأمانة

ضياع الأمانة، (يأتي على الناس سنون خداعة) والله أنا أجزم وأنا على يقين أن هذا الزمن هو الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، كيف لا والخداع نراه حولنا في كل مكان؟! الكاذب صار صادقاً، والصادق صار كاذباً.

انظر في الإعلام: بدأنا لا نثق في أحد من الناس، يصورون لك صوراً وهي كاذبة، وترى بأم عينيك رجلاً هو كاذب، لم يكن هذا هو الرجل، سبحان ربي! (يأتي على الناس سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن).

ألا ترى -يا عبد الله!- ما الذي يحصل اليوم؟ كل ما تراه من حولك كثير منه علامات، وأمارات، وأشراط، تدل على أن الساعة قد آذنت بالقدوم، وأن هذه الدنيا قد أوشكت على الزوال.

وقد أخبر النبي أنه سيظهر ثلاثون مدعياً للنبوة، كلهم يزعم أنه رسول الله، وظهر منهم كثيرون.

ارتداد بعض المسلمين عن دينهم

هذه الأمة بعد أن دخلت في الدين أفواجاً أخبر النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً: (إن الساعة لن تقوم حتى تلحق فئام من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام، لحق كثيرٌ من هذه الأمة، بل ومن العرب، بل ومن أهل الجزيرة العربية مهبط الوحي -بالمشركين، وانتسبوا إلى الشيوعية ، واعتنقوا الليبرالية، وإذا بهم يدعون إلى العلمانية ، لحقوا بالمشركين، بل عبد كثير منهم الأوثان وعبدوا الأصنام، وعبدوا القبور، وعبدوا الأحجار، وعبدوا الخيوط، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

بل حدد النبي عليه الصلاة والسلام -انظر التفصيل!- أنكم سوف تتبعون اليهود والنصارى، وتحذون حذوهم، وتقتدون بهم، قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قال الصحابة: اليهود والنصارى؟! قال: فمن؟!) يعني: من غيرهم آخر الزمان تتبعونهم، وتحذون حذوهم، وتقتدون بهم، وتتمسكون بهديهم؟! وقد حصل ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام.

قبض العلم

أخبر أنه سوف يأتي يوم يقبض فيه العلم، كيف يقبض العلم؟ يقبض العلم بقبض العلماء، بل سوف ينتشر الجهل بين الناس كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من أشراط الساعة: (أن يرفع العلم ويثبت الجهل).

وأخبر أن الأمر سوف يزداد ويدرس الإسلام كما يدرس الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا صدقة، فيصبح الناس لا يعرفون شيئاً، لا يعرفون شيئاً عن الصلاة، ولا عن الصيام، ولا عن الصدقات، قال: (ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى منه في الأرض آية).

لا إله إلا الله! يا عبد الله! أدرك أمرك، يا عبد الله! تدارك الأمر، عليك بالقراءة، عليك بالمدارسة لكتاب الله جل وعلا الذي يثبت أهل الإيمان، سوف يأتي يوم يقبض فيه هذا الكتاب من الأرض، بل سوف يأتي يوم على الناس لا يعرفون حتى كلمة: (الله) بل بعضهم يقولون: لا إله إلا الله ولا يعرفون معناها، يقول: أدركنا آباءنا يقولون: لا إله إلا الله. لا يعرفون حتى معناها، وصار في الأرض اليوم بعض القبائل التي تنتسب إلى الإسلام لا تعرف من الإسلام إلا كلمة لا إله إلا الله! لا يعرفون حتى معناها، ولا شروطها، ولا مقصدها.

يا عبد الله: ماذا تنتظر؟ يا عبد الله! ماذا ستفعل الآن وقد علمت أن العلامات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها قد ظهر، بل إني أظن أن العلامات الصغرى كلها قد ظهرت، وربما البقية الباقية النادرة لن تظهر إلا مع الكبرى، والعلم عند الله جل وعلا، هل تطمع بعد هذا في الحياة؟

إن كنت تطمع في الحياة فهات     كم من أب صار في الأموات

ما أقرب الشيء الجديد من البلى     يوماً وأسرع كل ما هو آت

الليل يعمل والنهار ونحن عن     ما يعملان بأغفل الغفلات

يا ذا الذي اتخذ الزمـان مطيةً     وخطى الزمان كثيرة العثرات

ما ذا تقول وليس عندك حجة     لو قد أتاك منغص اللذات

كثرة الشُرط الذين يخدمون الظالمين

سوف يأتي على الناس زمان تكثر فيه الشُرط، العساكر الذين يخدمون الظالمين، جيوش وشُرط وعساكر يكونون أعواناً للطغاة وللظالمين، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن معهم سياطاً كأذناب البقر، وهذا قد وقع قبل قرون، وأخبر العلماء أنه جاء شُرط أعوان للظالمين والطغاة وكان معهم سياط يضربون بها الناس، قال عليه الصلاة والسلام: (سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله) فإياك أن تكون من بطانتهم!

هؤلاء صنف منهم يمسكون هذه الأسواط، ولكن ربما اليوم أعوان الظالمين والطغاة يحملون السلاح، ويركبون المدرعات، وربما عندهم بعض الدروع، والعصي، وعندهم ما يكهرب الناس، والأسلحة، وعندهم القنابل المسيلة للدموع، وعندهم وعندهم... لكن إياك أن تكون من بطانتهم إن كانوا من الظالمين، إن كانوا مع الطغاة يا عبد الله! (صنفان من أهل الناس لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها عباد الله).

انتشار الزنا

من علامات الساعة التي وقعت -وخاصةً إن وقعت في بلاد المسلمين فاعلم أن الأمر قد اقترب- انتشار الزنا، هل يوجد اليوم في بلاد المسلمين زنا؟ هل انتشر الزنا؟

أنا أخبرك من على هذا المنبر أن الزنا في بعض بلاد المسلمين يصرح له بالأوراق الرسمية، مصرح له بالقانون، فلانة وظيفتها: زانية .. مومس .. عاهرة .. وبيوت يمنع الناس عنها فالقانون يحميها، وهي بيوت خصصت للزنا.

بل الربا انتشر في كل مكان، ليس فقط الربا، فالذي لم يأكل الربا حقيقة أصابه من غباره، بل يأتي على الناس زمان كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام لا يبالي المرء من أين أخذ المال: أمن حلال أم من حرام. فتجده يقول: يا شيخ! كل الناس يأكلون الربا، فهل أتركه أنا فقط، كل الناس مثلي، وبدأ الربا ينتشر في أفضل البلاد، وانتشر الربا، بل علا بنيانهم في السماء يحاربون به دين الله عز وجل.

وانتشار الزنا يقول النبي عليه الصلاة والسلام عنه: (خيارهم يومئذٍ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط) يعني: يفترشها في الطريق، ويزني بها أمام الناس، وأفضل الناس من يقول له: اختبئ بها وراء هذا الحائط .. لا تزن بها أمام الناس، مع أن الرب جل وعلا يقول: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]، بل يروى في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لتؤخذن المرأة فليبقرن بطنها -اسمع للحديث وانتبه- قال: فليبقرن بطنها -يعني: بطنها يشق- ثم ليؤخذن ما في الرحم فلينبذن ... ) أي: يخرج الجنين ويرمى من بطنها، لماذا؟ (... مخافة الولد) تجهض المرأة إجهاضاً، يشق البطن سواءً من قبل الرحم أو غيره ثم يخرج الولد فيرمى، أي: سيأتي اليوم الذي تجهض فيه المرأة طفلها وابنها وولدها وتلقيه وترميه وربما تقتله وتدفنه، لمه؟ قال: (مخافة الولد) إنا لله وإنا إليه راجعون!!

ظهور المعازف والقينات وشرب الخمور

هل سمعت في بلاد المسلمين أغاني ومعازف وموسيقى؟ أنا أقول: بدأنا نسمع هذا حتى في المساجد، وأصبحت الهواتف المحمولة اليوم تدخل الموسيقى والمعازف حتى في الحرم.

هل سمعت في بلاد المسلمين بمغنيات؟

إذا سمعت بهذا فانتظر الساعة، أنا أقول: إن المغنيات وصلن إلى كل بيت اليوم إلا ما ندر، بشاشات التلفاز وصلن إلى جميع البيوت، إلى غرف النوم، على صفحات الجرائد والمجلات وفي الطرقات، بل صارت الأموال والكرامة والشرف والعز والرفعة للمغنيات الساقطات، يقول عليه الصلاة والسلام: (سيكون في آخر الزمان -يعني: آخر شيء قبل أن تقوم الساعة- خسف وقذف ومسخ، قالوا: متى يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقينات) إنا لله وإنا إله راجعون.

هل شُرب الخمر في بلاد المسلمين؟ فكر وابحث فيمن حولك، ليس الخمر فقط، بل الآن المخدرات تنتشر حتى في جزيرة العرب ، هذه الأمور يا عبد الله! اعلم أنها من الخبث الذي يؤذن بزوال الأرض ونهايتها، وإهلاك الناس ولو كان فيهم الصالحون.

الساعة قد اقتربت فماذا أنت صانع؟ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً [المعارج:6-7] الله يقول: الساعة قريبة، والناس يظنونها بعيدة، هل فكرت؟ هل استعد الواحد منا؟ هل تجهز لهذا اليوم؟ يا أخي كلما قرأت لك علامة من علامات آخر الزمان نجدها وقعت، ولأستمر معك إذا كنت لم تقتنع أن الساعة قد أوشكت، وأننا ربما نرى نهاية الدنيا ونهاية التاريخ فاسمع ما سأقول لك.

التباهي بزخرفة المساجد وتطاول الناس في البنيان

حتى المساجد لم تسلم، الناس بدءوا يزخرفون المساجد، ويباهي بعضهم بعضاً بها، وكل منهم يجمل مسجده بالزخرفة والألوان والبنيان، (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام.

تطاول الناس في البنيان وزخرفوه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يشبهونها بالمراحل) وتأتي بعض الروايات لتوضح معاني بعض الأحاديث: أنها تكون كالثياب المنقوشة، ألا ترى البيوت؟ إي والله كألوان الثياب صفراء وحمراء وخضراء وزرقاء، بل صارت البيوت الآن جميلة وزخرفتها بديعة، كل هذا علامةٌ من علامات الساعة.

تطاول الناس في البنيان

تطاول الناس في البنيان وزخرفوا البنيان، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يشبهونها بالمراحل) وتأتي بعض الروايات توضح معاني بعض الأحاديث: أنها تكون كالثياب المنقوشة، ألا ترى البيوت؟ إي والله كألوان الثياب صفراء وحمراء وخضراء وزرقاء، بل صارت البيوت الآن جميلة وزخرفتها بديعة، كل هذا علامةٌ من علامات الساعة.

كثرة الهرج .. وتقارب الزمان

كثرة الهرج، أي: القتل، ألا ترى اليوم هذه الأسلحة التي ألقيت على المسلمين في كل مكان، أسلحة فتاكة، بدقائق معدودة تقتل مئات الألوف من البشر، هذا كله -يا عبد الله!- علامةٌ على نهاية التاريخ، وعلى زوال هذه الدنيا.

ألا ترى ما الذي يحصل، السنة كأنها شهر، ألا تذكر العام الماضي؟ من العام الماضي إلى اليوم كأنه شهر واحد، سبحان ربي! كم مضى من رمضان إلى اليوم؟ كأنه بالأمس، ما الذي يحصل؟ يبدأ الشهر فينتهي كأنه أسبوع، اليوم أنت لا تستيقظ في الصباح إلا ويحل عليك الليل وينتهي اليوم، ما الذي يحدث؟ إنها نهاية الدنيا، (يتقارب الزمان فتصبح السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كيوم، واليوم كساعة، والساعة كحرق السعفة) فاستعد يا عبد الله!

تقارب الأسواق .. وعلامات أخرى

ومن علاماتها قبل أن تقوم الساعة: تتقارب الأسواق، اليوم تستطيع وأنت في بيتك من خلال جهاز الكمبيوتر أن تشتري وتبيع في العالم كله فقد صار العالم كأنه سوق واحد.

الفحش، والقطيعة، وعقوق الوالدين، وسوء الجوار، كل هذا من علامات الساعة.

أن يتشبب المشيخة، الشيوخ وكبار السن، كل منهم الآن يريد أن يرجع إلى الصبا، يريد أن يرجع إلى الشباب، وحمى الرجوع إلى الشباب انتشرت بين الرجال والشيوخ وكبار السن، بل صار الناس يبحثون عن صبغ اللحى بالسواد، بل حلقوا اللحى وصارت اللحية كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كحواصل الحمام) وهذا في آخر الزمان يكون، ما معنى: حواصل الحمام؟ هذه اللحية البسيطة التي تكون تحت الفم، يحلق العارضان ولا يبقى إلا شيء يسير تحت الشفتين، هذا الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام قد وقع.

ذهاب الخشوع .. وكثرة موت الفجأة

(يذهب الخشوع آخر الزمان، ويكثر موت الفجأة) أتسمع بموت الفجأة؟ فلان وهو جالس مات، فلان وهو يلعب سقط ومات، فلان فحصه الطبيب فقال: أنت سليم (100%) ذهب إلى بيته فمات، سبحان ربي! الموت كثر، موت الفجأة قد انتشر، صار الناس يموتون بلا سبب، احتار الأطباء، يقولون: لماذا؟ وكيف مات؟ لا ندري له سبباً، لا نعرف كيف مات، ما الذي يجري؟ ما الذي يحدث؟ عبد الله! انتبه حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100] كثر الموت وقل التائبون، وقل النادمون، كن -يا عبد الله!- مستعداً، فإننا نعيش في زمان يموت فيه الناس بلا سبب وبلا مقدمات.

كثرة الزلازل

من علامات قرب الساعة ونهاية الدنيا: كثرة الزلازل.

والحاصل أن الزلازل تكثر، وما نراه اليوم ونسمعه من زلزال كل فترة وكل زمن، هذا كله علامات على قرب الساعة، بل سيقع بين يدي الساعة مسخٌ وقذفٌ وخسفٌ، وقد قال أهل العلم: إن هذا قد وقع في كثير من البلاد، خسف في الأرض، وربما القذف ما نراه اليوم، وربما يكون المسخ معنوياً أو حقيقياً.

قبض العلماء والصالحين

ثم اعلم يا عبد الله! أنه كلما اقتربت الساعة قبض الله عز وجل الصالحين: يقبض الله العلماء، ويقبض الله الدعاة، ويقبض الله الصالحين، حتى تبقى حثالة، وتبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، بل يصبح الرويبضة يتكلم في الناس، ويقودهم ويسير أمورهم، (قالوا: ومن الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة) رجل تافه، رجل سفيه يقود الناس ويتكلم في أمورهم وفي شئونهم.

يأتي على الناس زمان لا يسلم إلا على من يعرف، أما الذين لا يعرفهم فلا يسلم عليهم، فاحرص -يا عبد الله!- أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف.

ظهور الكاسيات العاريات

أن يظهر في الناس الكاسيات العاريات، فهل هذا وقع؟ هل ظهرت في بلادٍ إسلامية متبرجات؟ هل خرجت النساء كاسيات عاريات، رءوسهن كأسنمة البخت؟ فكر في هذا يا عبد الله! وكن صادقاً مع نفسك، واعلم أن الله جل وعلا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ببعض هذه العلامات لينتبه الناس، وليحذروا من هذه الأمور، بل أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه سيكون في آخر الزمان، يعني: في آخر أمته: (رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال) أي: يركبون على دواب تشبه دوابنا لكن ليست مثل دوابنا، ليست إبلاً، أو خيولاً، أو بغالاً، هم يركبون لكن على رحال تشبه رحالنا، على المياثر، يعني: يركبون على أشياء كأنها منازل، كأنها بيوت، ألا يوحي لك هذا بشيء يا عبد الله؟

وأخبر النبي أنه (لتتركن القلاص) في آخر الزمان هذه الإبل والدواب يتركها الناس، طبعاً يتركونها لأي شيء يا عبد الله؟

قال: (وينـزلون -هؤلاء الرجال- على أبواب المساجد -أي: يدخلون المسجد- قال: نساؤهم كاسيات عاريات).

عبد الله: انتبه فنحن في آخر الزمان.

عبد الله: تجهز فنحن نوشك أن نرى قيام الساعة.

عبد الله: استعد وتب إلى الله جل وعلا. (لا تكاد رؤيا المؤمن في آخر الزمان تكذب) رؤيا المؤمن في آخر الزمان تصدق، وبين يدي الساعة ظهور القلم، كل الناس يكتبون، بل الطباعة قد انتشرت، والناس تكتب، الشيء الآن في بلدك وينتشر في الأرض جميعاً.

كثرة النساء وقلة الرجال

وفي آخر الزمان تكثر النساء ويقل الرجال، وذلك بسبب الحروب كما قالوا، وبسبب القتل وسفك الدماء وقتل الرجال، فيكثر النساء حتى يبقى للخمسين امرأة القيم الواحد.

وهذا حذيفة رضي الله عنه كان بظهر الكوفة، وكان يمشي في ومعه رجل، فالتفت إلى جانب الفرات، وقد كان بجواره، فقال لصاحبه: [كيف أنتم يوم تراهم يخرجون منها؟ -أي: أهل العراق يخرجون من العراق أو يخرجون منها، ويجبرون على الخروج منها- لا يذوقون منها قطرة -لا يستطيعون حتى الشرب من هذه الماء- قال الرجل: وتظن ذلك يا أبا عبد الله ؟ -تظن هذا سيحصل؟- قال: ما أظنه لكنني أعلمه] أي: سوف يأتي هذا اليوم، وسوف تحاصر هذه البلاد، بل سوف تقذف من السماء. فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن مدينة تسمى البصرة وما أدرى النبي صلى الله عليه وسلم عن البصرة ؟ أخبر أنه سيكون في آخر الزمان فيها خسف وقذف، وسوف ترمى من السماء، بأي شيء ستقذف؟ العلم عند الله، ولا أظنك -يا عبد الله!- غافلاً عما يحصل، تقول لي بعد هذا: لم الناس لا ينتبهون؟ لم الناس لا يستعدون؟ أقول لك: غفلة وأية غفلة، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:1-2].

انحسار نهر الفرات عن جبل من ذهب

سمعت في الأخبار ورأيت برنامجاً أن الناس في نهر الفرات بدءوا يبحثون عن الذهب، وبدءوا يجدون فيه ذهباً كثيراً، ينتشر الذهب في نهر الفرات اليوم، وأنا أحدثك في هذه الساعة -ونحن الآن في عام 1424هـ- بأن الناس بدءوا يجدون ذهباً في نهر الفرات، وقرأنا تقارير كثيرة أن الفرات بدأ يتناقص، وبدأ يقل، فاسمع الحديث الصحيح: يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب).

لا إله إلا الله! عبد الله! انتبه فنحن ربما نرى علامات الساعة الكبرى، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من رؤية الدجال، وقال: إذا رأيتم الدجال فافعلوا كذا وكذا، ماذا نقول نحن اليوم بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام؟

عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً

ستعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وسوف يخرج في هذه الجزيرة كنـز، ولا أظن العالم اليوم إلا يتصارع على كنـزنا وخيراتنا، قال عليه الصلاة والسلام: (أعطيت مفاتيح خزائن الأرض) ما الذي كان في أرض المدينة ؟ ما الذي كان يتكلم عنه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأرض العربية، وفي هذه الجزيرة المباركة، في مهبط الوحي؟ ماذا كان يقصد النبي صلى الله عليه وسلم؟ مما خزن في الأرض وفي باطنها.

عبد الله: أظنك الآن تعلم وقد رأيت هذا بأم عينيك، العالم كله يتقاتل على خزائن أرضنا، وعلى كنوزنا، يقول عليه الصلاة والسلام: (لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً).

أخي الكريم: اسمع هذا الحديث، وقبل أن أذكر لك هذا الحديث، هل رأيت في مكة المكرمة بعض الأنفاق؟ هل رأيت في مكة أنفاقا

أتعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث كما قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وفرق بين السبابة والوسطى.

وقال: (بعثت في نسم الساعة) أول الريح قبل أن تأتي الريح يسمى نسيماً، يأتي هبوب خفيف قبل أن تأتي الريح، هذا النسم أو النسيم هو بداية الريح، فكأن بداية الساعة بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.

بل أخبر بعض الصحابة أنه إذا حصلت أمورٌ ستة، ووقعت فاعددها ثم انتظر الساعة، منها: قال: (موتي) موت النبي عليه الصلاة والسلام الذي به أظلمت المدينة .. الذي به أنكر الناس قلوبهم .. الذي بعده صار الناس كالشاة في ليلة مطيرة .. الذي به ضج الناس وحزنوا، وأعظم مصيبة مرت على وجه الأرض هي موته عليه الصلاة والسلام: أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

نعم. مات النبي عليه الصلاة والسلام لكنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ما ترك خيراً إلا وأمرنا به، ولا شراً إلا نهانا عنه عليه الصلاة والسلام، وأخبر الصحابة عن الست التي تقع قبل قيام الساعة: (ثم فتح بيت المقدس ) وقد فتح في عهد عمر بن الخطاب ، وانظروا كم بيننا وبين عهد عمر ، وأخبر عن الطاعون: (ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم) ومات كثير من الصحابة في ذلك الطاعون، وقد أخبر به عليه الصلاة والسلام، وأخبر أن هذا علامة من علامات قرب الساعة.

وأخبر أنه ستكون هناك فتن، ألا ترون الفتن يا عباد الله؟! ألا تخرجون إلى الشوارع؟! ألا تقرءون الجرائد؟! ألا تسمعون الأخبار؟! (فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً) في الصباح كانت عقيدته سليمة، وكان مؤمناً، ولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين، لكنه يمسي كافراً، ولاؤه لغير الله، وحبه لغير المؤمنين، وعقيدته غير الإسلام، ألا ترونهم وتسمعون بهم؟ (يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل).

هذه كلها علامات من علامات انتهاء هذه الدنيا وخرابها وزوالها ونهايتها.

قام النبي عليه الصلاة والسلام يوماً من الأيام من نومه فزعاً فقال: (سبحان الله! ماذا أنزل الله من الفتن، ثم قال عليه الصلاة والسلام: من يوقظ صواحب الحجرات كي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:1-2].

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (سوف تأتي فتن يرقق بعضها بعضا) كلما جاءت فتنة أنستنا ما قبلها، فُتن المسلمون في الأندلس ، حيث قتلوا على أيدي الصليبيين الحاقدين، وضاعت حضارة بكاملها، وأصبنا بحزن وبغم وهم شديدين ثم مرت السنون، فإذا بها تجيء فتنة أخرى فتنسينا ما قبلها، حتى في هذا الزمن، في الزمن المعاصر المتلاحق المتسارع، وأنتم تذكرون هذه الفتن.

أتذكرون حرب الشيوعيين الملحدين لإخواننا المسلمين في أفغانستان ؟ كم قتلوا؟! كم سفكوا من الدماء؟! كم جرحوا؟! كم اغتصبوا؟! كم سلبوا من الأموال؟! وهبَّ المسلمون لنجدتهم، لم تكن مصيبة مثلها، لكن تمر الأيام وننسى، نسينا في حادثة أفغانستان ما قبلها من احتلال المسجد الأقصى، وقتل المسلمين في فلسطين، وحرق المسجد الأقصى.

مصيبتنا أن الفتنة ترقق ما قبلها، وتنسينا ما قبلها، بل ما بعد أفغانستان أتذكرون يوم ذبح وقتل المسلمون في البوسنة، وذبح الناس كالشياه حتى كانوا جثثاً منتاثرة وأشلاء في الشوارع والطرقات، وسالت الدماء من الأطفال والنساء، واغتصب الفتيات على أيدي الصليبيين الحاقدين، ولكننا نسينا وسرعان ما ننسى.

جاءت الشيشان ، وكل الدول والشعوب والجمهوريات استقلوا عن الدولة الشيوعية الماركسية الحاقدة، ولما أراد المسلمون هذا قُتلوا وسُفكت دماؤهم، واغتصبت نساؤهم، وتيتم أطفالهم وإلى اليوم يسامون الهوان، لكن:

رب وامعتصماه انطلقت     ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعنا لكنها     لم تلامس نخوة المعتصم

وبعد الشيشان هكذا ننسى الحروب واحدة بعد الأخرى، ننسى مآسينا، مأساة بعد أخرى، جاءت أفغانستان لتسام الهوان مرة أخرى فسفكت فيها الدماء، قرية بأجمعها (300) طفل وامرأة وشيخ ورجل قتلوا في لحظة واحدة، صواريخ لا تبقي ولا تذر، فإذا بها تحرق الناس في بيوتهم، وتقتلهم في منازلهم، وتحرق البيوت والمساجد على رءوس أهلها، مسلمون يصلون التراويح تنزل الصواريخ على رءوسهم فتجعلهم رماداً يباباً، لكننا سرعان ما نسينا، فتن كقطع الليل المظلم.

وها نحن الآن نرى إخواننا المسلمين في العراق بين طفلٍ وامرأة وشيخ ينامون تحت الأرض في الخنادق ولكنه قبرهم، احترق الأطفال .. قطعت الجثث .. شوه الناس .. أحرقت المصاحف .. هدمت المساجد .. فتن يرقق بعضها بعضا، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف: (يأتي يوم يكثر فيه الهرج -يعني: القتل- فلا يعرف القاتل لم قُتل، ولا يعرف المقتول لم قتل، حتى إن الرجل ليمر على القبر فيتمرغ فيه، فيقول: يا ليتني كنت مكانك) ماذا نفعل إذاً؟

يقول عليه الصلاة والسلام في هذه الفتن: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر) .. يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187] استعد يا عبد الله! فالهرج كثير، والقتل كثير، والفتن عظيمة.

يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على جمر، للصابر على دينه أجر خمسين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام .. أكثر من العبادة .. أكثر من قراءة القرآن .. أكثر من الذكر .. من طلب العلم .. من الدعوة إلى الله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم -وهو في المدينة - أن هذه الفتن ستكون من قبل المشرق.