أسباب النزول [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:

فقد جعل الله جل وعلا كتابه العظيم هداية ونوراً ورشاداً ودلالة لمن أراد الحق والخير والهدى وطلب ذلك, وجعله الله سبحانه وتعالى غواية لمن أراد الغواية والزيغ, وذلك أن الله جل وعلا جعل من كتابه المحكم البين, وجعل منه المتشابه, قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7], يعني: أصله وقلبه ومجموعه, وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7] .

فبين الله سبحانه وتعالى أن القرآن الأصل فيه أنه هداية, وهذا هو المقصود من تنزيله, ويكون غواية لمن أراد الغواية ممن يلتمس المتشابهات لإضلال نفسه وإضلال الأمة, وقد جعل سبحانه وتعالى أفضل الأعمال هو تعلم القرآن, فقد جاء في الصحيح من حديث أبي عبد الرحمن عن عثمان بن عفان عليه رضوان الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) .

وجعل الله جل وعلا كلامه أفضل الكلام على الإطلاق, وخصه بجملة من الخصائص, ومن ذلك أن الحسنة لمن قرأ كلام الله بعشر أمثالها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعود وغيره: ( لا أقول: الم حرف, ولكن ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف, الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء ) . والله سبحانه وتعالى يوفق من علم التفسير والتأويل إلى مواضع الخير ومراتب الرحمة, فيعرف المواضع التي تكون فيها الفرقة والخلاف شراً, والمواضع التي يكون فيها الخلاف رحمة وسعة.

وقاية الأمة من الوقوع في الشر والخلاف

والأمة إذا جهلت القرآن وجهلت مواضع نزوله وقع فيها الشر والخلاف, ولهذا روى الخطيب من حديث إبراهيم أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى دعا عبد الله بن عباس وسأله قال: ما لهذه الأمة تختلف وكتابها واحد وربها واحد؟ فقال عبد الله بن عباس : إن القرآن أنزل إلينا ونحن نعلم فيما نزل, وإنه سيأتي أقوام يقرءون القرآن ولا يعلمون فيما نزل فيختلفون, فزبره عمر عليه رضوان الله تعالى، ثم قال: إيه أعد. يعني: أعد ذلك المعنى من شدة ما استحسنه عمر بن الخطاب.

ولأن وجود النص إذا تجرد من معرفة معناه وسبب نزوله فسيقع الإنسان في الخلاف والشر, فالله سبحانه وتعالى جعل كلامه عاماً, وهذا هو الأصل في التنزيل, وهذا العموم لمصلحة الأمة في معرفة الحكم الخاص والحكم العام, ومعرفة ما يترخص به الإنسان من وجوه الترخص عند الحاجة والضرورة, وهذا يعرفه ويدركه أهل العلم والدراية.

وأما من أراد أن يأخذ ما يسوغ له من كلام الله جل وعلا فإن ذلك كائن، وقد وجد عبر التاريخ من شرب الخمر مستدلاً بنص القرآن, ومن زاغ عن طريق الحق من الوقوع في الشرك وغير ذلك مستدلاً بالقرآن, ومن وقع في خير الخلق بعد الأنبياء مستدلاً بالقرآن, مما يدل على أن وجود أحرف القرآن بذاتها مجردة من فهم أسباب النزول ومعاني الآي تكون من وجوه الضلال والزيغ للإنسان, وهذا قد قال به غير واحد من السلف من الصحابة وغيرهم.

ويكفي في ذلك أن الفتن التي وقعت في صدر هذه الأمة وآخرها كان الذين يقومون بها هم من أظهر الناس تمسكاً بالقرآن وعناية بحروفه, واستدلوا بجملة من ظواهر الأدلة المخالفة لما أراده الله جل وعلا, وأراده رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولهذا كان من أعظم المهمات أن يعتني طالب العلم بمعرفة القرآن بتأويله, وأعظم وجوه التأويل التي يستفيد منها طالب العلم في معرفة المعاني المقصودة هو معرفة أسباب النزول, وهذا ما دعا إليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين.

ونحن نعلم أن مقتضى حكمة الله جل وعلا من جهة الأصل أنه لا يفعل شيئاً إلا لسبب, والله سبحانه وتعالى يتكلم لحكمة بالغة, وما أرسل الرسل الذين تنزل عليهم الكتب إلا لحكمة وسبب, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم، كلما ذهب نبي جاء نبي آخر, وإن الله جعلني خاتم الأنبياء والمرسلين ) .

في هذا الخبر إشارة إلى أن الله جل وعلا يبعث الرسل لحكمة سياسة الناس, وبيان الخير من الشر, وهذا هو المقصود من بعث الأنبياء على سبيل الإجمال.

وإذا أردنا أن نعلم أسباب نزول آي القرآن فيجب علينا أن نعلم سبب نزول القرآن بالكلية على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا أعظم وأسمى وأعلى سبب نزول في تاريخ البشرية، ذلك أن الله جل وعلا إنما أنزل كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لدفع الضلال والشرك.

إدراك العموم الأعظم في الخطاب القرآني والمقصد منه

وأعظم شيء في أبواب أسباب النزول هو أن يعرف الإنسان العام من الخاص مما نزل, وأعظم عموم في كلام الله جل وعلا هو عمومه لسائر البشرية والجن, ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] . وقال الله جل وعلا: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] .

فالله جل وعلا أرسل رسوله إلى الناس كافة, وقد جاء في الصحيح من حديث أبي سعيد و أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي إلا أرسله الله إلى قومه خاصة, وإن الله أرسلني إلى الناس كافة ), ولهذا كان خطاب القرآن عاماً لسائر الناس, فسبب نزوله هو إصلاح البشرية في هذه الأرض كافة, بل تعدى ذلك إلى الجن, فهو رسالة إلى الثقلين, ولهذا خاطب الله سبحانه وتعالى الجن والإنس على سبيل العموم, وناداهم على سبيل الخصوص.

فجاءت صيغ النداء بالعموم، مثل قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21] , وجاءت بصيغة العموم إلى الثقلين: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [الأنعام:130] , وجاءت أيضاً على سبيل التخصيص لكل جنس, فنادى الله جل وعلا النساء, ونادى الله جل وعلا الذكور, ونادى الله جل وعلا الذين آمنوا, ونادى الله جل وعلا الذين كفروا, ونادى الله جل وعلا أهل الكتاب.

فكانت النداءات من الله سبحانه وتعالى إشارة إلى الاهتمام, وليس نزعاً للعموم المتضمن لأصل الرسالة, فلما كانت الرسالة عامة وجه الله سبحانه وتعالى الخطاب إلى الناس كافة, ويدخل في ذلك سائر الخلق، الجليل والحقير؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً هذا الأمر وهو عموم الخطاب, كما جاء في الصحيح من حديث أبي حازم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ) .

يعني: أن الله جل وعلا يخاطب المؤمنين بخطاب المرسلين, ويخاطب المرسلين بخطاب المؤمنين, ولا دليل على الاختصاص إلا بدلالة صريحة, كأن يبين الله جل وعلا الخصوصية في لفظ من ألفاظ الآي, كقول الله جل وعلا: خَالِصَةً لَكَ [الأحزاب:50]، وهذا فيه إشارة إلى أن هذه الآية هي من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبقى حينئذ معرفة حكمها تديناً وعبادة, والتلفظ بذلك أيضاً من أعظم العبادة، وهي المقصودة من ورود ذلك اللفظ في القرآن وتضمنه له إلى قيام الساعة.

وكذلك ما يتضمن من علل ليست بمخصوصة من قياس تلك المعاني على علل أرادها الله جل وعلا وحكم وغايات لا يدركها الإنسان من تباين أحكام البشر لاختلاف تكوينهم وتركيبهم بقدرة الله سبحانه وتعالى, ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى الخلق يتباينون من جهة القدرة والقوة, فللأنبياء عامة ولنبينا قدرة, وكذلك للأجناس قدرة, فللذكر والأنثى قدرة مخصوصة, خص الله جل وعلا كل واحد منهما بخصيصة تختلف عن الآخر.

ويجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد جعل كتابه عاماً, فإذا كان الله جعل لنبينا صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنما بعثت بجوامع الكلم ).

والمراد من ذلك: أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم للواحد ككلامه للجماعة, فإذا خاطب زيداً فإنه يريد الخلق, سواء في أدنى الأرض أو في أقصاها, وإذا خاطب الرجال فيدخل في ذلك النساء.

وإذا كان هذا لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لكلام الله جل وعلا من باب أولى, فينبغي أن يعلم أن عموم الرسالة هذا هو الأصل من تنزيل الكتاب على رسولنا عليه الصلاة والسلام.

إذا عرفنا ذلك وجب علينا أن ندرك العموم الذي أطلقه العلماء من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وهذه قاعدة يتكلم عليها العلماء عند الاستدلال بالنصوص الشرعية, أن العموم في هذه الآية هو شامل لسائر المخاطبين, وأن ذلك إذا كان في هذه الآية فهو من جهة الأصل شامل لسائر التشريع, فالقرآن هو دستور لسائر الخلق الذين خاطبهم الله جل وعلا بالتكليف فأمرهم ونهاهم.

وإذا أدرك ذلك أدرك أنه ما من آية من آي القرآن إلا وسبب نزولها إنما يورد لإدراك المعنى, المعنى المتضمن وليس لسبب التخصيص, وبه نعلم أن أهمية معرفة أسباب النزول تقي الإنسان من الوقوع في الانحراف عن المعاني المقصودة من مراد الشارع, من كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والأمة إذا جهلت القرآن وجهلت مواضع نزوله وقع فيها الشر والخلاف, ولهذا روى الخطيب من حديث إبراهيم أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى دعا عبد الله بن عباس وسأله قال: ما لهذه الأمة تختلف وكتابها واحد وربها واحد؟ فقال عبد الله بن عباس : إن القرآن أنزل إلينا ونحن نعلم فيما نزل, وإنه سيأتي أقوام يقرءون القرآن ولا يعلمون فيما نزل فيختلفون, فزبره عمر عليه رضوان الله تعالى، ثم قال: إيه أعد. يعني: أعد ذلك المعنى من شدة ما استحسنه عمر بن الخطاب.

ولأن وجود النص إذا تجرد من معرفة معناه وسبب نزوله فسيقع الإنسان في الخلاف والشر, فالله سبحانه وتعالى جعل كلامه عاماً, وهذا هو الأصل في التنزيل, وهذا العموم لمصلحة الأمة في معرفة الحكم الخاص والحكم العام, ومعرفة ما يترخص به الإنسان من وجوه الترخص عند الحاجة والضرورة, وهذا يعرفه ويدركه أهل العلم والدراية.

وأما من أراد أن يأخذ ما يسوغ له من كلام الله جل وعلا فإن ذلك كائن، وقد وجد عبر التاريخ من شرب الخمر مستدلاً بنص القرآن, ومن زاغ عن طريق الحق من الوقوع في الشرك وغير ذلك مستدلاً بالقرآن, ومن وقع في خير الخلق بعد الأنبياء مستدلاً بالقرآن, مما يدل على أن وجود أحرف القرآن بذاتها مجردة من فهم أسباب النزول ومعاني الآي تكون من وجوه الضلال والزيغ للإنسان, وهذا قد قال به غير واحد من السلف من الصحابة وغيرهم.

ويكفي في ذلك أن الفتن التي وقعت في صدر هذه الأمة وآخرها كان الذين يقومون بها هم من أظهر الناس تمسكاً بالقرآن وعناية بحروفه, واستدلوا بجملة من ظواهر الأدلة المخالفة لما أراده الله جل وعلا, وأراده رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولهذا كان من أعظم المهمات أن يعتني طالب العلم بمعرفة القرآن بتأويله, وأعظم وجوه التأويل التي يستفيد منها طالب العلم في معرفة المعاني المقصودة هو معرفة أسباب النزول, وهذا ما دعا إليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين.

ونحن نعلم أن مقتضى حكمة الله جل وعلا من جهة الأصل أنه لا يفعل شيئاً إلا لسبب, والله سبحانه وتعالى يتكلم لحكمة بالغة, وما أرسل الرسل الذين تنزل عليهم الكتب إلا لحكمة وسبب, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم، كلما ذهب نبي جاء نبي آخر, وإن الله جعلني خاتم الأنبياء والمرسلين ) .

في هذا الخبر إشارة إلى أن الله جل وعلا يبعث الرسل لحكمة سياسة الناس, وبيان الخير من الشر, وهذا هو المقصود من بعث الأنبياء على سبيل الإجمال.

وإذا أردنا أن نعلم أسباب نزول آي القرآن فيجب علينا أن نعلم سبب نزول القرآن بالكلية على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا أعظم وأسمى وأعلى سبب نزول في تاريخ البشرية، ذلك أن الله جل وعلا إنما أنزل كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لدفع الضلال والشرك.

وأعظم شيء في أبواب أسباب النزول هو أن يعرف الإنسان العام من الخاص مما نزل, وأعظم عموم في كلام الله جل وعلا هو عمومه لسائر البشرية والجن, ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] . وقال الله جل وعلا: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] .

فالله جل وعلا أرسل رسوله إلى الناس كافة, وقد جاء في الصحيح من حديث أبي سعيد و أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي إلا أرسله الله إلى قومه خاصة, وإن الله أرسلني إلى الناس كافة ), ولهذا كان خطاب القرآن عاماً لسائر الناس, فسبب نزوله هو إصلاح البشرية في هذه الأرض كافة, بل تعدى ذلك إلى الجن, فهو رسالة إلى الثقلين, ولهذا خاطب الله سبحانه وتعالى الجن والإنس على سبيل العموم, وناداهم على سبيل الخصوص.

فجاءت صيغ النداء بالعموم، مثل قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21] , وجاءت بصيغة العموم إلى الثقلين: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [الأنعام:130] , وجاءت أيضاً على سبيل التخصيص لكل جنس, فنادى الله جل وعلا النساء, ونادى الله جل وعلا الذكور, ونادى الله جل وعلا الذين آمنوا, ونادى الله جل وعلا الذين كفروا, ونادى الله جل وعلا أهل الكتاب.

فكانت النداءات من الله سبحانه وتعالى إشارة إلى الاهتمام, وليس نزعاً للعموم المتضمن لأصل الرسالة, فلما كانت الرسالة عامة وجه الله سبحانه وتعالى الخطاب إلى الناس كافة, ويدخل في ذلك سائر الخلق، الجليل والحقير؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً هذا الأمر وهو عموم الخطاب, كما جاء في الصحيح من حديث أبي حازم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ) .

يعني: أن الله جل وعلا يخاطب المؤمنين بخطاب المرسلين, ويخاطب المرسلين بخطاب المؤمنين, ولا دليل على الاختصاص إلا بدلالة صريحة, كأن يبين الله جل وعلا الخصوصية في لفظ من ألفاظ الآي, كقول الله جل وعلا: خَالِصَةً لَكَ [الأحزاب:50]، وهذا فيه إشارة إلى أن هذه الآية هي من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبقى حينئذ معرفة حكمها تديناً وعبادة, والتلفظ بذلك أيضاً من أعظم العبادة، وهي المقصودة من ورود ذلك اللفظ في القرآن وتضمنه له إلى قيام الساعة.

وكذلك ما يتضمن من علل ليست بمخصوصة من قياس تلك المعاني على علل أرادها الله جل وعلا وحكم وغايات لا يدركها الإنسان من تباين أحكام البشر لاختلاف تكوينهم وتركيبهم بقدرة الله سبحانه وتعالى, ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى الخلق يتباينون من جهة القدرة والقوة, فللأنبياء عامة ولنبينا قدرة, وكذلك للأجناس قدرة, فللذكر والأنثى قدرة مخصوصة, خص الله جل وعلا كل واحد منهما بخصيصة تختلف عن الآخر.

ويجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد جعل كتابه عاماً, فإذا كان الله جعل لنبينا صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنما بعثت بجوامع الكلم ).

والمراد من ذلك: أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم للواحد ككلامه للجماعة, فإذا خاطب زيداً فإنه يريد الخلق, سواء في أدنى الأرض أو في أقصاها, وإذا خاطب الرجال فيدخل في ذلك النساء.

وإذا كان هذا لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لكلام الله جل وعلا من باب أولى, فينبغي أن يعلم أن عموم الرسالة هذا هو الأصل من تنزيل الكتاب على رسولنا عليه الصلاة والسلام.

إذا عرفنا ذلك وجب علينا أن ندرك العموم الذي أطلقه العلماء من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وهذه قاعدة يتكلم عليها العلماء عند الاستدلال بالنصوص الشرعية, أن العموم في هذه الآية هو شامل لسائر المخاطبين, وأن ذلك إذا كان في هذه الآية فهو من جهة الأصل شامل لسائر التشريع, فالقرآن هو دستور لسائر الخلق الذين خاطبهم الله جل وعلا بالتكليف فأمرهم ونهاهم.

وإذا أدرك ذلك أدرك أنه ما من آية من آي القرآن إلا وسبب نزولها إنما يورد لإدراك المعنى, المعنى المتضمن وليس لسبب التخصيص, وبه نعلم أن أهمية معرفة أسباب النزول تقي الإنسان من الوقوع في الانحراف عن المعاني المقصودة من مراد الشارع, من كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وينبغي أن يعلم كما أن التشريع على نوعين: كتاب وسنة, كذلك فإن أسباب نزول التشريع على نوعين:

النوع الأول: أسباب نزول الآي, وهذا هو الأصل الذي نتكلم عليه هنا.

النوع الثاني: أسباب ورود الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسبب ورود الحديث فائدته كسبب نزول الآي, وذلك أننا إذا عرفنا سبب نزول الآية فهمنا المعنى, وهذا هو الأصل, ولهذا ينبغي للإنسان أول ما يبادر إلى فهم الآية وتفسيرها أن يعرف سبب نزولها, فإذا جهل سبب النزول ربما اشترك مع الكلام أو المعاني الصحيحة بعض المعاني الخاطئة، فدخلت إلى ذهنه ففهمها على غير وجهها.

ومن أراد أن يفسر كلام الله جل وعلا إلى اللغة العربية مجردة من غير نظر إلى سبب النزول, وكذلك معاني الحال التي أنزل الله جل وعلا عليها الخطاب فسيقع في الوهم والغلط.

وهذا قد وجد من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى, وهم خير الخلق بعد الأنبياء؛ كما جاء في الصحيح من حديث عامر عليه رحمة الله: ( أن عدياً قال: لما أنزل الله جل وعلا: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187], فقال: عمدت إلى عقالين أو إلى حبلين, فوضعتهما تحت وسادتي فكنت أنظر إليها, فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأمر ليس على هذا, وإنما هو سواد الليل وبياض النهار ).

فإذا علمنا أن علي بن أبي طالب لم يكن من أهل المدينة في حال ورود القرآن وإنما كان من الآفاق, فنزل النص على غير مصطلحه, وعلى غير الحالة التي كان عليها, فأرجع تفسير ذلك اللفظ إلى لغة العرب. فتفسيره من جهة الحق والتأويل صحيح, فهو تفسير عربي يرجع إلى كلام العرب, ولكنه من جهة مراد التنزيل وسبب النزول خاطئ, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنه ليس كذلك ) , يعني: ليس على هذا المعنى.

وبه نعلم أن سبب نزول القرآن هو على معنيين: سبب نزول مخصوص معين, سواء كان ذلك بحالة معينة أو على فرض معين, وذلك أن كثيراً من الآي يرد سبب نزوله في كلام العلماء على فرض معين, كما جاء مثلاً في مسألة حلق الشعر في حال كعب بن عجرة لما آذاه هوام رأسه, وهذا سبب نزول الآية. وهذا السبب إنما هو لبيان المعنى المقصود. وكذلك فهم فقه هذه الآية.

وأما السبب الثاني الدقيق الذي لا يكاد يدركه إلا العلماء الخلص: أن يعرف الإنسان الحال عند نزول الآية, والحال في ذلك أن يعرف المصطلح الذي كانوا عليه, وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بفهم مجموع الشريعة من كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيجمع الإنسان الألفاظ المتشابهة, ويلحق بعضها مع بعض, حتى يدرك المراد من سياق الآية ودلالتها. وهذا من أسباب النزول التي لا يعبر عنها العلماء، وهي من جملة المعاني التي يدركها أهل الدراية في كلام الله سبحانه وتعالى.

أما النوع الأول, فهو الذي قصده العلماء بالتصنيف, وصنفوا فيه المصنفات المعروفة بأسباب النزول, وهو على نوعين أيضاً, أعني -النوع الأول- في نزول الآي على أفراد أو أحوال مخصوصة:

النوع الأول: أن يرد في كلام العلماء أن هذه الآية نزلت في فلان ابن فلان, أو نزلت لما كان الصحابة في بلد كذا وكذا, وهذا كثير.

الأمر الثاني: أن يرد في كلام جملة من المفسرين الكلام على سبب نزول الآية، فيقولون: سبب نزولها كذا وكذا, وهذا اللفظ في كلام المفسرين سواء من الصحابة والتابعين, يريدون بذلك النوع الثاني من التقسيم السابق, ولا يريدون بذلك أن هذا قسيم له.

وذلك أنهم يجعلون المعاني في مراد الله جل وعلا سبباً لنزولها, وذلك أن الله سبحانه وتعالى حينما يبين الأحكام للناس من رفع الحرج من الفطر في حال السفر, فيقول بعض المفسرين: إن هذه الآية نزلت في الرجل يسافر عن أهله فيشق عليه الصيام, فهذا المعنى أرادوا به التفسير ولم يريدوا به سبب التأويل.

ولهذا كثيراً ما يتكلم العلماء في أسباب النزول, فيقولون: قد ورد في سبب نزول هذه الآية عدة معانٍ, فيوردون كلام العلماء المجمل المقصود في معنى هذه الآية لا في سبب نزولها, فيكون حينئذ ثمة معانٍ يصطلح العلماء عليها أنها من أسباب النزول, وليست من الأسباب الاصطلاحية التي يتكلم عليها العلماء, وإنما هي معانٍ عامة في بيان مقاصد الله جل وعلا من إنزال الآي.

ولهذا ندرك الوفرة والكثرة التي يريدها العلماء في أسباب نزول آي الله سبحانه وتعالى, ويأتي الكلام على شيء من ذلك ببيان الأساليب التي تدور عليها أسباب النزول, وكذلك من كان من أهل الاختصاص في أبواب أسباب النزول من المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم.

ومن الأمور المهمة التي تبين جلالة قدر أسباب النزول: أن أسباب النزول من جهة الأصل تكون موقوفة ومقطوعة, ولكن لها حكم الرفع, وقد حكى إجماع العلماء على ذلك غير واحد كــــــابن الصلاح والخطيب البغدادي وغيرهم.

وذلك أن سبب النزول هو متضمن لبيان حال نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم, فثمة منزل وثمة نازل وثمة منزل عليه, فالمنزل هو الله, والنازل هو القرآن, والمنزل عليه هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

فالذي يحكي تلك الحال هو يحكي أمراً مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكنه لا يبين ذلك.

ولهذا إذا جاء في كلام بعض الصحابة كـــــعبد الله بن عباس , وعبد الله بن مسعود أن سبب نزول هذه الآية كذا وكذا, فإن هذا له حكم الرفع, وقد نص على ذلك الحاكم في كتابه المستدرك وفي كتابه معرفة علوم الحديث, قال: إن ذلك في حكم المرفوع, وجزم بهذا غير واحد كــــــابن الصلاح والخطيب البغدادي . وهذا قول وجيه.

وبعض العلماء جعل تفسير الصحابة عليهم رضوان الله تعالى على سبيل العموم أن له حكم الرفع, قالوا: وسبب ذلك أن كلام الله جل وعلا لا يمكن أن يفسر على غير مراد الله جل وعلا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ويسكت النبي صلى الله عليه وسلم على هذا التأويل الخاطئ.

والدلالة على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين جملة من المعاني المخالفة لمراد الله؛ لأنها أولت على غير وجهها، كما جاء في حديث عدي بن حاتم السابق.

ثم إن تأويل القرآن من جهة الأصل هو على نوعين: نوع مبين إما بملفوظ أو بمفعول, بملفوظ أي: بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك المعنى بقوله, وإما بفعل أي: فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن بفعل فعله فتبعه الناس على ذلك, وهذا هو أعلى ذلك.

النوع الثاني: هو بالسكوت والإقرار, فإذا نزل القرآن وألقي على الناس ففسروه على معنى, وهذا هو مجموع القرآن, فإن هذا إقرار على ذلك المعنى الذي فسره الصحابة, ولهذا ذهب غير واحد من العلماء إلى أن تفسير الصحابة له حكم الرفع على الإطلاق. نص على ذلك الحاكم عليه رحمة الله في كتابه: معرفة علوم الحديث, وفي كتابه المستدرك, قال: وتفسير الصحابي الذي شهد الوحي هو في حكم المسند المرفوع, وقد حكى أيضاً الإجماع على ذلك.

وقد حمل بعض العلماء كلام الحاكم في هذا الموضوع على أنه أراد أسباب النزول على سبيل التخصيص, ولكن جاءت عنه ألفاظ عامة أنه يريد بذلك العموم.

ولكن يقال: إن كلام الحاكم في جعل الموقوف في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه على نوعين:

الأمر الأول: ما كان في أسباب النزول فله حكم الرفع, وهذا الذي نص عليه الإجماع.

الأمر الثاني: ما كان في غير سبب النزول, فهذا هو الذي قد وقع فيه خلاف وهو أقرب إلى المرفوع, وذلك أن الله جل وعلا قد جعل بيان القرآن له سبحانه وتعالى وليس لأحد, ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19] , أي: أنه ليس لك وليس لأحد من الناس.

والبيان إما أن ينزل القرآن على حال أو على فرد, أو في حال تبين الإشكال وتحله, فيكون حينئذ سبب النزول حلاً للمشكلة النازلة, فإذا كان سبب نزوله على هذه الحال كان أظهر في بيان المعنى.

فحينئذ نعلم أن أسباب نزول القرآن مشتركة، وذلك أن تفسير الألفاظ يقترن بمعرفة الحال الذي ورد عليه النص.

فإذ فعل الإنسان فعلاً فقال له قائل آمر أو ناه: افعل أو لا تفعل! فإن ذلك يبين الأمر أكثر مما لو جاء النص: افعلوا كذا أو لا تفعلوا كذا, وذلك أن الأمر تارة يكون على سبيل التأكيد، فإذا فعل الإنسان فعلاً فأتى الأمر مؤكداً له أن هذا يكون من باب الحث والحض.

الأمر الثاني: أنه إذا جاء نهي عند فعل فإن ذلك آكد من أن يأتي النهي عاماً من غير فعل, وذلك أنه في الحالة الأولى يكون قريباً من التحريم أو كالنص بالتحريم، بخلاف الثانية فإنه قد يشتمل على التحريم أو غيره.

ولهذا كان سبب نزول القرآن من أعظم ما يجعل الإنسان من أهل التأويل, ومعرفة الناسخ من المنسوخ, والمحكم من المتشابه, وهذا لا يوفق إليه إلا أهل العلم والدراية، سواء من الصدر الأول أو من جاء بعدهم.

ولهذا كان الصحابة عليهم رضوان الله تعالى العارفون بكلامه والمدركون لمقاصد القرآن قلة الذين يستوعبون أسباب النزول, وسبب ذلك أن القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجماً, والصحابة إنما تفاوت إيمانهم وإسلامهم, فمنهم من أسلم مبكراً فشهد مجموع القرآن, ومنهم من أسلم متوسطاً من جهة زمن الرسالة, فأدرك شطراً, وربما أدرك زيادة على ذلك بالمنقول له عن غيره, وهذا محتمل.

ومنهم من أدرك فضل الصحبة وشرفها, وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يسيراً, ولكنه لم يدرك مجموع أسباب النزول, ومنهم من أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء يسير ولكنه من أهل التتبع والدراية, ولهذا نعلم أن العشرة المبشرين بالجنة هم أعلى الناس في معرفة سبب النزول, ويليهم بعد ذلك من خصهم الله جل وعلا بجملة من الخصائص من الفقه ومعرفة التأويل كــــــــعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر , ويأتي مزيد كلام على هذا بإذن الله سبحانه وتعالى.

من الأمور المهمة: أن يعلم أن سبب نزول الآي إذا جهله الإنسان ربما دله على الخطأ والوهم والغلط, فإذا كان هذا في علية المفسرين من الصحابة والتابعين، فإنه فيمن كان بعدهم من باب أولى.

روى الإمام مالك في كتابه الموطأ من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عليها رضوان الله تعالى، أنه قال لها: إن الله سبحانه وتعالى رفع الحرج على عباده في طوافهم بين الصفا والمروة, فقال الله جل وعلا: (لا جناح), يعني: أن الإنسان إذا لم يطف فلا حرج عليه, فقالت عائشة عليها رضوان الله تعالى: إنه ليس كذلك, وإنما كان الناس يطوفون بين الصفا والمروة وفيها مناة, وهي صنم من أصنام الجاهلية, فلما دخل الإسلام واستقر في قلوبهم ذلك الأمر, وتعلقوا بما تعلقوا به من أمر الجاهلية, وأزاله الله جل وعلا وجدوا حرجاً من أن يسعوا، فبين الله سبحانه وتعالى أن ذلك الحرج مرفوع.

وهذا بيان لحكم وليس لتشريع, فإن التشريع قد سبق ذلك, ولهذا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بفعله, ففسر كلام الله جل وعلا.

ومما ينبغي أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يفسر القرآن تارة بلفظ من ألفاظه السابقة، أو بفعل من أفعاله المقترنة مع تلاوة آية من آي القرآن, ولا يكون ذلك من أسباب النزول, وإنما هو بتفسير القرآن على صورة مخصوصة, وهذا كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله حينما قال: ( لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طوافه ذهب إلى المقام, -يعني: مقام إبراهيم- ثم تلا قول الله جل وعلا: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125], ثم ذهب إلى الصفا، فتلا قول الله جل وعلا: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] ).

وهذه الآية والآية السابقة إنما تلاها الله سبحانه وتعالى ليس مبيناً سبب نزولها حال تلاوتها, وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين أن الآية قد نزلت قبل ذلك, والمراد بها هذا المعنى من باب الأولى, وأن المعنى ربما لا يخرج عن هذا, وهذا هو الظاهر من الآية.

وكذلك ينبغي أن يعلم أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى قد بينوا أن الإنسان إذا قصر في أبواب معرفة أسباب النزول فإنه ينقص من معرفته في أبواب التأويل بحسب نقصانه في ذلك, فهم يرون تمايزهم في معرفة التأويل بقدر جهلهم بأسباب النزول, ولهذا يقول عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى كما رواه الترمذي من حديث مسروق قال عليه رضوان الله تعالى: والله ما من آية في كلام الله جل وعلا إلا وأنا أعلم فيما نزلت, ومتى نزلت, ولو كنت أعلم أحداً من الناس أعلم مني في هذا تبلغه الإبل لذهبت إليه.

وقد جاء معنى ذلك عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى كما رواه ابن سعد في كتابه الطبقات, من حديث سليمان الأحمسي عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى, وقد جاء عنه أيضاً من غير هذا الوجه.

والمراد بذلك أن الصحابة حينما ذكروا سبب النزول هم أعلم فيما نزلت, ويريدون بذلك على القسمين السابقين مما تقدم الكلام عليه من أسباب النزول.

المعنى الأول: أنهم أرادوا أن يبينوا أنهم يعرفون سبب نزول الآية من جهة الحال التي نزلت عليها.

والمعنى الثاني: مراد الله جل وعلا بالمعنى, وليس المراد بذلك هو أن يكون لكل آية سبب نزول على فرد, سواء كانت قضية مخصوصة أو كانت لجماعة ونحو ذلك.

ولهذا كان الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يدركون أن القرآن إنما نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم منجماً, وهذا التنجيم بحسب مقتضيات الحال.

وعلى هذا يمكن أن يقال: إن أسباب النزول من جهة الدقة هي على أنواع:

الأسباب العامة وكيفية إدراكها

النوع الأول: أسباب عامة, يعني: اقترن الحال بسبب أوجب نزول تلك الآية, وذلك على سبيل المثال, كأن يكون قد تهيأت نفوس الناس على مشروعية نزول تحريم الخمر, فحينما توطنت النفوس وقوي الإيمان كان ذلك سبباً في نزول هذه الآية.

وهذه المعاني العامة في أسباب نزول القرآن هي التي ينص عليها بعض العلماء في أسباب نزول الآي، أن آي القرآن نزل في كذا وكذا, ولا يريدون بذلك التخصيص. فيرد في كلام الصحابة ويرد في كلام التابعين أن سورة كذا أو آية كذا نزلت في كذا وكذا، ويريدون بذلك الحال العام.

وينبغي أن يعلم أن هذا القسم من أقسام أسباب نزول الآي مع عمومه فإنه يتباين من جهة اتساعه, فثمة آيات نزلت على سبيل العموم فتشمل بلدة وأوسع منها, فيكون هذا يتباين بحسب معرفة الحال, وهذا يحتاج معه طالب العلم إلى معرفة أقسام سور القرآن من المكي والمدني, وهذا من أعظم ما يعين طالب العلم في معرفة أسباب النزول فيما يتعلق في أبواب عموم السبب وورود آي القرآن.

فإذا عرف المكي من المدني استطاع أن يربط المعاني التي نزلت في مكة, وأسباب القرآن, آي القرآن التي نزلت في المدينة, ويستطيع حينئذ أن يفهم السياقات التي تضمنتها بعض آي القرآن, فيستطيع حينئذ أن يرجح.

كذلك أيضاً أن يعرف درجات المعاني من جهة الأصول، ثمة معانٍ متباينة, ثمة معانٍ في أبواب التوحيد والعقائد, وثمة معانٍ في أصول الإسلام الكلية الظاهرة مما دون ذلك أركان الإسلام, وثمة أيضاً ما يتعلق بالمعاني والأصول الكلية وهي تتبع ذلك, وهي ما يتعلق بأبواب العقائد من فروع الإيمان، ونحو هذا من بعض جزئيات مسائل القدر والأسماء والصفات ونحو ذلك, فإن هذا إنما نزل مجموعه متأخراً, وإن كان أصله وتقريره قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك.

فيستطيع حينئذ أن يعرف المتقدم من المتأخر بفهم حال الناس, وإذا كان الإنسان من أهل الجهالة بحال الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أهل الجهل بتقلب الزمن, والحالة التي كانوا عليها من بلد إلى بلد, ومن حال إلى حال, ومن غنى إلى فقر, فإنه يجهل هذا الفقه، وهو من جهة الأصل قد نجمل أن الإنسان لا يمكن أن يدرك هذا المعنى إلا بأمور:

الأمر الأول: أن يعرف البلد التي نزلت فيه السورة حتى يستطيع حينئذ أن يميز, وسبب ذلك أن آي القرآن لها معانٍ في أبواب العقائد, ومعانٍ في أبواب الأحكام, ومعانٍ في فروع الأحكام, ومعانٍ في فروع العقائد, وهذا ما ينبغي للإنسان أن يفرق بينها.

الأمر الثاني: أن لغة أو مصطلح الناس ربما يتباين وإن كان شيئاً يسيراً بين مكة والمدينة, ولكن يتباين في حال غيره, فثمة مصطلحات أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤول على كلام أهل المدينة, فإذا عرفنا المكي من المدني استطعنا أن نعرف السياقات التي أرادها الله سبحانه وتعالى بفهم معاني ذلك البلد، فنستطيع حينئذ بمعرفتنا بنزول الآي في بلد من البلدان أن نفهم لغة ذلك البلد, فنستطيع حينئذ أن نعرف مراد الله جل وعلا بإرجاع ذلك إلى معاني ذلك البلد.

فنرجع إلى مصطلحات المدينة, ويمكن أن نعرف مصطلحات المدينة بالرجوع إلى الصحابة من المدنيين على سبيل المثال بفقه أهل الاختصاص من الأوس والخزرج, فنعرف كلامهم وسياقاتهم، فنخرج تلك الألفاظ التي يريدون مما تضمن في كلام الله, ونعرف المعنى الذي قصد من كلامه جل وعلا.

وهذا من أعظم ما يجعل الإنسان من أهل التأويل ومن أهل الإدراك.

الأمر الثاني مما يحتاجه الإنسان بعد النقطة الأولى في ما يعينه في معرفة الحال العامة: أن يعرف الأفراد الذين نزلت فيهم هذه الآية, وهذا أيضاً من المهمات, فثمة آي نزل في أهل الكتاب. وثمة آي نزل في المشركين, وثمة آي نزل في أهل الإيمان.

وهذا يظهر في جملة من الآي, فإن الإنسان إذا جهل الجماعة الذين نزل فيهم القرآن فإنه ربما يرجع ذلك إلى بعض معاني القرآن العامة فيختل الفهم لديه, وهذا يظهر أيضاً في حديث عبد الله بن مسعود كما جاء في الصحيحين وغيرهما أنه قال: ( لما نزل قول الله جل وعلا: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] ), بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الظلم, وأن المراد بالظلم في هذه الآية هو الشرك, مع أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى وجلوا لما نزلت هذه الآية: ( قالوا: أينا لم يظلم نفسه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم تسمعوا لقول العبد الصالح لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ).

فكان الظلم الذي أراده الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى هو الشرك في الآية الثانية, فكانت الآية هي مفسرة للأخرى, ولذلك بمعرفة مراد الله جل وعلا معرفة فيمن نزلت فيهم هذه الآية.

الأمر الثالث: معرفة السنة التي نزلت فيها الآية، مما يعين الإنسان على معرفة العموم, والعموم كما تقدم لدينا عمومات كثيرة: ثمة عموم لشمول القرآن لسائر الثقلين, وثمة عموم في عموم الناس أهل الإيمان الذين نزل عليهم القرآن, فإن الله جل وعلا مع عموم الرسالة إليهم إذا جاءهم القرآن في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104] ندرك أن هذا الخطاب ليس للكفار, وإنما هو للذين آمنوا.

ومعنى العموم هنا: أن الكفار إذا دخلوا في الإيمان فهم داخلون في هذا الخطاب, وهو ليس لأفراد معدودين لا يعودون مع الزمن, وإذا عرفنا السنة التي نزل فيها القرآن نستطيع أن نبين المعنى من جهة مراد الله سبحانه وتعالى، وذلك على ما يلي:

إذا نزلت آية في أول مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان الناس من جهة إيمانهم قليل, فالآية التي تنزل على قليل تختلف من جهة المقصود, وكذلك أيضاً سعة شمولها على الآية التي نزلت بعد ذلك, وذلك قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وندرك الأفراد الذين شهدوا التنزيل. وهذا من الأمور المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يدركها.

إذا عرف طالب العلم السنة التي نزلت فيها الآية يستطيع أن يرجح عند الاختلاف في أسباب النزول, فإذا ورد اختلاف عن اثنين من الصحابة, أو ورد فيها بعض المراسيم، فبين أحدهم أن الآية نزلت في كذا وكذا, وأن الآية نزلت في كذا وكذا، استطاع أن يرجح.

كذلك الصحابة منهم من ينقل بواسطة ومنهم من يكون شاهد عيان لسبب نزول الآية, ومن شهدها إذا عرفنا العام التي نزلت فيه فإنه أقوى وأظهر حجة, ويقدم على غيره, ولهذا يقدم السابقون من المهاجرين والأنصار في أبواب نزول الآي بخلاف المتأخرين.

وهذا أمر لا خلاف فيه في أبواب التأويل.

الأسباب الخاصة

النوع الثاني من أنواع أسباب النزول: هي الأسباب المخصوصة وهي التي تقدم الإشارة إليها, وهي التي نتكلم عليها بإذن الله عز وجل في الدروس القادمة فيمن اعتنى في أبواب أسباب النزول, وكذلك الكتب المصنفة في أسباب النزول, وكذلك الأسانيد في أسباب النزول وغير ذلك.

النوع الأول: أسباب عامة, يعني: اقترن الحال بسبب أوجب نزول تلك الآية, وذلك على سبيل المثال, كأن يكون قد تهيأت نفوس الناس على مشروعية نزول تحريم الخمر, فحينما توطنت النفوس وقوي الإيمان كان ذلك سبباً في نزول هذه الآية.

وهذه المعاني العامة في أسباب نزول القرآن هي التي ينص عليها بعض العلماء في أسباب نزول الآي، أن آي القرآن نزل في كذا وكذا, ولا يريدون بذلك التخصيص. فيرد في كلام الصحابة ويرد في كلام التابعين أن سورة كذا أو آية كذا نزلت في كذا وكذا، ويريدون بذلك الحال العام.

وينبغي أن يعلم أن هذا القسم من أقسام أسباب نزول الآي مع عمومه فإنه يتباين من جهة اتساعه, فثمة آيات نزلت على سبيل العموم فتشمل بلدة وأوسع منها, فيكون هذا يتباين بحسب معرفة الحال, وهذا يحتاج معه طالب العلم إلى معرفة أقسام سور القرآن من المكي والمدني, وهذا من أعظم ما يعين طالب العلم في معرفة أسباب النزول فيما يتعلق في أبواب عموم السبب وورود آي القرآن.

فإذا عرف المكي من المدني استطاع أن يربط المعاني التي نزلت في مكة, وأسباب القرآن, آي القرآن التي نزلت في المدينة, ويستطيع حينئذ أن يفهم السياقات التي تضمنتها بعض آي القرآن, فيستطيع حينئذ أن يرجح.

كذلك أيضاً أن يعرف درجات المعاني من جهة الأصول، ثمة معانٍ متباينة, ثمة معانٍ في أبواب التوحيد والعقائد, وثمة معانٍ في أصول الإسلام الكلية الظاهرة مما دون ذلك أركان الإسلام, وثمة أيضاً ما يتعلق بالمعاني والأصول الكلية وهي تتبع ذلك, وهي ما يتعلق بأبواب العقائد من فروع الإيمان، ونحو هذا من بعض جزئيات مسائل القدر والأسماء والصفات ونحو ذلك, فإن هذا إنما نزل مجموعه متأخراً, وإن كان أصله وتقريره قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك.

فيستطيع حينئذ أن يعرف المتقدم من المتأخر بفهم حال الناس, وإذا كان الإنسان من أهل الجهالة بحال الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أهل الجهل بتقلب الزمن, والحالة التي كانوا عليها من بلد إلى بلد, ومن حال إلى حال, ومن غنى إلى فقر, فإنه يجهل هذا الفقه، وهو من جهة الأصل قد نجمل أن الإنسان لا يمكن أن يدرك هذا المعنى إلا بأمور:

الأمر الأول: أن يعرف البلد التي نزلت فيه السورة حتى يستطيع حينئذ أن يميز, وسبب ذلك أن آي القرآن لها معانٍ في أبواب العقائد, ومعانٍ في أبواب الأحكام, ومعانٍ في فروع الأحكام, ومعانٍ في فروع العقائد, وهذا ما ينبغي للإنسان أن يفرق بينها.

الأمر الثاني: أن لغة أو مصطلح الناس ربما يتباين وإن كان شيئاً يسيراً بين مكة والمدينة, ولكن يتباين في حال غيره, فثمة مصطلحات أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤول على كلام أهل المدينة, فإذا عرفنا المكي من المدني استطعنا أن نعرف السياقات التي أرادها الله سبحانه وتعالى بفهم معاني ذلك البلد، فنستطيع حينئذ بمعرفتنا بنزول الآي في بلد من البلدان أن نفهم لغة ذلك البلد, فنستطيع حينئذ أن نعرف مراد الله جل وعلا بإرجاع ذلك إلى معاني ذلك البلد.

فنرجع إلى مصطلحات المدينة, ويمكن أن نعرف مصطلحات المدينة بالرجوع إلى الصحابة من المدنيين على سبيل المثال بفقه أهل الاختصاص من الأوس والخزرج, فنعرف كلامهم وسياقاتهم، فنخرج تلك الألفاظ التي يريدون مما تضمن في كلام الله, ونعرف المعنى الذي قصد من كلامه جل وعلا.

وهذا من أعظم ما يجعل الإنسان من أهل التأويل ومن أهل الإدراك.

الأمر الثاني مما يحتاجه الإنسان بعد النقطة الأولى في ما يعينه في معرفة الحال العامة: أن يعرف الأفراد الذين نزلت فيهم هذه الآية, وهذا أيضاً من المهمات, فثمة آي نزل في أهل الكتاب. وثمة آي نزل في المشركين, وثمة آي نزل في أهل الإيمان.

وهذا يظهر في جملة من الآي, فإن الإنسان إذا جهل الجماعة الذين نزل فيهم القرآن فإنه ربما يرجع ذلك إلى بعض معاني القرآن العامة فيختل الفهم لديه, وهذا يظهر أيضاً في حديث عبد الله بن مسعود كما جاء في الصحيحين وغيرهما أنه قال: ( لما نزل قول الله جل وعلا: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] ), بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الظلم, وأن المراد بالظلم في هذه الآية هو الشرك, مع أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى وجلوا لما نزلت هذه الآية: ( قالوا: أينا لم يظلم نفسه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم تسمعوا لقول العبد الصالح لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ).

فكان الظلم الذي أراده الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى هو الشرك في الآية الثانية, فكانت الآية هي مفسرة للأخرى, ولذلك بمعرفة مراد الله جل وعلا معرفة فيمن نزلت فيهم هذه الآية.

الأمر الثالث: معرفة السنة التي نزلت فيها الآية، مما يعين الإنسان على معرفة العموم, والعموم كما تقدم لدينا عمومات كثيرة: ثمة عموم لشمول القرآن لسائر الثقلين, وثمة عموم في عموم الناس أهل الإيمان الذين نزل عليهم القرآن, فإن الله جل وعلا مع عموم الرسالة إليهم إذا جاءهم القرآن في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104] ندرك أن هذا الخطاب ليس للكفار, وإنما هو للذين آمنوا.

ومعنى العموم هنا: أن الكفار إذا دخلوا في الإيمان فهم داخلون في هذا الخطاب, وهو ليس لأفراد معدودين لا يعودون مع الزمن, وإذا عرفنا السنة التي نزل فيها القرآن نستطيع أن نبين المعنى من جهة مراد الله سبحانه وتعالى، وذلك على ما يلي:

إذا نزلت آية في أول مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان الناس من جهة إيمانهم قليل, فالآية التي تنزل على قليل تختلف من جهة المقصود, وكذلك أيضاً سعة شمولها على الآية التي نزلت بعد ذلك, وذلك قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وندرك الأفراد الذين شهدوا التنزيل. وهذا من الأمور المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يدركها.

إذا عرف طالب العلم السنة التي نزلت فيها الآية يستطيع أن يرجح عند الاختلاف في أسباب النزول, فإذا ورد اختلاف عن اثنين من الصحابة, أو ورد فيها بعض المراسيم، فبين أحدهم أن الآية نزلت في كذا وكذا, وأن الآية نزلت في كذا وكذا، استطاع أن يرجح.

كذلك الصحابة منهم من ينقل بواسطة ومنهم من يكون شاهد عيان لسبب نزول الآية, ومن شهدها إذا عرفنا العام التي نزلت فيه فإنه أقوى وأظهر حجة, ويقدم على غيره, ولهذا يقدم السابقون من المهاجرين والأنصار في أبواب نزول الآي بخلاف المتأخرين.

وهذا أمر لا خلاف فيه في أبواب التأويل.