بداية الهداية


الحلقة مفرغة

السبب الأول: دعاء الله وسؤاله تجديد الإيمان

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الهيثمي : إسناده حسن، ورواه الحاكم عن ابن عمرو رضي الله عنهما وقال: رواته ثقات، وأقره الذهبي ، وصححه الألباني ، ومن قبله قال الحافظ العراقي في أماليه: حديث حسن من طريقين، عن ابن عمرو وابن عمر رضي الله عنهم.

قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق) أي: يكاد أن يبلى.

قوله: (في جوف أحدكم) يعني: أيها المؤمنون.

قوله: (كما يخلق الثوب) شبه الإيمان بالثوب الذي لا يستمر على هيئته، فحينما تشتري ثوباً جديداً له ألوان معينة فبمرور الوقت يتعرض للشمس والغسل فيصبح ثوباً خلقاً قديماً، وتتغير ألوانه، فهكذا الإيمان أيضاً إذا دخل القلب لابد أن يجدد، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو بهذا الدعاء حتى يجدد الله الإيمان في قلوبنا، وإلا فإن الإيمان يخلق ويطول الأمد على القلب، ويطرأ عليه القساوة والران، وربما اشتدت به الأمراض حتى يموت ذلك القلب.

قوله: (كما يخلق الثوب) وذلك أن العبد يتكلم بكلمة الإيمان وبذكر الله والتوحيد، ثم يدنس هذه الكلمة بسوء أفعاله، فإذا عاد واعتذر واستغفر فقد جدد ما أخلق وطهر ما دنس من قلبه.

قوله: (فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) يعني: حتى لا يكون لقلوبكم وجهة غير الله تبارك وتعالى، ولا رغبة في سواه، ولهذا قال معاذ لبعض أصحابه: (اجلس بنا نؤمن ساعة) أي: نجدد إيماننا بذكر الله تبارك وتعالى وتعلم العلم.

هذا الحديث يبين الخطر الذي يهدد قلب أي مؤمن، ولا يكفي الإنسان مجرد أن يدخل في الإيمان أو ينعم الله عليه بالتوبة، ثم يظن أنه نجا، بل لابد مع التقوى من الاستقامة عليها، لابد من الثبات حتى الممات، وإلا فأكثر الناس يشرعون في هذا الطريق ثم لا يثبتون عليه، وتتخطفهم الشهوات والأهواء من الجانبين، وقل من يسلم، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأخذ هذا السبب من أسباب تثبيت الإيمان في القلب، وهو الدعاء، وهو أعظم سبب؛ فإنه عليه الصلاة والسلام قال: (الدعاء هو العبادة)، وقال عز وجل قبل ذلك: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

فهذا الدعاء أحد أسباب مداواة القلوب وشفائها وعافيتها من القساوة وعودة الإيمان من جديد، وهو أن نقول: اللهم جدد الإيمان في قلوبنا!

السبب الثاني: الذكرى بالآيات والأحاديث والقصص

من الأسباب التي تنفع القلب وتجدد الإيمان وتعافي القلب من قساوته: الذكرى، ولا يشترط أن يكون الإنسان جاهلاً بالأحاديث أو الآيات التي تتكلم -مثلاً- عن عظة الموت وعن أهوال يوم القيامة وعن القرب من الله عز وجل والأحوال القلبية، وإنما قد يعلم الإنسان كثيراً جداً من الآيات والأحاديث، ولكنه لما طال عليه الأمد، وتعود قلبه على سماعها؛ لم ينفعل بها، ولم تؤثر فيه شيئاً، لكن إذا جدد العهد بتذكر هذه النصوص ولم يهجرها، وجدد العهد بزيارة المقابر، وبقراءة هذه الأحاديث، وبحضور مجالس العلم؛ فقد نصت آية في كتاب الله تبارك وتعالى أن هذا مما ينفع القلب، ولا يشترط أن تكون جاهلاً بما يقال، لكنك تنتفع بالتذكرة، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] فمن كان مؤمناً انتفع بهذه الذكرى، وحملته على تجديد الإيمان في قلبه.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الهيثمي : إسناده حسن، ورواه الحاكم عن ابن عمرو رضي الله عنهما وقال: رواته ثقات، وأقره الذهبي ، وصححه الألباني ، ومن قبله قال الحافظ العراقي في أماليه: حديث حسن من طريقين، عن ابن عمرو وابن عمر رضي الله عنهم.

قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق) أي: يكاد أن يبلى.

قوله: (في جوف أحدكم) يعني: أيها المؤمنون.

قوله: (كما يخلق الثوب) شبه الإيمان بالثوب الذي لا يستمر على هيئته، فحينما تشتري ثوباً جديداً له ألوان معينة فبمرور الوقت يتعرض للشمس والغسل فيصبح ثوباً خلقاً قديماً، وتتغير ألوانه، فهكذا الإيمان أيضاً إذا دخل القلب لابد أن يجدد، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو بهذا الدعاء حتى يجدد الله الإيمان في قلوبنا، وإلا فإن الإيمان يخلق ويطول الأمد على القلب، ويطرأ عليه القساوة والران، وربما اشتدت به الأمراض حتى يموت ذلك القلب.

قوله: (كما يخلق الثوب) وذلك أن العبد يتكلم بكلمة الإيمان وبذكر الله والتوحيد، ثم يدنس هذه الكلمة بسوء أفعاله، فإذا عاد واعتذر واستغفر فقد جدد ما أخلق وطهر ما دنس من قلبه.

قوله: (فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) يعني: حتى لا يكون لقلوبكم وجهة غير الله تبارك وتعالى، ولا رغبة في سواه، ولهذا قال معاذ لبعض أصحابه: (اجلس بنا نؤمن ساعة) أي: نجدد إيماننا بذكر الله تبارك وتعالى وتعلم العلم.

هذا الحديث يبين الخطر الذي يهدد قلب أي مؤمن، ولا يكفي الإنسان مجرد أن يدخل في الإيمان أو ينعم الله عليه بالتوبة، ثم يظن أنه نجا، بل لابد مع التقوى من الاستقامة عليها، لابد من الثبات حتى الممات، وإلا فأكثر الناس يشرعون في هذا الطريق ثم لا يثبتون عليه، وتتخطفهم الشهوات والأهواء من الجانبين، وقل من يسلم، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأخذ هذا السبب من أسباب تثبيت الإيمان في القلب، وهو الدعاء، وهو أعظم سبب؛ فإنه عليه الصلاة والسلام قال: (الدعاء هو العبادة)، وقال عز وجل قبل ذلك: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

فهذا الدعاء أحد أسباب مداواة القلوب وشفائها وعافيتها من القساوة وعودة الإيمان من جديد، وهو أن نقول: اللهم جدد الإيمان في قلوبنا!

من الأسباب التي تنفع القلب وتجدد الإيمان وتعافي القلب من قساوته: الذكرى، ولا يشترط أن يكون الإنسان جاهلاً بالأحاديث أو الآيات التي تتكلم -مثلاً- عن عظة الموت وعن أهوال يوم القيامة وعن القرب من الله عز وجل والأحوال القلبية، وإنما قد يعلم الإنسان كثيراً جداً من الآيات والأحاديث، ولكنه لما طال عليه الأمد، وتعود قلبه على سماعها؛ لم ينفعل بها، ولم تؤثر فيه شيئاً، لكن إذا جدد العهد بتذكر هذه النصوص ولم يهجرها، وجدد العهد بزيارة المقابر، وبقراءة هذه الأحاديث، وبحضور مجالس العلم؛ فقد نصت آية في كتاب الله تبارك وتعالى أن هذا مما ينفع القلب، ولا يشترط أن تكون جاهلاً بما يقال، لكنك تنتفع بالتذكرة، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] فمن كان مؤمناً انتفع بهذه الذكرى، وحملته على تجديد الإيمان في قلبه.

القلب هو قطب الدائرة، وهو أساس الاستقامة وصلاح الحال، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، فعلى العبد أن يهتم بصلاح قلبه قبل أي شيء آخر، فإذا صلح القلب صلح كل شيء واستقام كل أحواله.

ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).

ويقول عليه الصلاة والسلام: (التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره صلى الله عليه وسلم).

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) فتبين من هذه الأحاديث أن أس الاستقامة وقطب رحاها استقامة القلب.

من أسباب قسوة القلب ومرضه: التهاون بالمعاصي

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء هكذا تحصل القساوة والمرض والران على القلوب تدريجياً؛ وذلك بسبب تهاون الإنسان بالمعاصي، وكونه يظن أن الوقت فيه سعة، وسوف يتوب ويستدرك فيما بعد، لكن تنضم نكتة إلى نكتة إلى نكتة حتى يعلو الصدأ ويعلو السواد ويعلو الران جميع القلب.

إذاً: على الإنسان ألا يتهاون بأي معصية وإن دقت في عينه؛ فإن هذا الذنب الصغير مع الأيام ومع تكراره يعود كبيراً.

لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يعود كبيرا

إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا

قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وعاد إليه نوره، وإن عاد -يعني: عاد إلى المعصية- زيد فيها حتى تعلو قلبه.

قوله: (زيد فيها حتى تعلو قلبه) هو الران الذي ذكر الله تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14].

من أسباب قسوة القلب ومرضه: استحسان المنكرات

عن حذيفة رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء) وهذه أيضاً من الأبواب التي يسمم بها القلب، ويطرأ عليه بسببها الصدأ والسواد والتعكير؛ لأنه حينما يرى المنكرات ولا يتمعر وجهه غضباً لله تبارك وتعالى، بل لا يكتفي أنه لم ينكر الحرام، بل يستلذ بهذا الحرام ويستحسنه والعياذ بالله، فيكون ذلك سواداً في قلبه، وهو لا يشعر أن النظر إلى فساد التلفاز -مثلاً- يعتبر معصية، لكنه يظن أن هذه متعة، وأن الوقت الذي يقضيه في هذه المعصية يعود عليه بنفع موافق لهواه ولشهواته، فهو لا يستقبح المعصية، لكنه يستحسنها، فتنكت كل معصية نكتة سوداء في قلبه، ويموت قلبه رويداً رويداً، ولهذا لما سئل سفيان رحمه الله تعالى: ما بال أهل الأهواء شديدو المحبة لأهوائهم؟ قال: ألم تر إلى قوله تبارك وتعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:93]، فهكذا يشرب الإنسان المعاصي ويستحسنها، وتنقلب المفاهيم والموازين في قلبه فيرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فأنى له الهداية إن لم يتداركه الله برحمته؟!

يقول صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفاء لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه).

فيكون الهوى هو الحاكم، وبذلك يصبح قلبه أسود مرباداً، يعني: متغيراً.

قوله: (كالكوز مجخياً) أي: كالكوز المقلوب، وهل الكوز المقلوب يستوعب الحكمة؟ لا، فكذلك هذا القلب منكوس، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه.

من أسباب قسوة القلب ومرضه: الإعراض عن القرآن

لقد اهتم الرسول عليه الصلاة والسلام في كثير من الأحاديث بأمر القلب، فقد كان يكثر الدعاء بصلاح القلب، فكان من دعائه صلى الله عليه وسلم قوله: (اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي) قوله: (ربيع قلبي) يعني: المطر الذي يحيي قلبي؛ فإن القرآن فيه حياة القلوب، وقراءة القرآن وحفظه والتعبد به من أعظم ما يتقرب به إلى الله تبارك وتعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تتقربوا إلى الله بشيء أحب إليه مما خرج منه) يعني: كلامه سبحانه وتعالى، لكن كيف ندعو الله عز وجل في كل مناسبة، ونقول: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونحن أصلاً نهجر القرآن ولا نقرأ القرآن ولا نعيش مع القرآن؟! كيف ندعو الله أن يجعله ربيع قلوبنا ونحن لا نأخذ هذا الدواء؟!

إن هجرنا لهذا الدواء الموجود في الصيدلية لا ينفي كونه سبباً من أسباب الشفاء، وكون بعض الناس يعرضون عن تعاطي هذا الدواء الذي هو القرآن -وهو سبب من أسباب الشفاء- لا يقدح في كونه شفاءً لما في الصدور، يقول عز وجل: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82]، وهذا المعرض عن القرآن لا يعود وبال عمله إلا على نفسه، فيكون ممن يشتكيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه يوم القيامة: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، فالسؤال الذي يجب أن يعرضه كل منا على نفسه: إذا كنت تسأل الله وتدعوه بقولك: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، كيف يكون ربيع قلبك وأنت لا تتعاطى هذا الدواء ولا تداوي قلبك به؟!

من أسباب قسوة القلب ومرضه: الإعراض عن ذكر الله تبارك وتعالى

جاء في بعض الآثار: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل؛ فتقسو قلوبكم، وإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا فيها كأنكم عبيد، إنما الناس رجلان: مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء هكذا تحصل القساوة والمرض والران على القلوب تدريجياً؛ وذلك بسبب تهاون الإنسان بالمعاصي، وكونه يظن أن الوقت فيه سعة، وسوف يتوب ويستدرك فيما بعد، لكن تنضم نكتة إلى نكتة إلى نكتة حتى يعلو الصدأ ويعلو السواد ويعلو الران جميع القلب.

إذاً: على الإنسان ألا يتهاون بأي معصية وإن دقت في عينه؛ فإن هذا الذنب الصغير مع الأيام ومع تكراره يعود كبيراً.

لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يعود كبيرا

إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا

قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وعاد إليه نوره، وإن عاد -يعني: عاد إلى المعصية- زيد فيها حتى تعلو قلبه.

قوله: (زيد فيها حتى تعلو قلبه) هو الران الذي ذكر الله تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14].

عن حذيفة رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء) وهذه أيضاً من الأبواب التي يسمم بها القلب، ويطرأ عليه بسببها الصدأ والسواد والتعكير؛ لأنه حينما يرى المنكرات ولا يتمعر وجهه غضباً لله تبارك وتعالى، بل لا يكتفي أنه لم ينكر الحرام، بل يستلذ بهذا الحرام ويستحسنه والعياذ بالله، فيكون ذلك سواداً في قلبه، وهو لا يشعر أن النظر إلى فساد التلفاز -مثلاً- يعتبر معصية، لكنه يظن أن هذه متعة، وأن الوقت الذي يقضيه في هذه المعصية يعود عليه بنفع موافق لهواه ولشهواته، فهو لا يستقبح المعصية، لكنه يستحسنها، فتنكت كل معصية نكتة سوداء في قلبه، ويموت قلبه رويداً رويداً، ولهذا لما سئل سفيان رحمه الله تعالى: ما بال أهل الأهواء شديدو المحبة لأهوائهم؟ قال: ألم تر إلى قوله تبارك وتعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:93]، فهكذا يشرب الإنسان المعاصي ويستحسنها، وتنقلب المفاهيم والموازين في قلبه فيرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فأنى له الهداية إن لم يتداركه الله برحمته؟!

يقول صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفاء لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه).

فيكون الهوى هو الحاكم، وبذلك يصبح قلبه أسود مرباداً، يعني: متغيراً.

قوله: (كالكوز مجخياً) أي: كالكوز المقلوب، وهل الكوز المقلوب يستوعب الحكمة؟ لا، فكذلك هذا القلب منكوس، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه.