شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب آداب قضاء الحاجة - حديث 93-96


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

في هذا اليوم طالبنا الإخوة بحفظ خمسة أحاديث في باب: آداب قضاء الحاجة.

مقصوده بقضاء الحاجة هو البول والغائط، وقد كنى عنه كما ورد في الحديث الآتي وهو حديث المغيرة بن شعبة من قوله: ( حتى توارى عني فقضى حاجته )، وهذا معهود عند العرب أنهم يكنون عما يكرهون ذكره صراحة، يكنون عنه بألفاظ أخرى كقوله هاهنا: فقضى حاجته، وقد يعبر عن هذا بلفظ الاستطابة عند الفقهاء؛ لما ورد في الحديث: ( ولا يستطب بيمينه )؛ وذلك لأن الإنسان إذا أزال عنه أثر البول أو الغائط فإنه يكون طيباً لذلك، وتطيب نفسه به، ويعبر عنه المحدثون بالتخلي؛ لوروده في أحاديث كثيرة، كما في قوله في حديث أنس وغيره: ( إذا دخل الخلاء )، والمعنى في الجميع واحد.

ومن كمال الإسلام أنه رتب شئون الإنسان حتى وهو يقضي حاجته، فأحاط هذا العمل بآداب وأدعية وأذكار وتوجيهات، تجعل الإنسان يشعر حتى وهو يقضي حاجته أنه فيه مجال للتعبد بفعل شيء أو ترك شيء آخر، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد الإنسان وهو يريد أن يأتي أهله إلى أن يذكر اسم الله تعالى كما سبق، وإذا كان ذلك كذلك علم أن الدين الذي رتب حتى هذه القضايا اليسيرة الدقيقة، لابد أن يكون نظم جميع شئون الحياة الكبرى في قضايا الاجتماع والسياسة والاقتصاد وغيرها، وأن الله تعالى نزل هذا الكتاب تبياناً لكل شيء كما قال: تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] فما من أمر يحتاجه الناس إلا وفي الإسلام بيانه، علم ذلك من علمه وجهله من جهله.

أما الأحاديث الواردة في هذا الباب فأولها: حديث أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ).

قال المصنف: أخرجه الأربعة، وهو معلول.

فأما رواة ومخرجو هذا الحديث فهم الأربعة أصحاب السنن، ويضاف إليهم ابن حبان والحاكم وغيرهم.

كلام أهل العلم في الحديث

وأما علة الحديث التي أشار إليها المصنف فهي: أن هذا الحديث ذكر عنه أبو داود أنه منكر، فقال عقب روايته: هذا حديث منكر لا نعرفه، أو قال: هذا حديث منكر إنما نعرفه من حديث ابن جريج عن زياد بن سعد، يعني عن الزهري كما هي في رواية الحديث.

وكذلك قال أبو داود : إن لفظ الحديث مختلف، يعني: حديث ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري لفظه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه ) فليس فيه ذكر أنه: ( إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ).

وكذلك قال النسائي : هذا حديث غير محفوظ، وتكلم عليه الإمام الدارقطني في العلل، وأشار إلى الاختلاف فيه، وإلى أنه شاذ، وكذلك ذكر النووي ضعف الحديث، وتكلم عليه من المعاصرين الشيخ الألباني، أو أشار إلى ضعفه في ضعيف الجامع، وفي تعليقه على مشكاة المصابيح، ولعله سوف يفصل في ذلك في ضعيف أبي داود الكتاب الذي لم يخرجه بعد.

وبالمقابل فقد وثق وصحح هذا الحديث علماء آخرون، منهم الترمذي صححه، وكذلك المنذري قال: الصواب عندي أن هذا الحديث صحيح، رواته ثقات أثبات، وكذلك صنع أبو الفتح القشيري في آخر كتابه الاقتراح في بيان الاصطلاح، وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة في الصحاح.

وأبو الفتح القشيري هذا من هو؟ من هو أبو الفتح القشيري؟

هو ابن دقيق العيد، وكتابه الاقتراح في علم المصطلح، وفيه أحاديث مختارة، في آخره أشار إلى صحة هذا الحديث.

لكن الراجح والله أعلم أنه ضعيف معلول، كما ذكره هؤلاء العلماء الذين أشرت إليهم، ويضاف إليهم الحافظ ابن حجر فإنه قال في هذا الموضع: وهو معلول.

وله شواهد لكنها ضعيفة أيضاً فلا يتقوى بها.

حكم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله غير القرآن

أما قوله: ( إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ) فإن المقصود: إذا أراد دخول الخلاء يعني: أنه لا يدخل الخلاء بخاتمه؛ وذلك لأن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان نقشه: محمد رسول الله، كما ورد ذلك في الصحيحين عن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب إلى فارس والروم، قالوا: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً ونقشه: محمد رسول الله )؛ فلأن في هذا الخاتم ذكر لله تعالى كان يضعه على حسب ما يقتضيه ظاهر هذا الحديث، وإلا فالحديث ضعيف لا يحتج به.

وعلاقة هذا الحديث بالباب ظاهرة، وهي: ما حكم الدخول بشيء فيه ذكر الله تعالى إلى الخلاء؟

وللعلماء في هذه المسألة قولان: أحدهما: القول بالكراهة، أنه مكروه، وهذا مذهب أكثر أهل العلم كالحنفية، والشافعية لا يختلفون في ذلك، وكثير من المالكية والحنابلة أنهم يقولون: يكره أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا لحاجة، ويحتجون بهذا الحديث وهو ضعيف كما سبق، ويحتجون أيضاً بأن اسم الله تعالى يجب أن يصان عن هذه المواطن التي فيها النجاسة، وذهب بعض السلف إلى الرخصة في ذلك، نقله ابن المنذر عن الحسن البصري، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وكذلك نقله ابن أبي شيبة عن سعيد وابن سيرين : أنهما سئلا عن الدخول إلى الخلاء بشيء فيه ذكر الله؟ فقالا: لا بأس، ونقل عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد : أنهم يرون أن الأفضل في حقه إن دخل فيه أن يجعل فصه في داخل راحته؛ لئلا يكون اسم الله ظاهراً، يرون أن هذا أولى وأفضل في حق من دخل بخاتمه.

ولا شك أننا عرفنا ضعف هذا الحديث وأنه لا يستقيم للاحتجاج، لكن يبقى موضوع صيانة اسم الله تعالى عن الدخول في الخلاء، وهل ينتهض للقول بالكراهة أم لا ينتهض؟ وإذا علم أن هذا في الأمور الظاهرة -يعني كون الاسم ظاهراً- تبين أنه ليس هناك حرج في خلع هذا الشيء إذا كان خاتماً، أو في جعل فصه في داخل الراحة؛ لئلا يكون الاسم ظاهراً وهذا أولى، وليست المسألة مسألة تحريم كما علمتم.

حكم دخول الخلاء بالقرآن الكريم

لكن هذا الكلام هل يقال مثله فيما يتعلق بالقرآن الكريم أم لا؟

الذي يظهر من كلام كثير من أهل العلم أن الكلام في القرآن الكريم يختلف، ولذلك ذهب الحنابلة وبعض المالكية إلى تحريم الدخول بالقرآن الكريم إلى الخلاء؛ صيانة للمصحف عن هذه الأماكن المحتظرة، التي تكون فيها النجاسات، وتكون فيها الشياطين، وهذا أمر قوي فيما يتعلق بالقرآن الكريم، حفظه عن هذه الأماكن أمر سائغ، إلا أن تدعو الحاجة إلى ذلك، كما إذا خشي عليه من عدو أو من ضرر، فيكون إدخاله حينئذ أولى من تركه.

لكن إن لم يكن ثم حاجة فلا ينبغي أن يدخله إلى الخلاء، إلا أن يكون ذلك خفياً غير ظاهر، كما لو كان جزءاً في جيبه مع أوراق أخرى، فلا يكلف حينئذ إخراجه؛ وذلك لأسباب -والله أعلم- منها: أنه كثيراً ما يضعه فينساه، وهذا أمر مشاهد، فإن بعض الناس إذا أراد أن يدخل إلى الخلاء أخرج الجزء، خاصة بعض الإخوة الحفاظ، لا تكاد تخلو جيوبهم من اقتناء مصحف أو جزء في جيوبهم، فإذا أراد أن يدخل وضعه في أي مكان، فكثيراً ما ينساه، وقد يترتب على النسيان ضرر آخر، وهو أن يتعرض هذا الجزء من القرآن لإهانة أعظم مما لو دخل به وهو مخفى في جيبه، مثل أن يسقط، أو يوطأ، أو تجري به الرياح، أو يهان، فيكون الضرر الناجم عن ذلك أعظم من الضرر المخوف.

وأما علة الحديث التي أشار إليها المصنف فهي: أن هذا الحديث ذكر عنه أبو داود أنه منكر، فقال عقب روايته: هذا حديث منكر لا نعرفه، أو قال: هذا حديث منكر إنما نعرفه من حديث ابن جريج عن زياد بن سعد، يعني عن الزهري كما هي في رواية الحديث.

وكذلك قال أبو داود : إن لفظ الحديث مختلف، يعني: حديث ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري لفظه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه ) فليس فيه ذكر أنه: ( إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ).

وكذلك قال النسائي : هذا حديث غير محفوظ، وتكلم عليه الإمام الدارقطني في العلل، وأشار إلى الاختلاف فيه، وإلى أنه شاذ، وكذلك ذكر النووي ضعف الحديث، وتكلم عليه من المعاصرين الشيخ الألباني، أو أشار إلى ضعفه في ضعيف الجامع، وفي تعليقه على مشكاة المصابيح، ولعله سوف يفصل في ذلك في ضعيف أبي داود الكتاب الذي لم يخرجه بعد.

وبالمقابل فقد وثق وصحح هذا الحديث علماء آخرون، منهم الترمذي صححه، وكذلك المنذري قال: الصواب عندي أن هذا الحديث صحيح، رواته ثقات أثبات، وكذلك صنع أبو الفتح القشيري في آخر كتابه الاقتراح في بيان الاصطلاح، وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة في الصحاح.

وأبو الفتح القشيري هذا من هو؟ من هو أبو الفتح القشيري؟

هو ابن دقيق العيد، وكتابه الاقتراح في علم المصطلح، وفيه أحاديث مختارة، في آخره أشار إلى صحة هذا الحديث.

لكن الراجح والله أعلم أنه ضعيف معلول، كما ذكره هؤلاء العلماء الذين أشرت إليهم، ويضاف إليهم الحافظ ابن حجر فإنه قال في هذا الموضع: وهو معلول.

وله شواهد لكنها ضعيفة أيضاً فلا يتقوى بها.

أما قوله: ( إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ) فإن المقصود: إذا أراد دخول الخلاء يعني: أنه لا يدخل الخلاء بخاتمه؛ وذلك لأن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان نقشه: محمد رسول الله، كما ورد ذلك في الصحيحين عن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب إلى فارس والروم، قالوا: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً ونقشه: محمد رسول الله )؛ فلأن في هذا الخاتم ذكر لله تعالى كان يضعه على حسب ما يقتضيه ظاهر هذا الحديث، وإلا فالحديث ضعيف لا يحتج به.

وعلاقة هذا الحديث بالباب ظاهرة، وهي: ما حكم الدخول بشيء فيه ذكر الله تعالى إلى الخلاء؟

وللعلماء في هذه المسألة قولان: أحدهما: القول بالكراهة، أنه مكروه، وهذا مذهب أكثر أهل العلم كالحنفية، والشافعية لا يختلفون في ذلك، وكثير من المالكية والحنابلة أنهم يقولون: يكره أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا لحاجة، ويحتجون بهذا الحديث وهو ضعيف كما سبق، ويحتجون أيضاً بأن اسم الله تعالى يجب أن يصان عن هذه المواطن التي فيها النجاسة، وذهب بعض السلف إلى الرخصة في ذلك، نقله ابن المنذر عن الحسن البصري، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وكذلك نقله ابن أبي شيبة عن سعيد وابن سيرين : أنهما سئلا عن الدخول إلى الخلاء بشيء فيه ذكر الله؟ فقالا: لا بأس، ونقل عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد : أنهم يرون أن الأفضل في حقه إن دخل فيه أن يجعل فصه في داخل راحته؛ لئلا يكون اسم الله ظاهراً، يرون أن هذا أولى وأفضل في حق من دخل بخاتمه.

ولا شك أننا عرفنا ضعف هذا الحديث وأنه لا يستقيم للاحتجاج، لكن يبقى موضوع صيانة اسم الله تعالى عن الدخول في الخلاء، وهل ينتهض للقول بالكراهة أم لا ينتهض؟ وإذا علم أن هذا في الأمور الظاهرة -يعني كون الاسم ظاهراً- تبين أنه ليس هناك حرج في خلع هذا الشيء إذا كان خاتماً، أو في جعل فصه في داخل الراحة؛ لئلا يكون الاسم ظاهراً وهذا أولى، وليست المسألة مسألة تحريم كما علمتم.

لكن هذا الكلام هل يقال مثله فيما يتعلق بالقرآن الكريم أم لا؟

الذي يظهر من كلام كثير من أهل العلم أن الكلام في القرآن الكريم يختلف، ولذلك ذهب الحنابلة وبعض المالكية إلى تحريم الدخول بالقرآن الكريم إلى الخلاء؛ صيانة للمصحف عن هذه الأماكن المحتظرة، التي تكون فيها النجاسات، وتكون فيها الشياطين، وهذا أمر قوي فيما يتعلق بالقرآن الكريم، حفظه عن هذه الأماكن أمر سائغ، إلا أن تدعو الحاجة إلى ذلك، كما إذا خشي عليه من عدو أو من ضرر، فيكون إدخاله حينئذ أولى من تركه.

لكن إن لم يكن ثم حاجة فلا ينبغي أن يدخله إلى الخلاء، إلا أن يكون ذلك خفياً غير ظاهر، كما لو كان جزءاً في جيبه مع أوراق أخرى، فلا يكلف حينئذ إخراجه؛ وذلك لأسباب -والله أعلم- منها: أنه كثيراً ما يضعه فينساه، وهذا أمر مشاهد، فإن بعض الناس إذا أراد أن يدخل إلى الخلاء أخرج الجزء، خاصة بعض الإخوة الحفاظ، لا تكاد تخلو جيوبهم من اقتناء مصحف أو جزء في جيوبهم، فإذا أراد أن يدخل وضعه في أي مكان، فكثيراً ما ينساه، وقد يترتب على النسيان ضرر آخر، وهو أن يتعرض هذا الجزء من القرآن لإهانة أعظم مما لو دخل به وهو مخفى في جيبه، مثل أن يسقط، أو يوطأ، أو تجري به الرياح، أو يهان، فيكون الضرر الناجم عن ذلك أعظم من الضرر المخوف.