شرح المنظومة البيقونية [5]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً ينفعنا يا رب العالمين.

أما بعد:

يقول الشيخ البيقوني رحمه الله تعالى:

[ والفرد ما قيدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية ]

ذكر المصنف رحمه الله فيما تقدم الغريب، وذلك عند تقسيمه لأصل الأخبار، في قوله: (وقل غريب ما روى راوٍ فقط)، وهنا ذكر التفرد والفرد في رواية الراوي، فقال:

(والفرد ما قيدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية)

بالنسبة للتفرد والفرد: هو مأخوذ من رواية الفرد للحديث، أي: لم يشاركه عليه أحد، وهو شبيه بالغريب، والمنكر، وكذلك أيضاً الشاذ.

والحديث الفرد هو الذي ليس له متابع في طريقه، ولا أيضاً في متنه، وهو يختلف أيضاً من جهة نوعه بحسب التفرد، فربما يكون تفرداً مطلقاً في جميع الطبقات، وربما يكون تفرداً نسبياً كحال الغرابة، وكذلك أيضاً المتن، منها ما يكون متنه موجوداً في حديثٍ آخر، ولكن عن هذا الصحابي لم يرد إلا من هذا الوجه، والعلماء عليهم رحمة الله في أبواب الفقه والمعاني ينظرون إلى المتون، ولا ينظرون إلى الأسانيد حتى الصحابي، ولكن في أمور العلل ينظرون إلى الصحابي وما دونه من جهة التفرد، وذلك أن الصحابي إذا اختلف عن صحابي آخر ولو اتفق المتن عدَّها العلماء حديثين، فجعلوا هذا حديثاً وهذا حديثاً، ولو كان اللفظ واحداً، كحديث: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )، جاء عن جماعة من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، يجعلون هذا حديثاً وهذا حديثاً وهذا حديثاً؛ لاختلاف الصحابي، وأما إذا اتفق الصحابي، فكان الصحابي واحداً، وجاء نوع مغايرة يسيرة في المتن، فيجعلونها حديثاً واحداً، والعلماء عليهم رحمة الله من جهة المعاني الواردة في المتون لهم نظر في أبواب الإعلال، فإذا تفرد الحديث بمعنى لم يرد في غيره ولو عند صحابي آخر يقولون بإعلاله.

إذاً: دائرة التفرد قد تتسع فتشمل الإسناد والمتن، وقد تضيق وتشمل الإسناد فقط ولا تشمل المتن، والتوسع عند العلماء في أبواب النقد للأسانيد والمتون هذه هي الطريقة التي يسلكها النقاد الأوائل، يسلكون في أبواب النقد فينظرون للتفرد بسعته من جهة إسناده ومتنه، والمتأخرون ينظرون إلى أبواب التفرد من جهة الإسناد، ويغفلون كثيراً المتن، ولهذا تجدهم يصححون الحديث إذا سلم إسناده، ولو كان متنه منكراً.

والعلماء الأوائل عليهم رحمة الله ينظرون إلى معنى المتن، هل جاء معناه في مجموع الشريعة، أو لم يرد معناه في مجموع الشريعة، ولو قوي إسناده، لهذا تجد عند النقاد الأوائل الحديث الذي يروى بسند واحد متوسط يجعلونه صحيحاً، والحديث الذي يروى بسند واحد ومتنه لم يرد إلا بهذا، ورواته ثقات فيردونه بالنكارة؛ لأن الأصل في الشريعة أن الأحاديث لا يتفرد بها واحد في كل الطبقات؛ لأن هذا وحي يرويه صحابي، وينبغي على الصحابي أن يشهره، خاصة إذا تداعى العمل عليه.

وما هي الوجهة والطريقة التي يحكم بها طالب العلم على الحديث بالتفرد، ثم يحكم عليه بالنكارة؟ التفرد هو وصف، والنكارة في ذلك أيضاً قريبة من الوصف، ولكنها تتضمن الرد، وكذلك أيضاً الشذوذ، القرينة التي يأخذ بها طالب العلم في هذا، أن طالب العلم كلما كان: متمكناً بمعرفة مراتب الشريعة، والمشهور منها، وما دون ذلك، وقليل الفعل، وما كان من فضائل الأعمال، كان من أهل التمكن بمعرفة ما يشتهر من الأحكام وما لا يشتهر، وذلك مثلاً على سبيل المثال حديث الجهر بالبسملة، الجهر بالبسملة هذا من المسائل الظاهرة التي تحدث في كل جماعة، لا بد أن يظهر هذا الحكم، فإذا جاء الحديث غريباً بطبقة الصحابي وطبقة التابعي وطبقة تابع التابعي، فلم يروِ إلا من هذه الجهة، مر على الجميع، حتى لقفه هؤلاء، هذا أمارة على ماذا؟ أمارة على نكارته ولو كان الذين يروونه ثقات؛ ولهذا العلماء عليهم رحمة الله ينكرون حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة في جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبسملة في الصلاة، ويقول غير واحد من النقاد: إنه لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في الجهر بالبسملة شيء، ويعدون ذلك من التفرد، وهذا لأن المسألة من أعلام المسائل المشهورة، والدين ما جاء ليحفظه واحد، وإنما تعمل به وتحفظه الأمة، ولكن ما كان من الأعمال اليسيرة التي يعملها الفرد والفردان، أو ربما أيضاً هذا العمل من الأعمال التي يعملها كثير من الناس، لكنها لا تتداعى الهمم على نقلها، مما يتعلق بأمور الآداب والسلوك وغير ذلك، ولهذا نقول: إن الفرد في وصف الحديث إنما هو وصف للحديث أن هذا الحديث لم يروِ إلا من هذا الطريق.

يقول:

(والفرد ما قيدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية)

صنف العلماء عليهم رحمة الله في أبواب التفرد على ما تقدم الكلام عليه، صنفوا في هذا في الأفراد عموماً كـالدارقطني رحمه الله في كتاب الأفراد والغرائب، ومنهم من يصنف في غرائب وأفراد معينة كغرائب مالك وغرائب شعبة للدارقطني، ومنهم من يجمع غرائب ومفاريد أهل البلدان، كـالطبراني رحمه الله في كتابه مسند الشاميين، يجمع الأحاديث والمفاريد التي يرويها ويتفرد بروايتها أهل الشام، ويوجد هذا عند بعض المصنفين الذين ينفردون ببعض الروايات التي تروى، وغالباً يكون ذلك في الموقوفات كـالخطيب البغدادي في أحاديث البغاددة، وفي كتابه التاريخ تاريخ بغداد؛ وكــابن عساكر في أحاديث الدمشقيين في كتابه تاريخ دمشق.

قال رحمه الله:

[ وما بعلة غموض أو خفا معلل عندهم قد عرفا ]

العلة: هي المرض، وهي العاهة التي تصيب الإنسان، وكذلك أيضاً فإنها تلحق بالحديث، والعلل على مراتب وأنواع، منها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي، ومنها ما هو قادح، ومنها ما هو غير قادح، ولهذا العلماء يجعلون كل ما يغمز به الحديث علة، سواءً يطرح الحديث أو لا يطرحه.

يقول:

(وما بعلة غموض أو خفا معلل عندهم قد عرفا)

اختصاص الحديث المعل بالعلة الخفية وجهود الأئمة في ضبطها

الأصل أن العلة الظاهرة والخفية تسمى علة؛ باعتبار أنها مرض عارض على الحديث، ولكن غلب استعمال أهل الاصطلاح للعلة على ما كان من القوادح الغامضة في الحديث، والأصل في كلام العرب أن الإنسان إذا كان به علة، ولو كانت ظاهرة كجذام، أو كان به ورم أو عرج، أو كسر، يصفونها بأنها علة، ولكن يغلب في استعمالهم استعمال العلة على ما كان خافياً من الأمراض، فغلب في استعمال أهل الاصطلاح العلة على ما كان خافياً من العلل الذي لا يظهر لأول مرة، أو ما يحتاج الناقد في بيانه إلى كلام طويل إذا أراد أن يبينه، بخلاف العلة التي يشير إليها فترى مباشرة، كحال الانقطاع الظاهر أو التعليق، أو الإعضال، أو الضعف البيّن في الراوي فلان، فهذا من الأمراض والعلل الظاهرة التي لا تحتاج إلى شرح طويل.

وكلما كانت العلة أخفى وأدق كلما احتاجت إلى ناقد بصير، والعلل تدق جداً حتى يستعصي على بعض الناس أن يدركها لأول وهلة، وربما غابت عن الحاذق البصير في العلل، ومن نظر فيما كتبه المتقدمون في أبواب علل الأحاديث يجد ذلك ظاهراً، فهم يعلون الحديث، وإذا أراد الإنسان أن يبحث عن سبب ربما أخذ أياماً أو أكثر من ذلك ليجد العلة التي لأجلها أنكروا هذا الحديث فيتعذر عليه ذلك.

ولهذا نقول: إن الأئمة عليهم رحمة الله لهم نظر دقيق جداً في علل الحديث، ولهم نفس لا يدركه طالب العلم لأول نظرة، بل يحتاج إلى تمحيص، وعلى ما تقدم فالعلماء لديهم تجوز في هذا، ويختلف تجوزهم بوصف العلة في الحديث، ولهذا من نظر في كتاب العلل لـابن أبي حاتم، والعلل للدارقطني، والعلل لـابن المديني، والعلل لـيحيى بن معين، والعلل للإمام أحمد، يجد هذا النوع ويجد ذلك النوع، يجد العلل الظاهرة ويجد العلل الخفية، فتجد أنهم يذكرون في العلل هذا الوصف أن فيه رجلاً كذاباً وهي علة ظاهرة، أو معضل، أو لا يعرف له إسناد، من العلل البينة الظاهرة، ويدخلونه ويدرجونه في كتب العلل، لكن غلب عند أهل الاصطلاح وقواعد الحديث وصف الحديث بالمعلول بما كان فيه علة قادحة، فغلب هذا.

مظان المعل

ومظان علل الحديث في مواضع، من المصنفات، أظهرها الكتب التي صنفت قصداً لذلك، وذلك ككتب العلل على ما تقدم كعلل ابن المديني، وعلل الإمام أحمد، والعلل لـابن أبي حاتم، والعلل للدارقطني وغيرها، ومنها الكتب التي لم تصنف قصداً للعل، فصنفت إما للرجال وتراجمهم، فجاءت العلل تبعاً في ذلك، وذلك ككتب الرجال وتراجمهم في هذا كالتاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لـابن أبي حاتم، وكتاب الضعفاء للعقيلي، والضعفاء للبخاري، والضعفاء للنسائي، وكتب التاريخ فيها إشارة في هذا ومتضمنة لتراجم الرواة وبلدانهم وتنقلاتهم، ومتضمنة للعل كتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ دمشق لـابن عساكر، وتاريخ نيسابور للحاكم، وتاريخ واسط لـبحشل، وغيرها من التواريخ التي ربما يشير بعضها على سبيل التبع، وهي على أنواع، منها ما هو تاريخ رجال، ومنها ما هو تاريخ بلدان.

ومن هذه الكتب أيضاً التي يلتمس فيها العلل الكتب المصنفة للرواية، وذلك كالكتب الستة: البخاري و مسلم والسنن الأربع، هي من جهة الأصل صنفت للرواية، ولكنها تتضمن علل بحسب مناهج العلماء، من العلماء من هو دقيق في أبواب العلل، فإذا أورد حديثاً فهو يعل ما يخالفه في الباب، ومنهم من يصرح بالإعلال للرواية، فيذكرها بصيغة التمريض كـالبخاري وأضرابه، ومنهم من يعل الحديث صراحة في إيراده له، وذلك يظهر في صنيع الترمذي رحمه الله في كتابه السنن، و النسائي رحمه الله، وكذلك أبو داود في سننه فإنهم يصرحون كثيراً في إعلالهم للأحاديث.

أما البخاري فتصريحه في الإعلال ضعيف أو قليل جداً في كتابه الصحيح، ولكنه يعرف بنفسه، وكذلك الإمام مسلم و ابن ماجه، فإن تصريحهم في ذلك قليل.

ومن هذه المصنفات أيضاً: المصنفات التي تصنف في الرواية، ولكن للأئمة منهج في تصنيفهم يتبين فيه جمع الأحاديث المعلولة، وذلك بقصد المصنف جمع الأحاديث المعلولة أو الضعيفة، منهم من يقصد الأحاديث الضعيفة جمعاء، وذلك كالذين يصنفون في الموضوعات، أو يصنفون في المعلولات، أو الأحاديث الضعاف، وذلك كالأحاديث الموضوعة لـأبي الفرج ابن الجوزي، وكذلك أيضاً في الضعفاء للعقيلي جمع فيه أحاديث كثيرة جداً.

وثمة مصنفات هي مظان الأحاديث المعلولة بالتفرد والغرابة كمسند البزار، ومعاجم الطبراني في هذا، وخاصة في معجمه الصغير، وكذلك الكتب النازلة إسناداً، ومعنى نزول الكتب التي فيها رواة كثر ومصنفوها متأخرون، وهي مظان للأحاديث المعلولة حال وجود التفرد بها، فلم يروها إلا هم، وهي كتب كثيرة في هذا ككتب الحاكم، وكتب ابن عساكر، وكتب الخطيب البغدادي، وغيرهم من المصنفين، ممن أسانيده نازلة بالنسبة لتاريخ التدوين.

الأصل أن العلة الظاهرة والخفية تسمى علة؛ باعتبار أنها مرض عارض على الحديث، ولكن غلب استعمال أهل الاصطلاح للعلة على ما كان من القوادح الغامضة في الحديث، والأصل في كلام العرب أن الإنسان إذا كان به علة، ولو كانت ظاهرة كجذام، أو كان به ورم أو عرج، أو كسر، يصفونها بأنها علة، ولكن يغلب في استعمالهم استعمال العلة على ما كان خافياً من الأمراض، فغلب في استعمال أهل الاصطلاح العلة على ما كان خافياً من العلل الذي لا يظهر لأول مرة، أو ما يحتاج الناقد في بيانه إلى كلام طويل إذا أراد أن يبينه، بخلاف العلة التي يشير إليها فترى مباشرة، كحال الانقطاع الظاهر أو التعليق، أو الإعضال، أو الضعف البيّن في الراوي فلان، فهذا من الأمراض والعلل الظاهرة التي لا تحتاج إلى شرح طويل.

وكلما كانت العلة أخفى وأدق كلما احتاجت إلى ناقد بصير، والعلل تدق جداً حتى يستعصي على بعض الناس أن يدركها لأول وهلة، وربما غابت عن الحاذق البصير في العلل، ومن نظر فيما كتبه المتقدمون في أبواب علل الأحاديث يجد ذلك ظاهراً، فهم يعلون الحديث، وإذا أراد الإنسان أن يبحث عن سبب ربما أخذ أياماً أو أكثر من ذلك ليجد العلة التي لأجلها أنكروا هذا الحديث فيتعذر عليه ذلك.

ولهذا نقول: إن الأئمة عليهم رحمة الله لهم نظر دقيق جداً في علل الحديث، ولهم نفس لا يدركه طالب العلم لأول نظرة، بل يحتاج إلى تمحيص، وعلى ما تقدم فالعلماء لديهم تجوز في هذا، ويختلف تجوزهم بوصف العلة في الحديث، ولهذا من نظر في كتاب العلل لـابن أبي حاتم، والعلل للدارقطني، والعلل لـابن المديني، والعلل لـيحيى بن معين، والعلل للإمام أحمد، يجد هذا النوع ويجد ذلك النوع، يجد العلل الظاهرة ويجد العلل الخفية، فتجد أنهم يذكرون في العلل هذا الوصف أن فيه رجلاً كذاباً وهي علة ظاهرة، أو معضل، أو لا يعرف له إسناد، من العلل البينة الظاهرة، ويدخلونه ويدرجونه في كتب العلل، لكن غلب عند أهل الاصطلاح وقواعد الحديث وصف الحديث بالمعلول بما كان فيه علة قادحة، فغلب هذا.

ومظان علل الحديث في مواضع، من المصنفات، أظهرها الكتب التي صنفت قصداً لذلك، وذلك ككتب العلل على ما تقدم كعلل ابن المديني، وعلل الإمام أحمد، والعلل لـابن أبي حاتم، والعلل للدارقطني وغيرها، ومنها الكتب التي لم تصنف قصداً للعل، فصنفت إما للرجال وتراجمهم، فجاءت العلل تبعاً في ذلك، وذلك ككتب الرجال وتراجمهم في هذا كالتاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لـابن أبي حاتم، وكتاب الضعفاء للعقيلي، والضعفاء للبخاري، والضعفاء للنسائي، وكتب التاريخ فيها إشارة في هذا ومتضمنة لتراجم الرواة وبلدانهم وتنقلاتهم، ومتضمنة للعل كتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ دمشق لـابن عساكر، وتاريخ نيسابور للحاكم، وتاريخ واسط لـبحشل، وغيرها من التواريخ التي ربما يشير بعضها على سبيل التبع، وهي على أنواع، منها ما هو تاريخ رجال، ومنها ما هو تاريخ بلدان.

ومن هذه الكتب أيضاً التي يلتمس فيها العلل الكتب المصنفة للرواية، وذلك كالكتب الستة: البخاري و مسلم والسنن الأربع، هي من جهة الأصل صنفت للرواية، ولكنها تتضمن علل بحسب مناهج العلماء، من العلماء من هو دقيق في أبواب العلل، فإذا أورد حديثاً فهو يعل ما يخالفه في الباب، ومنهم من يصرح بالإعلال للرواية، فيذكرها بصيغة التمريض كـالبخاري وأضرابه، ومنهم من يعل الحديث صراحة في إيراده له، وذلك يظهر في صنيع الترمذي رحمه الله في كتابه السنن، و النسائي رحمه الله، وكذلك أبو داود في سننه فإنهم يصرحون كثيراً في إعلالهم للأحاديث.

أما البخاري فتصريحه في الإعلال ضعيف أو قليل جداً في كتابه الصحيح، ولكنه يعرف بنفسه، وكذلك الإمام مسلم و ابن ماجه، فإن تصريحهم في ذلك قليل.

ومن هذه المصنفات أيضاً: المصنفات التي تصنف في الرواية، ولكن للأئمة منهج في تصنيفهم يتبين فيه جمع الأحاديث المعلولة، وذلك بقصد المصنف جمع الأحاديث المعلولة أو الضعيفة، منهم من يقصد الأحاديث الضعيفة جمعاء، وذلك كالذين يصنفون في الموضوعات، أو يصنفون في المعلولات، أو الأحاديث الضعاف، وذلك كالأحاديث الموضوعة لـأبي الفرج ابن الجوزي، وكذلك أيضاً في الضعفاء للعقيلي جمع فيه أحاديث كثيرة جداً.

وثمة مصنفات هي مظان الأحاديث المعلولة بالتفرد والغرابة كمسند البزار، ومعاجم الطبراني في هذا، وخاصة في معجمه الصغير، وكذلك الكتب النازلة إسناداً، ومعنى نزول الكتب التي فيها رواة كثر ومصنفوها متأخرون، وهي مظان للأحاديث المعلولة حال وجود التفرد بها، فلم يروها إلا هم، وهي كتب كثيرة في هذا ككتب الحاكم، وكتب ابن عساكر، وكتب الخطيب البغدادي، وغيرهم من المصنفين، ممن أسانيده نازلة بالنسبة لتاريخ التدوين.

قال رحمه الله:

[ وذو اختلاف سند أو متن مضطرب عند أهيل الفن ]

الاختلاف في السند والمتن يصفه العلماء بالاضطراب، والمضطرب: هو المتردد الذي لا تعرف له جادة، فما تعددت وجوهه مما لا يميز فيه الوجه الصحيح من الضعيف يسمى مضطرباً، ويقل وصفه بالاضطراب في حال اتضاح الوجه الأصح، فإذا تجلى وظهر في ذلك فإنه لا يوصف الصحيح بالاضطراب، فإذا صح بوجوهه فكانت الوجوه متعددة لا يسمى اضطراباً؛ لأن الصحة في ذلك للوجوه كلها.

أنواع الاضطراب من جهة موضعه

والاضطراب يكون على نوعين: اضطراب في السند واضطراب في المتن، والاضطراب الذي يكون في السند بتعدد مخارج الحديث مما لا يعرف الوجهة الصحيح منها، فهذا اضطراب، ويعرفه طالب العلم في ذلك بنقده ومعرفته، أو ربما أيضاً بسبره للمرويات، أو ربما أيضاً بمعرفة الطريق الأرجح بما يرويه الرواة، أو ما ينص عليه العلماء عليهم رحمة الله في مصنفاتهم في كتب العلل، أن هذا الطريق هو أرجح من ذاك.

أما بالنسبة للاضطراب في المتن، وهو أن المتن يتغير من وجه إلى وجه، فيروى مختصراً ويروى مطولاً، ويروى بلفظ، ويروى بمعناه، ويروى فيه تقديم وتأخير، وفيه نقصان وزيادة، ويروى فيه اختلاف في المعنى، فيروى بمعنى ثم يروى بمعنى على وجه يخالفه، كأن يوصف أنه فعل أو لم يفعل، فيوصف بهذا الحديث أنه مضطرب.

أنواع الاضطراب من جهة تأثيره في الحكم على الحديث

والاضطراب من جهة قبوله ورده على نوعين: اضطراب يعل به الحديث، واضطراب لا يعل به الحديث، فالاضطراب الذي يعل به الحديث ما لا يميز فيه الصحيح من الضعيف فيختلط؛ فإن الاضطراب أمارة على عدم حفظ الراوي وعدم ضبطه.

فيقال حينئذٍ: بأن هذه القرينة، أو هذا الاضطراب دليل على أن الحديث غلط، فلم يضبط على وجهه، والعلماء يقولون: إن عدم ضبط الإسناد أمارة على عدم ضبط المتن، وعدم ضبط المتن أمارة على عدم ضبط الإسناد، فإذا وجد موضع في الحديث لم يضبطه الراوي، فهو يورث الناقد خوفاً من بقية الحديث وتوجساً منه، يتوجس في باقيه.

وأما الاضطراب الذي لا يضر الحديث ولا يعله، فهو الاضطراب الذي يميز فيه الصحيح، من الضعيف، كأن يكون الاضطراب من وجه الراوي فيه ضعيف، وأما الصحيح فهو من وجه الراوي فيه ثقة، فيحمل حديث الثقة ويرد غيره.

ثم إن الاضطراب من جهة قبوله ورده، لا يلزم من ذلك ثقة الراوي مجرداً، فقد يكون الراوي ثقة فيضطرب، وقد يكون الراوي دون الثقة من الرواة المتوسطين، ويكون في ذلك حديثه صحيح، فيرويه على الوجهين.

كيفية معرفة المضطرب

وللعلماء عليهم رحمة الله في قبول الاضطراب ورده طرق ومسالك كثيرة:

الأول: فمن هذه المسالك والطرق التي يعرف بها الحديث المضطرب من غيره إذا كان المتن لا يستحق تعدد الأسانيد، وذلك لسهولته وعدم الحاجة إليه، فورود الحديث من أكثر من طريق دليل على عدم ضبط الراوي له، فهذا الحديث لا يحتاج إلى روايته من عدة أوجه؛ وذلك أن المحدثين لا يعتنون بذلك، فيكتفون بوجه واحد، فهذا أمارة على الاضطراب، وربما يكون الراوي ثقة وتعدد الوجوه هي التي تعل الحديث، ولو كان الراوي في ذلك ثقة، ولا يقال بأنه نوّع في الرواية، وربما يكون الراوي دون الثقة من المتوسطين كالصدوق، وتتعدد روايته لحديث عظيم، فيقبل منه العلماء ذلك، ولا يصفون الحديث بالاضطراب، والسبب في ذلك أن هذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي يقبل فيها تعدد الطرق، وتفنن الراوي بروايته للحديث من أكثر من وجه خاصة إذا كان الراوي من المكثرين.

الثاني من طرق ومسالك العلماء في معرفة المضطرب من عدمه: معرفة المكثر من الرواية من المقل، فالمكثر يحتمل منه التفنن وتعدد الطرق بخلاف المقل، فإذا كان الراوي مقل الرواية ومقل الشيوخ، ثم روى الحديث على عدة وجوه، فهذا في الغالب أنه لا يحتمل منه ذلك؛ لأن المقل إقلاله للحديث ينبغي أن يستوعب ما فاته من الحديث لا ما فاته من الطرق للحديث الواحد، فلدينا متن واحد، فالأولى أن تبحث عن متون أخرى فاتتك، لا أن تبحث عن أسانيد ومخارج لحديث واحد، فالمقل في ذلك لا يحمل منه تعدد الطرق بخلاف المكثر.

وإذا كان مكثراً من الرواية فإنه يحمل منه تعدد الطرق، ولا يقال بأن تعدد الطرق في روايته لذلك الحديث في حكم المضطرب الذي يعل به الحديث.

الثالث: من المسالك أيضاً والطرق: أن تعدد الطرق في الزمن المتأخر في الرواية يختلف عن الزمن المتقدم، وذلك أنه في الزمن المتأخر كلما تأخر الراوي طبقة، كثر الناس وكثر الشيوخ وتعدد الحديث في الأفواه، وإذا تقدم قل الحديث في الأفواه لقلة الناس، فالاضطراب المتأخر يحمل ويقبل ما لا يقبل الاضطراب المتقدم، يشدد في جانب الاضطراب وتعدد الطرق المتقدمة ما لا يشدد في الطرق المتأخرة؛ لكثرة الشيوخ وكثرة الرواية وبذل الحديث فيسمعه كل أحد، فيكون الحديث الواحد لدى الراوي المتوسط من عدة وجوه، أما إذا كان متقدماً فالعلماء يشددون والعلماء قليل، والرواة في ذلك كذلك، والزمن والعمر يضيق عن نقل الحديث الكثير في الرواية في ذلك.

ثم هم أيضاً في زمن حفظ لا في زمن كتابة، فتعدد الطرق في ذلك يضعف، ولهذا ينظر بحسب الزمن فله أثر في أبواب الاضطراب.

والاضطراب يكون على نوعين: اضطراب في السند واضطراب في المتن، والاضطراب الذي يكون في السند بتعدد مخارج الحديث مما لا يعرف الوجهة الصحيح منها، فهذا اضطراب، ويعرفه طالب العلم في ذلك بنقده ومعرفته، أو ربما أيضاً بسبره للمرويات، أو ربما أيضاً بمعرفة الطريق الأرجح بما يرويه الرواة، أو ما ينص عليه العلماء عليهم رحمة الله في مصنفاتهم في كتب العلل، أن هذا الطريق هو أرجح من ذاك.

أما بالنسبة للاضطراب في المتن، وهو أن المتن يتغير من وجه إلى وجه، فيروى مختصراً ويروى مطولاً، ويروى بلفظ، ويروى بمعناه، ويروى فيه تقديم وتأخير، وفيه نقصان وزيادة، ويروى فيه اختلاف في المعنى، فيروى بمعنى ثم يروى بمعنى على وجه يخالفه، كأن يوصف أنه فعل أو لم يفعل، فيوصف بهذا الحديث أنه مضطرب.

والاضطراب من جهة قبوله ورده على نوعين: اضطراب يعل به الحديث، واضطراب لا يعل به الحديث، فالاضطراب الذي يعل به الحديث ما لا يميز فيه الصحيح من الضعيف فيختلط؛ فإن الاضطراب أمارة على عدم حفظ الراوي وعدم ضبطه.

فيقال حينئذٍ: بأن هذه القرينة، أو هذا الاضطراب دليل على أن الحديث غلط، فلم يضبط على وجهه، والعلماء يقولون: إن عدم ضبط الإسناد أمارة على عدم ضبط المتن، وعدم ضبط المتن أمارة على عدم ضبط الإسناد، فإذا وجد موضع في الحديث لم يضبطه الراوي، فهو يورث الناقد خوفاً من بقية الحديث وتوجساً منه، يتوجس في باقيه.

وأما الاضطراب الذي لا يضر الحديث ولا يعله، فهو الاضطراب الذي يميز فيه الصحيح، من الضعيف، كأن يكون الاضطراب من وجه الراوي فيه ضعيف، وأما الصحيح فهو من وجه الراوي فيه ثقة، فيحمل حديث الثقة ويرد غيره.

ثم إن الاضطراب من جهة قبوله ورده، لا يلزم من ذلك ثقة الراوي مجرداً، فقد يكون الراوي ثقة فيضطرب، وقد يكون الراوي دون الثقة من الرواة المتوسطين، ويكون في ذلك حديثه صحيح، فيرويه على الوجهين.

وللعلماء عليهم رحمة الله في قبول الاضطراب ورده طرق ومسالك كثيرة:

الأول: فمن هذه المسالك والطرق التي يعرف بها الحديث المضطرب من غيره إذا كان المتن لا يستحق تعدد الأسانيد، وذلك لسهولته وعدم الحاجة إليه، فورود الحديث من أكثر من طريق دليل على عدم ضبط الراوي له، فهذا الحديث لا يحتاج إلى روايته من عدة أوجه؛ وذلك أن المحدثين لا يعتنون بذلك، فيكتفون بوجه واحد، فهذا أمارة على الاضطراب، وربما يكون الراوي ثقة وتعدد الوجوه هي التي تعل الحديث، ولو كان الراوي في ذلك ثقة، ولا يقال بأنه نوّع في الرواية، وربما يكون الراوي دون الثقة من المتوسطين كالصدوق، وتتعدد روايته لحديث عظيم، فيقبل منه العلماء ذلك، ولا يصفون الحديث بالاضطراب، والسبب في ذلك أن هذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي يقبل فيها تعدد الطرق، وتفنن الراوي بروايته للحديث من أكثر من وجه خاصة إذا كان الراوي من المكثرين.

الثاني من طرق ومسالك العلماء في معرفة المضطرب من عدمه: معرفة المكثر من الرواية من المقل، فالمكثر يحتمل منه التفنن وتعدد الطرق بخلاف المقل، فإذا كان الراوي مقل الرواية ومقل الشيوخ، ثم روى الحديث على عدة وجوه، فهذا في الغالب أنه لا يحتمل منه ذلك؛ لأن المقل إقلاله للحديث ينبغي أن يستوعب ما فاته من الحديث لا ما فاته من الطرق للحديث الواحد، فلدينا متن واحد، فالأولى أن تبحث عن متون أخرى فاتتك، لا أن تبحث عن أسانيد ومخارج لحديث واحد، فالمقل في ذلك لا يحمل منه تعدد الطرق بخلاف المكثر.

وإذا كان مكثراً من الرواية فإنه يحمل منه تعدد الطرق، ولا يقال بأن تعدد الطرق في روايته لذلك الحديث في حكم المضطرب الذي يعل به الحديث.

الثالث: من المسالك أيضاً والطرق: أن تعدد الطرق في الزمن المتأخر في الرواية يختلف عن الزمن المتقدم، وذلك أنه في الزمن المتأخر كلما تأخر الراوي طبقة، كثر الناس وكثر الشيوخ وتعدد الحديث في الأفواه، وإذا تقدم قل الحديث في الأفواه لقلة الناس، فالاضطراب المتأخر يحمل ويقبل ما لا يقبل الاضطراب المتقدم، يشدد في جانب الاضطراب وتعدد الطرق المتقدمة ما لا يشدد في الطرق المتأخرة؛ لكثرة الشيوخ وكثرة الرواية وبذل الحديث فيسمعه كل أحد، فيكون الحديث الواحد لدى الراوي المتوسط من عدة وجوه، أما إذا كان متقدماً فالعلماء يشددون والعلماء قليل، والرواة في ذلك كذلك، والزمن والعمر يضيق عن نقل الحديث الكثير في الرواية في ذلك.

ثم هم أيضاً في زمن حفظ لا في زمن كتابة، فتعدد الطرق في ذلك يضعف، ولهذا ينظر بحسب الزمن فله أثر في أبواب الاضطراب.

قال رحمه الله:

[ والمدرجات في الحديث ما أتت من بعض ألفاظ الرواة اتصلت ]

المدرج في اللغة: ما خلل بين شيئين، أو ما توسط بينهما مما شابههما، فيدرج الشيء بين اثنين، فيقال مدرج، أي: دخل في أثنائهما، والإدراج يكون في الإسناد ويكون في المتن.

ومقصود المصنف هنا بالمدرج: هو اللفظ الذي يكون من كلام غير رسول الله، فيدخل في أثناء كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون أيضاً في غيره، كأن يدرج كلام التابعي في أثناء كلام الصحابي إذا كان الحديث موقوفاً، فيسمى قول التابعي حينئذٍ مدرجاً، وكذلك قول الصحابي في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى مدرجاً.

وإنما اعتنى الأئمة بالمدرج ليميز عن غيره؛ لأنه ربما كانت هذه اللفظة تؤثر في الحكم، فلا بد من تمييزها أنها ليست من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ويكثر الإدراج في الأحاديث الطوال التي يتخللها شرح وبيان، فيحتاج الناقل الذي يحدث بذلك الحديث مثلاً إلى بيان بعض ألفاظه، وذلك لعلو اللغة وتأخر الناس، ودخول العجمة فيهم، فيحتاجون إلى شيء من البيان، فيدخلون في ذلك شيئاً من الإدراج، وربما سئل الراوي للحديث الطويل في أثناء الحديث الذي يحدث به عن معنى أو عن حكم، ففسره، فظنه الناس إنما هو تفسير النبي عليه الصلاة والسلام فجعلوه مدرجاً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتنى الأئمة بالإدراج.

وصنف العلماء عليهم رحمة الله تعالى في ذلك مصنفات في المدرجات، كـالخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الفصل للوصل المدرج في النقل، يعني: ما كان مدرجاً في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان من كلامه.

ويعرف الإدراج في أحوال:

الأولى: بجمع الطرق، أن يجمع طرق الحديث، ثم يميز ما جاء من طريق هذا الراوي وفيه هذه الزيادة، وما جاء من غير طريقه مما ليس فيه هذه الزيادة، فيميز ذلك بجمع الطرق.

الثانية: ومن هذه الطرق التي يميز بها أو يعرف بها المدرج: معرفة اللغة، والأسلوب النبوي، فإن طالب العلم إذا كان من أهل الملكة والحفظ والدراية والمعرفة بالأسلوب النبوي، يستطيع أن يميز بعض الألفاظ التي لا تناسب الأسلوب النبوي الرفيع، فإن الكلام ولو كان عربياً هو أيضاً مراتب من جهة البيان والفصاحة، والاتساق، وهذا أيضاً يحتاج ملكة قوية في اللغة، والاعتياد في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالثة: أن يعرف الإنسان التاريخ، فإن معرفته بالتاريخ لها أثر في ذلك، وذلك أنه إذا عرف أحوال النبي عليه الصلاة والسلام من جهة استعماله ومواضع نزوله وغير ذلك، يستطيع أن يميز أن هذه العبارة إنما أدخلها الراوي وليست في حديثه، مثال ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من حنطة، وصاعاً من شعير، وصاعاً من بر، وصاعاً من أرز )، الأرز هنا لا يعرف في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ومن جهة التاريخ لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام ممن يأكل الرز، وكذلك الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في صدرهم الأول.

ولهذا نقول: إن هذه اللفظة مدرجة، هي من جهة المعنى صحيحة، أنه يدخل هذا في طعام الناس، لكن ليست لفظاً نبوياً؛ وذلك أن الأرز إنما عرفه متأخرو الصحابة في بعض الغزوات، فوجدوه ثم أصبح على سبيل التدرج قوتاً للناس، وإلا فإنهم كانوا يتقوتون بغيره، وذلك من الحنطة والتمر والإقط وغير ذلك مما يطعمونه من ذرة ونحوها، فالتاريخ له أثر بمعرفة الأشياء، هذا من جهة الطعام، وقد يكون مثلاً من جهة اللباس، الذي لم يكن مشهوراً لديهم، وكذا من جهة الأواني، الأواني هل كانت مستعملة لديهم أو ليست مستعملة؟ له أثر بمعرفة إدخال بعض الرواة بعض المعاني في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: إن هذا من المدرجات في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرابعة: التصريح، تصريح الراوي بذاته بأن هذه اللفظة مدرجة كأن يقول: يعني كذا، يعني: أن هذا التفسير مني يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد كذا.

الخامسة: معرفة الرواة الذين يشتهرون بالإدراج، هناك رواة يشتهرون بتفسير كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء غالباً يذكرون ذلك في الأحاديث الطوال، فإذا وجدت من عرف بالإدراج في هذا الإسناد، فإن هذا قرينة على أنه هو من أدرج في هذا الحديث، وهذا في المدنيين كـابن شهاب الزهري، وكذلك أيضاً في كثير من أهل الكوفة الذين يدرجون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعرف أن الحديث الكوفي يحدث فيه إدراج، ومثله المدني، فإنه يدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثر ذلك عظيم؛ لأن هذه اللفظة إذا لم تميز ربما يبنى عليها حكم، فيؤخذ الحكم من غير كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله:

[ وما روى كل قرين عن أخه مدبج فاعرفه حقاً وانتخه ]

المدبج: اسم مفعول من دبج يدبج وهو التحسين، وتسمى الديباجة ديباجةً من حسنها، دبج فلان كذا إذا حسنه، وإنما وصف هذا بالتحسين؛ لرواية الأقران عن بعضهم، فيروي القرين عن قرينه، فالأصل أن الشيخ الكبير يروي عنه التلميذ الصغير، التلميذ الصغير يروي عن الشيخ الكبير، هذا من جهة الأصل، أما رواية الأقران عن بعضهم، فيروي السنين عن سنينه، والشيخ عن شيخ آخر، أو يروي التلميذ عن التلميذ، فهذه رواية الأقران، أو يروي الزوج عن زوجه كرواية بعض الرواة، يقول: حدثتني زوجي فلان، أو تروي الزوجة عن زوجها، هذا الأصل فيه أنه داخل في وصف الأقران؛ وإنما اعتنى العلماء عليهم رحمة الله تعالى في هذا -في رواية الأقران- حتى لا يظن الناظر في ذلك أن ثمة في الرواية وهم أو تصحيف في الاسم، وأن الأصل في ذلك أن الرواة يحرصون على الإسناد العالي، وهو أن يروي الصغير عن الكبير، فلا يروي الصغير عن صغير مثله ليصل إلى الكبير، فإذا كان الكبير موجوداً فلا يحتاج إلى الرواية عن شخص صغير.

ولكن يحتاج الأقران لبعضهم؛ لأن بعض الأقران يوفقون لأخذ الحديث عن شيخ لم يدركه ذاك؛ لانشغاله بشيء آخر، فيأخذ هذا من هذا، وهذا ما فاته من ذاك الشيخ من تلميذه، فيصبح هذا من حديث الأقران، ويسميه العلماء بالمدبج، ولهذا قال: (وما روى كل قرين عن أخه)، يروي الأقران بعضهم عن بعض وسماهم إخوة، وما سمى تلميذ عن شيخه، أو ما سمى الأبناء عن الآباء فهو مدبج عندهم.

وإنما اعتنى العلماء عليهم رحمة الله بهذا النوع ضبطاً له حتى لا يدخل في حسبان الناقد أو الناظر احتمال الوهم أو الخطأ أو التصحيف، أو بحث عن اسم آخر يشارك في هذا عند التضاد، فإذا عرفت هذه الرواية رواية الأقران عن بعضهم، فإن هذا يدفع جانب أو احتمال الإشكال أو يضعفه.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح المنظومة البيقونية [4] 2741 استماع
شرح المنظومة البيقونية [3] 2674 استماع
شرح المنظومة البيقونية [2] 1653 استماع
شرح المنظومة البيقونية [1] 877 استماع