تفسير سورة الجاثية [24-28]


الحلقة مفرغة

المعنى الإجمالي للآية

قال تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24].

يخبر ربنا عن هؤلاء الذين كفرت بواطنهم قبل أن تكفر ظواهرهم، وكفرت ألسنتهم قبل أن تكفر حواسهم، حيث كفروا فلم يروا، وكفروا فلم يفقهوا، وكفروا فلم يسمعوا، واتخذوا الهوى إلهاً، ثم لم يكتفوا بالعمل فزادوا في القول طوام وبلاء فقالوا: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا [الجاثية:24].

قالوا: لا آخرة ولا بعث ولا نشور ولا حساب ولا عقاب.

وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] فليست الحياة في أنظارهم إلا الحياة الدنيا التي عاشوا فيها، فهذه الدنيا التي عاشوها فيها يحيون وفيها يموتون، ولا يكون الهلاك إلا بالأعمار وبالسنين، وبطول المقام في الدهر والعصر، فليس هناك آخرة ولا رسل ولا كتب.

وهذا الكفر هو كفر الشيوعيين اليوم، وهو دينهم الذي نشروه بين الناس كتباً ونظريات، وجعلوه كتباً هي برامج في التعليم وبرامج في التربية تزيدهم كفراً على كفر.

وهذا هو الكفر الذي يسمون أنفسهم به التقدميين، ويلمزون غيرهم بأنه المتأخر الرجعي الذي لا يأتي إلا بما طواه الدهر وأكل عليه وشرب، وها نحن نرى أن كفرهم هذا كان قديماً، كان منذ آلاف من السنين، فهم الذين رجعوا إلى الكفر الأول، فهم رجعيون؛ لقولهم: نحيا في هذا العصر ونموت في هذا العصر، ولا يهلكنا إلا طول الدهر وكثرة أيامه في الدنيا، أما أن يكون هناك حياة بعد الموت وآخرة وبعث ونشور فلا!

فهؤلاء رجعوا إلى المقالة القديمة الكافرة، فصاروا دهريين، كما قال الله عنهم: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] فجعلوا من الدهر إلهاً، وجعلوا هواهم إلهاً وعبدوه من دون الله، ونسبوا إلى الدهر الحياة والموت.

معنى قوله تعالى: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)

قال تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا [الجاثية:24] فليس هناك قضية ولا عمل إلا هذه الحياة التي نحياها نَمُوتُ وَنَحْيَا [الجاثية:24] يموت منا أقوام ويحيا منا أقوام، وقد رتبوا القول فقالوا: ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] وهكذا ظنوا، وهكذا وهموا.

والله لم يخلق السماوات والأرض إلا بالحق، وما خلق ذلك باطلاً.

قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا [ص:27] وقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]

فهيهات هيهات أن يكون هذا الهراء من القول ديناً، وأن يكون علماً، فقد قال هذا كفرة في جزيرة العرب، وكفرة في أرض الروم، وكفرة في مختلف بقاع الأرض، قالوه وقت أن قال هذا ربنا وأنزله على نبينا، ولا يزال ذلك مقولاً في أفواه قائلين به مستمسكين به، وهذا مذهب الفلاسفة الملحدين، ومذهب المعطّلين، ومذهب الشيوعيين، ودين الكفرة الذين لا يؤمنون بالله، فهم زعموا أن الحياة الدنيا هي الأولى الآخرة، وأنه لا شيء في الأرض إلا أن يحيوا ويموتوا، فيموت الآباء ويحيا الأبناء، ويذهب الأبناء ويأتي الأسباط، وهكذا سلسلة خلف سلسلة.

وهذا ما ورد في الصحيحين وفي السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار).

ومعنى ذلك أن الدهر الذي ينسبون إليه هذا العمل ليس بيده شيء، فالدهر: هو معنى غير محسوس، فهو سنون وأوقات تمضي وتتبعها أوقات، فكيف بهذا المعنى يحيي ويميت ويرزق ويعطي ويعز ويذل؟! ولذلك جعل الله من يقول: (يا خيبة الدهر) شاتماً لربه؛ لأن الدهر ليس بيده شيء، ولا يملك أخذاً ولا عطاء، ولا حساباً ولا نشوراً.

وسب الدهر كثيراً ما يجري على ألسنة الناس، حتى المؤمنين، فإذا فات أحدهم شيئاً، أو رأى غيره أكثر حظاً منه في الحياة وأكثر رزقاً وأكثر جاهاً وأطول عمراً يذهب ويشتم الدهر.

وقد أجمع العلماء إلا الظاهرية على أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله الحسنى، وإنما معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي المروي عن الله جل جلاله أنه: يسبني عبدي ويؤذيني فيقول: (يا خيبة الدهر) فيشتم الدهر، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار أقبضهما وأبسطهما، فمعنى ذلك أن هؤلاء الذين ينسبون إلى الدهر حياة ومماتاً وعطاء وأخذاً لم يعلموا أن الدهر لم يفعل ذلك، ولا يليق به ذلك، بل الله الذي يفعل ذلك، فمن يشتم الدهر يكون كمن شتم من فعل ذلك، والذي فعله هو الله جل جلاله.

قال تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا [الجاثية:24]، فليست القصة، وليست القضية، وليست الرسالة بمجموعها إلا هذه الكلمات بزعم هؤلاء الكفرة الملحدين وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] فما يهلك الإنسان بالموت إلا يومه وعمره، وطول أيامه وطول مكثه على هذه الأرض حتى يكل ويمل ويعجز عن القيام بشئون نفسه وبشئون الحياة، فيكون قد هلك ومات، وما ذلك إلا من طول دهره وطول أيامه وطول حياته وعصره.

معنى قوله تعالى: (ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون)

هكذا زعم هؤلاء وكذبوا، فقال الله عنهم: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24].

فهذا الذي قالوه قالوه عن غير علم، وعن غير فهم، وعن غير إدراك، وقالوه جهلاً واعتباطاً، فقالوا ما لا علم لهم به، ومن أظلم ممن يكذب على الحق، ويجعل من الباطل حقاً دون دليل ولا برهان ولا رجوع لمنطق من حق أو عقل أو نقل.

قال تعالى: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24] فليسوا هم إلا ظانين وإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس:36]، فالظن لا يقوم به حق، والظن لا يبنى عليه حق، والظن لا تقوم عليه السماوات والأرض، إن هو إلا وهم من الأوهام قد يكون وقد لا يكون، والظن بهذا الاعتبار إذا دخل العقائد أفسدها وحولها من إيمان إلى كفر.

فهؤلاء قالوا ما لم ينزل به كتاب ولم ينطق به عقل يعي ذلك ويفهمه، ولكنه أوهام توارثوها كما يتوارث أهل الباطل الباطل، وأهل الكفر والإلحاد الكفر والإلحاد.

فكفرة اليوم عندما يقولون هذا القول بعينه كما قاله أولئك يكونون قد عادوا إلى ظنون وأوهام وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان.

قال تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24].

يخبر ربنا عن هؤلاء الذين كفرت بواطنهم قبل أن تكفر ظواهرهم، وكفرت ألسنتهم قبل أن تكفر حواسهم، حيث كفروا فلم يروا، وكفروا فلم يفقهوا، وكفروا فلم يسمعوا، واتخذوا الهوى إلهاً، ثم لم يكتفوا بالعمل فزادوا في القول طوام وبلاء فقالوا: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا [الجاثية:24].

قالوا: لا آخرة ولا بعث ولا نشور ولا حساب ولا عقاب.

وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] فليست الحياة في أنظارهم إلا الحياة الدنيا التي عاشوا فيها، فهذه الدنيا التي عاشوها فيها يحيون وفيها يموتون، ولا يكون الهلاك إلا بالأعمار وبالسنين، وبطول المقام في الدهر والعصر، فليس هناك آخرة ولا رسل ولا كتب.

وهذا الكفر هو كفر الشيوعيين اليوم، وهو دينهم الذي نشروه بين الناس كتباً ونظريات، وجعلوه كتباً هي برامج في التعليم وبرامج في التربية تزيدهم كفراً على كفر.

وهذا هو الكفر الذي يسمون أنفسهم به التقدميين، ويلمزون غيرهم بأنه المتأخر الرجعي الذي لا يأتي إلا بما طواه الدهر وأكل عليه وشرب، وها نحن نرى أن كفرهم هذا كان قديماً، كان منذ آلاف من السنين، فهم الذين رجعوا إلى الكفر الأول، فهم رجعيون؛ لقولهم: نحيا في هذا العصر ونموت في هذا العصر، ولا يهلكنا إلا طول الدهر وكثرة أيامه في الدنيا، أما أن يكون هناك حياة بعد الموت وآخرة وبعث ونشور فلا!

فهؤلاء رجعوا إلى المقالة القديمة الكافرة، فصاروا دهريين، كما قال الله عنهم: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] فجعلوا من الدهر إلهاً، وجعلوا هواهم إلهاً وعبدوه من دون الله، ونسبوا إلى الدهر الحياة والموت.

قال تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا [الجاثية:24] فليس هناك قضية ولا عمل إلا هذه الحياة التي نحياها نَمُوتُ وَنَحْيَا [الجاثية:24] يموت منا أقوام ويحيا منا أقوام، وقد رتبوا القول فقالوا: ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] وهكذا ظنوا، وهكذا وهموا.

والله لم يخلق السماوات والأرض إلا بالحق، وما خلق ذلك باطلاً.

قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا [ص:27] وقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]

فهيهات هيهات أن يكون هذا الهراء من القول ديناً، وأن يكون علماً، فقد قال هذا كفرة في جزيرة العرب، وكفرة في أرض الروم، وكفرة في مختلف بقاع الأرض، قالوه وقت أن قال هذا ربنا وأنزله على نبينا، ولا يزال ذلك مقولاً في أفواه قائلين به مستمسكين به، وهذا مذهب الفلاسفة الملحدين، ومذهب المعطّلين، ومذهب الشيوعيين، ودين الكفرة الذين لا يؤمنون بالله، فهم زعموا أن الحياة الدنيا هي الأولى الآخرة، وأنه لا شيء في الأرض إلا أن يحيوا ويموتوا، فيموت الآباء ويحيا الأبناء، ويذهب الأبناء ويأتي الأسباط، وهكذا سلسلة خلف سلسلة.

وهذا ما ورد في الصحيحين وفي السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار).

ومعنى ذلك أن الدهر الذي ينسبون إليه هذا العمل ليس بيده شيء، فالدهر: هو معنى غير محسوس، فهو سنون وأوقات تمضي وتتبعها أوقات، فكيف بهذا المعنى يحيي ويميت ويرزق ويعطي ويعز ويذل؟! ولذلك جعل الله من يقول: (يا خيبة الدهر) شاتماً لربه؛ لأن الدهر ليس بيده شيء، ولا يملك أخذاً ولا عطاء، ولا حساباً ولا نشوراً.

وسب الدهر كثيراً ما يجري على ألسنة الناس، حتى المؤمنين، فإذا فات أحدهم شيئاً، أو رأى غيره أكثر حظاً منه في الحياة وأكثر رزقاً وأكثر جاهاً وأطول عمراً يذهب ويشتم الدهر.

وقد أجمع العلماء إلا الظاهرية على أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله الحسنى، وإنما معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي المروي عن الله جل جلاله أنه: يسبني عبدي ويؤذيني فيقول: (يا خيبة الدهر) فيشتم الدهر، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار أقبضهما وأبسطهما، فمعنى ذلك أن هؤلاء الذين ينسبون إلى الدهر حياة ومماتاً وعطاء وأخذاً لم يعلموا أن الدهر لم يفعل ذلك، ولا يليق به ذلك، بل الله الذي يفعل ذلك، فمن يشتم الدهر يكون كمن شتم من فعل ذلك، والذي فعله هو الله جل جلاله.

قال تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا [الجاثية:24]، فليست القصة، وليست القضية، وليست الرسالة بمجموعها إلا هذه الكلمات بزعم هؤلاء الكفرة الملحدين وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] فما يهلك الإنسان بالموت إلا يومه وعمره، وطول أيامه وطول مكثه على هذه الأرض حتى يكل ويمل ويعجز عن القيام بشئون نفسه وبشئون الحياة، فيكون قد هلك ومات، وما ذلك إلا من طول دهره وطول أيامه وطول حياته وعصره.

هكذا زعم هؤلاء وكذبوا، فقال الله عنهم: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24].

فهذا الذي قالوه قالوه عن غير علم، وعن غير فهم، وعن غير إدراك، وقالوه جهلاً واعتباطاً، فقالوا ما لا علم لهم به، ومن أظلم ممن يكذب على الحق، ويجعل من الباطل حقاً دون دليل ولا برهان ولا رجوع لمنطق من حق أو عقل أو نقل.

قال تعالى: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24] فليسوا هم إلا ظانين وإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس:36]، فالظن لا يقوم به حق، والظن لا يبنى عليه حق، والظن لا تقوم عليه السماوات والأرض، إن هو إلا وهم من الأوهام قد يكون وقد لا يكون، والظن بهذا الاعتبار إذا دخل العقائد أفسدها وحولها من إيمان إلى كفر.

فهؤلاء قالوا ما لم ينزل به كتاب ولم ينطق به عقل يعي ذلك ويفهمه، ولكنه أوهام توارثوها كما يتوارث أهل الباطل الباطل، وأهل الكفر والإلحاد الكفر والإلحاد.

فكفرة اليوم عندما يقولون هذا القول بعينه كما قاله أولئك يكونون قد عادوا إلى ظنون وأوهام وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان.

قال تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الجاثية:25].

إن هؤلاء من تمام كفرهم وإصرارهم على هذا الكفر إذا أتتهم آيات الله وبراهين قدرة الله ووحدانية الله، وأن الله المحيي وأنه المميت، وأنه المهلك وأنه الذي يحيي الناس ويحيي الخلق بعد موتهم فهذا إلى الجنة وهذا إلى النار، إذا تتلى عليهم هذه الآيات وهذه البراهين وهذه الأدلة القاطعة التي لا ينكرها عقل إلا إذا كان به خلل أو مرض، ولا ينكرها مؤمن، إلا إذا كان قلبه مريضاً عليه غشاوة، وقد قضي عليه فلا يعي ولا يفهم ولا يفقه، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيات الله بَيِّنَاتٍ واضحات ظاهرات كاشفات للحق، كاشفات للباطل، بها نعرف الباطل فنطويه ونكفر به، وبها نعرف الحق فنلتزمه ونؤمن به، إذا بهم يريدون أن يجادلوا بالباطل.

قال تعالى: مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ[الجاثية:25] فيقولون: إن صدقتم في أن هناك حياة بعد الموت، كما يقول الأنبياء قبل، وكما يقول المؤمنون بعد، وكما يقول القرآن، وكما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام والمؤمنون، إن كان هذا حقاً فأتوا بآبائنا الذين ماتوا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ[الجاثية:25] لنسألهم ماذا لقوا في قبورهم، هل رأوا جنة أو ناراً؟

وهذا الذي قالوا باطل من القول ولغو؛ إذ لم يقل لهم بأن الأموات سيعودون إلى الحياة الدنيا، وإنما قيل لهم بأن الله سيعيد الحياة في الآخرة بعد انقضاء الدنيا وبعد محوها وبعد فنائها، أما أن يعيش الإنسان في الدنيا حياتين ويموت فيها موتتين فهذا لم يقله أحد، لم يأت به نبي ولا كتاب، ولا يؤمن به مؤمن.

(وحجتهم) في قوله تعالى: (ما كان حجتهم): خبر كان مقدم على الاسم، وتقدير القول: ما كان حجتهم إلا قولهم: ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين، فقُدّم الخبر على الاسم للحصر والاختصاص، فهو مما يؤكد زعمهم وقولهم ذلك، واستمساكهم بهذا الباطل. فأتوا بشيء ظنوه حجة، وهيهات هيهات أن يكون كذلك، ما هو إلا جدال بالباطل، وما هو إلا قول لا دليل عليه، وما هو إلا كلام لا يقبله عقل ولم يؤكده نقل، ولكنهم فتحوا الأفواه فعووا كما يعوي الكلب دون فهم ولا إدراك ولا دين من الله ولا كتاب منزل ولا نبي مرسل، وما كان كذلك فهيهات هيهات أن يكون حجة، أو يكون قولاً يعتمد عليه ليجادل على طريقته ويجادل في سبيله.

وما ذكر الله قوله: (حجتهم) إلا لكونهم اعتبروه حجة، وليس هو من الحجة في شيء، وإنما هو الجدال بالباطل.




استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة الجاثية [14-18] 2749 استماع
تفسير سورة الجاثية [29-33] 2434 استماع
تفسير سورة الجاثية [1-8] 1880 استماع
تفسير سورة الجاثية [7-13] 1854 استماع