خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/337"> الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/337?sub=60518"> سلسلة محو الأمية التربوية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تشاجر الأشقاء
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد:
فقد قالت فتاة في السادسة من عمرها لجدتها: من حسن حظي أني وحيدة لا إخوة لي ولا أخوات. فأجابت الجدة: ولم يا عزيزتي؟ ألا تظنين أن من الأمور الحسنة أن يكون للإنسان إخوة وأخوات؟! وكان الجواب: نعم. قد يكون الأمر حسناً، ولكن معنى وجود الإخوة والأخوات هو تشاجرهم وعراكهم ومقاتلتهم طوال الوقت.
إن الشجار بين الإخوة هو أحد أشكال الإزعاج الأكثر شيوعاً في الأسرة، إلا أن التشاحن يمثل في الواقع مرحلة طبيعية من النمو، فأطفال السنتين يضربون ويدفعون ويخطفون الأشياء، بينما يستعمل الأطفال الكبار أسلوب الإغاظة، فهم يسيئون لبعضهم من وقت لآخر عن طريق اللغة.
إن الولد -كغيره من الأطفال- لا يستطيع أن يحتفظ بيديه ساكنتين إذا ما كانت أخته قريبة منه، وأخته بالرغم من تفوقه عليها في الحزم والقوة لديها طرائقها الخاصة للانتقام منه، إن كل واحد منهما يبدو كأنه قدير بما يضايق الآخر، ويسر باللجوء إليه، ويدرك حرصه على أشيائه الخاصة، وحرصه على احتلال المكان المعين في المائدة أو السيارة، فيعرف كيف يغيظ الطرف الآخر ويستفزه.
والآباء يضجون من مشاجرات الأبناء لما يحدثونه من ضوضاء وجلبة في المنزل، ولأنهم يشغلون الآباء عن أداء ما يقومون به، أو يمنعونهم عن الراحة أو الاسترخاء، فيثورون على الأبناء، وقد يلجئون إلى أسلوب عنيف في وضع حد لمشاجرات الأطفال، بل قد يدمغون طفلاً منهم بأنه حقود أو أناني، وأنه سيفشل في حياته لأنه لا يتعاون، بل قد يعيره الآباء بسلوكه هذا في غير أوقات الشجار حاسبين بذلك أن شجار الأطفال أمر غير طبيعي، وأن الأولاد يميلون عادة إلى الشجار أكثر من البنات، وأنهم يتشاجرون مع أقرانهم مهما كانت أواصل الصداقة تربطهم.
نقول للمربي: لا تنزعج؛ إنها مرحلة طبيعية، إن أي أسرة لديها طفلان أو ثلاثة نجدهم دائماً في مناوشات وخلافات، يتألم الأب وتتألم الأم؛ لأن الأبناء ليسوا أصدقاء وليست علاقاتهم طيبة.
والسؤال: هل ظاهرة اختلاف الأطفال مع بعضهم ظاهرة طبيعية، بمعنى: أيُّ الأوضاع يعتبر الوضع الطبيعي: أن يتعاونوا مع بعضهم وأن لا يختلفوا؟ أم أن الوضع الطبيعي هو أن يتشاجروا وللإجابة عن هذا السؤال نجري تجربة صغيرة، وهي أننا نجمع ثلاثة أو أربعة أولاد معاً في حجرة واسعة مجهزة بكل ألوان اللعب والتسلية، ونغلقها لفترة، ترى ماذا ستكون النتيجة؟ بكل تأكيد سيتشاجرون، سواء أكانوا إخوة أم غير إخوة.
إذاً المسألة ظاهرة طبيعية وعادية، ويجب أن لا يقلق الآباء والأمهات، ويجب أن تراعى برفق ووعي؛ لأنها لا تكون في فترة الطفولة فقط، إنما تمتد للصبا والشباب.
إن أول ما تنصح به الأم أن تتخلى عن تصورها المثالي بأن يكون أطفالها على أتم وفاق ولا يتخاصمون أبداً، إن الأم إن واجهت الحقيقة الواقعية فإن قلقها بخصوص خصام الأطفال وتشاجرهم سوف يتضاءل.
إن الطفل ذا الست إلى عشر سنوات الذي يصر على الخصام مع إخوته وعلى عدم التحسن في هذا الشأن لا يزال إنساناً عادياً، فكل الإخوة -لاسيما المتقاربين منهم في العمر- لابد أن يتشاجروا، وتقل عادة هذه المشاجرات كلما تقدم الأطفال في السن.
قد يكون للمشاحنات البسيطة بين الإخوة جوانب إيجابية، خاصة إذا قام الوالدان بدور التوجيه في تعليمهم كيف يدافعون عن أنفسهم وعن حقوقهم، وكيف يعبرون عن مشاعرهم ويحلون صراعاتهم ويحترمون حقوق الغير، ومعنى الصدق والكذب، وأهمية الأخذ والعطاء بأسلوب يحقق لهم المحافظة على حقوقهم وعلى حقوق الغير.
إن شجار الأطفال إحدى الوسائل لإثبات الذات والسيطرة، وكلتاهما من الصفات اللازمة لنجاح الإنسان في الحياة، بل الشجار فرصة يتعلم فيها الطفل كثيراً من الخبرات، منها وجوب احترام حقوق الغير، والعدل والحق والواجب، ومعنى الصدق والكذب، وأهمية الأخذ والعطاء بأسلوب يحقق له المحافظة على حقوقه وحقوق الآخرين.
هذا إذا عمد الآباء والمربون إلى انتهاز مناسبات شجار الأطفال في توجيههم الوجهة التربوية السليمة، وتعريفهم بالحق والواجب، والشجار في الواقع دليل على أن الطفل لم ينضج اجتماعياً، ولم يتعلم بعد أساليب الأخذ والعطاء الاجتماعية.
إن من الجوانب الإيجابية لهذه المشاحنات والخلافات أنها تكون في واقع الأمر نوعاً من التنفيس، وتحل دون أن ندري بالكثير منها، وأحياناً يكون الشجار نوعاً من المنافسة.
إذاً هل المنافسة بين الإخوة ضارة، إن المنافسة الشريفة باستمرار فائدتها أكثر من ضررها، وبين الإخوة ينمو الحب ويتطور ويكبر معهم ويظهر، وينضج حينما يتجاوزون سن الطفولة والمراهقة، وكثيراً ما نسمع هذه العبارة: (إنه أخي على كل حال).
إذاً المنافسة بين الإخوة والخلاف لا يستمر، بل ينتهي ويتطور إلى علاقة حب تنضج تحت نار هادئة، والأيام تزيد من الروابط والود، ومع ذلك فهناك حالات يكون الشجار فيها خطراً إذا اقترن بها عنف أو أذية بدنية، أو أن تتطور لدى بعض الأطفال مشاعر العداء أو اللامبالاة نحو بعضهم بصورة تستمر طوال حياتهم، فالوضع المعتاد هو أن يظهر الإخوة ارتباطاً وإخلاصاً لبعضهم على نحو لا تؤثر فيه المضايقات الجانبية.
وهكذا فإن التنافس يمكن أن يعتبر عادياً إذا تبادل الإخوة مشاعر مشتركة بالرضا والإحباط، وإذا لم يكونوا مشحونين بشحنات العنف، ولم ينخرطوا في صراعات تهدد الحياة ضد بعضهم، وإذا لم يحملوا أحقاداً ولم يستجيبوا لكل إساءة كما لو أنها مصيبة.
وتظهر الدراسات أن الأطفال أكثر تنافساً وتناحراً مع زيادة العمر، ولذا توقع أن أطفال ثمان سنوات أكثر تناحراً من أطفال أربع سنوات، ومن هم في عمر اثنتي عشرة سنة أكثر تنافساً ممن هم في عمر ثمان سنوات، والتنافس أكثر شيوعاً في العالم لدى الإخوة الأكبر سناً عندما يكونون متقاربين في العمر بفارق سنة أو اثنتين، وعندما يكونون في مرحلة الطفولة المتوسطة ما بين ثمان إلى اثنتي عشرة سنة، كما يزيد احتمال التنافس عندما يكون الطفلان من نفس الجنس، فالطفل الأكبر غالباً ما يشعر بأن الطفل الأصغر قد حل محله، وإذا كان الطفل الأكبر شخصاً جدياً يهتم بالعمل والتحصيل فمن المحتمل أن يبحث الطفل الأصغر عن هوية متصلة بأن يصبح مرحاً اجتماعياً غير تقليدي.
فلننظر الآن في أسباب هذا التشاجر بين الأشقاء، وأشرنا آنفاً أن التقارب في السن ربما يكون من هذه الأسباب، والطفل الأكبر كثيراً ما يحاول السيطرة على إخوته فيتشاجرون، كما أن الأطفال الأولاد عادة ما يحاولون السيطرة على البنات، والطفل الناجح يلجأ عادة إلى تعيير الطفل غير الناجح في دراسته، فيتشاجروا، أو قد يعير الأطفال بعضهم بعضاً بلون الشعر، أو شكل الجسم، أو بما يملكه طفل ولا يملكه قرين له، وكثيراً ما يتحد بعض الإخوة ويكونون عصبة ضد أخ آخر خصوصاً لو كان مدللاً مقرباً من الوالدين لصغره، أو لوسامته، أو لمرضه، أو لشدة ذكائه، أو لرقته، إلى غير ذلك من الأسباب، فيتشاجرون .
وكثيراً ما يتشاجر الأطفال للامتلاك أو للاستحواذ على بعض اللعب أو الأشياء في المنزل، أو لو اعتدى طفل على ملكية الآخر أو لعب بكتبه أو أدواته أو ملابسه أو غير ذلك، لكن نستطيع أن نجمل الأسباب التي تؤدي إلى التشاجر، والتي تنبع عن الغيرة وتنتج العدوان نحو بعضهم فيما يلي:
بداية يعتمد الأطفال على والديهم اعتماداً كبيراً للحصول على المحبة والانتباه وإشباع الحاجات، بحيث لا يحبون أن يشاركهم في ذلك أي بشر، وقد يؤدي تفضيل أحد الأبوين طفلاً على غيره إلى إيقاد شعلة الغيرة لدى الأطفال الآخرين، ويذكر في هذا المجال أن مقتل هابيل من قبل أخيه قابيل كان بسبب الغيرة الناجمة عن التفضيل الصادر من الأبوين، والغيرة عبارة عن شعور غير ناضج يتعرض له الطفل، وينتج عادة من خيبته في الحصول على أمر محبب له، ونجاح شخص آخر في الحصول عليه، ولهذا نجد أن انفعال الغيرة انفعال مركب من حب تملك وشعور بالغضب؛ لأن عائقاً ما حال دون تحقيق غاية هامة.
والحقيقة أن الغيرة وما يترتب عليها من الشعور بالنقص أو بالقلق أو باضطهاد الكبار كلها يتسبب فيها الآباء، وتؤدي إلى نشوب المعارك بينهم، ويحصل استنفاذ الطاقات في محاولة حل هذه المشاكل ليعود الهدوء إلى البيت.
قد تأخذ أم لعبة طفلها الأول وتعطيها لطفلها الثاني على أساس أنه كبر عن اللعب بهذه اللعبة، لكن الطفل الأول لا ينظر إلى هذا التصرف على أنه أمر طبيعي، ولكنه ينظر إليه من زاوية أخرى، فلقد استولت أمه على شيء عزيز على نفسه لتعطيه لأخيه، فينتهز أقرب مناسبة لاستثارة غضب هذا الأخ، وتبدأ المعركة.
إحدى الأمهات اكتشفت خطأها عندما فعلت ذلك، وأعادت اللعبة إلى طفلها الأول مع رسالة تضمنت عبارات تعترف من خلالها بشعوره، قالت: ابني العزيز علي! لقد أدركت عندما أخذت لعبتك وأعطيتها لأخيك أني قد أخطأت في حقك؛ لأني لم أستأذنك في ذلك، ولم أكن أعلم أنها تعني الكثير بالنسبة لك، أنا آسفة، سأعيد إليك لعبتك. احتضن الابن أمه في اليوم الثاني قائلاً في سرور: أشكرك يا أمي لأنك أعدت لي لعبتي.
أحياناً يحصل الشجار بين الأشقاء على أنه حيلة دفاعية نفسية، وهي ما تسمى بالإزاحة، حيث يتم تحويل مشاعر العدوان نحو الأبوين إلى الإخوة الصغار، فالطفل يشعر بمشاعر عدوانية تجاه الأبوين أو أحدهما، ولا يستطيع أن يخرج ذلك بصورة صريحة في مواجهة الأبوين، فيزيح هذه المشاعر العدوانية إلى إخوته الصغار.
قد تتضمن تصرفات الإخوة تعبيراً عن نبذ الأبوين غير الشعوري، أو عدم محبتهما للطفل الأصغر، وحينما يكون أحد الإخوة متدني الإمكانيات في أحد المجالات بالنسبة لأخ آخر قريب منه في العمر ومن نفس الجنس فإن الطفل الأقل في إمكانياته يميل إلى إظهار عدوان أكثر تجاه الآخر من بين الأشقاء؛ لأنه يعيش في ظل إنجازات آخر موهوب، وعندها فإنه يشعر بأنه قد فقد فرضيته، ويحس بأن كل أعماله ومنجزاته تقارن مع أعمال ومنجزات أخيه.
إن المطلوب منا أن لا نركز على المنافسة بين الإخوة بشكل ملح ودائم، ولا داعي لأن نقول في كل دقيقة: انظر كيف أن أخاك مجتهد فعل كذا. أو: اعمل كأختك المهذبة. فهذا النصائح التي هي من هذا اللون ليست هي الأمر المطلوب؛ لأن التركيز هنا لا يكون في الواقع على الاجتهاد أو الأدب الذي يتحلى به الأخ أو الأخت، إنما يكون على التفوق، وهذا يبعث على عدم الرضا في نفس الشخص الذي توجه إليه النصيحة، وعدم الارتياح تجاه أخيه، ويجعله ينسى موضوع النصيحة، ويمكن أيضاً أن يظن أننا منحازون إلى الأخ أو الأخت فيزيد ضيقه، وأحياناً يتخيل أن كلامنا هو لون من المعايرة له بتخلفه في الدارسة، أو التصرف غير الصحيح منه؛ لأن المقارنة يمكن أن تذكي نار المنافسة في كل مجال؛ لأن كل همنا ليس إيجاد اثنين متصارعين وأيهما يغلب الآخر، فنقول: انظر! إن أخاك أقوى منك. وانظر! إن أختك مؤدبة أكثر منك. ألا تكون كأخيك الذي يفعل كذا وكذا. ليس الهدف هو إيجاد شخصين متصارعين، وإنما إيجاد أخوين تجمعهما الأخوة بكل ما تعنيه الكلمة.
وينبغي أن يراعى أن التغيرات العمرية لها أثر في حصول الانسجام، فقبل سن الخامسة عشرة سنة لا يحصل الانسجام بين الإخوة والأشقاء بالقدر الذي يرغب فيه الأهل، فينبغي الانتظار حتى بلوغ هذا السن، وكما ذكرنا تنمو الروح الأخوية والحب المتبادل بينهما وتنضج على نار هادئة.
ما الذي ينبغي أن يفعله الأبوان في موقف التشاجر بين الأشقاء؟
نقول أولاً لكل أم: عفواً أيتها الأم، نحن نقدر أن ما يهمك كأم هو ما يجب أن تفعليه في هذا الصدد -أعني صدد حل مشكلة الشجار بين الأبناء- فمعذرة إذا كان الجواب هو أن ما تستطيعين فعله قليل جداً، إن الخصام والجدال والصراع أمور قد تستمر إلى أن تحلها الأيام وحدها، بجانب أن لكل أسرة وضعها الخاص المختلف عن أوضاع غيرها من الأسر، مما يجعل من الصعب إعطاء نصائح عامة، لكن يمكن تقديم بعض الاقتراحات القليلة:
أولاً: بعض الآباء في بيوتنا يقومون بدور الحكم بين أولادهم كآباء، ويتحول البيت إلى حلبة ملاكمة، والواقع أنه لابد أن يبقى هناك بعض الصراع والخلاف بين الأبناء، ولا بد أن يدرب الآباء أنفسهم على أن يكونوا أحياناً متفرجين وأن لا يتدخلوا كحكام، والمثل العامي يقول: إن قاضي الأولاد شنق نفسه.
ثانياً: من غير المعقول أن يظل الآباء باستمرار في موقف المتفرج، لابد في لحظة معينة أن يتدخلوا حتى يوقفوا المعارك التي تنشب بين أولادهم، ومن الطبيعي أن لا يستطيعون دائماً الغوص إلى أعماق كل مشكلة وكل خلاف، وأن يحلوا تلك الخلافات بميزان العدالة الدقيق، إنما المسألة تحتاج من الآباء إلى شيء كبير من التعقل في مواجهة الأمر، وتحتاج أيضاً إلى أن يدركوا بعض الأمور في مجال الخلافات بين الأبناء.
بداية يجب أن لا يكونوا مراقبين لكل صغيرة وكبيرة تصدر عن الأبناء، ويكفي أن يكونوا ملاحظين بشكل غير مباشر دون التعليق أو التدخل في اللعب، إلا إذا وجدوا الأبناء قد خرجوا عن القواعد، وحينئذ يمكن للآباء أن يقترحوا شيئاً بناءً بديلاً للشيء المختلف عليه أو أكثر إثارة منه، وأن لا يتعجل الأب أو الأم فيبادر بالانحياز لصف المعتدى عليه؛ لأنه يحتمل أن يكون هو البادئ في الحقيقة، وعلى الرغم من أن هناك دائماً سبباً وراء أي عدوان مثل الحسد أو عدم الاطمئنان أو الضيق النفسي فلا داعي لأن نبحث في أثناء الصراع عن حقيقة السبب.
ولكي تحل المشكلة فعلينا أولاً أن نقضي على الخلاف، ثم نبعد الأبناء بعضهم عن بعض دون أن نشعر أياً منهم بأنه مخطئ ومتهم، بعدها نستطيع أن نعمل تحقيقاتنا ونعمل كوكيل النيابة، ولابد أن نتذكر أنه ليس أسهل على الطفل من أن يلصق بصديقه أو أخيه أشنع التهم، ويتفوه بأبذأ الألفاظ لأي سبب ولأي مناسبة.
المهم أن لا تظل هذه الألفاظ عالقة بأحد؛ لأنها من الممكن أن تلصق به، ويصبح من الصعب التخلص منها، وربما لو تكررت حاول صاحبها تأكيدها، فحينما يقال له -مثلاً-: أنت كاذب. يكذب ما دام باستمرار يتهم بالكذب سواء صدق أو كذب، فيرى في نفسه أنه لماذا يصدق.
ومن المهم جداً أن ننبه الكبار من الأبناء أن لا يؤذي الصغار، وأن ننبه الأبناء أن لا يضايقوا البنات، وفي نفس الوقت لابد أن ننبه على عدم إثارة الصغار للكبار، وأن لا نجعل البنات يغضبن الأولاد حتى يسود الاحترام بين الجميع.
ولابد أن يتوقع الآباء أن يظل الأبناء حريصين على اللعب مع بعضهم على طول الخط، وعلى قدر المساحة المتاحة لهم في البيت، بل لابد أن يبتعدوا عن بعضهم قليلاً، وأن نجعل الأولاد سعداء لأنهم أولاد، والبنات فخورات لأنهن بنات، وكل له مميزاته، وفي نفس الوقت لابد من أن يكون عندنا مقترحات لهم لتستنفد طاقاتهم الزائدة، ويشعر الأولاد أنهم محبوبون بنفس القدر، لكن بشكل مختلف، بهذه الطريقة يسود التفاهم جو الأسرة، ولا يكون الأبناء مصدر مشاكل مستمرة في البيت.
أيضاً ينبغي أن يحرص الوالدان على التدخل بأقل ما يمكن في المشاجرات بين الإخوة التي لا تتعدى كونها أمراً طبيعياً إذا كانت مقرونة من ناحية أخرى بمظاهر الود والتعاون فيما بينهم.
مما يجب أن يزيدنا تحفظاً حيال التدخل في هذه المشاجرات الأخوية إلى حد ما ما يستخدمه الأولاد لاستدراج الأب والأم إلى إبداء انحياز لطرف على الطرف الآخر، وكأن الوالدين يوضعان عند ذاك على المحك لينكشف ما يضمرانه من تفضيل، فإذا ناصرا واحداً على الآخر اعتبر الثاني نفسه مغبوناً، مما يؤجج غيرته ويدفعه إلى تكرار المشاجرة انتقاماً مما حظي به خصمه من مساندة.
أما الأول فهو منقاد من جهته إلى إعادة الكرة من جديد بمناصرة والديه، لذا فتكثر هذه المشاجرات بحضور الأهل ويغذيها تدخلهم.
ولهذا السبب أيضاً تلاحظ هذه الظاهرة التي قد تبدوا غريبة لأول وهلة، ألا وهي تحرش الأضعف بالأقوى، واستدراجه إلى العراك، وأن الغاية المنشودة ليست عند المتحرش الانتصار على خصمه، وإنما كسب مؤازرة الأهل بحجة أن هذا الصراع غير متكافئ.
من هنا يقع ما يجده الأهل من صعوبة في حسم هذه المشاجرات بعدل، أياً كانت رغبتهم في ذلك صادقة، ولهذا يقول المثل الشعبي: (إن قاضي الأولاد شنق نفسه)، لذا فالأفضل أن نحد قدر الإمكان من تدخلنا في المشاجرات الأخوية مكتفين بالحرص على أن لا يلحق أحد المتخاصمين أذى بالآخر، أو أن يتسلط عليه بشكل دائم، وكما أشرنا فإن لهذه المشاجرات حسناتها على كل حال؛ إذ من شأنها أن تدرب أولادنا على الصراع الذي لابد من أن يواجهوه في المجتمع، فيتعلم كل واحد منهم من خلالها أن يؤكد ذاته مع مراعاة وجود الآخر ومصلحة الآخر ووجهة نظر الآخر وواقع ميزان القوى، فيتخطى هكذا تحكم محورية الذات به، وينمو في النضج النفسي والقدرة على مواجهة الواقع والتكيف مع متطلبات الحياة الاجتماعية، أما إذا اضطررنا إلى التدخل لوضع حد للغلو في العنف فليكن تدخلنا بحزم مقرون بالصفاء والتفهم، فلا يشعر المذنب بأننا ننبذه أو نحرمه من حبنا وتقديرنا، ويحتار الآباء ويتضايقون عندما يتشاجر أبناؤهم، هل الأفضل أن يتدخلوا بينهم ليحلوا مشاكلهم أم يدعوهم وشأنهم يحلونها بأنفسهم؟
وينصح خبراء تربية الطفل الآباء بعدم التدخل في هذه المشاجرات، وإذا استدعى الأمر تدخلهم فإن عليهم عدم إصدار الأحكام على أبنائهم؛ لأن ذلك يشعل الشجار أكثر بينهم، فالأم التي تلوم ابنها لأنه تشاجر مع أخته قائلة: عليك أن تحبها لأنها أختك. أو تقول له: أختك الصغيرة طيبة معك، لماذا أنت شرس دائماً معها فالأم جعلت من نفسها حكماً؛ لأنها لامت ابنها ووقفت إلى جانب ابنتها، وساهمت بذلك في إشعال المشاجرة بين الأخوين.
وإليك المثال الآتي الذي نبين من خلاله خطأ تدخل الوالدين في مشاجرات الأطفال والانحياز لأحدهما:
ركض أحمد البالغ من العمر تسع سنوات إلى أمه شاكياً اعتداء أخيه عليه قائلاً: أمي! ضربني عبد الرحمن في بطني. قالت الأم: لا أترككما دقيقتين وحدكما حتى تبدأا في الشجار! من الذي بدأ الشجار هذه المرة؟ أجاب أحمد: هو الذي جاء إلى غرفتي. قالت الأم لعبد الرحمن: لماذا لا تترك أخاك وشأنه حتى لا تسبب لنفسك المتاعب؟ قال عبد الرحمن لأخيه: ما أكثر ما تأتي! أنا أكرهك. رد أحمد غاضباً: أنت الذي بدأت. وتدخلت الأم مرة أخرى قائلة: ابتعدا عن بعضكما إذا كنتما لا تستطيعان البقاء معاً دونما شجار. قال عبد الرحمن: أنا لم أفعل أي شيء، أنت دائماً تلومينني أنا. أجابت الأم: عبد الرحمن! أنا أعرفك جيداً، ألا تقوم بأي عمل مفيد تشغل به وقتك بدل أن تتشاجر مع أخيك، لا أريدكما أن تلمسا بعضاً بعد اليوم.
إذا عدنا إلى استعراض الموقف لوجدنا أن الأم أخطأت خطأين، أخطأت عندما سألت طفليها قائلة: من بدأ هذه المرة؟ لأنها عندما تسأل مثل هذا السؤال كأنها تتطلع إلى معرفة الغالب والمغلوب؟ أي: لا بد أن يكون أحدهما على خطأ والثاني على صواب، وعندما تحدد الأم موقفها من شجار أطفالها بهذه الطريقة فإنها تبدو وكأنها تدعو أبناءها أيضاً إلى الاستمرار في الشجار، ومن سيكون مغلوباً هذه المرة ومن سيغلب في المرة القادمة.
أخطأت الأم أيضاً عندما هاجمت ابنها عبد الرحمن قائلة: ألا تستطيع أن تقوم بأي عمل مفيد بدل أن تتشاجر مع أخيك. لأنها أثارت غضبه أكثر بسبب لومها له وعدم لومها لأحمد، ثم أشعلت ثورته أيضاً على أخيه لأنه اشتكى إلى أمهما، وهذا الشعور لا يجعله راغباً في تطوير سلوكه، ولماذا يفعل ذلك إذا كانت أمه ستلومه دائماً ولن تلوم أخاه، لذا كان على هذه الأم أن لا تتدخل في مشاجرة ولديها ولا تحكم على سلوكهما.
ولكي تتضح لنا مدى إيجابية تصرفات الوالدين عندما يبتعدان عن إصدار الحكم على سلوك أبنائهم نذكر هذا المثال:
وقفت الأم في المطبخ تعد فطيرة للعائلة، وأقبل ولداها: كمال البالغ من العمر خمس سنوات، وحسام الذي لا يتجاوز الثالثة من عمره، قال كمال: أنا الذي طلبت أولاً أن أضع الدقيق. قال حسام: لا. أنا الأول. علقت الأم قائلة: حسناً سنقوم معا بعمل الفطيرة. قال حسام: أنا أريد أن أكسر البيض. رد كمال: لا. أنا أريد أن أكسر البيض. وكانت الأم ماهرة في تعليقها عندما قالت: إن كنتما غير قادرين على تقرير من سيكسر البيض سأقوم أنا بذلك. احتج الطفلان على والدتهما، قالت الأم: إذاً دعونا ننظر إلى ما بقي لنا من الفطيرة لم نقم به، سنحتاج لشخص يقيس الماء ويصبه، اختار كمال قياس الماء، وأراد حسام أن يكسر البيض، وحل الطفلان المشكلة بينهما دون أن تتدخل الأم كحكم بينهما.
إن أغلب الشجار بين الأبناء سببه شد انتباه هؤلاء الأبناء لآبائهم ليدركوا من خلال تدخلهم أيهما أقرب إلى نفس والديه، فليحذر الآباء من السقوط في هذه المصيدة، وليجعلوا تدخلهم في حدود المعقول، وبدون إصدار أحكام مسبقة على أحد الطفلين حتى لا يشعر بالظلم, بالتالي لا يرغب في تطوير سلوكه.
حينما يعرف الأطفال أن عليهم أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم فإنهم كثيراً ما سيتوقفون عن الذهاب لوالديهم بشكاواهم ضد إخوتهم، فكثيراً ما يكون الأطفال قادرين على إيجاد حلول عملية لمشكلاتهم إذا تركوا لأنفسهم.
مثال آخر: أم تحاول العزل دائماً، ومع ذلك يتشاجر الولد والبنت دائماً بحجة أنها أعطته أكثر منها.
الحل المحتمل:
الطريقة الأولى: يمكن أن تتجاهل الأم مطالبتهما بالعدل وتؤدي الأمر بالطريقة التي تراها مناسبة.
الطريقة الثانية: أن تبذل جهدها في تحري العدل والمساواة، وتفهم الطفل أن الحياة ليست دائماً عادلة، وأن الأشياء لا تكون متساوية دوماً.
الطريقة الثالثة: أن تصر الأم على التدقيق الشديد في العدل، وبصورة فيها سخرية منهما وبيان لسخافتهما في التنطع في مسألة العدل، فإذا أتى بقطعة حلوى مثلاً فإنها تقيسها لهم بالمسطرة، أو تزنها بالميزان، مع المبالغة في ذلك، ومعظم الأطفال إذا رأوا ذلك يكتشفون فوراً موضع السخرية، ويتلقنون الدرس، ويعرفون أن العدل المطلق أمر صعب.
الطريقة الرابعة: أن تطلب الأم من أحد الطفلين أن يقسم الشيء المختلف عليه، ثم تطلب من الآخر أن يختار، وهذه أيضاً طريقة ناجحة، لكن من أفضل طرق التعامل مع هذه المشاكل -كما نفهم مما تقدم من الكلام- أن نقوم بنقل المسئولية إلى الأطفال، أو نجعل الكرة في ملعبهم كما يقولون، فالمربي إما أن يتبع أسلوب المسئولية الفردية أو يتبع طريقة تحميل الطفل نفي المسئولية، فإذا سلكنا أسلوب المسئولية الفردية حينما يقوم المربي بإسناد حل المشكلة إلى الابن فيسلك أحد الاتجاهين: الاتجاه الأول: يخشى المربي أن تؤثر هذه المشاكل على حياة ابنه، فيتدخل في حمايته فيحرمه التدريب على الأساليب الملائمة لحلها ومواجهتها.
هذا الاتجاه -أن الأب هو الذي يحل المشكلة- تكمن سلبياته في أنه يجعل الابن يعتمد على والديه دون أن يتحمل المسئولية بنفسه في سبيل إيجاد حلول مناسبة، كما أنه يحرم من تحمل المسئولية والصعوبات التي تواجهه؛ لأنه تعود أن تصله الحلول جاهزة دون معاناة، ويحرم من النجاح والخبرة في التجارب الواقعية.
الاتجاه الثاني: أن يحرص الوالدان على تحميله المسئولية ويراقبانه من بعيد.
مثال: حينما يقصر هذا الابن في التعامل مع إخوانه في المنزل، ويتعدى عليهم بالشتم أو الخشونة والضرب نستعمل مهارات التواصل، أولاً: بالتعبير عن المشاعر، ثم بنقل المسئولية، ثم بزرع الثقة.
فنعبر عن المشاعر بأن تقول له: لقد قلت مراراً: إن علاقتك بإخوانك سلبية، ودائماً نحثك على معاملتهم جيداً لكنك تضربهم. فأنت هنا عبرت عن مشاعرك، ثم تنقل إليه المسئولية فتقول: سأعتبر أن هذا من مسئولياتك. وأنظر في هذه اللحظة. ثم تقوم بزرع الثقة وتقول له: عندي قناعة أن لديك قدرة على التعامل مع إخوتك باحترام، ومعرفة السلوك الصحيح في هذا الأمر.
خير وقت للتدخل في خصام الأطفال هو قبل وقوع الخصام، فعلى الأم أن تكتشف الحدود العادية لقدرتهم في بقاء بعضهم مع بعض في سلام، ثم تحاول أن تفصل بينهم وتبعدهم عن بعضهم قبل أن يصلوا إلى هذه الحدود، ولو أن الأب كان معهم في هذا، وتخصص لهم -أيضاً- الأم أعمالاً منفردة ينشغل بها كل على حدة، بل ربما يصل الأمر أحياناً إلى أن يكون أحدهم خارج المنزل، أو عند أحد الأقارب، أو ربما يصل الأمر أحياناً إلى الفصل بينهم في مواعيد الطعام كنوع من التحكم في زمان ومكان الاجتماع، بأن نخصص لكل واحد منهما مكاناً خاصاً به لا يسمح للآخرين بغزوه.
إذاً هناك مبدءان متداخلان: الأول هو التفريق بين الأطفال بقدر الإمكان.
الثاني: استحضار أن الخصام أمر فطري، وأننا ننتظر بصبر إلى أن يكبروا ويتجاوزوا هذه المرحلة؛ لأن الإخوة يزيد تساهمهم كلما كبروا في السن.
تقول أم: كنت فيما مضى أحاول إيقاف الشجار، ولكني أقلعت الآن عن هذه المحاولات، إن إيقاف خصامهما يشبه إيقاف تنافسهما، ومع ذلك فإني أعتقد أن الزمان كفيل بتخفيف خصامهما والتوفيق بينهما، إنهما الآن وقد بلغ أكبرهما العاشرة يتخاصمان بالكلام أكثر من خصامهما بالأيدي، وإني أنتظر اليوم الذي سيكفان فيه عن الخصام نهائياً.
إذاً الخصام يخف مع التقدم في العمر ويتغير نوعه.
والأساليب التالية يمكن أن تساعد في الوقاية من بعض أشكال التنافس بين الإخوة:
- اجعل كل طفل يشعر بأنه محبوب وذو قيمة بذاته.
- عامل جميع الأطفال بعدالة، وتجنب الانسجام والتفضيل الواضح لبعض أطفالك على بعضهم الآخر.
- يجب إشباع الحاجات النفسية للأبناء، كالحب والأمن والطمأنينة والتقدير والمركز والثقة في النفس، مع معاملة الإخوة جميعاً على أنهم متساوون بأسلوب عادل يتسم بالحزم المشبع بالمحبة والعطف والدفء والمرونة.
- هيئ الأطفال لاستقبال المولود الجديد، وذلك عن طريق إخبارهم في وقت مبكر عن توقع ولادة أخ جديد لهم.
- راع الفروق الفردية في جميع مجالات التعامل مع الأطفال.
- اجعل لكل طفل وقتاً خاصاً تقضيه معه بحيث يكون مركز انتباهك.
- زود الطفل بأكبر قدر من الخصوصية.
- علم الطفل احترام الملكية الخاصة في وقت مبكر.
- اعمل على ترتيب نشاطات جماعية متكررة في الأسرة ذات طبيعة مرحة، مثل النزهات والحفلات والألعاب.
- ضع نظاماً واضحاً بحيث تحدد المسئوليات وتوزع الأعمال البيتية بوضوح، من يفعل كذا، ومتى، ووزع المسئوليات بطريقة لا يصطدم الأطفال معها ببعضهم، واعمل على توزيع المهمات بحيث لا يأخذ أحد الأطفال الأعمال الجيدة باستمرار ويأخذ غيره الأعمال القذرة مثلاً دائماً.
- شكل مجلساً للأسرة، وحدد أوقاتاً معينة يلتقي خلالها جميع أفرادها للمناقشة وتبادل الآراء والاستماع للشكاوى والتخطيط، ويمكن للأطفال أن يعبروا عن مشاعرهم في هذه الأوقات، وأن يكونوا على ثقة بأنهم سوف يعاملون بعدالة.
- تجنب الحماية الزائدة للطفل الأصغر في الأسرة.
- لا تجعل أحد الأطفال أباً بديلا يقوم على رعاية الأصغر.
- أكد على أطفالك أن يكونوا متعاطفين مع بعضهم، وأن يهتم كل منهم بما يتركه سلوكه من أثر في مشاعر الآخرين.
إعادة كلام الطفل، فإعادة كلام الطفل وهو يتشاجر مع أخيه وسيلة أخرى يستطيع بها الآباء معالجة المشاجرات التي تشب بين الأبناء، وهاك المثال العملي:
فكر أب في طريقة يعالج من خلالها مشاجرة بين ولديه، فوجد أنه عندما أخذ يعيد كلام ابنه الآخر دون أن يصدر حكماً على أحدهما جاء بنتيجة إيجابية، اشتكى حسام البالغ من العمر ثلاث سنوات لوالده ضرب أخيه الأكبر عادل له قائلاً: أبي! عادل ضربني. قال الأب: عادل! تعال هنا. حسام يقول: إنك ضربته. قال: عادل: لا. حسام يكذب، أنا لم أضربه! قال الأب لحسام: عادل يقول: إنه لم يضربك. رد حسام: لا. هو الذي يكذب، أحلف أنه ضربني. أجاب الأب بحزم وهو يضع قاعدة على أبنائه الالتزام بها: حسناً الضرب أمر غير مسموح به في هذا البيت، هل سمعتما؟ عاد حسام يشد لعبة عادل ليأخذها، قال عادل لأخيه: لا تلمس لعبتي. أجاب حسام متحدياً: بل سألمسها وآخذها منك. قال عادل: هذه اللعبة ملكي ولن تستطيع أن تأخذها. تدخل الأب قائلا: عادل! حسام يريد أن يمسك لعبتك. قال الأب: حسام! عادل يقول: إنك لن تستطيع أن تأخذ لعبته. هل يمكنكما أن تحلا مشكلتكما معاً؟ واندهش الأب عندما رأى أن ابنه حسام يحاول أن يحل المشكلة قائلاً: عادل! هل أستطيع أن آخذ لعبتك لدقيقة واحدة. رد عادل: لا. هذه اللعبة ملكي. كرر الأب رد عادل قائلاً: حسام! يبدوا أن عادلاً غير مستعد لإعطائك اللعبة، إذا استعد سيعطيك إياها. نظر عادل إلى والده من رد فعله، وبعد لحظات قدم اللعبة إلى حسام.
إذاً إعادة الأب لحديث أبنائه جعله يقف موقفا محايداً، وشجع الأبناء على أن يحلوا مشكلتهم دون أن يتطلعوا إلى أبيهم لفك مشاجرتهم.
هذه -أيضاً- جملة من الإرشادات والأساليب المفيدة لتقليل المجادلات والمشاجرات بين الإخوة في جميع الأعمال:
- تجاهل منازعات الأطفال البسيطة حتى يكون تدخلك فيما بعد أكثر فعالية.
- قم بدور الحكم غير المتحيز، ودون إصدار أحكام مسبقة على أحد الطفلين.
- أصدر حكماً عندما يكون لديك سبب للاعتقاد بوضوح أن أحد الأطفال هو الملوم، أو أن الأطفال غير قادرين على حل مشكلتهم بأنفسهم، فقد يكون عليك أن تقوم بدور القاضي.
- كافئ الأطفال كلما استمروا في اللعب دون شجار، وأكد لهم بأنك سوف تستمر في مكافأتهم كلما ابتعدوا عن الشجار فيما بينهم.
- اعزل الأطفال عن بعضهم كلما تشاجروا، خاصة إذا كانوا في حالة تشاحن دائماً ولم تصلح معهم الطرق الأخرى، وقم باستبعاد ما تشاجروا عليه عنهم.
- اجعل من الواضح لأطفالك -باستخدام عبارات مؤكدة- بأنك لن تسمح لهم بإيذاء بعضهم بعضا جسمياً بالضرب، أو بالكلمات كالسخرية والألقاب، وأنك لن تتسامح تحت أي ظرف تجاه استخدام العنف المادي بين أطفالك أو أي شكل من أشكال الإغاظة الهدامة.
- ابذل جهداً جاداً لفهم الأسباب الكامنة وراء الإغاظة الهدامة، واعمل على إنهاء الأسباب الواقعية التي تجعل أحد الأطفال يشعر بالغيرة من طفل آخر.
- اغرس السلوك الديني وآدابه في نفوس الأطفال، وأشبع حاجاتهم النفسية من مشاعر الأمن والطمأنينة في جو من الحب والاحترام.
- حقق العدالة في معاملة الأطفال، فالتفضيل في المعاملة هو من أهم أسباب غرس بذور الغيرة والحقد بين الإخوة وتنشئة بعض الأطفال على النقمة على الوالدين وبعض أفراد الأسرة، والتي قد تنتقل إلى النقمة على المجتمع عموماً.
- تجنب الاهتمام بإبراز الفروق بين الأطفال عن طريق عقد المقارنة؛ لكون الطفل يقارن نفسه عادة بغيره من إخوته من حيث الجنس ذكراً أو أنثى، أو من حيث السن صغيراً أو كبيراً، أو من حيث القدرات العقلية والبدنية، أو من حيث الجمال الطبيعي وغير ذلك.
ولذا فمن الخطأ اهتمام الآباء بالمقارنة بإبراز هذه الفروق، وإن كان لا بد من وضع أفضلية للخلق والتدين والجد في الدراسة.
نختم هذا الحديث بنصائح تربوية عامة للآباء تفيد في قضية تشاجر الأشقاء وأيضاً في غيرها
إنه من الخطأ أن يتوقع الآباء أن يتصرف الأبناء بعقلية الآباء، فعقلية الآباء هي خلاصة خبراتهم وتجاربهم لسنوات طويلة، وإن نفسية الأطفال تختلف عن نفسية الكبار، ولذلك يجب على الآباء مراعاة ما يلي:
- أن تحافظ الأم على هدوئها بقدر الإمكان أثناء ثورة الغضب التي يجتازها ابنها، وأن تشعره بأنها تعلم أنه غاضب، وأن من حقه أن يغضب، ولكن من الخطأ أن يعبر عن الغضب بهذا الأسلوب، وأنه يجب أن يعدل سلوكه ويصبح كالآخرين، أي: يغضب ولكن دون أن ينفعل وينفجر بالبكاء ويلجأ إلى الرفس والضرب، كما عليها أن تؤكد له دائماً أن ما فعله لن يؤثر على علاقتها به، وأنه لا يزال ابنها المحبوب لتعلمه التسامح.
- أن يكون الآباء قدوة حسنة للأطفال، فيقلعون عن عصبيتهم وثورتهم لأتفه الأمور أمام الأبناء، ويعملون جهدهم لضبط النفس قدر الإمكان حتى لا يقلدهم الأطفال، بل ينبغي عليهم استعمال الأساليب التي تلتزم جانب الهدوء والصبر والفهم في مواجهة الأمور وحلها حلاً معقولاً بالطرق السلمية، حتى يتعلم الأطفال مواجهة الحياة بأسلوب مرن حكيم غير انفعالي.
- على الآباء أن لا يذيقوا الطفل حلاوة الانتصار بتحقيق الرغبة التي انفجر الطفل باكياً من أجلها وغضب، ذلك لأن ذلك يشجعه على أن تصبح هذه طريقته، أو وسيلته المفضلة في الحصول على ما يريد.
- يجب أن يكون الآباء حذرين للغاية من ربط بين مصلحة نفعية يكسب منها الطفل امتيازاً عن طريق لجوئه إلى حدة الطبع والغضب السريع، فلا مكافأة إلا عندما يظهر سلوكاً وخلقا هادئاً وطبعاً رقيقاً.
- عدم التدخل المبالغ فيه في حياة الأبناء، وإن من الواجب اهتمام الآباء بهم ورعايتهم الرعاية اللازمة، بشرط عدم التدخل المبالغ فيه في شئونهم الخاصة، فعلى الآباء عدم التدخل المبالغ فيه في حياة الأبناء، كأن يرسموا لهم كيف ينفقون مصروف اليد وينتقوا لهم لون ملابسهم.
- إن تدخل الآباء يجب أن يكون تدخلاً مرناً بأسلوب التوجيه وليس بأسلوب الأمر الذي لابد أن يطاع، إن الطاعة العمياء بمجرد الطاعة تخلق من الطفل فرداً لا شخصية له، وعلى هذا الأساس يجب على الآباء الإقلال كلما أمكن من التدخل في أعمال الأطفال وحركاتهم، حتى لا يشعروا بكابوس الكبار، ويثوروا غضباً، أو يلجئوا إلى العناد، وحتى لا يلجئوا إلى استعمال نفس أساليب الآباء مع إخوتهم وأقرانهم من الأطفال فيتشاجرون، ولكن ليس معنى ذلك أبداً أن نترك الحبل على الغارب، خاصة فيما يتعلق بصحة الطفل أو المحافظة على حياته.
- أيضاً مساعدة الطفل قدر الإمكان في تحقيق رغباته المشروعة، والتنفيس عن مشاريعه المكبوته بمنجزات ابتكارية، وذلك بتحويل نشاط الطفل إلى بعض الهوايات، أو الأشغال اليدوية، أو التلوين، أو اللعب بالطين والصلصال والنجارة وغيرها، واللعب مع رفاق من سنه.
إن الطفل الغضوب هو في الواقع طفل عذبه الشعور بالإحباط والكبت، ومثل هذه الأنشطة تجعله ينفس عن هذا الإحباط، وإن كان قليل من الشعور بالإحباط مفيداً لبناء الشخصية السوية، وكثير منه يؤدي إلى المرض النفسي، لذلك كلما أمكننا مساعدة الطفل على اكتساب الخبرات دون إحباطه كلما أمكنه مواجهة مشاكل الحياة بأسلوب سوي.
- وكذلك عدم التوبيخ، خصوصاً أمام طفل آخر، أو أمام الضيوف، بل لا تجوز مناقشة الطفل أو مشاكله مع غيره على مسمع منه، كما لا يجوز استعمال النقد أو العنف أو الشدة كوسيلة لإرغام الطفل على طاعتنا.
- أيضاً لا يجوز أن نعبث بممتلكات الطفل أو نسمح لغيره من الأطفال بذلك، كما لا يجوز أن نحرمه منها لمجرد غضبنا منه لسبب ما، وفي الوقت نفسه لا نظهر أمامه الضعف أو التراخي أو الإهمال أو الشدة من أحد الأبوين والليونة أو التدليل من الآخر، فكلما كانت سياستنا مع الأطفال ثابتة ومرنة وبدون قلق كلما منعنا نوبات الغضب والعناد والتشاجر عند الأطفال.
- يجب أن يسود الأسرة روح التعاون والود والتسامح، فكلما شعر الطفل بالاستقرار والهدوء النفسي، وكلما وجه نشاطه وطاقته وحيويته وجهة اجتماعية تساعده على تعلم أساليب الأخذ والعطاء وتجعله ينمو نمواً سوياً، كلما كف عن أساليب الطفولة الأولى التي تتميز بالغضب والعناد والتشاجر أحياناً، وعند تشاجر الأطفال من سن متقاربة يحسن -ما أمكن- تركهم ليحلوا مشاكلهم بأنفسهم، وإذا كانت هناك ضرورة لتدخل من الكبار فيجب أن تكون للتوجيه والصلح الهادئ دون تحيز لطفل.
- في الواقع أن الدراسات العلمية أثبت أن كثيراً من حالات الغضب والعناد وكثرة التشاجر عند الأطفال مرجعها في الغالب الآباء أنفسهم، أي أن الآباء كثيراً ما يكونون مصدر هذه المشاكل بسلوكهم الذي يتسم بالحزم المبالغ فيه، والسيطرة الكاملة على الطفل، ورغبتهم في طاعة أوامرهم طاعة عمياء، وبثورة الآباء وشجارهم في المنزل لأتفه الأسباب.
مثل هؤلاء الآباء يجب أن يدركوا أنه من الواجب إصلاح أنفسهم حتى يمكن إصلاح أبنائهم وعلاجهم من مشاكلهم النفسية أو السلوكية كالغضب والعناد والتشاجر، بعبارة أخرى: ينبغي الاهتمام بتربية الآباء قبل الاهتمام بتربية الأبناء.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك -اللهم- ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.