خطب ومحاضرات
تفسير سورة مريم [41-50]
الحلقة مفرغة
قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا [مريم:41] .
سميت السورة بسورة مريم من باب تسمية الكل بالبعض، فما قصة مريم في السورة إلا جزء منها، فهي قد تحدثت عن زكريا وعن يحيى وعن إبراهيم وعن موسى وعن أنبياء آخرين، ولكنها سميت بـمريم، وهذه عادة الأسامي سواء في كتاب الله أو في واقع الحال في الدنيا، فنسمي القطر المصري مصر وما مصر إلا مدينة من القطر، ونسمي القطر الجزائري الجزائر وما الجزائر إلا مدينة من مدنها، ويسمي البعض المغرب مراصف وما مراصف إلا مدينة من مدائنها.
قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ [مريم:41] يقول الله لنبيه محمد العربي القرشي الهاشمي صلوات الله وسلامه عليه: كما ذكر لك من قبل في هذه السورة مريم وولدها عيسى وزكريا وولده يحيى، اذكر كذلك إبراهيم، وإبراهيم أحد الخمسة أولي العزم من الرسل، وقد كرمه الله تكريماً انفرد به من بين من جاء بعده من الأنبياء والرسل، فجعل في ذريته النبوءة والكتاب، فما من نبي جاء بعده إلا وهو من أولاده وسلالته، سواء كانوا من بني إسرائيل أو كانوا من العرب، فكان إبراهيم هو والد إسماعيل الجد الأعلى لنبينا العربي صلى الله وسلامه عليهم أجمعين.
وكان هو والد إسحاق الجد الأعلى لجميع أنبياء بني إسرائيل إلى عيسى، فإبراهيم جد مريم، ومريم كذلك من بنات إسرائيل.
وهو خليل الله، وأحد أولي العزم من الرسل، ولا نبي أفضل منه إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو أشرف الأنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) .
وإذا كان إبراهيم خليل الله فقد كان نبينا خليله وحبيبه، ولقد قال عن صديقه وصاحبه أبي بكر الصديق : (لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت
قال تعالى: إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا [مريم:41] كان صادق القول والوعد والإشارة، صادقاً في الحرب والسلام، صادقاً في دعوة أبيه وقومه إلى الله، ودعوة أعدائه وخصومه إلى الله، كل ذلك سواء، فلم تشغله حالة عن حالة.
ويذكر الله لنا أنبياءه ورسله وعباده المكرمين ليكونوا أسوة لنا، ولنهتدي بهديهم ونجعلهم أئمة، وقد كانوا قبل ذلك أسوة رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما لم يشرعه الله خاصة لنبيه من شريعة وآداب وسلوك، ونحن أسوتنا رسول الله، ومن كان أسوته رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مقتدٍ بجميع الأنبياء قبله، قال تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90].
قوله تعالى: نَبِيًّا [مريم:41] أي: من أنبياء الله الذين أوحى الله إليهم بشريعته وأمرهم بتبليغها، فهو نبي ورسول، وسبق أن قلنا: إن النبي هو من أوحي إليه بشريعة ولم يؤمر بتبليغها، والرسول: من أوحي إليه بشريعة وأمر بتبليغها، فنبينا إبراهيم نبي ورسول معاً، فقد ذكر في هذه السورة بالنبوءة، وذكر في آيات أخر بالنبوءة والرسالة معاً.
فقوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ [مريم:41] أي: في القرآن الكريم، إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا [مريم:41]، فالصديق صيغة مبالغة من كثرة الصدق والديمومة عليه، والبعد عن كل ما يشينه من الكذب إشارةً أو تلميحاً أو غير ذلك، كل ذلك قد برأ الله إبراهيم منه.
قال تعالى: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42] أي: واذكر إبراهيم في حالة إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]، فأول ما ابتدأ في دعوته دعوة أبيه آزر، وكون آزر هو الأب أو العم قد مضى هذا مفصلاً في مناسبة سابقة.
والمعنى: واذكر إبراهيم في الحالة التي يدعو أباه فيها إلى التوحيد، ويقول له: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42] أي: لماذا يا أبي تعبد أحجاراً وأصناماً وأوثاناً لا تسمع، وإن دعوت بصرها إلى النظر لا تنظر، وإن احتجتها في فقر أو ذل أو نصرة لا تغني عنك شيئاً؛ لأنها جماد مخلوقة.
فقوله تعالى: مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42] أي: لا يفيدك في شيء، ولا يغني عنك في ستر ولا ذل ولا مرض، ولما كان الأمر كذلك فلم تعبدها؟ ولم تتعلق بها؟ أتترك الخالق الرازق السميع البصير الذي يغني عنك في كل شيء، فإذا سألته أجابك، وإذا استوهبته وهب لك، وإذا طلبت منه العافية عافاك؟! أتترك من بيده الأمر والنهي إلى أوثان وأصنام لا تغني عنك شيئاً؟!
قال تعالى: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا [مريم:43].
أي: يا أبت أنت أبي وأكبر مني بطبيعة الحال، وأنا ابنك والأصغر منك بطبيعة الحال، ولكن الله اختارني وعلمني وعرفني به، وأعطاني الأدلة على وحدانيته وعلى كونه المعبود الحق، وكل ما سواه سراب في سراب وباطل في باطل.
قوله: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ [مريم:43] أي: من العلم بالله والمعرفة به، والعلم بالتوحيد وبالدنيا ومن خلقها، والعلم بالحقائق والتمييز بين الحق والباطل ما لم يأتك منه شيء لا قليل ولا كثير، والعلم الذي جاءني وأكرمني الله به يؤكد أن الله وحده الخالق الرازق، وأن الله وحده المعطي، وأن الله وحده السميع البصير المغني في كل شيء عن كل شيء، وعلى ذلك اتبعني واجعلني أسوتك وقدوتك وإمامك.
ومن العادة أن يفخر الآباء بالأبناء عندما يصلون إلى رتبة علية، فما هم إلا جزء منهم، وقد قال السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني يسرني ما سرها، ويسوءني ما ساءها)، فهي ابنته وباعتبارها كذلك فهي قطعة منه.
فالفرع تابع للأصل، فكان ينبغي لـآزر أن يسر ويفرح بكون الابن هو الذي يدعوه، وهو الذي خص بهذا وأكرم به، فلو اتخذ الولد إماماً وأسوة فإنه يكون كمن تبع جزءه، واتباع الجزء اتباع للكل.
قال تعالى: فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا [مريم:43] أي: صراطاً سليماً وطريقاً بينة واضحة لا اعوجاج فيها ولا أمت.
قال تعالى: يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [مريم:44] أي: يا أبي! فالتاء تقوم مقام الإضافة، وفيها نوع من التحبب والتعلق.
فقوله: يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ [مريم:44] أي: يا أبت! هذا الذي تعبده هو شيطان، فلا تطع أطعت الشيطان الذي عصى ربه وكفر بألوهيته عندما أمره بالسجود لآدم.
وقوله: إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [مريم:44] أي: إن الشيطان كان بالغ العصيان للرحمن، وذكر لفظ الرحمن رجاء أن يرحم أباه، فيحن أبوه لهذه الدعوة، ويوحد الله، ويؤمن برسالة ولده الذي أمر فيها بدعوة الناس إلى الله.
فالمعنى: يا أبت! لا تعبد الشيطان الذي عصى ربه، ومن عصى ربه فهو لا ينتظر منه طاعة، وفاقد الشيء لا يعطيه، وما عند الشيطان إلا المعصية والخسران، فأنت بذلك تأخذ ما عنده وتتبعه وتكون بذلك عابداً له في الطاعة، فأنت قد عبدت الشيطان بذلك وعصيت ربك وخرجت عن التوحيد.
قال تعالى: يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [مريم:45].
أخذ الولد يتحبب إلى أبيه ويقول: يا أبت! أنا خائف عليك أن يمسك عذاب من الرحمن؛ جزاء كفرك ومعصيتك ومخالفتك، كما سيجازي الشيطان وقد فعل، فلا تكن عبداً للشيطان، ولا يكن الشيطان إمامك، ولا تكن له تابعاً.
فقوله: يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ [مريم:45] أي: أخاف عليك إن دمت على عبادة الأوثان، وأبيت طاعتي وأنا أدعوك إلى عبادة الله السميع البصير المغني عنك وعني وعن كل الخلق أن تكون للشيطان ولياً، وتكون تابعاً ومرافقاً ونصيراً، ومآل الشيطان إلى النار وإلى اللعنة والغضب، ولا يليق ذلك بك وأنا أنزهك عنه، وأربأ بك عن أن تكون مثله، وإذا بـآزر أبي إبراهيم لم تنفع معه دعوة ولا موعظة ولا ذكر لله فيجيب.
قال آزر : قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم:46].
يقال: رغب فيه ورغب عنه، رغب فيه: أحبه واتبعه وعمل بمقتضاه، ورغب عنه: تركه وكفر به وجحده.
فقوله: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي [مريم:46] أي: أمبغض أنت لآلهتي الأصنام؟ أتارك لها أمعرض عنها؟ قال: لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم:46].
أي: لئن لم تنته عن هجرك وسبك وشتمك وصدك الناس عن عبادة هذه الأوثان لأرجمنك، أي: لأضربنك بالحجارة حتى الموت، ولكن الأبوة سبقت في نفس آزر وإذا به يخاف على ولده من نفسه، فقال: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم:46] أي: ابتعد عني، ولا حاجة لي إلى رجمك وتعذيبك.
وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم:46] ملي من الملوان، وهما الليل والنهار، يقال: (ملي) للحقبة الصغيرة أو الزمن القليل المعدود من الأيام، ويقال عن الزمن الطويل والهجران الأبدي، وأغلب الظن أن أبا إبراهيم طلب منه أن يهجره هجر الأبد ما دام أنه لم يرجع إلى عبادة الأوثان؛ لأنه قال له: لئن لم تنته، أي: إذا لم تنته عن صدك للناس عن عبادة آلهته من الأوثان، فعند ذلك سيرجمه.
وأقسم على ذلك باللام الموطئة للقسم، وأكد ذلك بنون التوكيد الثقيلة، وكأنه يقول: والله لأقتلنك رجماً بالحجارة، ثم بادر رجاء أن يعود إبراهيم عن شتمه لآلهته، بأن يبتعد حتى لا يناله منه عذاب ولا رجم.
فقوله: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم:46] أي: اهجرني الأبد، واخرج من بلدي وابتعد عن بيتي، ولا أريد أن أراك ولا أرغب في رؤيتك، فإذا بإبراهيم الولد المطيع يقول لوالده: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم:47] قال له: يا أبت! سلام عليك، سلام هاجِر محترم داع يؤمنك من عذابه وقتاله، فإبراهيم سيقاتل الكفرة ولكنه لم يفعل ذلك مع آزر؛ لأن آزر مات بعد فترة وجيزة.
فقوله: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي [مريم:47] أي: سأدعو لك الله أن يغفر لك، فتسلم ما دمت حياً؛ لتأمن عذاب الله ولعنته وغضبه، قوله: إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم:47] أي: كان بي لطيفاً براً، وعودني الإجابة والبر واللطف، وأرجو هذه المرة ألا يغير علي عوائده الطيبة ولطفه وبره؛ فيهديك للإيمان والتوحيد.
ثم قال: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا [مريم:48].
قال هذا إبراهيم وزاد: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا [مريم:48] أي: سأبتعد عن مجتمعاتكم، وكان إبراهيم في العراق فهجرهم إلى الشام إلى الأرض المقدسة، وهي التي سماها النبي عليه الصلاة والسلام وهاجر إبراهيم، وقال: ستكون هجرة بعد هجرة، أي: هجرة أخرى في مستقبل الأيام بعد الهجرة الأولى من مكة إلى المدينة.
فقوله: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي: سأعتزلك يا أبي، وأعتزل أمثالك ممن يعبدون الأصنام والأوثان، (وَأَدْعُو رَبِّي) أي: يعبد ربه ويدعو لعبادة ربه، فتكون حياته قاصرة على هذا؛ امتثالاً لطاعة الله سبحانه.
وهكذا وظيفة الأنبياء ووظيفة الورثة من العلماء: أن تكون حياتهم كلها دعوة إلى الله، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من الجهاد باللسان والقلم إلى الجهاد بالسيف.
قال تعالى: عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا [مريم:48] عسى في القرآن تحقيق، وفي غير القرآن ترج، يقول إبراهيم: عسى أن يتحقق من ربي ألا أكون بالدعوة لعبادته شقياً أو مشركاً أو عاصياً.
قال تعالى: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا [مريم:49] .
أي: ما سلبه إلا ليعطيه الحكمة، فسلبه أباه وأهله وعشيرته وبلدته، وعوضه الله أرض الشام المقدسة.
وكان قد بلغ عمر إبراهيم مائة وعشر سنين، وبلغ عمر زوجته تسعين سنة، فرزقه الله جل جلاله الولد والحفيد وهو لا يزال حياً، فرزقه أولاً من هاجر إسماعيل، ورزقه بعد ذلك إسحاق، ثم جعل يعقوب نافلة من إسحاق وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا [مريم:49].
فالله أحاط إبراهيم بمجموعة من الأنبياء من سلالته، ففي حياته رزقه إسماعيل الجد الأعلى لنبينا صلى الله عليه وسلم، وشريكه ومعينه في بناء الكعبة المشرفة، ورزقه بعد ذلك إسحاق من زوجة أخرى، ثم رزقه حفيداً من إسحاق وسماه يعقوب، فعند اعتزالهم والبعد عنهم أكرمه الله بالذرية الصالحة وجعل فيها النبوة والكتاب.
قوله: وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا [مريم:49] التنوين في (كلاً) لغةً ونحواً يقال له: تنوين العوض، والمعنى: عوض عن كلمة، والمعنى: كل ذريته جعلهم الله أنبياء ورسلاً مكرمين.
قال تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم:50].
أي: وهب للأب والولدين والحفيد من رحمته، وفسرت الرحمة هنا بالمال والنبوءة والأرزاق والحب والتعلق، وكل ذلك صالح في التفسير، فالذرية الصالحة التي لم تأكل حراماً ولم تأت بحرام رحمة.
وكما قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: (نعم المال الصالح للرجل الصالح)، والنبوءة والرسالة والعبادة وأنواع الخيرات الأخروية هي كلها بلا شك من رحمات الله.
فقوله: وَوَهَبْنَا لَهُمْ [مريم:50] أي: للأب والولدين والحفيد، لإبراهيم وإسماعيل وإسحاق.
قوله: مِنْ رَحْمَتِنَا [مريم:50] أي: من أرزاقنا ونعمتنا.
قال تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم:50] أي: خلدناهم في الدهر وفيما سيأتي بعد ذلك إلى يوم القيامة، فكان لهم لسان صدق في كونهم أنبياء الله ورسله، فخلد ذكرهم في التوراة والإنجيل والزبور، مع تغير كل هذه الكتب وتبديلها وتحريفها، كذلك خلد ذكرهم في القرآن الكريم المهيمن على كل الكتب السماوية، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فخلدوا فيه خلوداً أبدياً، فكانوا لسان صدق للعالمين عالياً، وهكذا علا إبراهيم في السماوات، واجتمع به سبطه وحفيده ليلة الإسراء، فخلدوا حساً ومعنىً وذكراً في الصالحين، ونبراساً بين العابدين، وهداية بين كتب السماء التي يقتدى بها ويهتم بها.
استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة مريم [59-60] | 2228 استماع |
تفسير سورة مريم [16-21] | 2150 استماع |
تفسير سورة مريم [12-15] | 1980 استماع |
تفسير سورة مريم [51-57] | 1811 استماع |
تفسير سورة مريم [73-84] | 1302 استماع |
تفسير سورة مريم [1-11] | 1258 استماع |
تفسير سورة مريم [35-40] | 1228 استماع |
تفسير سورة مريم [54-58] | 1159 استماع |
تفسير سورة مريم [68-72] | 1102 استماع |
تفسير سورة مريم [22-34] | 899 استماع |