Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

أمتي لا تنحرف [3]


الحلقة مفرغة

نموذج للتربية الإسلامية على حب الجهاد

روى البخاري والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا نبي الله! ألا تحدثني عن حارثة؟ -وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: يا أم حارثة! إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى). قوله: سهم غرب، يمكن أن تقول: سهمُ غربٍ، أو سهمٌ غربٌ، وقد تحرك الراء، وهذا إذا لم يدر من أين أتاه هذا السهم، ومن الذي ضربه به، فيطلق عليه هذا الوصف. وفي رواية: قال أنس: (أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول! لقد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع)، وفي بعض الروايات: (وإن تكن الأخرى اجتهدت عليه في البكاء، فقال: ويحك أوَهَبِلْتِ؟! أجنة واحدة هي؟! إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس الأعلى)، وزاد رزين : (إنه في الفردوس الأعلى، وسقفه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة، وإن غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، لَقَاب قوس أحدكم أو موضع قدّه -القاب: هو القَدْر، والقدّ: هو السوط- من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، فمجرد الموضع الذي يوضع فيه السوط أو القوس خير من الدنيا وما فيها. ويقول عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: (ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت الدنيا وما فيها، ولنصيفها -يعني: خمارها- خير من الدنيا وما فيها). فالشاهد من هذا الحديث السابق: قولها رضي الله عنها: (ألا تحدثني عن حارثة ، فإن كان في الجنة صبرت)، وفي رواية: (فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب)، فهذه الأم مع تعلقها الشديد بابنها فإنها تصبر وتحتسب وترجو الأجر من الله تبارك وتعالى. تقول: (وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء) وفي الروايات الأخرى: (وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع) أي: من البكاء والحزن الشديد عليه وذلك إذا علمت أن ابنها لم يفز بالجنة، فإن كان قد فاز بالشهادة وانتقل إلى ما هو خير من الدنيا فإنها تصبر وتحتسب، ولا تجزع ولا تحزن. فهذه هي التربية النبوية، وهذه هي تربية الإسلام للنساء فضلاً عن الرجال، فإن هذه الأمة -كما ذكرنا- أمة ولود، تلد لأن لها رسالة في الحياة لا تنفك عنها أبداً، ألا وهي ذروة سنام هذا الدين، وهو الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى. فهذا الفعل من هذه الأم -ونظائرها كثيرات جداً في التاريخ الإسلامي- لعله هو السبب الذي جعل أعداء الإسلام يخافون من هذا الدين، وهم يفقهون جيداً طبيعة هذه الرسالة وطبيعة هذا الدين، وأنه إذا عادت روح الإسلام من جديد في هؤلاء المسلمين فلن تقف أمامهم قوة في الأرض، فهم يعلمون جيداً ما الذي يمكن أن تثمره التربية الإسلامية، والفهم الإسلامي الصحيح لرسالة هذه الأمة في الوجود من مصاعب تزلزل وتهدد كيانهم. وإذا قلبنا صفحات التاريخ الإسلامي فإنا نجد نماذج كثيرة جداً، سواء من النساء أو حتى من أطفال المسلمين، فهناك علاقة وثيقة بين ما شرعنا في دراسته من قضية تحديد النسل، والترغيب في أن تكون الأمة كلها ولوداً لا امرأة واحدة، وبين رسالة هذه الأمة وهي الجهاد والبذل في سبيل الله تبارك وتعالى، وما صوّر لنا من الترغيب فيما يضاد المقاصد العليا للشريعة الإسلامية إنما هو مظهر من مظاهر المؤامرة المحكمة على عقائدنا، وعلى ديننا، وعلى أمتنا.

نموذج عصري للطفل المسلم المجاهد

نذكر أنموذجاً يحضرنا من العصر الحديث، وقد حدث حينما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، وتصدى لها المسلمون من منطلق الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فقد قام فتىً صغير من الصعيد بالتسلل والرحيل إلى الشمال؛ للجهاد في القاهرة، ثم كان هذا الفتى يتسلّل بمفرده كل ليلة إلى معسكر الفرنسيين، فيدخل مخزن الأسلحة ويستولي على بنادق الفرنسيين، ثم يعود سابحاً في الترعة إلى أهله، فيتسلح بهذه الأسلحة في مقاومة الفرنسيين، وعندما اكتشف الفرنسيون النقص في الأسلحة صدرت الأوامر من القادة الفرنسيين إلى الحراس بالترصّد للمتسللين، فلقد ظن الفرنسيون أن الذي يقوم بعملية السطو على الأسلحة من مخازنهم عصابة هائلة، فإذا بهم يفاجئون بهذا الصبي وحده يصنع هذه العملية، فانقضّوا يحاولون القبض عليه، فما كان من هذا البطل الصغير إلا أنه ظل يقاومهم حتى انكسرت ذراعه ولم يستطع الحركة، فقبضوا عليه وحملوه إلى قائد الحملة وكان يُدعى: ديزي ، فلما رآه القائد دُهش بشجاعته وبطولته، فعرض عليه أن يتبنّاه -أي: يتخذه ابناً له- فرفض وقال له: إنك كافر! فانظر إلى وضوح القضية في حس هذا الصبي الصغير! فمع أنه فتىً صغير لكنه يعرف طبيعة العلاقة بيننا وبين هؤلاء الكفار، فرفض التبني؛ لأن ذلك القائد كافر، وقد أُدهش وأُذهل القائد الفرنسي بشجاعته وبسالته، فعرض عليه أن يطلقه على أن يعده بألا يعود إلى سرقة السلاح، فرفض أن يعده بذلك ما دام الكفار باقين في بلاد المسلمين، وكان يمكن أن يكذب عليه ويعده، ثم يعاود أخذ الأسلحة، لكن مبدأ الصدق قد ترسّخ في نفسه منذ الصغر، وترسخت فيه الشجاعة في مواجهة الباطل، فما كان من القائد الفرنسي إلا أن أطلق سراحه، وأمر بتشديد الحراسة على السلاح!!

خوف الكفار من انتشار الإسلام جعلهم يدعون المسلمين إلى تحديد النسل

أعداء الإسلام لا زالوا يخططون، ومن مخططاتهم الترويج لهذه الفكرة الخبيثة، وهي فكرة تقليل النسل المسلم، فهذا مظهر من مظاهر هذه المؤامرة؛ لأنهم يدركون كثيراً من الحقائق، لكن يوجد -وللأسف- كثير من المسلمين لا يعوها ولا يعرفوها، فهم يعرفون جيداً أن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي، مهما ظهر الأمر بخلاف ذلك؛ لكن هذه حقيقة العلاقة بيننا وبين الغرب.

وهذه الحقيقة، كثير من المغفلين والسُذّج والبسطاء لا يفطنوا إليها، لكن هي الحقيقة شاءوا أم أبوا.

في أثناء الحرب الأخيرة التي حصلت في الخليج، صدرت بعض التصريحات أحياناً وربما كانوا يمارسون هذه الأمور بحرية في الخارج أكثر من هنا، وقام بعض أجهزة الإعلام الغربية في بريطانيا مثلاً بتصوير أجزاء من الصواريخ التي كانت تقع على العراق بعض هذه الصواريخ كان الجنود النصارى الذين أتوا لينقذوا المسلمين من أيدي المسلمين في الظاهر! يكتبون عليها بعض العبارات، مثل: إلى صدام : اسألِ الله أو ادع الله، فإن لم يستجب لك الله، فالجأ إلى يسوع!!

وفي صاروخ آخر كتبوا عليه: من أبناء موسى إلى أبناء محمد!

فهذه الروح الصليبية الحاقدة لا زالت، ونحن لا ننسى قول بابا روما -بابا الكاثوليك- حينما خرج عن وداعته التي يتكلفها، ولم يستطع أن يكتم هذه العبارة ويقول: هذه حرب مقدسة، وهذه حرب عادلة. وانحيازه أيضاً لهذا الأمر، وبشاشته لما حصل في هذه المحنة، الشاهد: أن هذه حقيقة نواياهم، فمثلاً: نورنت برون ، المعروف بنشاطه الجاسوسي لبريطانيا في وسط العرب هنا، يقول: إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وضع الاستعمار الأوروبي. والحاكم الفرنسي في الجزائر يقول في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرءون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونقتلع اللغة العربية من ألسنتهم.

أيضاً: جلادستون -رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- كان يقول بصراحة شديدة: ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق أو أن تكون هي في أمان!!

حتى قوى الشرق العالمية كالدول الشيوعية، ففي أوز باكستان: يقول المحرر بالحرف الواحد: من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائياً.

والحمد لله، قد سحقهم الله، وأذاق بعضهم بأس بعض.

يقول أحد المنصرين أيضاً: إن القوة الكامنة في الإسلام هي التي وقفت سدّاً منيعاً في وجه انتشار المسيحية، وهي التي أخضعت البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية.

وقال آخر من هؤلاء المبشرين بالنار: لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً!

هذا مصداق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما جرى به هرقل حين كان يستعلم عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم، سأل عن أتباعه: هل يزيدون أم ينقصون؟ قال أبو سفيان : بل يزيدون. قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. فهذا اعتراف من هرقل بالإسلام.

أيضاً: بنجريون -رئيس وزراء إسرائيل السابق- يقول: إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم الإسلامي محمد جديد!

فهم في حالة رعب وفزع شديد من الإسلام، حتى الأمهات إلى اليوم في أوروبا -وبالذات في إيطاليا- حين تريد الأم أن تخفيف ابنها فإنها لا تقول: الغول! ولا تقول ما يقوله الناس، بل تقول: سآتيك بـصلاح الدين من شدة الرعب والفزع من صلاح الدين رحمه الله.

هم أيضاً -كما ذكرنا- يعلمون أن مكمن الخطر الحقيقي عليهم في الحقيقة هو الإسلام، فتأخذ كل الوسائل، والاستعمار قد تلوّن، فهو لم يبدُ في الحقيقة، بل ما زال في نفس العقلية، ونفس الموقف الخبيث نحو المسلمين، كما قال عز وجل: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، فلا زال هذا الموقف هو الحقيقة الكامنة في قلوبهم، رغم أنهم يزعمون ويظهرون خلاف ذلك.

يقول رائد الجاسوسة نورنت برون أيضاً: كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة، ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل تلك المخاوف، كانوا يخوفوننا بالخطر اليهودي، والخطر الياباني، والخطر البلفشي، لكنه تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا، والبلاشفة الشيوعيين حلفاؤنا، أما اليابانيون فإن هناك دول ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتهم، لكننا وجدنا الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة!

يقول دازنوت -وهو أيضاً مستشرق من المستشرقين-: إن القوة التي تكمن في الإسلام، هي التي تخيف أوروبا!

ويقول هاموتوا -وزير خارجية فرنسا سابقاً-: لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام سوره، وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر.

والعجيب أن هذه التصريحات تأتي على ألسنة أعداء الإسلام أنفسهم، مع أنهم حريصون على كتمان هذه الحقائق، لكنهم لا يستطيعون كتمانها، ويعرفون أنهم سينكرون الشمس في رابعة النهار إن أنكروها.

الآن في أمريكا الاجتهاد بفضل أو السبب يرجع إلى تزايد المسلمين في التناسل، الآن المسلمون في أمريكا -كما تذكر الإحصائيات الرسمية-: أن في أقل من ثلاثين سنة، يزداد عدد المسلمين زيادة بحيث يشكلون الدين الثاني في أمريكا مع أديان الكاثوليك، وإن شئت قلت: الدين الأول؛ لأن الكاثوليك في الحقيقة ليس عندهم دين، في أمريكا لا دين لهم على الإطلاق! ولذلك بعد ثلاثين سنة -كما يقدرون- فإن الدين الإسلامي هناك سيشكل أمراً ملفتاً للنظر؛ بسبب زيادة معدل التناسل للمسلمين، فيكونون هم الفئة الثانية في أمريكا، والله أعلم.

كذلك في فرنسا الآن الإسلام ينتشر في داخلها، حتى في الانتخابات يحاولون مداعبة عواطف الفرنسيين عن طريق التلميح إلى فكرة طرد أو تقليل وجود المسلمين الغير الفرنسيين في داخل فرنسا، حتى أن بعض الناس يذكرون مناقب ديغول رئيس فرنسا: أنه حرر الجزائر وأعطاها استقلالها، وكثير من الناس لا يفطنون إلى أن الحقيقة وراء هذا التصرف من ديغول ، ففي الجمعية الوطنية الفرنسية قال لهم لما كان هناك أناس يعارضون فكرة استقلال الجزائر؛ لأن فرنسا كانت تنادي بأن لها حق تاريخي في الجزائر، وأنها جزء لا يتجزأ من فرنسا، فشجع ليجون استقلال الجزائر، واضطر أن يصارح أعضاء الجمعية الوطنية بالسبب في ذلك، فقال: تعرفون أن الجزائر فيها كذا مليون مسلم، وإبقاء هؤلاء كمواطنين فرنسيين فيه خطر على فرنسا، أتقبلون في يوم من الأيام أن يصبح مثلاً ثلث هذا الجمعية الوطنية من المسلمين؟! فاجتمعت كلمتهم على الموافقة على استقلال الجزائر.

وآية من آيات الله، وعلامة من علامات أن هذا دين الله الحق سبحانه وتعالى، أن الإسلام لا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تتبنى قضيته، ولا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تطبق الإسلام كما أنزله الله، أو تتحمس له، أو تقيم نشاط جدّي لنشر هذه الدعوة، والدفاع عنها، وبثها في الآفاق، بل كله نشاط رمزي، خاضع لفئات خفيفة، لكن الأصل أن كل هذه الأنشطة هي أنشطة آحاد، من الدعاة المسلمين أو الشباب الإسلامي في شتى بقاع الأرض، في داخل بلاد المسلمين أو في خارجها، ثم إن أصحاب هذا الدين في بلادهم يحاربون، ويُنكّل بهم أشد التنكيل، حتى جاء اليوم الذي يحصل فيه أن الناس يقسمون إلى إسلاميين وغير إسلاميين، وهذا اصطلاح غريب جداً نلاحظه من كثير من الناس، يقولون: فعل الإسلاميون في الجزائر كذا، وهم ينادون بكذا. لماذا لا تقولون: مسلم من المسلمين؟! لماذا تقولون: إسلاميين؟! يعني: معناها أن المسلمون ينقسمون إلى فئتين: فئة لا تريد إعزاز الدين، ولا شأن لها بالدين، وهؤلاء من عموم المسلمين، وفئة أخرى: اسمهم: الإسلاميون، وهم الذين لهم اتجاه لنصرة الدين، والجهاد في سبيله، والدعوة إليه، والبذل في سبيله، وهكذا.

فهذه فكرة خبيثة، قل: مسلمون. وقل: كفار. لا تقل: إسلاميين وغير إسلاميين، ثم يقرن بهم التشدد والتطرف، ويحصل الطعن الصريح في دين الله تبارك وتعالى ليل نهار، وصباح ومساء في وسائل الإعلام وغيرها، فالحقيقة أننا الآن أصبحنا غرقى في بحر من المؤامرات على هذا الدين من داخل بلاد المسلمين قبل أن يكون من خارجها، مصداقاً لقول بعض الناس: خرج الإنجليز الحمر، وبقي الإنجليز السمر! فهي في الحقيقة لغات الاستعمار بين العساكر والحضارية، هم الذين يحكمون ويقهرون بلاد المسلمين اليوم؛ ليكونوا خداماً ومخلصين لأغراض هذا العدو الكافر.

يقول البنشاذور وهو يتكلم بموقف خاص عن الإسلام: من يدري! ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين، يهبطون إلينا من السماء مرة أخرى، وفي الوقت المناسب!

ويقول أيضاً: لست متنبئاً، لكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، ولن تقوى الذرة والصواريخ على وقف تيارها، إن المسلم قد استيقظ، وأخذ يصرخ: هاأنذا، إنني لم أمت، ولن أقبل بعد اليوم أن أكون أداة تسيرها العواصم الكبرى ومخابراتها.

وهناك تصريح على لسان أحد قوى الشر، حيث يقول: إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيّرون نظام العالم. فلما سأل أحد الصحفيين هذا الرجل: لكن المسلمين مشغولون بخلافهم ونزاعاتهم؟! فأجابه: أخشى أن يخرج منهم من يوجّه خلافاتهم إلينا.

ويقول مسئول في وزارة الخارجية الفرنسية سنة (1952م): ليست الشيوعية خطراً على أوربا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي؛ فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم من جديد دون حاجة إلى إذابة شخصياتهم الحضارية، والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتها إلى مقاصف التاريخ، وقد حاولنا -نحن الفرنسيين- خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب المسلم، فكان الإخفاق الكامل رغم مجهوداتنا الكبيرة الضخمة.

ثم يقول: إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً، فهو حائر، وهو قلق، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبة يخالطها الكسل والعوض في مستقبل أحسن وحرية أوفر، فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء، ولنقوي في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني، حتى لا ينهض، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف بإبقاء المسلم متخلفاً، وتحرر العملاق من قيود جهله وتخلفه، وعقدة الشعور بعجزه، فقد بؤنا بإخفاق خطير، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الثقافات الإسلاميات الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم!

أما ملبيكر، فيقول في كتابه (العالم العربي المعاصر): إن الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام. ثم يقول -بلا حياء- يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوة العرب؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره!

ويقول أيضاً: إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الإفريقية.

ويصرح هاموتوا -وزير خارجية فرنسا- قائلاً: رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها، فإن الخطر ما زال موجوداً من انتفاض المقهورين الذين أزجتهم النكبات التي أنزلنا بهم؛ لأن حميتهم لم تخمد بعد.

وأيضاً أحد كبار المستشرقين في محاضرة له في مدريد كان عنوانها: (لماذا كنا نحاول البقاء في الجزائر؟!) يقول: إننا لم نكن نُسخّر النصف مليون جندي -يعني: جندي فرنسي- من أجل أن نبيد الجزائر، أو صحاريها أو زيتونها، إننا كنا نعتبر أنفسنا سور أوروبا الذي يقف في وجه الزحف الإسلامي الذي يحتمل أن يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها، وليدخلوا معنا في قلب فرنسا بمعركة بواتية جديدة ينتصرون فيها، ويكتسحون أوروبا الراهنة، ويحققون ما كانوا قد عزموا عليه أثناء حلم الأمويين بتحويل المتوسط إلى بحيرة إسلامية خالصة، من أجل ذلك كنا نحارب في الجزائر.

وأيضاً: من مصادر خوفهم: أن هذه الأمة أمة مؤهلة للقيادة، تملك كل مؤهلات القيادة، وقد قامت بسلب قيادة العالم أجمع لمدة قرون عديدة، فروح القيادة وروح الأستاذية تسري في جسد هذه الأمة التي تحمل كل مؤهلات القيادة.

وفي الحقيقة أن العالم الغربي لا يحمل أي شيء من مؤهلات القيادة، سوى القوى العسكرية والأمور المادية، أما أن تحمل الغرب أو أمريكا أو أوروبا شيئاً جديداً للعالم فهو في الحقيقة تردٍ وانهيار كامل، وهذا من أعظم المبشرات بانهيارهم، طال الوقت أم قصر، فهم في الحقيقة ليس لهم أي شيء يقدمونه للبشرية، وليس لهم رسالة معينة يؤدونها أو يخدمون بها الإنسانية، فأين هم من هذه الأمة التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]؟!

أيضاً يخافون من الإسلام؛ لأن الإسلام هو القادر على أن يقيم الحكومة الربانية، ويقيم الخلافة الإسلامية التي تحرر الإنسانية من التبعية لأي نظام من نظم هؤلاء البشر.

وأيضاً يخافون لأن الإسلام إذا مكن له أن يربي هذه الأمة فسوف يصنع قادة لا يخدعون ولا يخونون، ولا يبيعون دينهم، فالقادة الذين يجدونهم اليوم، ويستطيعون أن يشتروهم بسهولة بشتى الوسائل، ويجندوهم لخدمة أهدافهم كحجارة الشطرنج، فالإسلام لا يصنع أمثال هؤلاء، الإسلام إنما يصنع أمثال هذا الصبي الصغير الذي رأينا قصته آنفاً، فالقادة الذين يصنعهم الإسلام هم الذين يعون قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51].

أيضاً يخافون من الإسلام؛ لأن الإسلام سوف يربي هذه الأمة، ويربي جيلاً ولاؤه لله تبارك وتعالى وحده، ولا يخاف إلا الله عز وجل، فيكون جيلاً محصناً ضد كل وسائل الغزو والمؤامرات الفكرية والشهوانية، ولا يمكن أن تعطي الأمة ذممها لهؤلاء إذا ربيت على الإسلام، فترفض أن تسلّم قيادها وأن تعطي ولاءها لغير الله ورسوله والمؤمنين، ولا مكان عندها لأفكارهم الضالة، ولا لبضاعتهم الفاسدة، ولا لعملائهم الخَوَنة.

فمن أجل ذلك يخافون، ويشتد رعبهم وهلعهم من منهج الإسلام، وعودة الإسلام، ويستخدمون أحط الأساليب في التنفير عن دين الله تبارك وتعالى -بغضّ النظر عن قضية دخول البرلمانات ونحوها- لكن ما من شك أن من فوائد التجربة التي يخوضها الجزائر الآن أنها تفضح هؤلاء العساكر المحتالين الذين يحكمون بلاد المسلمين.

خوف الكفار من عقيدة الجهاد عند المسلمين وتنفيرهم عنها

فانظر كيف صنع الشاذلي بن جديد كما يصنع الفأر الذي احتار كيف يخرج من المصيدة، فقام يستعمل قوانين الطوارئ، ثم يخرج الجيوش، ويطلق النيران، ويلجأ للبطش والتعسف مع بني جلدته، ثم تسارع الدول الغربية كإيطاليا بإعانة الجزائر، وتعطي الحكومة الجزائرية وتفيض عليها بالأموال، وتزعم أن نظام الحكومة الجزائرية هو أصلح نظام يمكن أن يتعامل مع هؤلاء الذين يسمونهم: بالإسلاميين، أو الأصوليين. وقامت فرنسا بالضغط من جانبها، وتقول أمريكا: لا يمكن أن نسمح بقيام حكومة إسلامية في الجزائر! فأين الديمقراطية؟! وأين الحرية؟! وأين هذه المبادئ الكاذبة؟! وهم من الممكن أن يتسامحوا مع أي نظام في العالم إلا النظام الإسلامي والدولة الإسلامية، فإذا أقيمت نواة دولة إسلامية في أي بقعة من بقاع الأرض فهم يعرفون جيداً ما يعنيه ذلك من تهديد لمصالحهم، وتهديد لوجودهم. ولا شك أنهم قد تلقوا درساً لن ينسوه في أفغانستان، وما زالوا يتلقون شيئاً منه أيضاً في فلسطين، وهم يعرفون طبيعة هذه الأمة، وطبيعة هذه العقيدة، ومن أجل أنهم يعرفون ذلك، فهم يخافون من الإسلام ويحاربونه بكل هذه الوسائل، ويخافون من عقيدة الجهاد في هذا الدين. أثناء الاحتلال الفرنسي -وبالذات في الجزائر حسب ما قرأنا- كان الفقهاء يُمنعون من تدريس كتاب الجهاد في دروس أئمة المساجد، فحينما تقرأ في صحيح البخاري أو غيره وتصل إلى كتاب الجهاد يمنعك الحكام الفرنسيين أن تقرأ أحاديث الجهاد أو نصوص الجهاد؛ لأنهم يعرفون أن من اعتقد هذه العقيدة وآمن بهذا القرآن، فسوف يكون أعظم أمل له في الحياة أن يعقد صفقة بينه وبين الله تبارك وتعالى مؤداها: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]. شيء طبعي أن يخاف اليهود والنصارى من دين أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]. وقد كانوا ولا يزالون أعظم حرصاً على الدنيا، ويحبون البقاء في الدنيا، وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96]، إن كانوا هم كذلك، فأين هم من المسلمين الذين يقول الله تبارك وتعالى لهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38]. فالخوف من الموت والخوف من قلة الزرق -كل هذا- لا مكان له في هذه الأمة، إذا رُبّيت على عقيدة الإسلام فلن تخاف الموت؛ لأنها تعلم أن: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، ولن تخاف على الرزق؛ لأنها تعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يبسط الرزق، وأن الرزق في السماء: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22]. أيضاً: كيف لا يخافون ديناً يعلم أتباعه أن التولي يوم الزحف من أكبر الكبائر ومن الموبقات؟! قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15-16]. كيف لا يخافون هذا الدين الذي ينفخ في أتباعه روح الاعتزاز والانتصار بالله عز وجل؟! قال تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، ويقول تبارك وتعالى: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104]. أيضاً: كيف لا يخافون من دين يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه؛ مات على شعبة من النفاق)؟! إذاً: روح الجهاد تسري في دم هذه الأمة إذا عادت إلى دينها، وإذا فهمت دينها، فلذلك تجد الغزو يعمل بكل الأساليب لكي تموت هذه الروح في الناس، إما بتثبيط الشهوات، أو بتثبيط الشبهات، وإما بتثبيط أجهزة الإعلام، وإما بالبطش، وهكذا تتلون الأساليب، وكلها تهدف إلى هذا الهدف وهو عزل الولاء لهذا الدين، وعزل هذه الأمة عن التربية الإسلامية الحقيقية. إذا تأملت طريقة تدريس التاريخ في المدارس، وتصفحت كل مراحل التاريخ الإسلامي التي درسناها في المدارس في الإعدادية والثانوية -مثلاً- تجد أن التاريخ الإسلامي يوضع بطريقة أن هذه أمة منهزمة! من خلال التركيز على مراحل وفصول انهيار أمة؛ لغرس مفهوم أن الأمة الإسلامية تنهار، ثم في تدريس تاريخ أوروبا والغرب يأتيك بانطباع أمة تبنى وتنمو وتقوى حتى تصير مثل العملاق العظيم! فهذه الروح الإنهزامية الخبيثة مبثوثة في التاريخ، فلا يذكرون سوءات الحضارة الأوروبية، ويزعمون -بل يفترون الكذب- على الحضارة الإسلامية وعلى التاريخ الإسلامي. مثلاً: قصة سليمان الحلبي لا تجد أبداً أي كتاب من كتب التاريخ ذكر كيفية قتل الفرنسيين سليمان الحلبي؛ عندما قتل كليبر ، وليس من الممكن أن تجدها في كتاب تاريخ، حتى يدفنوا سوءات السادة الفرنسيين الذين يزعمون حرية الإنسان، واحترام حقوق الإنسان، فإنهم عذبوا سليمان الحلبي حتى أقر، ثم إنهم قطعوا يده أمامه وشووها، وفعلوا به الأفاعيل من التعذيب الوحشي قبل أن يقتلوه ويريقوا دمه، فهذه سوءة تستر مع أنه كناحية وطنية وقومية المفروض أن يقولوا: هذا بطل، لكنهم يفرضون التاريخ في المدارس بدون ما يشرب الجيل كراهية هؤلاء الكفار، ووصفهم بالوصف الذي يستحقونه بصفتهم أعداء لله، وأعداء لهذا الدين. ولو أردنا استقصاء النماذج على ذلك لطال الوقت بنا جداً، ولخرجنا عن الموضوع الذي لم ندخل فيه حتى الآن، لكن نذكر الأسباب التي من أجلها يخافون من هذا الدين.

روى البخاري والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا نبي الله! ألا تحدثني عن حارثة؟ -وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: يا أم حارثة! إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى). قوله: سهم غرب، يمكن أن تقول: سهمُ غربٍ، أو سهمٌ غربٌ، وقد تحرك الراء، وهذا إذا لم يدر من أين أتاه هذا السهم، ومن الذي ضربه به، فيطلق عليه هذا الوصف. وفي رواية: قال أنس: (أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول! لقد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع)، وفي بعض الروايات: (وإن تكن الأخرى اجتهدت عليه في البكاء، فقال: ويحك أوَهَبِلْتِ؟! أجنة واحدة هي؟! إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس الأعلى)، وزاد رزين : (إنه في الفردوس الأعلى، وسقفه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة، وإن غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، لَقَاب قوس أحدكم أو موضع قدّه -القاب: هو القَدْر، والقدّ: هو السوط- من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، فمجرد الموضع الذي يوضع فيه السوط أو القوس خير من الدنيا وما فيها. ويقول عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: (ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت الدنيا وما فيها، ولنصيفها -يعني: خمارها- خير من الدنيا وما فيها). فالشاهد من هذا الحديث السابق: قولها رضي الله عنها: (ألا تحدثني عن حارثة ، فإن كان في الجنة صبرت)، وفي رواية: (فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب)، فهذه الأم مع تعلقها الشديد بابنها فإنها تصبر وتحتسب وترجو الأجر من الله تبارك وتعالى. تقول: (وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء) وفي الروايات الأخرى: (وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع) أي: من البكاء والحزن الشديد عليه وذلك إذا علمت أن ابنها لم يفز بالجنة، فإن كان قد فاز بالشهادة وانتقل إلى ما هو خير من الدنيا فإنها تصبر وتحتسب، ولا تجزع ولا تحزن. فهذه هي التربية النبوية، وهذه هي تربية الإسلام للنساء فضلاً عن الرجال، فإن هذه الأمة -كما ذكرنا- أمة ولود، تلد لأن لها رسالة في الحياة لا تنفك عنها أبداً، ألا وهي ذروة سنام هذا الدين، وهو الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى. فهذا الفعل من هذه الأم -ونظائرها كثيرات جداً في التاريخ الإسلامي- لعله هو السبب الذي جعل أعداء الإسلام يخافون من هذا الدين، وهم يفقهون جيداً طبيعة هذه الرسالة وطبيعة هذا الدين، وأنه إذا عادت روح الإسلام من جديد في هؤلاء المسلمين فلن تقف أمامهم قوة في الأرض، فهم يعلمون جيداً ما الذي يمكن أن تثمره التربية الإسلامية، والفهم الإسلامي الصحيح لرسالة هذه الأمة في الوجود من مصاعب تزلزل وتهدد كيانهم. وإذا قلبنا صفحات التاريخ الإسلامي فإنا نجد نماذج كثيرة جداً، سواء من النساء أو حتى من أطفال المسلمين، فهناك علاقة وثيقة بين ما شرعنا في دراسته من قضية تحديد النسل، والترغيب في أن تكون الأمة كلها ولوداً لا امرأة واحدة، وبين رسالة هذه الأمة وهي الجهاد والبذل في سبيل الله تبارك وتعالى، وما صوّر لنا من الترغيب فيما يضاد المقاصد العليا للشريعة الإسلامية إنما هو مظهر من مظاهر المؤامرة المحكمة على عقائدنا، وعلى ديننا، وعلى أمتنا.

نذكر أنموذجاً يحضرنا من العصر الحديث، وقد حدث حينما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، وتصدى لها المسلمون من منطلق الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فقد قام فتىً صغير من الصعيد بالتسلل والرحيل إلى الشمال؛ للجهاد في القاهرة، ثم كان هذا الفتى يتسلّل بمفرده كل ليلة إلى معسكر الفرنسيين، فيدخل مخزن الأسلحة ويستولي على بنادق الفرنسيين، ثم يعود سابحاً في الترعة إلى أهله، فيتسلح بهذه الأسلحة في مقاومة الفرنسيين، وعندما اكتشف الفرنسيون النقص في الأسلحة صدرت الأوامر من القادة الفرنسيين إلى الحراس بالترصّد للمتسللين، فلقد ظن الفرنسيون أن الذي يقوم بعملية السطو على الأسلحة من مخازنهم عصابة هائلة، فإذا بهم يفاجئون بهذا الصبي وحده يصنع هذه العملية، فانقضّوا يحاولون القبض عليه، فما كان من هذا البطل الصغير إلا أنه ظل يقاومهم حتى انكسرت ذراعه ولم يستطع الحركة، فقبضوا عليه وحملوه إلى قائد الحملة وكان يُدعى: ديزي ، فلما رآه القائد دُهش بشجاعته وبطولته، فعرض عليه أن يتبنّاه -أي: يتخذه ابناً له- فرفض وقال له: إنك كافر! فانظر إلى وضوح القضية في حس هذا الصبي الصغير! فمع أنه فتىً صغير لكنه يعرف طبيعة العلاقة بيننا وبين هؤلاء الكفار، فرفض التبني؛ لأن ذلك القائد كافر، وقد أُدهش وأُذهل القائد الفرنسي بشجاعته وبسالته، فعرض عليه أن يطلقه على أن يعده بألا يعود إلى سرقة السلاح، فرفض أن يعده بذلك ما دام الكفار باقين في بلاد المسلمين، وكان يمكن أن يكذب عليه ويعده، ثم يعاود أخذ الأسلحة، لكن مبدأ الصدق قد ترسّخ في نفسه منذ الصغر، وترسخت فيه الشجاعة في مواجهة الباطل، فما كان من القائد الفرنسي إلا أن أطلق سراحه، وأمر بتشديد الحراسة على السلاح!!

أعداء الإسلام لا زالوا يخططون، ومن مخططاتهم الترويج لهذه الفكرة الخبيثة، وهي فكرة تقليل النسل المسلم، فهذا مظهر من مظاهر هذه المؤامرة؛ لأنهم يدركون كثيراً من الحقائق، لكن يوجد -وللأسف- كثير من المسلمين لا يعوها ولا يعرفوها، فهم يعرفون جيداً أن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي، مهما ظهر الأمر بخلاف ذلك؛ لكن هذه حقيقة العلاقة بيننا وبين الغرب.

وهذه الحقيقة، كثير من المغفلين والسُذّج والبسطاء لا يفطنوا إليها، لكن هي الحقيقة شاءوا أم أبوا.

في أثناء الحرب الأخيرة التي حصلت في الخليج، صدرت بعض التصريحات أحياناً وربما كانوا يمارسون هذه الأمور بحرية في الخارج أكثر من هنا، وقام بعض أجهزة الإعلام الغربية في بريطانيا مثلاً بتصوير أجزاء من الصواريخ التي كانت تقع على العراق بعض هذه الصواريخ كان الجنود النصارى الذين أتوا لينقذوا المسلمين من أيدي المسلمين في الظاهر! يكتبون عليها بعض العبارات، مثل: إلى صدام : اسألِ الله أو ادع الله، فإن لم يستجب لك الله، فالجأ إلى يسوع!!

وفي صاروخ آخر كتبوا عليه: من أبناء موسى إلى أبناء محمد!

فهذه الروح الصليبية الحاقدة لا زالت، ونحن لا ننسى قول بابا روما -بابا الكاثوليك- حينما خرج عن وداعته التي يتكلفها، ولم يستطع أن يكتم هذه العبارة ويقول: هذه حرب مقدسة، وهذه حرب عادلة. وانحيازه أيضاً لهذا الأمر، وبشاشته لما حصل في هذه المحنة، الشاهد: أن هذه حقيقة نواياهم، فمثلاً: نورنت برون ، المعروف بنشاطه الجاسوسي لبريطانيا في وسط العرب هنا، يقول: إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وضع الاستعمار الأوروبي. والحاكم الفرنسي في الجزائر يقول في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرءون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونقتلع اللغة العربية من ألسنتهم.

أيضاً: جلادستون -رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- كان يقول بصراحة شديدة: ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق أو أن تكون هي في أمان!!

حتى قوى الشرق العالمية كالدول الشيوعية، ففي أوز باكستان: يقول المحرر بالحرف الواحد: من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائياً.

والحمد لله، قد سحقهم الله، وأذاق بعضهم بأس بعض.

يقول أحد المنصرين أيضاً: إن القوة الكامنة في الإسلام هي التي وقفت سدّاً منيعاً في وجه انتشار المسيحية، وهي التي أخضعت البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية.

وقال آخر من هؤلاء المبشرين بالنار: لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً!

هذا مصداق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما جرى به هرقل حين كان يستعلم عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم، سأل عن أتباعه: هل يزيدون أم ينقصون؟ قال أبو سفيان : بل يزيدون. قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. فهذا اعتراف من هرقل بالإسلام.

أيضاً: بنجريون -رئيس وزراء إسرائيل السابق- يقول: إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم الإسلامي محمد جديد!

فهم في حالة رعب وفزع شديد من الإسلام، حتى الأمهات إلى اليوم في أوروبا -وبالذات في إيطاليا- حين تريد الأم أن تخفيف ابنها فإنها لا تقول: الغول! ولا تقول ما يقوله الناس، بل تقول: سآتيك بـصلاح الدين من شدة الرعب والفزع من صلاح الدين رحمه الله.

هم أيضاً -كما ذكرنا- يعلمون أن مكمن الخطر الحقيقي عليهم في الحقيقة هو الإسلام، فتأخذ كل الوسائل، والاستعمار قد تلوّن، فهو لم يبدُ في الحقيقة، بل ما زال في نفس العقلية، ونفس الموقف الخبيث نحو المسلمين، كما قال عز وجل: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، فلا زال هذا الموقف هو الحقيقة الكامنة في قلوبهم، رغم أنهم يزعمون ويظهرون خلاف ذلك.

يقول رائد الجاسوسة نورنت برون أيضاً: كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة، ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل تلك المخاوف، كانوا يخوفوننا بالخطر اليهودي، والخطر الياباني، والخطر البلفشي، لكنه تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا، والبلاشفة الشيوعيين حلفاؤنا، أما اليابانيون فإن هناك دول ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتهم، لكننا وجدنا الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة!

يقول دازنوت -وهو أيضاً مستشرق من المستشرقين-: إن القوة التي تكمن في الإسلام، هي التي تخيف أوروبا!

ويقول هاموتوا -وزير خارجية فرنسا سابقاً-: لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام سوره، وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر.

والعجيب أن هذه التصريحات تأتي على ألسنة أعداء الإسلام أنفسهم، مع أنهم حريصون على كتمان هذه الحقائق، لكنهم لا يستطيعون كتمانها، ويعرفون أنهم سينكرون الشمس في رابعة النهار إن أنكروها.

الآن في أمريكا الاجتهاد بفضل أو السبب يرجع إلى تزايد المسلمين في التناسل، الآن المسلمون في أمريكا -كما تذكر الإحصائيات الرسمية-: أن في أقل من ثلاثين سنة، يزداد عدد المسلمين زيادة بحيث يشكلون الدين الثاني في أمريكا مع أديان الكاثوليك، وإن شئت قلت: الدين الأول؛ لأن الكاثوليك في الحقيقة ليس عندهم دين، في أمريكا لا دين لهم على الإطلاق! ولذلك بعد ثلاثين سنة -كما يقدرون- فإن الدين الإسلامي هناك سيشكل أمراً ملفتاً للنظر؛ بسبب زيادة معدل التناسل للمسلمين، فيكونون هم الفئة الثانية في أمريكا، والله أعلم.

كذلك في فرنسا الآن الإسلام ينتشر في داخلها، حتى في الانتخابات يحاولون مداعبة عواطف الفرنسيين عن طريق التلميح إلى فكرة طرد أو تقليل وجود المسلمين الغير الفرنسيين في داخل فرنسا، حتى أن بعض الناس يذكرون مناقب ديغول رئيس فرنسا: أنه حرر الجزائر وأعطاها استقلالها، وكثير من الناس لا يفطنون إلى أن الحقيقة وراء هذا التصرف من ديغول ، ففي الجمعية الوطنية الفرنسية قال لهم لما كان هناك أناس يعارضون فكرة استقلال الجزائر؛ لأن فرنسا كانت تنادي بأن لها حق تاريخي في الجزائر، وأنها جزء لا يتجزأ من فرنسا، فشجع ليجون استقلال الجزائر، واضطر أن يصارح أعضاء الجمعية الوطنية بالسبب في ذلك، فقال: تعرفون أن الجزائر فيها كذا مليون مسلم، وإبقاء هؤلاء كمواطنين فرنسيين فيه خطر على فرنسا، أتقبلون في يوم من الأيام أن يصبح مثلاً ثلث هذا الجمعية الوطنية من المسلمين؟! فاجتمعت كلمتهم على الموافقة على استقلال الجزائر.

وآية من آيات الله، وعلامة من علامات أن هذا دين الله الحق سبحانه وتعالى، أن الإسلام لا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تتبنى قضيته، ولا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تطبق الإسلام كما أنزله الله، أو تتحمس له، أو تقيم نشاط جدّي لنشر هذه الدعوة، والدفاع عنها، وبثها في الآفاق، بل كله نشاط رمزي، خاضع لفئات خفيفة، لكن الأصل أن كل هذه الأنشطة هي أنشطة آحاد، من الدعاة المسلمين أو الشباب الإسلامي في شتى بقاع الأرض، في داخل بلاد المسلمين أو في خارجها، ثم إن أصحاب هذا الدين في بلادهم يحاربون، ويُنكّل بهم أشد التنكيل، حتى جاء اليوم الذي يحصل فيه أن الناس يقسمون إلى إسلاميين وغير إسلاميين، وهذا اصطلاح غريب جداً نلاحظه من كثير من الناس، يقولون: فعل الإسلاميون في الجزائر كذا، وهم ينادون بكذا. لماذا لا تقولون: مسلم من المسلمين؟! لماذا تقولون: إسلاميين؟! يعني: معناها أن المسلمون ينقسمون إلى فئتين: فئة لا تريد إعزاز الدين، ولا شأن لها بالدين، وهؤلاء من عموم المسلمين، وفئة أخرى: اسمهم: الإسلاميون، وهم الذين لهم اتجاه لنصرة الدين، والجهاد في سبيله، والدعوة إليه، والبذل في سبيله، وهكذا.

فهذه فكرة خبيثة، قل: مسلمون. وقل: كفار. لا تقل: إسلاميين وغير إسلاميين، ثم يقرن بهم التشدد والتطرف، ويحصل الطعن الصريح في دين الله تبارك وتعالى ليل نهار، وصباح ومساء في وسائل الإعلام وغيرها، فالحقيقة أننا الآن أصبحنا غرقى في بحر من المؤامرات على هذا الدين من داخل بلاد المسلمين قبل أن يكون من خارجها، مصداقاً لقول بعض الناس: خرج الإنجليز الحمر، وبقي الإنجليز السمر! فهي في الحقيقة لغات الاستعمار بين العساكر والحضارية، هم الذين يحكمون ويقهرون بلاد المسلمين اليوم؛ ليكونوا خداماً ومخلصين لأغراض هذا العدو الكافر.

يقول البنشاذور وهو يتكلم بموقف خاص عن الإسلام: من يدري! ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين، يهبطون إلينا من السماء مرة أخرى، وفي الوقت المناسب!

ويقول أيضاً: لست متنبئاً، لكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، ولن تقوى الذرة والصواريخ على وقف تيارها، إن المسلم قد استيقظ، وأخذ يصرخ: هاأنذا، إنني لم أمت، ولن أقبل بعد اليوم أن أكون أداة تسيرها العواصم الكبرى ومخابراتها.

وهناك تصريح على لسان أحد قوى الشر، حيث يقول: إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيّرون نظام العالم. فلما سأل أحد الصحفيين هذا الرجل: لكن المسلمين مشغولون بخلافهم ونزاعاتهم؟! فأجابه: أخشى أن يخرج منهم من يوجّه خلافاتهم إلينا.

ويقول مسئول في وزارة الخارجية الفرنسية سنة (1952م): ليست الشيوعية خطراً على أوربا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي؛ فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم من جديد دون حاجة إلى إذابة شخصياتهم الحضارية، والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتها إلى مقاصف التاريخ، وقد حاولنا -نحن الفرنسيين- خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب المسلم، فكان الإخفاق الكامل رغم مجهوداتنا الكبيرة الضخمة.

ثم يقول: إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً، فهو حائر، وهو قلق، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبة يخالطها الكسل والعوض في مستقبل أحسن وحرية أوفر، فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء، ولنقوي في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني، حتى لا ينهض، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف بإبقاء المسلم متخلفاً، وتحرر العملاق من قيود جهله وتخلفه، وعقدة الشعور بعجزه، فقد بؤنا بإخفاق خطير، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الثقافات الإسلاميات الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم!

أما ملبيكر، فيقول في كتابه (العالم العربي المعاصر): إن الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام. ثم يقول -بلا حياء- يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوة العرب؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره!

ويقول أيضاً: إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الإفريقية.

ويصرح هاموتوا -وزير خارجية فرنسا- قائلاً: رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها، فإن الخطر ما زال موجوداً من انتفاض المقهورين الذين أزجتهم النكبات التي أنزلنا بهم؛ لأن حميتهم لم تخمد بعد.

وأيضاً أحد كبار المستشرقين في محاضرة له في مدريد كان عنوانها: (لماذا كنا نحاول البقاء في الجزائر؟!) يقول: إننا لم نكن نُسخّر النصف مليون جندي -يعني: جندي فرنسي- من أجل أن نبيد الجزائر، أو صحاريها أو زيتونها، إننا كنا نعتبر أنفسنا سور أوروبا الذي يقف في وجه الزحف الإسلامي الذي يحتمل أن يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها، وليدخلوا معنا في قلب فرنسا بمعركة بواتية جديدة ينتصرون فيها، ويكتسحون أوروبا الراهنة، ويحققون ما كانوا قد عزموا عليه أثناء حلم الأمويين بتحويل المتوسط إلى بحيرة إسلامية خالصة، من أجل ذلك كنا نحارب في الجزائر.

وأيضاً: من مصادر خوفهم: أن هذه الأمة أمة مؤهلة للقيادة، تملك كل مؤهلات القيادة، وقد قامت بسلب قيادة العالم أجمع لمدة قرون عديدة، فروح القيادة وروح الأستاذية تسري في جسد هذه الأمة التي تحمل كل مؤهلات القيادة.

وفي الحقيقة أن العالم الغربي لا يحمل أي شيء من مؤهلات القيادة، سوى القوى العسكرية والأمور المادية، أما أن تحمل الغرب أو أمريكا أو أوروبا شيئاً جديداً للعالم فهو في الحقيقة تردٍ وانهيار كامل، وهذا من أعظم المبشرات بانهيارهم، طال الوقت أم قصر، فهم في الحقيقة ليس لهم أي شيء يقدمونه للبشرية، وليس لهم رسالة معينة يؤدونها أو يخدمون بها الإنسانية، فأين هم من هذه الأمة التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]؟!

أيضاً يخافون من الإسلام؛ لأن الإسلام هو القادر على أن يقيم الحكومة الربانية، ويقيم الخلافة الإسلامية التي تحرر الإنسانية من التبعية لأي نظام من نظم هؤلاء البشر.

وأيضاً يخافون لأن الإسلام إذا مكن له أن يربي هذه الأمة فسوف يصنع قادة لا يخدعون ولا يخونون، ولا يبيعون دينهم، فالقادة الذين يجدونهم اليوم، ويستطيعون أن يشتروهم بسهولة بشتى الوسائل، ويجندوهم لخدمة أهدافهم كحجارة الشطرنج، فالإسلام لا يصنع أمثال هؤلاء، الإسلام إنما يصنع أمثال هذا الصبي الصغير الذي رأينا قصته آنفاً، فالقادة الذين يصنعهم الإسلام هم الذين يعون قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51].

أيضاً يخافون من الإسلام؛ لأن الإسلام سوف يربي هذه الأمة، ويربي جيلاً ولاؤه لله تبارك وتعالى وحده، ولا يخاف إلا الله عز وجل، فيكون جيلاً محصناً ضد كل وسائل الغزو والمؤامرات الفكرية والشهوانية، ولا يمكن أن تعطي الأمة ذممها لهؤلاء إذا ربيت على الإسلام، فترفض أن تسلّم قيادها وأن تعطي ولاءها لغير الله ورسوله والمؤمنين، ولا مكان عندها لأفكارهم الضالة، ولا لبضاعتهم الفاسدة، ولا لعملائهم الخَوَنة.

فمن أجل ذلك يخافون، ويشتد رعبهم وهلعهم من منهج الإسلام، وعودة الإسلام، ويستخدمون أحط الأساليب في التنفير عن دين الله تبارك وتعالى -بغضّ النظر عن قضية دخول البرلمانات ونحوها- لكن ما من شك أن من فوائد التجربة التي يخوضها الجزائر الآن أنها تفضح هؤلاء العساكر المحتالين الذين يحكمون بلاد المسلمين.