نحو قائد رباني


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعنيه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

أما بعد:

فكثير ما يتفكر المسلم في هذه الأيام في أحواله وفي أحوال المسلمين من حوله، فيا ترى لو قدر للمسلمين أن يقوم فيهم ابن الخطاب رضي الله عنه من جديد، أو يأتي صلاح الدين من جديد، أيستطيع أن يبعث الأمة من رقدتها؟ أيستطيع أن يقوّم اعوجاجها؟ أيستطيع أن يدفعها إلى الأمام لتحمل الراية من جديد؟ إنها أسئلة تتوارد على فكر الإنسان المسلم، وهو يرى ما يرى.

إننا نرى في هذا العصر أعداء الإسلام قد امتلكوا أسباب القوة، هؤلاء الذين أذلهم المسلمون في الماضي عندما كانوا مقيمين في ديار المسلمين وأرادوها عوجاً، فعلمهم المسلمون كيف يكون الرجال، لقد كانوا يسكنون المدينة وأطراف الجزيرة العربية فكانت ضربات المسلمين ضربات موجعة، فمرة يخرجون على دوابهم لا يأخذون معهم إلا ما تحمل ظهور الدواب، ومرة يحكم فيهم ابن الإسلام بأن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم ونساؤهم، وأن تستلب ديارهم وأموالهم، ومرة يغير عليهم جيش الإسلام وهم خارجون إلى الحقول، كما وقع في خيبر، فيتنادون: محمد والخميس، أي: والجيش العظيم؛ لما رأوا من عظم جيش المسلمين، وما زال يحيط بهم الجيش الإسلامي حتى استسلموا، ثم أخرجهم الفاروق في خلافته، وطهر الجزيرة من رجسهم وقذرهم.

إن أعداء الإسلام اليوم يمتلكون قوة بغوا بها، فبالأمس تغير طائراتهم على ديار المسلمين، لقد أغارت على النساء والأطفال والرجال وعلى البيوت والمساجد والمدارس، وكأنما تغير على ثكنات عسكرية، وقد كانت تلقي حملوتها من القنابل والقذائف فتدمر وتقتل نساءً وأطفالاً ورجالاً لا يملكون سلاحاً.

ويمر الحدث وكأن المسلمين لا يسمعون، وكنت أود أن أجعل هذه الخطبة حديثاً عن مشكلة اجتماعية، كما طلب مني بعض الإخوة في هذا المسجد، فإنهم قالوا: أنت نسيت مشكلاتنا، مشاكل نسائنا وأبنائنا، فكنت أتمنى أن أتحدث عن ذلك، ولكن تحت المشاهد التي يراها المسلم تنزل بأهل الإسلام لا يستطيع المسلم أن يترك الحديث عنها، فماذا يقول للناس؟ هل يحدثهم عن مشكلة زوجة ومشكلة طفل وأطفال المسلمين يقتلون، والمسلمون يذبحون، والمساجد تدمر فوق رءوس المصلين، والنساء يقتلن بقنابل العدو، والعدو يدخل المساجد بالسلاح، وكلابهم تنهش المسلمين، ولا يملك المسلمون أن يردوا عدوانهم، وأسير نصراني كافر تهتز له أمريكا، وتطلقه دولة تسمى بالإسلام بعد أن تسمح له بأن يقيم حفلة في أعياد الميلاد وهو أسير؟!

وبالأمس طائرات هذا الأسير كانت تقذف حمماً فوق رءوسنا، واليوم يذهب معززاً مكرماً! في الوقت الذي تدك طائرات أبناء القردة والخنازير ديار المسلمين، ماذا يفعل قائد لو بعث من جديد؟ ماذا يفعل بالمسلمين؟

ليست المشكلة مشكلة فرد، وإنما هي مشكلة نفوس ينبغي أن تتربى على الإسلام، إن القائد يفعل ما يفعل إذا كان وراءه رجال يعرفون أنفسهم، ويعرفون دينهم، ويعرفون طريقهم، فالطريق أن يبعث الإسلام من جديد في نفوس أهله، فيصلح هذه النفوس، ويغسل منها أدرانها، ويعيد إليها صفاءها، ويصلها بربها تبارك وتعالى.

إن ما نسمعه اليوم من الذين يتصدون للعمل الإسلامي، بل والعمل عامة من طرح جديد لم نكن نسمعه من قبل، إنما هو بوادر خير، ففي الأحداث الأخيرة في الأسبوع الماضي كان يتردد في لبنان كلمات لم نكن نسمعها من قبل: خيبر خيبر يا يهود، دين محمد سوف يعود، أو كلمات قريبة من هذا.

تذكروا معي فتن (1967م) عندما دخل اليهود القدس، فقد سمعنا من إذاعات دول عربية وغير عربية، وقرأنا في الصحف أن اليهود كانوا ينشدون وهم يدخلون القدس الشريف مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا لثارات خيبر! فهم يقولون: محمد مات وخلف بنات. كانوا يعرفون القضية ويعرفون الماضي، ويعرفون أنها ليست بينهم وبين القومية العربية، وليست بينهم وبين الاشتراكيين، وليست بينهم وبين الذين يسمون أنفسهم بالوطنيين، إنما هي بينهم وبين الإسلام، فلها جذور عميقة في خيبر، وفي قريظة، وفي النضير، وفي غير ذلك من الوقائع التي خاضها المسلمون، فهم يعلمون أبعاد المعركة ويعلمون أبعاد القضية، ولكننا لم نكن نعلم أو كثير منا لم يكن يعلم أبعاد القضية وجذورها وخطورتها، كثير منا لم يكن يعلم هذا، وهناك من يقول: سنعلنها قومية، ونعلنها اشتراكية، ونعلنها وطنية، وغير ذلك من المبادئ.

إن الذين أسقطوا طاغية مصر الذي زار إسرائيل كتبوا بدمائهم عندما كانوا يحاكمون: أيها اليهود! المسلمون قادمون، أيها اليهود المسلمون قادمون. وهؤلاء أيضاً كانوا يعلمون جذور القضية، ويعلمون أن معركتهم إنما هي مع اليهود، وأن الذين علوا على ظهور الطيبين ويكتمون أنفاس الصالحين ويضعونهم في السجون إنما هم عملاء اليهود، وهي تلك الأيدي التي تصافح اليهود من ناحية وتضرب بالخنجر المسلمين من ناحية أخرى، والحمد لله لقد انبعثت في زماننا صيحات ما كنا نسمعها، هذه الصيحات تعبر عن أمل يراود المسلمين في عودتهم إلى أصالتهم، وعودتهم إلى إسلامهم، وأن يطرحوا عنهم شعارات الزيغ والدجل والكفر التي رفعها أناس من السياسيين والمفكرين، فحرفوا المسيرة زمناً طويلاً، وأبعدوا المسلمين عن الحق المكتوم، فضاعت سنوات طويلة في عبث لا طائل تحته.

فلا بد أن يعود المسلمون إلى أصالتهم وأن يكون شعارهم الإسلام، وأن يعرفوا عدوهم، وأن يوجهوا حرابهم نحو هذا العدو، لقد كان الذين يوجهون الضربات للعدو في الجنوب اللبناني فئة من الشباب المسلم، وما كانت يهود تدري أن الذي يقوم بهذه العمليات الجريئة هم فئة من الشباب المسلم حتى أمسكت بطرف الخيط منذ أيام قليلة، فجن جنونها، وإذا بها تقوم بحملة اعتقالات واسعة لكل التيار الإسلامي بما فيهم أئمة المساجد والخطباء، والشباب المسلم المتدين، وجن جنونها؛ كيف هذا؟ فقد مضت سنة كاملة وهي لا تدري من الذي يفعل بها الأفاعيل، عندما يتقدم الشباب المسلم الصفوف يكون أميناً على قضيته، فلا يبيعها، ولا يتركها، ولا يهادن، ولا يجامل، ولا يفعل كما فعل الكثير من الذين تصدوا للقضية فباعوها بثمن بخس!

يريدون أن يقيموا دولة على شبر من الأرض! وترى بعض من يدعي الإسلام يصافح أبناء القردة والخنازير ويريد أن يبيع الأرض المباركة بثمن بخس تافه لا يساوي ذرة من الأرض المقدسة التي أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم إليها، فما كان ولا يكون للمسلم أن يساوم على أرض هي للمسلمين، أو في أمر مقدس عندهم، وانظروا كيف قبل آخر خليفة للمسلمين أن ينزل عن عرشه وأن يترك ملكه دون أن يبيع فلسطين؛ لأن فلسطين لا يساوم عليها، وليست فلسطين فحسب، بل كل شبر من بلاد المسلمين لا يستطيع المسلم أن يساوم عليها، وإن قطعت عنقه، أو زهقت روحه، فإنه سيذهب إلى الله تبارك وتعالى فيجازيه على عمله أتم الجزاء، وذلك خير له من أن يبيع أو يساوم أو يهادن حين يجب عليه الدفاع عن دينه أو أرضه أو عرضه، فذلك ليس بمنطق مسلمٍ أبداً.

لقد قلت كثيراً: إن الذين يتصدون للقضية في مجلس الأمن، وفي هيئة الأمم، وفي ساحات القتال، كثير منهم -إن لم يكونوا كلهم- ليسوا بأمناء على القضية، إن الأمناء على القضية هم الذين يخشون الله ويخافون عقابه يتقونه تبارك وتعالى، ويعلمون أن ما عند الله خير وأبقى، وهم الذين يقدمون أرواحهم لربهم تبارك وتعالى.

لقد منع هؤلاء من الجهاد ومنعوا من تصدر الصفوف من ناحية أخرى، وامتلأت بهم السجون في بلاد المسلمين، فتمنعهم دولهم من أن يحاربوا اليهود، وأن يزلزلوا الدولة التي أقامتها اليهود، ولكن ذلك لن يطول، فعندما يحصر السيل تجتمع السيول فتكثر، ولا بد أن تتحطم السدود مهما كانت قوية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، استغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله، وبعد:

فإن هذا الذي نشاهده من عودة الإسلام إلى النفوس سينشىء أجيالاً، وينشئ رجالاً، وينشئ قادة، فإذا كثر الغرس الطيب كان من بين الغرس الطيب غراس مثمرة معطاءة، وكان من هذا الثمر الطيب ثمار تسر الناظرين.

فمن هذه الأجيال يتخرج العلماء، ويتخرج القادة، ويتخرج رجال الفكر، ويكون في ديار المسلمين خير كثير، وإنما الخطر كل الخطر أن تكون الأرض جرداء ليس فيها نبتة ولا شجرة، وأما إذا ما كانت الأرض خصبة ونزل عليها المطر، وتشققت بالنبات، ثم ظهر غرسها فعند ذلك نؤمل خيراً كثيراً، وعند ذلك يحقق الله تبارك وتعالى لعباده خيراً كثيراً، وهذه سنة الله في هذا الدين، فتجتمع على أهله الأمم، وتوجه إليه المؤامرات، ولكن ما بالكم بمعركة يدير دفتها رب العالمين، مالك الملك القادر على كل شيء، القهار الغالب الذي له ملك السماوات والأرض، والذي له جنود السماوات والأرض، فيا ليت شعري ماذا يملك العباد؟!!

إن العباد لا يستطيعون شيئاً، وانظروا كيف عانت الدولة العظمى منذ أيام من لفحة برد أصابها بها رب العزة، ولو زادت وطالت قليلاً لكلفت هذه الدولة تكاليف رهيبة، إن لله جنوداً لا نعرفهم، والبرد واحد من هذه الجنود، والحر واحد من هذه الجنود، فهو سبحانه قادر أن يزلزل العباد، وأن يقصف بهم من فوقهم، وأن يميد بهم الأرض من تحتهم، إنه قادر على أن يرسل عليهم ما يشاء من العذاب فإذا بهم لا يستطيعون شيئاً.

إن الله تبارك وتعالى يريد من أوليائه وأحبابه والذين ينتسبون إليه أن يجاهدوا في سبيله، فينصر الله تبارك وتعالى بهم الدين، ويعز بهم ملة الإسلام، ويعز بهم أنفسهم، ثم يكونوا قادة وسادة، وإلا فالله قوي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

وما هذا الخير الذي بدأت الدول الكبرى تخافه، وبدأت يهود توجه أنظارها إليه ما هو إلا شيء من هذه العودة الطيبة إلى الإسلام، والتي تنادي بالإسلام، وما هذا إلا هداية وتوفيق من الله عز وجل، وطوبى للذين يكونون في هذه المرحلة جنوداً ينشرون الإسلام، ويعملون للإسلام، ويؤصلون الإسلام، ويبينون التوحيد، وينشئون أجيالاً، ينشئون رجالاً، ينشئون أمة، فهؤلاء هم الأسس التي يقوم عليها البناء، وأجرهم عند الله تبارك وتعالى كبير.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.


استمع المزيد من الدكتور عمر الأشقر - عنوان الحلقة اسٌتمع
النجاة من الفتن 2410 استماع
كيف تستعيد الأمة مكانتها 2299 استماع
فتاوى عن الجماعات الإسلامية والجهاد 2292 استماع
أضواء العمل الإسلامي 2214 استماع
اليوم الآخر 2192 استماع
الانحراف عن المسيرة الإسلامية 2162 استماع
إخلاص النية 2162 استماع
مع آيات في كتاب الله 2142 استماع
أسباب الجريمة وعلاجها 2125 استماع
قيمة الاهتمام في زيادة الإيمان 2105 استماع