أطفالنا والصلاة


الحلقة مفرغة

تعليم الأطفال الصلاة عن طريق القدوة الحسنة

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.

ثم أما بعد:

فمن أنواع البناء التربوي للأطفال: البناء العبادي، أي: بناؤهم في ناحية العبادة، وأهم العبادة بلا شك هو ركن الصلاة، فالأطفال يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيح، ويرون آباءهم أكمل الناس وأفضلهم، ولذلك يحاكونهم ويقتدون بهم، ففي السن المبكرة لا يكتفي الأطفال بمجرد تلقين معلومات لا يكون لها أثر مثلما يكون الأثر عن طريق القدوة العملية؛ لأن الفترات الأولى للطفل يتأثر فيها بالتفكير المادي أو الحسي، فهو يتأثر بالأمور المحسوسة ويعيها جيداً.

مثال: إذا حدثت طفلاً عمره ثلاث سنين لا تستطيع أن تكلمه عن المعاني المجردة : الجمال والعدل والسماحة والكرم وهكذا؛ لأن هذه لا يدركها الطفل لأنها معانٍ مجردة، لكنه يدرك الأمور المحسوسة ويتأثر بها جداً.

فموضوع القدوة في حياة الطفل يعتبر من أخطر وسائل التربية وأشدها أثراً على الإطلاق؛ ففي السن المبكرة لا يتأثر الأطفال بالتلقين -الكلام الشفوي- إذا لم توجد أمامهم القدوة الصالحة التي تترجم بصورة عملية المعاني المجربة، ولذلك فإن أفضل وأعمق طريقة تؤثر في حفر قيمة الصلاة في نفوس الأبناء، هي أن يروا أبويهم يحافظان على الصلاة أمامهم باستمرار، أما الأب فبصلاة النافلة في البيت، وأما الأم فالفريضة، وإذا صلى الوالد دون أن يأمر الأطفال الصغار -ممن دون السابعة بالتحديد- فسوف يجد الأب أن الطفلة تذهب بجوار الذي يصلي وتقوم بتقليده، وتقلده في الحركات بطريقة سائدة معروفة، تنظر إليه وهو يسجد وتنظر كيف يصلي حتى تقلده في الحركات، فهو لم يدعوها أصلاً للصلاة لكن الطفل يتقمص فعل الأب، والتقمص يعتبر من أعلى مراتب التقليد، بل أعمق وأقوى صور التقليد والمحاكاة هي التقمص، فهو يتوحد مع أبيه أو يتقمصه ويفعل ما يراه بطريقة عملية.

وكما تكلمنا من قبل مراراً أن موضوع التربية لا يكون بأن يقول الأب لأولاده: تعالوا معنا الآن إلى حصة تربية، ثم يعطيهم محاضرات! لأن التربية عملية مستمرة خلال الأربع والعشرين ساعة في كل سلوك يفعله الآباء بالذات، فعندما يقول الأب مثلاً لابنه: إذا اتصل أحد يريدني فقل: أبي غير موجود. فهذه تربية على الكذب واستباحة له، وأن الكذب يعتبر طريقة مقبولة للتخلص من الحرج، أو واحد يطرق الباب فتقول: قل له أبي غير موجود، فيقول: أبي يقول لك إنه غير موجود، فالطفل بهذه الطريقة يتشرب الكذب، وأنت بهذا تعلمه كيف يستطيع التخلص من المواقف بالكذب، أو إذا كان الأب يخون الأمانة، أو يكيد لزملائه ثم يحكي ذلك في البيت والطفل يسمعه .. كل هذه وسائل تربية تترك بصمات عميقة الأثر مدى الحياة في ذلك الطفل.

فإذاً: مجرد التلقين بالكلام والوعظ الشفهي بالنسبة للأطفال لا يؤثر فيهم ما لم توجد أمامهم صورة عملية، يسمونها: (كونتريك سنجل)، أي: تفكير متحجر، ليس هو تفكير المعاني المجردة، وإنما هو التفكير الحسي، ولابد من وجود شيء حسي وليس شيئاً معنوياً فقط مثل قيم الجمال، والتسامح والعدالة والنزاهة، لأن الطفل في غفلة عن مثل هذه المعاني ، لكنه لا بد أن يوجه بشيء حسي، فإنه يجسد الصورة التي يتوحد معها هذا الطفل.

إذاً: محافظة الأب أو الأم على الصلاة تؤثر في الأطفال أعمق الأثر، وتحفر الصلاة في وجدانهم حفراً.

الدعاء من وسائل التربية على الصلاة

كذلك من الأسباب التي ينبغي أن لا نغفل عنها عند تربية الأطفال على المحافظة على الصلاة: أن يستعين الإنسان بدعاء الله عز وجل، وأن يتأسى بإبراهيم عليه السلام لما كان يقول في دعائه: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم:40]، ينبغي للإنسان أن يلهج بهذا الدعاء في كل مناسبة، ويتحرى أوقات الإجابة؛ لأن الدعاء بلا شك من أنجح وأقوى أسباب حصول المقاصد.

استخدام العقاب في الحث على الصلاة

على الأب أو المربي أن يعلم أن العقاب البدني بشروطه هو الوسيلة الأخيرة للتربية، كي لا يتعود عليه الطفل، وبالتالي لا يجدي استعماله فيما بعد، فمسألة العقاب البدني بالنسبة للطفل موضوع شائك للغاية، ويساء فهمه، وبالتالي تطبيقه عند كثير من الناس، وله ضوابط إن شاء الله سنتكلم عنها فيما بعد، وأرجو أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن، ونحاول أن نفرده من بعد ضمن الموضوعات التربوية المهمة؛ لأن دفع المضار مقدم على جلب المنافع، فموضوع الضرب يحصل نتيجة الجهل الواقع في الناس بموضوع التربية، ومن الناس من يتصور أنه إذا لم يضرب أنه من الممكن أن يضيع سُنة ويقع منه تقصير، حيث لم يضرب الأطفال؟!

نعم. ليس هناك نزاع على الإطلاق في أهمية وضرورة مبدأ الثواب والعقاب في التربية، أي أن مبدأ الثواب والعقاب مبدأ أساسي مهم، لكن أنواع الثواب أو أنواع العقاب تعتبر مسألة أخرى؛ إذ ليس من شرط العقاب أن يكون بالضرب.

والضرب له شروط كثيرة، لكن متى شرع الضرب؟ قال عليه الصلاة والسلام: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين)، فإذا كانت الصلاة التي مقامها في الإسلام عالٍ, وشأنها هذا الشأن العظيم، لا يضرب عليها الطفل إلا بعد بلوغ العاشرة، فكيف بغيرها؟ وهل هناك شيء أهم من الصلاة؟

سنرى بعض الآباء القساة الغلاظ القلوب يضربون الأطفال ضرباً مبرحاً على أتفه الأشياء، والشيء الغريب والخطيئة المتكررة في التربية أن كثيراً من المربين لا يتفطن إلى حقيقة هي: أن طفلك ليس أنت، فلا يجعل الإنسان عقله بعقل الطفل، وإلا فإنه إنما يضرب بعنف لأنه خرج الضرب عن كونه نوعاً من أنواع العلاج ..

الضرب شرع بشروط كعلاج، لكن إذا كان سيتحول إلى داء لا دواء فلا داعي له، لأنه له هدف تربوي؛ ولذلك لا يجوز للإنسان أن يضرب وهو غضبان، والشرع الشريف والآداب الشرعية لا تبيح لك ضرب الطفل وأنت غضبان، بل عليك أن تتريث حتى تذهب سورة غضبك, وتقرر الضرب وأنت هادئ؛ لأنك عند الهدوء سيكون الهدف من الضرب هو التقويم والعلاج، لكن في حالة الغضب سيكون الهدف هو إفراغ شحنة الغضب في ضرب الطفل، ولن يتوقف الضرب حتى تهدأ النفس وتخرج شحنة الغضب، فبالتالي ليس هذا هو الضرب المشروع أو المقصود بتربية الطفل.

إذاً: فقد خرج إلى كونه وسيلة عقاب وانتقام للنفس وإخراج شحنة الغضب، وليس هناك تكافؤ بين الطفل الصغير والإنسان الضخم كبير العضلات والقوة، لذلك فإن الضرب لابد أن يصدر من الإنسان وهو في غاية الهدوء والاتزان، ثم يقرر أن الضرب في مصلحة، وبالتالي سيكون ضرباً رفيقاً لا كضرب العبيد، كما يحصل من بعض الجفاة.

فعلى كل الأحوال قضية الثواب والعقاب لا مناص منها في العملية التربوية؛ لأنها وسيلة من وسائل التربية، لكن معنى العقاب أشمل من أن يكون بالضرب، ووسائل العقاب كثيرة متعددة، كما أن العقاب لابد وأن يكون متناسباً مع حجم الخطأ، فلا يكون عقاباً شديداً على خطأ تافه.

كما أنه لابد أن يعرف المربي أن العقاب البدني إنما هو الوسيلة الأخيرة للعقاب، وآخر مرحلة من مراحل العقاب؛ لأن الطفل إذا ما اعتاد أن الأب دائماً يستعمل ضده سلاح الضرب فسوف يفقد هذا السلاح تأثيره، ويفقد الطفل الإحساس بالضرب، ويشعر أن كرامته قد أهدرت منذ زمن، ومن المؤكد أن الضرب عند الناس المتهورين يرتبط بالتحقير والشتم والسب ونحو هذه الألفاظ، والطفل إذا ما تأثر بهذه الأشياء فلن يفيد حينها استعمال الضرب معه فيما بعد وسيفقد تأثيره معه، لكن كلما كان نادراً ومنضبطاً كلما أتى بالتأثير.

أسلوب التعليم النظري والعملي للصلاة

على الأب أن يعلم ولده الوضوء والطهارة بالشرح النظري، ثم بالتدريب العملي المتكرر، مع تبسيط الأمر بقدر المستطاع، فلا تكثر عليه من الأدعية أو السنن في المراحل الأولى، ولكن بنوع من التبسيط الشديد في العبارة، فيعلمه الوضوء والطهارة بالشرح النظري، ثم بعد ذلك بالتدريب العملي المتكرر، فيمثل نموذجاً للوضوء أمامه ويجعله يكرر ذلك خطوة خطوة كما يفعل هو في الوضوء، ويسمح له بالتطبيق أمامه، فإن أخطأ في عمله علمه ووجهه بلطف وبدون تعنيف، فإذا أتقن الوضوء مدحه واحتضنه وقبله مشعراً إياه برضاه عنه، وهذا نوع من المثوبة المعنوية (المدح بالثناء عليه)، ولا يشترط أن يكون الثواب دائماً بالحلوى والنقود، لكن ممكن بأن يظهر الرضا عنه وتقديره لما صنع بغيرها.

كذلك يعلمه فضائل الوضوء ويحفزه على الحرص على تحصيل ثوابه.

ويلاحظ أننا نهتم كثيراً بأمور الترهيب مع الطفل، وإن كان ولا بد من الترهيب فيكون الترهيب بصورة عامة دون أن تقول له مثلا:ً إذا لم تصل فسوف تدخل النار، وسوف يعذبك الله بكذا وكذا، لكن قل: من لا يصلي يعاقبه الله؛ لأن الأول كذب، والطفل إذا لم يصل فلن يدخل النار، لأنه غير مكلف، فلينتبه إلى مثل هذا.

أسلوب التربية بالعادة

كذلك يتم تعليمه الصلاة منذ السن الباكرة دون توجيه مباشر، بل يكرر الأب صلاة النوافل في المنزل على مشهد من أولاده، وهم سوف يتأثرون بما يرونه أعمق الأثر، إذا رأوا أباهم يمرغ وجهه لله عز وجل ساجداً، قائماً خاشعاً، قد استغرقته الصلاة وصرفته تماماً عما حوله؛ لأن الطفل مع الوقت يلاحظ ويستنتج أن الذي يدخل في الصلاة لا يجوز أن يكلمه أحد، ولا أن يأكل أو يشرب؛ لأن الصلاة قد استحوذت على كل كيانه.

الشاهد: أن الطفل سوف يعلم من هذا المشهد أن أباه متى ما دخل في الصلاة فإنه لن يستجيب له، وكذلك أمه.

وكذلك صلاة الأب خاشعاً لله سبحانه وتعالى وهذا مما يؤثر فيه أعمق الأثر, ومن شأنه أن يغرس في نفوس الأطفال عظمة الله سبحانه وتعالى.

وهذه هي التربية بالعادة، فهم يتعرفون على أعمال الصلاة ويحبونها بالعادة.

مثلاً: حينما ينام تلقنه بعض أذكار المساء، وحينما يأتي الصباح تلقنه بعض أذكار الصباح، ومن ثمَّ تتحول إلى عادة يواظب عليها،وهذا مما يعينه فيما بعد على الاستقامة على هذه الأمور الشرعية.

التساهل مع الطفل في شروط الصلاة

كذلك لا يشتد الأب مع الطفل قبل سن التمييز في أمر الطهارة للصلاة وستر العورة، بمعنى: ممكن أن الطفل يأتي إلى الصلاة حتى في سن السابعة أو فما فوق وهو مقصر في بعض أركان وشروط الصلاة خصوصاً في ستر العورة؛ لأن صلاته تصح، ومعلوم حديث الصبي الذي كان يصلي بالناس، فاشتكى النساء وقلن: استروا عنا عورة صاحبكم. فقد كان أثناء الصلاة ينكشف منه شيء، فالشاهد أن صلاته كانت صحيحة.

فإذاً: لا بأس بالتساهل في تحصيل شروط الصلاة في مراحل التدريب الأولى، كأن يسجد في أي الأحوال أو في أي الأوضاع، فهذا فيه نوع من التدريب، يعني: لا تتشدد معه قبل سن التمييز في أمر الطهارة للصلاة وستر العورة، بل اتركه يقلدك كيفما كان، ولا تكفه عن التقليد؛ لأن زجره في هذه السن وهو غير مكلف ينفره من الصلاة.

عدم تصيد الأخطاء للطفل الذي يواظب على الصلاة

الأمر الآخر: الطفل الذي يصلي لا نتصيد له الأخطاء، وكلما غلط غلطاً تقول له: أنت تصلي وتعمل كذا، أو: أنت تصلي ولا تسمع كلام أمك ... إلى آخره. هذا سوف يكرهه في الصلاة، وسيحتسب الصلاة عبئاً شديداً عليه فينفر منها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن منكم لمنفرين، بشروا ولا تنفروا).

فبالعكس.. نتغاضى عن أخطائه؛ لأنه من حقه أن يخطئ في هذا السن، ويتعلم من التجربة والخطأ، ويمكن تحويل العبارة بطريقة أكثر إيجابية، واستبدال هذا التوبيخ المباشر الذي قد يشعره بأن الصلاة عبء عليه، وأنه إذا تخلص من الصلاة سوف يتخلص من كل هذا التوبيخ؛ لأن الذي لا يصلي لا يعاتب.

وهذا يحدث أيضاً مع البنات في موضوع الحجاب فيقولون لها: أنت محجبة وتفعلين كذا. والصحيح أن يقال لها: أنت محجبة ومؤدبة ومهذبة، والذي يليق بك أن تفعلي كذا وكذا، بدون إظهار النقد الهدام.

تهيئة الطفل لاستقبال الصلاة بعد سن السابعة

هناك مناسبة: وهي بلوغ الطفل سن السابعة من العمر في التقويم الهجري، وهنا يجب على الأب أن يأمره بالصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين)، وأيضاً يأمره بتحصيل شروطها كالطهارة وستر العورة.

مع العلم أن التدريب المبكر على الصلاة بلطف وبرفق مع الاستمرار يجعل الصلاة في حياة هذا الطفل جزءاً من كيانه لا يمكن أن ينفصل عنه أبداً، فإذا أحكمنا غرس الشعور بأن الصلاة جزء من شخصيته وهويته وكيانه؛ كان هذا أدعى إلى أن يتمسك بها حينما تجب عليه ولا يضيعها.

وعند إكمال سن السابعة لا ينبغي أن يمر هذا التاريخ مروراً عابراً، ونحن وإن كنا ضد الاحتفال بعيد الميلاد؛ لأن هذه بدعة ليس لها علاقة بالإسلام، لكن سن السابعة نحن لا نسميه عيد ميلاد، لأن سن السابعة له مناسبة شرعية مهمة جداً، وهي أنه سوف يبدأ بأمره بالصلاة، فيجب على الأب أن يأمره بالصلاة، وهي غير واجبة على الطفل، فبالتالي يجب أن يسلط الضوء على هذا التاريخ، ويعد للطفل مقدمات؛ كأن يقول له: بقي لك أربعة أشهر وتبدأ تصلي مثل الكبار، فتضع له في الكلام شيئاً مغرياً، وأن أملاً كبيراً سيتحقق، وأن فلاناً إذا أكمل السابعة سيحافظ على الصلاة باستمرار ويواظب عليها.

فالمطلوب تعميق هذا الحدث الهام، لأننا نريده أن يعلم أن ما قبله مفصول عما بعده، وأنه الآن يستقبل مرحلة جديدة؛ فلابد أن يهيئ نفسه لها مسبقاً، ولكن ليس على أنها مسئولية ستلقى على كتفه وعبء عليه، ولكن لأنه سيكبر، فتقول له: كم سنك الآن؟ فيقول لك: ست سنوات! فتقول: عندما تبلغ سبعاً ستصبح رجلاً إن شاء الله، فنربطها بشيء يكون له أمل وطموح هو متطلع إليه بلهف.

فإذاً: لا ينبغي أن يمر تاريخ إتمامه سن السابعة مروراً عابراً، بل لابد أن يعمق هذا الحدث الهام من خلال إعلامه قبلها بأنه مقبل على أمر عظيم، وهو اقتراب نوعي لأمره بالصلاة، فإذا بلغ السابعة فصلى أول فرض جمع له أبوه بعض أصدقائه وإخوته في حفل صغير ابتهاجاً بهذه المناسبة الطيبة، وكذلك يأتي له والده بمنبه لمواعيد الصلاة، أو تقويم حتى يعرف مواعيد الأذان، أو يأتي بأي نوع من أنواع الهدايا لمثل هذه المناسبة، أو حلوى يحبها، وكل صديق يحضر له هدية بسيطة، فيحس أن المناسبة عظيمة جداً، لا احتفال بعيد ميلاد، لأن هذا تضخيم للأمر العظيم، والمهم الذي هو مقبل عليه، وهو بداية التحول إلى أداء الصلاة، أو مثلاً يقدم له ساعة لكي يعلم بها مواعيد الصلاة.

متابعة انتظام الطفل في الصلاة وتشجيعه

كذلك ينبغي متابعته في مدى انتظامه للصلاة، وتكرار الأمر بها دون ملل، فإذا شغل الأب أو غاب وكّل من يقوم بمتابعته.

مثاله: لو أن الطفل له لعبة محببة إليه جداً وتريد أن تأمره بالصلاة، فكيف تأمره؟! قل له: صل لكي تلعب.

وعلى كل حال: في هذه الحالة لو شددته من اللعب إلى الصلاة فقد يشعر أنه حرم مما كان يفضله، أو ربما يعاندك، وهو لا يعاندك لأنه لا يريد أن يصلي، لكن لأنه يتمتع باللعب، فالحل في هذه الحالة أن تعمل حسابك قبل موعد الصلاة بعشر دقائق، وتخبره بأن الصلاة ما بقي على وقتها إلا عشر دقائق. فأنت لا تحرمه من اللعب أو تقطعه عن اللعب إلى الصلاة، لكن تأتي إليه قبل موعد الصلاة، وتقول له: بقي على الأذان ربع ساعة أو عشر دقائق؛ أي: فاللعب في هذه الفترة حتى إذا سمعنا الأذان فعليك أن تقوم وتتوضأ وتصلي، فنراعي مثل هذه الأمور.

فإذا شغل الأب أو غاب لأي سبب من الأسباب فإنه يوكل من يقوم بمتابعته من الذين في المنزل ويأمرون الطفل بالصلاة خلال فترة غيابه أو شغله، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعودوهم الخير، فإن الخير عادة)، الحل هو التربية بالعادة، ولا نبخل بمكافئته أحياناً لانتظامه في الصلاة، لكن لا يواظب على ذلك حتى لا نعلمه على أن التعامل تعامل مادي حتى في العبادة، بل نربطه بالثواب له من عند الله سبحانه وتعالى.

وأيضاً المديح له والثناء والتشجيع من الأبوين مثلاً، فلا بأس بمكافئته أحياناً لانتظامه في الصلاة، وإذا حصل منه خطأ فقل له: كنت سوف أحاسبك على هذا الخطأ، لكن لأنك تحافظ على الصلاة فسوف أعفو عنك هذه المرة. هذا نوع أيضاً من المكافئة.

على كل الأحوال بالنسبة للمكافئات المادية لا يواظب المربي على ذلك، وفي نفس الوقت إذا أعطى هدية مادية من وقت إلى آخر ينوعها.

برمجة حياة الطفل ومواعيده بأوقات الصلاة وربطها بما يحبه

كذلك على الأب أن يقرن الأمور المحببة بالصلاة حتى يتعود الطفل ويبرمج حياته على مواعيد الصلاة، مثلاً: بعد صلاة العصر نزهة، أو يشتري له هدية أو لعبة يحبها، فلا تقول له مثلا:ً الساعة السادسة سآخذك وسأعمل كذا، إنما تقول له: بعدما نصلي العصر أو بعدما نصلي المغرب سنعمل كذا، اربط -دائماً- وحدد المواعيد، واضبطها بالصلاة لكي تكون جزءاً أساسياً في الجدول اليومي بالنسبة إليه؛ لأنه إذا عرف أنه بعد الصلاة سيخرج يتنزه فسيتحفز لذلك ويستعد للصلاة في وقتها لاقترانها بأمر محبوب لديه.

كذلك يرتب جميع مواعيده مع أولاده بأوقات الصلاة؛ فيتعلمون تنظيم الوقت بناء على أوقات الصلاة.

كذلك يذكرهم بين الحين والحين بفضائل الصلاة من القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ حتى يكتمل تصورهم الفكري عن الصلاة ومنزلتها في الدين.

يعود الصبي خاصة بعد سن العاشرة على أداء السنن الرواتب مع الصلوات المفروضة، ويحرص على قيام الليل ولو جزءاً يسيراً، فيعلن الأب لأولاده أنه سيقوم ليصلي في الليل وقت كذا وكذا، ثم يتركهم يتنافسون في الاستيقاظ في ذلك الوقت، دون أن يوقظهم الأب لتقوى إرادتهم ويعتادوا من قبل أنفسهم، ويخفف بهم في الصلاة، ومن نعس منهم أمره بالنوم رفقاً به.

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.

ثم أما بعد:

فمن أنواع البناء التربوي للأطفال: البناء العبادي، أي: بناؤهم في ناحية العبادة، وأهم العبادة بلا شك هو ركن الصلاة، فالأطفال يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيح، ويرون آباءهم أكمل الناس وأفضلهم، ولذلك يحاكونهم ويقتدون بهم، ففي السن المبكرة لا يكتفي الأطفال بمجرد تلقين معلومات لا يكون لها أثر مثلما يكون الأثر عن طريق القدوة العملية؛ لأن الفترات الأولى للطفل يتأثر فيها بالتفكير المادي أو الحسي، فهو يتأثر بالأمور المحسوسة ويعيها جيداً.

مثال: إذا حدثت طفلاً عمره ثلاث سنين لا تستطيع أن تكلمه عن المعاني المجردة : الجمال والعدل والسماحة والكرم وهكذا؛ لأن هذه لا يدركها الطفل لأنها معانٍ مجردة، لكنه يدرك الأمور المحسوسة ويتأثر بها جداً.

فموضوع القدوة في حياة الطفل يعتبر من أخطر وسائل التربية وأشدها أثراً على الإطلاق؛ ففي السن المبكرة لا يتأثر الأطفال بالتلقين -الكلام الشفوي- إذا لم توجد أمامهم القدوة الصالحة التي تترجم بصورة عملية المعاني المجربة، ولذلك فإن أفضل وأعمق طريقة تؤثر في حفر قيمة الصلاة في نفوس الأبناء، هي أن يروا أبويهم يحافظان على الصلاة أمامهم باستمرار، أما الأب فبصلاة النافلة في البيت، وأما الأم فالفريضة، وإذا صلى الوالد دون أن يأمر الأطفال الصغار -ممن دون السابعة بالتحديد- فسوف يجد الأب أن الطفلة تذهب بجوار الذي يصلي وتقوم بتقليده، وتقلده في الحركات بطريقة سائدة معروفة، تنظر إليه وهو يسجد وتنظر كيف يصلي حتى تقلده في الحركات، فهو لم يدعوها أصلاً للصلاة لكن الطفل يتقمص فعل الأب، والتقمص يعتبر من أعلى مراتب التقليد، بل أعمق وأقوى صور التقليد والمحاكاة هي التقمص، فهو يتوحد مع أبيه أو يتقمصه ويفعل ما يراه بطريقة عملية.

وكما تكلمنا من قبل مراراً أن موضوع التربية لا يكون بأن يقول الأب لأولاده: تعالوا معنا الآن إلى حصة تربية، ثم يعطيهم محاضرات! لأن التربية عملية مستمرة خلال الأربع والعشرين ساعة في كل سلوك يفعله الآباء بالذات، فعندما يقول الأب مثلاً لابنه: إذا اتصل أحد يريدني فقل: أبي غير موجود. فهذه تربية على الكذب واستباحة له، وأن الكذب يعتبر طريقة مقبولة للتخلص من الحرج، أو واحد يطرق الباب فتقول: قل له أبي غير موجود، فيقول: أبي يقول لك إنه غير موجود، فالطفل بهذه الطريقة يتشرب الكذب، وأنت بهذا تعلمه كيف يستطيع التخلص من المواقف بالكذب، أو إذا كان الأب يخون الأمانة، أو يكيد لزملائه ثم يحكي ذلك في البيت والطفل يسمعه .. كل هذه وسائل تربية تترك بصمات عميقة الأثر مدى الحياة في ذلك الطفل.

فإذاً: مجرد التلقين بالكلام والوعظ الشفهي بالنسبة للأطفال لا يؤثر فيهم ما لم توجد أمامهم صورة عملية، يسمونها: (كونتريك سنجل)، أي: تفكير متحجر، ليس هو تفكير المعاني المجردة، وإنما هو التفكير الحسي، ولابد من وجود شيء حسي وليس شيئاً معنوياً فقط مثل قيم الجمال، والتسامح والعدالة والنزاهة، لأن الطفل في غفلة عن مثل هذه المعاني ، لكنه لا بد أن يوجه بشيء حسي، فإنه يجسد الصورة التي يتوحد معها هذا الطفل.

إذاً: محافظة الأب أو الأم على الصلاة تؤثر في الأطفال أعمق الأثر، وتحفر الصلاة في وجدانهم حفراً.

كذلك من الأسباب التي ينبغي أن لا نغفل عنها عند تربية الأطفال على المحافظة على الصلاة: أن يستعين الإنسان بدعاء الله عز وجل، وأن يتأسى بإبراهيم عليه السلام لما كان يقول في دعائه: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم:40]، ينبغي للإنسان أن يلهج بهذا الدعاء في كل مناسبة، ويتحرى أوقات الإجابة؛ لأن الدعاء بلا شك من أنجح وأقوى أسباب حصول المقاصد.

على الأب أو المربي أن يعلم أن العقاب البدني بشروطه هو الوسيلة الأخيرة للتربية، كي لا يتعود عليه الطفل، وبالتالي لا يجدي استعماله فيما بعد، فمسألة العقاب البدني بالنسبة للطفل موضوع شائك للغاية، ويساء فهمه، وبالتالي تطبيقه عند كثير من الناس، وله ضوابط إن شاء الله سنتكلم عنها فيما بعد، وأرجو أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن، ونحاول أن نفرده من بعد ضمن الموضوعات التربوية المهمة؛ لأن دفع المضار مقدم على جلب المنافع، فموضوع الضرب يحصل نتيجة الجهل الواقع في الناس بموضوع التربية، ومن الناس من يتصور أنه إذا لم يضرب أنه من الممكن أن يضيع سُنة ويقع منه تقصير، حيث لم يضرب الأطفال؟!

نعم. ليس هناك نزاع على الإطلاق في أهمية وضرورة مبدأ الثواب والعقاب في التربية، أي أن مبدأ الثواب والعقاب مبدأ أساسي مهم، لكن أنواع الثواب أو أنواع العقاب تعتبر مسألة أخرى؛ إذ ليس من شرط العقاب أن يكون بالضرب.

والضرب له شروط كثيرة، لكن متى شرع الضرب؟ قال عليه الصلاة والسلام: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين)، فإذا كانت الصلاة التي مقامها في الإسلام عالٍ, وشأنها هذا الشأن العظيم، لا يضرب عليها الطفل إلا بعد بلوغ العاشرة، فكيف بغيرها؟ وهل هناك شيء أهم من الصلاة؟

سنرى بعض الآباء القساة الغلاظ القلوب يضربون الأطفال ضرباً مبرحاً على أتفه الأشياء، والشيء الغريب والخطيئة المتكررة في التربية أن كثيراً من المربين لا يتفطن إلى حقيقة هي: أن طفلك ليس أنت، فلا يجعل الإنسان عقله بعقل الطفل، وإلا فإنه إنما يضرب بعنف لأنه خرج الضرب عن كونه نوعاً من أنواع العلاج ..

الضرب شرع بشروط كعلاج، لكن إذا كان سيتحول إلى داء لا دواء فلا داعي له، لأنه له هدف تربوي؛ ولذلك لا يجوز للإنسان أن يضرب وهو غضبان، والشرع الشريف والآداب الشرعية لا تبيح لك ضرب الطفل وأنت غضبان، بل عليك أن تتريث حتى تذهب سورة غضبك, وتقرر الضرب وأنت هادئ؛ لأنك عند الهدوء سيكون الهدف من الضرب هو التقويم والعلاج، لكن في حالة الغضب سيكون الهدف هو إفراغ شحنة الغضب في ضرب الطفل، ولن يتوقف الضرب حتى تهدأ النفس وتخرج شحنة الغضب، فبالتالي ليس هذا هو الضرب المشروع أو المقصود بتربية الطفل.

إذاً: فقد خرج إلى كونه وسيلة عقاب وانتقام للنفس وإخراج شحنة الغضب، وليس هناك تكافؤ بين الطفل الصغير والإنسان الضخم كبير العضلات والقوة، لذلك فإن الضرب لابد أن يصدر من الإنسان وهو في غاية الهدوء والاتزان، ثم يقرر أن الضرب في مصلحة، وبالتالي سيكون ضرباً رفيقاً لا كضرب العبيد، كما يحصل من بعض الجفاة.

فعلى كل الأحوال قضية الثواب والعقاب لا مناص منها في العملية التربوية؛ لأنها وسيلة من وسائل التربية، لكن معنى العقاب أشمل من أن يكون بالضرب، ووسائل العقاب كثيرة متعددة، كما أن العقاب لابد وأن يكون متناسباً مع حجم الخطأ، فلا يكون عقاباً شديداً على خطأ تافه.

كما أنه لابد أن يعرف المربي أن العقاب البدني إنما هو الوسيلة الأخيرة للعقاب، وآخر مرحلة من مراحل العقاب؛ لأن الطفل إذا ما اعتاد أن الأب دائماً يستعمل ضده سلاح الضرب فسوف يفقد هذا السلاح تأثيره، ويفقد الطفل الإحساس بالضرب، ويشعر أن كرامته قد أهدرت منذ زمن، ومن المؤكد أن الضرب عند الناس المتهورين يرتبط بالتحقير والشتم والسب ونحو هذه الألفاظ، والطفل إذا ما تأثر بهذه الأشياء فلن يفيد حينها استعمال الضرب معه فيما بعد وسيفقد تأثيره معه، لكن كلما كان نادراً ومنضبطاً كلما أتى بالتأثير.