الإسلام في مواجهة أعداء الداخل والخارج


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن الذي ينظر في أحوال المسلمين ويسير في ديار الإسلام لا بد أن يوقن أن دين الإسلام منزل من عند الله سبحانه وتعالى، وأنه حق؛ وذلك لأن أعداء الإسلام لم يتركوا سبيلاً من السبل لهدم الإسلام وإزهاق أرواح المسلمين وبث الشكوك والشبهات إلا وسلكوه، ومع ذلك إذا بالإسلام في كل مكان ينمو حتى في ديار أعداء الله، وتحت سطوة الظالمين وجبروت الظالمين ينبت الإسلام ويترعرع؛ مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] فأعداء الإسلام يدبرون ويخططون: الشيوعيون من ناحية، واليهود من ناحية أخرى، والصليبون بدولهم القوية كأمريكا وبريطانيا وأذنابهم الذين يسجدون لهم، ويتوجهون في صباحهم ومسائهم إلى قبلة الكفر إلى واشنطن أو لندن أو موسكو، كل هؤلاء يعملون على هدم الإسلام وتفتيت المسلمين، ثم تكون النتيجة أن الله سبحانه وتعالى يهيئ لهذه الأمة رجالاً يقولون كلمة الحق، فتكون نوراً يتردد في جنبات العالم الإسلامي، في أرض فلسطين التي احتلت منذ ثمان وأربعين سنة، هذه البلاد كنت أشبهها بالنسبة للإسلام بديار قاحلة جرداء ليس فيها نبتة، والله يا إخوة لو دخلت مسجداً من عشر سنوات في بلد عدد المسلمين فيها ثلاثون ألفاً لا تجد إلا بعض رجال قد بلغوا الشيخوخة، فعمر الواحد خمسون سنة، ستون سنة، سبعون سنة، وهؤلاء أيضاً قد رأيت واحداً منهم يخرج من المسجد وهو يسب الدين، وهذا قبل عشر سنوات، وقد قدر لي في هذا الصيف أن أزور تلك الديار وأن أتجول في بعض تلك المدن التي يسكنها مسلمون فرأيت عجباً، لا يصدق الإنسان نفسه أن هذه البلدة التي كانت قاحلة جرداء صحراء محرقة ليس فيها نبتة خير، وإذا بالخير ينتشر في جنباتها، وإذا بنبتة الإسلام تترعرع فيها، وتحت حكم السفهاء الظلمة الطغاة من اليهود، فاليهود حريصون على أن يقتلوا روح الإسلام في نفوس المسلمين، وأن يجهلوهم بدينهم وبعقيدتهم، وذلك عبر جيوش من المغريات التي تفتك بأبناء المسلمين، ومع ذلك كله تصل كلمة الحق وقدر الله غالب، فالله سبحانه وتعالى يقدر أن تجد كلمة الحق قبولاً، فتتقبلها نفوس كالأرض العطشى، فهذه النفوس تتقبل الخير وتتقبل كلمة الإسلام وتتقبل آيات القرآن وأحاديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فالمساجد التي كانت خراباً أصبحت عامرة بالرجال وبالشباب الذين يجاهرون بكلمة الإسلام ويرفضون الكفر، ويرفضون ما رضي به حكام العرب، وهم تحت نيران اليهود يقولون لهم: نحن لا نريدكم وسنحاربكم إلى آخر رجل فينا، الكلام الذي لا يستطيع أن يقوله المسلمون في مصر الآن يقوله المسلمون وهم في أرض يسيطر عليها يهود، ذلك والله ليس بذكاء وفطنة من المسلمين وإنما هو قدر الله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] ، كذلك لا نسمع من أمريكا وروءسائها غير سموم ناقعة تدل على مدى الحقد والكراهية لهذه الأمة، ولكن أمر الله فوق ذلك، وتدبير الله سبحانه وتعالى فوق ذلك، يفتحون السجون والمعتقلات في ديار المسلمين الذي التي يتزعمها من يسبحون بحمد أمريكا وبحمد الكفر والباطل، ويقابلون اليهود بالأحضان، أما دعاة الإسلام فالعذاب والسجون والقتل والتجويع والتشريد، من أجل خاطر عيون اليهود الذين يريدون بالإسلام والمسلمين شراً، ولكن أمر الله نافذ وماض يشاهده المسلم في كل مكان وفي كل سبيل.

يا إخوة! لقد كان أبناء المسلمين في حفلاتهم وأفراحهم لا يقدمون إلا الخمر، وليس على مستوى خمسة أو ستة أو عشرة أو عشرين، بل يجتمع أبناء المدينة في الحفل فتدار كئوس الخمر التي تكلف عشرات الألوف، ووصل الحال بالمسلمين في تلك الديار إلى هذا، ثم يتغير الحال، فلا تجد فرحاً جاهلياً، ولا تجد كلمة نابية، كل ذلك بإرادة الله وتقدير الله، واليهود يحسون بالقضية، واللوبي اليهودي من أمريكا ينذر ويولول ويقول: إن المسلمين يريدون أن يعودوا إلى التسلط من جديد، فاليهود لا يريدون أن يقوم المسلمون في ديارهم ويحكمون أنفسهم بأنفسهم؛ فتلك جريمة عند اليهود وعند أوليائهم، والذي يراقب الحال يعلم أن لله مراداً وأن لله قدراً، ولكن ينبغي للمسلم أن يشارك في هذا المراد وفي هذا القدر بنفسه وبأولاده وبأسرته، حتى يكون من الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، ويصلحون ما أفسد الناس، من الغرباء الذين يعيدون للإسلام عزه ويعيدون للإسلام مجده، والقضية كما قلت قضية إلهية ربانية، ووالله لو كان الأمر موكولاً لنا نحن البشر لضاع الإسلام وضاع القرآن، ولكن الله سبحانه وتعالى يدبر ويريد، وتدبيره وإرادته فوق إرادة الجميع وفوق تدبير الجميع، فهؤلاء الذين في ديار الإسلام يحاربون الإسلام، وينصبون أنفسهم أعداء لهذا الدين وللدعاة في سبيل الله، ويقذفون بالألوف منهم في السجون هؤلاء مصيرهم رهيب، قد يكون في الدنيا قبل الآخرة، وقد يكون في الآخرة بعد هذه الحياة الدنيا، ولكنهم لن ينجوا من غضب الله ومقته وجبروته، فالله سبحانه وتعالى غالب على أمره.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.

أما بعد:

فإن هذه الأمة قد جرت عليها ويلات كثيرة وبلاء كثير، وأكبر بلاء ابتليت به هذه الأمة من أنفسها ومن رجالها، من شبابها، من نسائها، من حكامها، هذا البلاء الأكبر الذي ابتليت به الأمة، صحيح يا إخوان! أن اليهود يخططون، وأمريكا تخطط وروسيا تخطط، والكل يريد بالإسلام شراً، لكن بالله عليكم لو كان هذا المسجد قوياً محكم البناء، وهبت عاصفة فإنه سيصمد المسجد أمام العاصفة، أما إذا كان مزعزع البنيان وخاوياً متشققاً لسجد للعاصفة، ألم تهز العواصف البيوت على الدولة الإسلامية الفتية، وذلك عند ما لم يكن رجالها يتجاوزون بضع مائة، وهبت رياح عاتية، العرب من ناحية، اليهود من ناحية، والفرس من ناحية، والروم من ناحية، ومع ذلك ثبت البناء لهذه العواصف، واستطاع المسلمون أن ينشروا الإسلام في بقاع الأرض؟!

إذاً: مصيبة المسلمين في أنفسهم، فلو كان بناء الإسلام في نفوس المسلمين قوياً ومتماسكاً، ولم يكن فيهم هذا الغثاء، ولم يكن فيهم أولياء الكفر، وكانوا إخوة في الله، يحكمون شرع الله لما استطاعت هذه الدول الكافرة أن تنال منهم شيئاً، وتكون الدائرة للمسلمين.

فالعداء الذي نشاهده والتدبير الذي نشاهده إنما يؤثر فينا، إذ نحن لم نحكم بناءنا ولم نقوم بناءنا ولم نسدد أنفسنا، فعندما نريد أن ننطلق لنعيد للإسلام عزه ومجده ينبغي أن نفكر في عيوبنا وفي أنفسنا وفي ما أصابنا في عقولنا وعقيدتنا وتصوراتنا، وأن ننظر في سلوك المسلمين، حيث قد ابتعد المسلمون في سلوكهم عن الإسلام إلا من شاء الله، وهذا هو الذي أشرت في البداية أنه كائن، وأن المسلم يلمحه هنا وهناك في بلاد المسلمين، وفي أطراف الأرض، فينبغي أن يأخذ المسلمون بسلوك الإسلام وإن غضب من غضب، ورضي من رضي.

فإذا تحقق ذلك عند ذلك يتنزل نصر الله، وعند ذلك يهيئ الله لهذه الأمة رجالاً لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ولا يقدمون أهواءهم ولا شهواتهم على الحق الذي أنزله الله، وعند ذلك ترتفع كلمة الله في الأرض، وترتفع العدالة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، لتحقق الخير للإنسانية، وذلك كائن إن شاء الله.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.