تفسير آيات الأحكام [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالله سبحانه وتعالى قد أكرم هذه الأمة وأنعم عليها بهذا الكتاب العظيم, وقد فصل الله عز وجل فيه الآيات, وجعل فيه الأحكام الظاهرة فيما يصلح شأن العباد في دينهم ودنياهم, من تمسك به نجا, وقد سماه الله جل وعلا حبله المتين, قال الله سبحانه وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103], فسر ذلك غير واحد من السلف, وسمى الله جل وعلا كتابه (الفضل) على هذه الأمة, والتكرم من الله سبحانه وتعالى, وجاء معنى ذلك في قول الله جل وعلا: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس:58], حيث قالوا: إن المراد بفضل الله عز وجل القرآن, ورحمته الإسلام, وهذا جاء تفسيره عن غير واحد كما رواه ابن جرير الطبري في التفسير, من حديث مجاهد بن جبر عن عبد الله بن عباس , وجاء ذلك عن مجاهد , وجاء أيضاً عن قتادة وغيرهم من المفسرين, فالله سبحانه وتعالى قد أكرم هذه الأمة بهذا الكتاب, وجعل فيه حكمه بيناً ظاهراً؛ وروى الترمذي من حديث الحارث عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله: ( فيه نبأ من قبلكم, وخبر من بعدكم, وحكم ما بينكم, هو الجد ليس بالهزل, من تمسك به نجا, من تركه من جبار قصمه الله ), فهذا الكتاب إذا تمسكت به الأمة نجت, وسددت وألهمت الرشاد, وإن حادت عنه فبقدر حيدتها عنه يكون اختلال نظامها, ويحق عليها غضب الله سبحانه وتعالى.

والله جل وعلا قد جعل أمور الناس منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن, فما كان من الأمور الباطنة من عقائد الناس في الله جل وعلا وفي غيره, فهذا من الأمور الباطنة التي مردها إلى الله جل وعلا ومآلها إليه, وأما ما كان من الأمور الظاهرة من أعمال الجوارح, فإن الحكم في ذلك يكون لله جل وعلا ولعباده؛ ولهذا أمر الله جل وعلا أنبياءه أن يحكموا بين الناس بما أنزل الله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49], وحذر الله عز وجل من ضد ذلك: وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [الشورى:15], وهذا الخطاب إذا توجه لنبي فإنه من باب أولى يتوجه إلى غيره, فقد حذر الله عز وجل أنبياءه من أن يخالفوا أمره سبحانه وتعالى, فأمرهم بالحكم بما أنزل الله, وهو كلام الله جل وعلا, وحذرهم من الأهواء, وهذا التحذير يفهم منه أن الله عز وجل ما حذر أنبياءه من أهوائهم إلا لقوة الشبهة فيها, وهذه الشبهة التي ترد على أذهان بعض الأنبياء لولا تثبيت الله عز وجل لهم ربما أخذوها بحسن قصد, ولكن الله عز وجل حذرهم من ذلك جملة وتفصيلاً, وإذا توجه هذا الخطاب إلى أنبياء الله عز وجل فإنه يتوجه إلى أولياء الله والحكام في الأرض أن يأخذوا بما أمر الله عز وجل به, وأن يجتنبوا الأهواء, سواء كانت أهواء الأنفس أو كانت أهواء الغير, وسواء كان ذلك بحسن قصد أو بسوء قصد, ما كان بحسن قصد من أهل الإيمان مما يبدر منهم من رأي ونحو ذلك, وما كان بسوء قصد كأن يكون ذلك من خصوم الإسلام من الكفار والمنافقين والفساق وأهل الأهواء وغير ذلك.

فحذر الله عز وجل من اتباع الأهواء جملة, وحذر نبيه عليه الصلاة والسلام وخاطبه بخطاب تحذير في قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ [الأحزاب:1], وهذا تحذير من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم من أن يلتفت إلى شيء من أقوال الكفرة والمنافقين, وحينما يتوجه الخطاب إلى عال فإنه يدخل تحته من باب أولى من كان دونه؛ ولهذا يظهر في القرآن أن الله سبحانه وتعالى يخص نبيه بخطاب هام؛ ليدخل فيه من تحته ممن يظن ألا يدخل في خطاب العامة من الجبابرة والكبراء ونحو ذلك؛ ولهذا نجد أن ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم هو من الأمور العظيمة, حتى يدفع الظن أن الخطاب لا يتوجه إلى الكبراء والعظماء في الأرض.

وكلام الله سبحانه وتعالى القرآن إذا أردنا أن ننظر في معناه, وأن نتأمل فيما جعله الله عز وجل فيه من حكم وأحكام؛ نجد أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الموضوع الأول: التوحيد

القسم الأول: توحيد الله عز وجل بجميع أنواعه, سواء كان ذلك من الغايات, أو كان من الوسائل, فما كان من الغايات ما يتعلق بتوحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته, وأما ما كان من الوسائل الموصلة إلى تحقيقها فهي داخلة فيها.

كذلك ما كان في ضد هذا الباب من أبواب الإشراك مع الله عز وجل بأنواعه, فيدخل فيه أصل هذا النوع, وهو ضد التوحيد, وكذلك وسائله الموصلة إليه، وهي ما يسميها العلماء بالشرك الأصغر, وهذا القسم موجود في كلام الله عز وجل, وقد اتفق العلماء على أن ما ذكره الله عز وجل في كتابه عن نبي من أنبيائه فإنه يشركه فيه نبينا عليه الصلاة والسلام, فإن الأنبياء دينهم واحد, والمراد في هذا هو توحيد الله عز وجل؛ ولهذا لا يسوغ لأحد إذا وجد شيئاً من العقائد مما ذكره الله عز وجل لنبي من أنبيائه أن يقول: إن هذا ليس في شرعتنا, بل إن هذا من الأمور العامة.

وما لا ينسخ من الشريعة ثلاثة:

الأول: التوحيد, الثاني: الآداب والأخلاق, الثالث: الأخبار, فهذه لا تنسخ على الإطلاق, فإذا ثبت النص فيها من كلام الله عز وجل في زمن من الأزمنة فإن ذلك ثابت إلى قيام الساعة, فلا يسوغ أن يبين الله عز وجل خلقاً من الأخلاق أو أدباً من الآداب لأمة ثم لا يكون أدباً وخلقاً حسناً لقوم آخرين, كذلك الأخبار فإن نسخها يدل على تكذيب المخبر بها، تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً؛ لهذا نقول: إن هذه الثلاثة لا تنسخ, وثمة خلاف في بعض الصور هل تلحق بهذه الثلاثة أم لا, فنقول: إن الإشكال فيها ليس في كونها من هذه الثلاثة, وإنما في خلاف العلماء في ذلك.

الموضوع الثاني: القصص

القسم الثاني من أقسام القرآن: القصص, والقصص هو ما يحكيه الله عز وجل من أحوال الأمم السابقة, التي غربت ومضت, سواء كان من قصص الأنبياء أو أحوال الأمم, أو ما يخبر الله عز وجل به من أحداث الكون, وكذلك أطوار الإنسان وتقلباته, وكذلك أخبار السماء من أحوال الملائكة ونحو ذلك, فهذا شيء من القصص الذي لا يتعلق به حض للإنسان أن يبادر بعمل, وإنما يراد به جملة من المعاني, من هذه المعاني التي يقصدها الله عز وجل من إيراد القصص في كتابه العظيم: تثبيت النبي عليه الصلاة والسلام, وأتباعه من أمته, وكذلك غير أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ممن يتوجه إليهم الخطاب ممن لم يؤمنوا أن يتعظوا وأن يعتبروا؛ ولهذا فالله عز وجل قص في كتابه العظيم قصص الأنبياء لنبيه عليه الصلاة والسلام؛ لينظر في حالهم وصبرهم وثباتهم على أمر الله عز وجل, وقص الله عز وجل أحوال الأمم لتتعظ هذه الأمة, فكان ذلك الاعتبار متنوعاً, منه ما يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم, ومنه ما يلحق بعوام الناس من المسلمين, ومنه ما يلحق بالكفرة المعاندين إذا عرفوا شيئاً من كلام الله سبحانه وتعالى, ومن الحكم في ذلك أن في كتب اليهود والنصارى من القصص الذي لم يحرف ما بين الله عز وجل شبيهاً له في هذا الكتاب, فكان الاعتبار في كلام الله عز وجل متنوعاً بحسب من يتوجه إليه الخطاب, فخطاب يتعظ به النبي, وخطاب يتعظ به آحاد المسلمين, وخطاب يتعظ به الكفرة المعاندون المخالفون لأمر الله سبحانه وتعالى.

الموضوع الثالث: الحلال والحرام

القسم الثالث من أقسام معاني القرآن: الحلال والحرام مما أمر الله عز وجل بالعمل به أو نهى عنه, ومما يتعلق بأمور الحلال والحرام: ما يدخل في أبواب الأحكام التكليفية من الواجب والمندوب, والمحرم والمكروه, وكذلك ما كان الأصل فيه الإباحة, ويدخل في هذا الباب جميع ما يثاب عليه الإنسان ويعاقب مما خرج من الأمور السابقة, ويدخل في هذا الباب ما يتعلق بأمور الآداب والسلوك, باعتبار أنها من المستحبات, ولهذا ترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه على القرآن؛ كما جاء في حديث عائشة في الصحيح.

القسم الأول: توحيد الله عز وجل بجميع أنواعه, سواء كان ذلك من الغايات, أو كان من الوسائل, فما كان من الغايات ما يتعلق بتوحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته, وأما ما كان من الوسائل الموصلة إلى تحقيقها فهي داخلة فيها.

كذلك ما كان في ضد هذا الباب من أبواب الإشراك مع الله عز وجل بأنواعه, فيدخل فيه أصل هذا النوع, وهو ضد التوحيد, وكذلك وسائله الموصلة إليه، وهي ما يسميها العلماء بالشرك الأصغر, وهذا القسم موجود في كلام الله عز وجل, وقد اتفق العلماء على أن ما ذكره الله عز وجل في كتابه عن نبي من أنبيائه فإنه يشركه فيه نبينا عليه الصلاة والسلام, فإن الأنبياء دينهم واحد, والمراد في هذا هو توحيد الله عز وجل؛ ولهذا لا يسوغ لأحد إذا وجد شيئاً من العقائد مما ذكره الله عز وجل لنبي من أنبيائه أن يقول: إن هذا ليس في شرعتنا, بل إن هذا من الأمور العامة.

وما لا ينسخ من الشريعة ثلاثة:

الأول: التوحيد, الثاني: الآداب والأخلاق, الثالث: الأخبار, فهذه لا تنسخ على الإطلاق, فإذا ثبت النص فيها من كلام الله عز وجل في زمن من الأزمنة فإن ذلك ثابت إلى قيام الساعة, فلا يسوغ أن يبين الله عز وجل خلقاً من الأخلاق أو أدباً من الآداب لأمة ثم لا يكون أدباً وخلقاً حسناً لقوم آخرين, كذلك الأخبار فإن نسخها يدل على تكذيب المخبر بها، تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً؛ لهذا نقول: إن هذه الثلاثة لا تنسخ, وثمة خلاف في بعض الصور هل تلحق بهذه الثلاثة أم لا, فنقول: إن الإشكال فيها ليس في كونها من هذه الثلاثة, وإنما في خلاف العلماء في ذلك.

القسم الثاني من أقسام القرآن: القصص, والقصص هو ما يحكيه الله عز وجل من أحوال الأمم السابقة, التي غربت ومضت, سواء كان من قصص الأنبياء أو أحوال الأمم, أو ما يخبر الله عز وجل به من أحداث الكون, وكذلك أطوار الإنسان وتقلباته, وكذلك أخبار السماء من أحوال الملائكة ونحو ذلك, فهذا شيء من القصص الذي لا يتعلق به حض للإنسان أن يبادر بعمل, وإنما يراد به جملة من المعاني, من هذه المعاني التي يقصدها الله عز وجل من إيراد القصص في كتابه العظيم: تثبيت النبي عليه الصلاة والسلام, وأتباعه من أمته, وكذلك غير أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ممن يتوجه إليهم الخطاب ممن لم يؤمنوا أن يتعظوا وأن يعتبروا؛ ولهذا فالله عز وجل قص في كتابه العظيم قصص الأنبياء لنبيه عليه الصلاة والسلام؛ لينظر في حالهم وصبرهم وثباتهم على أمر الله عز وجل, وقص الله عز وجل أحوال الأمم لتتعظ هذه الأمة, فكان ذلك الاعتبار متنوعاً, منه ما يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم, ومنه ما يلحق بعوام الناس من المسلمين, ومنه ما يلحق بالكفرة المعاندين إذا عرفوا شيئاً من كلام الله سبحانه وتعالى, ومن الحكم في ذلك أن في كتب اليهود والنصارى من القصص الذي لم يحرف ما بين الله عز وجل شبيهاً له في هذا الكتاب, فكان الاعتبار في كلام الله عز وجل متنوعاً بحسب من يتوجه إليه الخطاب, فخطاب يتعظ به النبي, وخطاب يتعظ به آحاد المسلمين, وخطاب يتعظ به الكفرة المعاندون المخالفون لأمر الله سبحانه وتعالى.