أرشيف المقالات

من درر العلامة ابن القيم عن الأعمال القلبية

مدة قراءة المادة : 27 دقائق .
من درر العلامة ابن القيم عن الأعمال القلبية
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالقلوب لا تُسَرُّ ولا تسعد ولا تطمئنُّ إلا بمعرفة الله سبحانه وتعالى، ومحبَّته، وحُسْن الظن به، والخوف منه، والتوكُّل عليه، والإنابة إليه، والأُنْس به، ومن أعجب الأشياء أن تجد قلبَ مسلمٍ يعرض عن هذه الأعمال القلبية، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله، في كتابه "الفوائد": من أعجب الأشياء: أن تعرفه ثم لا تُحِبُّه، وأن تسمع داعِيه ثم تتأخَّر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيرَه، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرَّض له، وأن تذوق ألمَ الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأُنْس بطاعته، وأن تذوق عُصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومُناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلُّق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه! وأعجبُ من هذا علمُك أنك لا بُدَّ لك منه، وأنك أحوجُ شيءٍ إليه وأنت عنه مُعْرِض، وفيما يُبعِد عنه راغب.
 
ومن هذه حاله فَقَدْ نسي ربَّه، فأنساه الله جل جلاله ذاتَه ونفسَه، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "مفتاح دار السعادة": من نسي ربَّه أنساه ذاته ونفسه، فلم يعرف حقيقته ولا مصالحه؛ بل نسي ما به صلاحُه وفلاحُه في معاشه ومعاده، فصار معطلًا مهملًا بمنزلة الأنعام السائمة؛ بل ربما كانت الأنعام أخبرَ بمصالحها منه؛ لبقائها على هداها التام الذي أعطاها إياه خالقها، وأما هذا فخرج عن فطرته التي خُلِقَ عليها، فنسي ربَّه، فأنساه نفسه وصفاتها، وما تكمل به وتزكو به وتسعدُ به في معاشها ومعادها.
 
أما مَن وفَّقه الله عز وجل، فكان قلبُه مطمئنًا بالله، وقرَّت عينُه به، فقد سعد وفاز في نفسه، وفرح وأنس به كلُّ قريب وحبيب، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين": مَن قرَّتْ عينُه بالله قرَّتْ به كلُّ عينٍ، وأنس به كلُّ مستوحشٍ، وطاب به كُلُّ خبيثٍ، وفرح به كلُّ حزينٍ، وأمِنَ به كُلُّ خائف، وشهد به كلُّ غائب، وذكَّرت رؤيتُه بالله، فإذا رُئي ذُكِرَ الله.
 
قد اطمأنَّ قلبُه بالله، وسكنت نفسُه إلى الله، وخلصت محبَّتُه لله، وقَصَرَ خوفه على الله، وجعل رجاءه كلَّه لله، فإن سَمِعَ سَمِعَ بالله، وإن أبْصَر أبْصَر بالله، وإن بطش بطش بالله، وإن مشى مشى بالله، فبه يسمع، وبه يبصر، وبه يبطش، وبه يمشي، فإذا أحبَّ أحبَّ لله، وإذا أبغض أبغض لله، وإذا أعطى فلله، وإذا منع فلله.
 
قد اتخذ الله وحده معبوده ومرجوَّه ومخوفه، وغاية قصده ومنتهى طلبه، واتَّخذ رسولَه وحدَه دليلَه وإمامَه وقائدَه وسائقَه، فوحَّد الله بعبادته ومحبَّته وخوفه ورجائه، وأفرد رسوله بمتابعته والاقتداء به والتخلُّق بأخلاقه والتأدُّب بآدابه.
للعلامة ابن القيم دُرَر عن الأعمال القلبية جمعتُ بعضًا منها، اللهَ أسألُ أن ينفع بها.
 
عبودية الله جل جلاله:
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همُّه إلَّا الله وحده تحمَّل الله سبحانه حوائجه كلها، وحَمَلَ عنه كلَّ ما أهمَّه، وفرَّغ قلبه لمحبَّتِه، ولسانه لذكرِه، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدُّنْيا همُّهُ حمَّلهُ اللهُ همومَها وغُمومَها وأنكادَها، ووكَّله إلى نفسه، فشغل قلبَه عن محبَّتِه بمحبةِ الخَلْق، ولسانه عن ذكره بذكرِهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم...فكُلُّ مَن أعرض عن عبودية الله...ومحبته بُلي بعبودية المخلوق وخدمته؛ [كتاب: الفوائد].

هجرة القلب إلى الله ورسوله:
الهجرة إلى الله ورسوله فرضُ عَيْنٍ على كُلِّ أحَدٍ في كُلِّ وقتٍ، ولا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد؛ إذ الهجرة هجرتان:
هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة، وليس المراد الكلام فيها.

والهجرة الثانية: هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعة لها، وهي هجرة تتضمَّن (مِن) و(إلى)، فيُهاجِر بقلبه من محبَّة غير الله إلى محبَّتِه، ومن عبودية غيره إلى عبوديَّتِه، ومن خوف غيره ورجائه والتوكُّل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكُّل عليه، ومِن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذُّلِّ له والاستكانة له إلى دعاء ربِّه وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له.

وهذا هو بعينه معنى الفِرار إليه؛ قال تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ [الذاريات: 50]، فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفِرار من الله إليه.

وهذه الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه، فكلما كان داعي المحبة في قلب العبد أقوى، كانت هذه الهجرة أقوى وأتم وأكمل، وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة، حتى إنه لا يكاد يشعر بها علمًا، ولا يتحرك بها إرادة.

وعن هاتين الهجرتين يُسأل كلُّ عبد يوم القيامة وفي البرزخ، ويُطالب بهما في الدنيا، فهو مطالب بهما في الدور الثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار؛ [كتاب: الرسالة التبوكية].

 
أهمية الأعمال القلبية وشدة حاجة المسلم إليها:
الله سبحانه وتعالى هو المطلوب المعبود المحبوب وحده لا شريك له، وهو وحده المعين للعبد على حصول مطلوبه، فلا معبود سواه، ولا معين على المطلوب غيره، وما سواه هو المكروه المطلوبُ بُعْدُه، وهو المعينُ على دفعه.


الله سبحانه خلق الخَلْقَ لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه ومحبته والإخلاص له، فبذكره تطمئن قلوبهم، وبرؤيته في الآخرة تقرُّ عيونهم، ولا شيء يعطيهم في الآخرة أحبَّ إليهم من النظر إليه، ولا شيء يعطيهم في الدنيا أحبَّ إليهم من الإيمان به، ومحبتهم له، ومعرفتهم به.


العبد لا فرح له أعظم من فرحه بوجود ربِّه، وأنْسِه به، وطاعته له، وإقباله عليه، وطمأنينته بذكره، وعمارة قلبه بمعرفته، والشوق إلى لقائه، فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه، ويطمئن به، ويتنعَّم بالتوجه إليه إلا الله سبحانه، ومن عبد غيره وأحبَّه- وإن حصل له نوع من اللذَّة والمودَّة والسكون إليه والفرح والسرور بوجوده- ففساده به ومضرته وعطبه أعظم من فساد أكل الطعام المسموم اللذيذ الشهي الذي هو عذب في مبدئه، وعذاب في نهايته.

فحاجة العبد إلى أن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا في محبته، ولا في خوفه، ولا في رجائه، ولا في التوكل عليه، ولا في العمل له، ولا في الحلف به، ولا في النذر له، ولا في الخضوع له، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرُّب أعظم من حاجة الجسد إلى روحه، والعين إلى نورها، بل ليس لهذه الحاجة نظيرٌ تُقاس به؛ [كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين].

• اللذة التامة والفرح والسرور، وطيب العيش، والنعيم، إنما هو في معرفة الله، وتوحيده والأُنْس به، والشوق إلى لقائه، واجتماع القلب والهمِّ عليه، فإن أنكد العيش عيش من قلبه مُشتَّت، وهَمُّه مفرَّق؛ فاحرص أن يكون همُّك واحدًا، وأن يكون هو الله وحده، فهذا غاية سعادة العبد، وصاحب هذه الحال في جنة معجَّلة قبل جنة الآخرة وفي نعيم عاجل؛ [كتاب: رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه].

• ليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها، ومحبته، وذكره، والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه، والزُّلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد، والله تعالى ينزل العبد من نفسه حيث يُنزله العبد من نفسه.

فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضًا، وعنها مُعرضًا نافرًا ومُنفرًا، فالله له أشد بغضًا، وعنه أعظمُ إعراضًا، وله أكبر مقتًا؛ [كتاب: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية].

من علامات معرفة العبد بربِّه:
من علامات المعرفة: الهيبة، فكلما ازدادت معرفة العبد بربِّه، ازدادت هيبته له، وخشيته إياه، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]؛ أي: العلماء به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أعرفُكم باللهِ، وأشدُّكم له خشيةً))؛ [كتاب: روضة المُحبِّين ونزهة المشتاقين].

معرفة الله سبحانه وتعالى:
معرفة الله سبحانه نوعان:
الأول: معرفة إقرار، وهي التي يشترك فيها الناس، البر والفاجر، والمطيع والعاصي.
 
والثاني: معرفة تُوجِب الحياء منه، والمحبة له، وتعلُّق القلب به، والشوق إلى لقائه، وخشيته والإنابة إليه، والأنس به، والفِرار من الخَلْق إليه.
 
ولهذه المعرفة بابان واسعان:
الباب الأول: باب التفكُّر والتأمُّل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله ورسوله.
 
والباب الثاني: التفكُّر في آياته المشهودة، وتأمُّل حِكْمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعَدْله وقيامه بالقسط على خلقه.
 
وجماع ذلك: الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها، وتفرُّده بذلك وتعلُّقها بالخَلْق والأمر، فيكون فقيهًا في أوامره ونواهيه، فقيهًا في قضائه وقدره، فقيهًا في أسمائه وصفاته، فقيهًا في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني القدري؛ [كتاب الفوائد].

من ثمار المعرفة بالله عز وجل:
• من عرف الله، صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلُّ شيءٍ، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأنِسَ بالله، واستوحش من الناس، وأورثته المعرفة الحياء من الله، والتعظيم له، والإجلال، والمراقبة، والمحبَّة، والتوكُّل عليه، والإنابة إليه، والرِّضا به، والتسليم لأمره؛ [كتاب: روضة المحبِّين ونزهة المشتاقين].

• المعرفة تثمر المحبة والخوف والرجاء.

• المعرفة تثمر حسن الخلق؛ [كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين].

معرفة الله جل جلاله من أعظم أسباب النظر إلى وجهه سبحانه:
أعظم نعيم الآخرة ولذاتها: النظر إلى وجه الربِّ جل جلاله، وسماع كلامه منه، والقرب منه، كما ثبت في الحديث الصحيح في حديث الرؤية: ((فواللهِ ما أعطاهم شيئًا أحَبَّ إليهم مِن النَّظَرِ إليه))، وفي النسائي ومسند الإمام أحمد من حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: ((وأسألُكَ لذَّةَ النَّظَرِ إلى وجْهِكَ، والشوق إلى لقائكَ)).

وإذا عرف هذا، فأعظم الأسباب التي تُحصل هذه اللذة هو أعظم لذات الدنيا على الإطلاق، وهو لذة معرفته سبحانه ولذة محبته، فإن ذلك هو جنة الدنيا ونعيمها العالي، ونسبة لذاتها الفانية كتفلةٍ في بحرٍ، فإن الروح والقلب والبدن إنما خلق لذلك، فأطيبُ ما في الدنيا معرفته ومحبَّته، وألذُّ ما في الجنة رؤيتُه ومشاهدتُه، فمحبَّتُه ومعرفتُه قُرَّةُ العيون، ولذة الأرواح، وبهجة القلوب، ونعيم الدنيا وسرورها؛ بل لذَّات الدنيا القاطعة عن ذلك تنقلب آلامًا وعذابًا، ويبقى صاحبها في المعيشة الضَّنْك، فليست الحياة الطيبة إلا بالله.
والمقصود أن أعظم لذَّات الدنيا هو السبب الموصِّل إلى أعظم لذة في الآخرة؛ [كتاب: الداء والدواء].

الأنس بالله:
• متى رأيت نفسك تهربُ من الأُنْس به إلى الأُنْس بالخلق، ومن الخلوة مع الله إلى الخلوة مع الأغيار، فاعلم أنك لا تصلُح له؛ [كتاب: بدائع الفوائد].


• من منازل ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]: منزلة الأُنْس بالله، والأنس ثمرة الطاعة والمحبة، فكُلُّ مطيعٍ مستأنس، وكُلُّ عاصٍ مستوحشٌ، كما قيل:






فإنْ كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ
فَدَعْها إِذَا شِئْتَ وَاسْتَأْنِسِ











• الله جعل للقلوب نوعينِ من الغذاء: نوعًا من الطعام والشراب الحسِّي، وللقلب منه خلاصته وصفوه، والثاني غذاء روحاني معنوي، خارج عن الطعام والشراب من السرور والفرح والابتهاج واللذة، والعلوم والمعارف؛ [كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين].

تعظيم الله عز وجل وتوقيره:
• مَن عظُم وقارُ الله في قلبه أن يعصيهُ، وقَّره في قلوب الخلق أن يُذلوه.
 
• من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس وقلبك خالٍ من تعظيم الله وتوقيره، فإنك تُوقر المخلوق وتُجِلُّه أن يراك في حال لا تُوقِّر الله أن يراك عليها! ومن كان كذلك، فإن الله لا يُلقي له في قلوب الناس وقارًا ولا هيبةً؛ بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبهم، وإنْ وقَّروه مخافة شرِّه فذاك وقار بغض لا وقار حب؛ [كتاب: الفوائد].

• الذنوب...تُضعِف في القلب تعظيم الربِّ جل جلاله، وتُضعِف وقاره في قلب العبد،...ولو تمكَّن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرَّأ على معاصيه،...فإن عظمة الله وجلاله في قلب العبد وتعظيم حرماته تحول بينه وبين الذنوب،...وكيف ينتهك عبدٌ حرمات الله، ولا يطمع ألَّا ينتهك الناس حرماته؟! أم كيف يهون عليه حقُّ الله، ولا يُهوِّنه الله على الناس؟! أم كيف يستخفُّ بمعاصي الله، ولا يستخفُّ به الخَلْق؟! [كتاب: الداء والدواء].

الإنابة إلى الله:
• الإنابة هي عكوف القلب على الله عز وجل كاعتكاف البدن في المسجد لا يُفارِقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبَّتِه، وذكره بالإجلال والتعظيم، وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة لرسوله؛ [كتاب: الفوائد].

• الإنابة: الرجوع إلى الله، وانصراف دواعي القلب وجواذبه إليه، وهي تتضمَّن المحبَّة والخشية، فإن المنيب مُحِبٌّ لمن أناب إليه، خاضِعٌ له، خاشعٌ ذليلٌ، والناسُ في إنابتهم على درجات متفاوتة؛ فمنهم المنيب بالرجوع إليه من المخالفات والمعاصي، وهذه الإنابة مصدرها مطالعة الوعيد، والحامِل عليها العلم والخشية والحذر، ومنهم المنيب إليه بالدخول في أنواع العبادات والقُرُبات، فهو ساعٍ فيها بجهده، وقد حُبِّب إليه فعل الطاعات وأنواع القُرُبات، وهذه الإنابة مصدرُها الرجاء، ومطالعة الوعد والثواب، ومحبَّة الكرامة من الله، وهؤلاء أبسط نفوسًا من أهل القسم الأول، وأشرح صدورًا، وجانبُ الرجاء ومطالعة الرحمة والمِنَّة أغلبُ عليهم، وإلَّا فكُلُّ واحدٍ من الفريقين منيبٌ بالأمرين جميعًا؛ ولكن خوف هؤلاء اندرج في رجائهم، فأنابوا بالعبادات، ورجاء الأوَّلين اندرج تحت خوفهم، فكانت إنابتهم بترك المخالفات.

ومنهم المنيب إلى الله بالتضرُّع، والدعاء، والافتقار إليه، والرغبة، وسؤال الحاجات كلها منه، ومصدر هذه الإنابة: شهود الفضل، والمِنَّة، والغِنى، والكَرَم، والقدرة، فأنزلوا به حوائجهم، وعَلَّقوا به آمالَهم، ومنهم المنيب عند الشدائد والضرَّاء فقط إنابة اضطرار، لا إنابة اختبار؛ كحال الذين قال الله فيهم: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ ﴾ [الإسراء: 67]، وقوله: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [العنكبوت: 65]؛ [كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين].

الافتقار إلى الله:
قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15] بيَّن سبحانه في هذه الآية أنَّ فقر العباد إليه أمرٌ ذاتيٌّ لهم، لا ينفكُّ عنهم، كما أنَّ كونه غنيًّا حميدًا أمرٌ ذاتيٌّ له، فغِناه وحمده ثابتٌ له لذاته لا لأمر أوجبه...كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:






والفقرُ لي وصفُ ذاتٍ لازم أبدًا
كما الغِنى أبدًا وصف له ذاتي











الفَقْرُ فقرانِ فقرُ اضطرارٍ، وهو فقر عام لا خروج لبرٍّ ولا فاجرٍ عنه، وهذا الفقر لا يقتضي مدحًا ولا ذمًّا ولا ثوابًا ولا عقابًا؛ بل هو بمنزلة كون المخلوق مخلوقًا ومصنوعًا.
 
والفقر الثاني: فقر اختياري هو نتيجة علمين شريفين: أحدهما معرفة العبد بربِّه، والثاني معرفته بنفسه، فمتى حصلت له هاتانِ المعرفتانِ أنتجا له فقرًا هو عين غِناه، وعنوان فلاحِه وسعادتِه.
 
وتفاوُت الناس في هذا الفقر بحسب تفاوُتهم في هاتين المعرفتين، فمَنْ عرَف ربَّه بالغِنى المطلق عرَف نفسَه بالفقر المطلق، ومَن عرَف ربَّه بالقدرة التامَّة عرَف نفسَه بالعجز التام، ومَن عرَف ربَّه بالعِزِّ التام عرَف نفسَه بالمسكنة التامَّة، ومَن عرَف ربَّه بالعلم التام والحكمة عرَف نفسَه بالجهل.
 
ومِن ههنا خُذِلَ مَنْ خُذِلَ ووُفِّقَ مَنْ وُفِّقَ، فحُجب المخذول عن حقيقته، وأُنْسِي نفسه، فنسى فقره وحاجته وضرورته إلى ربِّه، فطغى وبغى وعتا، فحقت عليه الشقوة، قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7]، وقال: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل:5-10].
 
فأكْمَلُ الخَلْق أكملُهم عبوديةً، وأعظمُهم شهودًا لفقره وحاجته وضرورته إلى ربِّه وعدم استغنائه عنه طرفة عين؛ ولهذا كان مِن دُعائه صلى الله عليه وسلم: ((أصلِحْ لي شأنِي كلَّه، ولا تكِلْني إلى نَفْسِي طرفةَ عينٍ، ولا إلى أحَدٍ مِن خلقِك)).
 
وكان يدعو ((يا مُقلِّب القلوبِ ثبِّتْ قَلْبي على دِينِك)) يعلم صلى الله عليه وسلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل، لا يملك هو منه شيئًا، وأن الله عز وجل يصرفه كما يشاء، كيف وهو يتلو قول الله عز وجل: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74]؛ ولهذا كان أقرب الخلق إلى الله وسيلةً، وأعظمهم عنده جاهًا، وأرفعهم عنده منزلةً، لتكميله مقام العبودية والفقر إلى ربِّه عزَّ وجل.
 
• جملة نعت الفقير حقًّا أنه المتخلي من الدنيا تظرُّفًا، والمتجافي عنها تعفُّفًا، لا يستغني بها تكثُّرًا، ولا يستكثر منها تملُّكًا، وإن كان مالكًا بهذا الشرط لم تضرَّه؛ بل هو فقيرٌ غِناه في فقره، وغنيٌّ فقرُه في غِناه.


ومن نعته أنه يعمل على موافقة الله في الصبر والرِّضا والتوكُّل والإنابة، فهو عامل على مراد الله منه لا على موافقة هواه، خاضِعٌ متواضِعٌ، سليم القلب، سَلِس القيادة للحقِّ، سريع القلب إلى ذكر الله، بريءٌ من الدعاوى، لا يدَّعي بلسانه ولا بقلبه ولا بحاله، زاهِدٌ في كلِّ ما سوى الله، راغبٌ في كلِّ ما يُقرِّب إلى الله، قريبٌ من الناس، أبعدُ شيءٍ منهم، يأنَسُ بما يستوحشون منه، ويستوحش ممَّا يأنسون به، مُتفرِّدٌ في طريق طلبه، لا تُقيِّده الرسوم، ولا تملكه العوائد، ولا يفرح بموجود، ولا يأسَف على مفقود.

مَن جالسَه قرَّتْ عينُه به، ومَن رآه ذكَّرته رؤيتُه بالله، قد حمل كلَّه ومؤنته عن الناس، واحتمل أذاهم، وكفَّ أذاه عنهم، وبذل لهم نصيحته، وسبَّل لهم عرضه ونفسه لا معاوضة ولا لذلة وعجز، لا يدخل فيما لا يعنيه، ولا يبخل بما لا ينقصه، وصفه الصدق والعِفَّة والإيثار والتواضُع والحِلْم والوقار والاحتمال، لا يتوقع لما يبذله للناس منهم عِوَضًا، ولا مدحة، لا يعاتب، ولا يخاصم، ولا يطالب، ولا يرى له على أحدٍ حقًّا، ولا يرى له على أحدٍ فضلًا، مقبل على شأنه، مكرم لإخوانه، بخيل بزمانه، حافظ للسانه، مسافر في ليله ونهاره، ويقظته ومنامه، لا يضع عصا السير عن عاتقه حتى يصل إلى مطلبه؛ [كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين].

الغِنى بالله عز وجل:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ليس الغِنى عن كثرة العَرَضِ؛ ولكن الغِنى غِنَى النفسِ))، ومتى استغنت النفس استغنى القلب...وفي القلب فاقة عظيمة، وضرورة تامَّة، وحاجة شديدة، لا يسدُّها إلا فوزه بحصول الغِنى الحميد الذي إن حصل للعبد حصل له كُلُّ شيءٍ، وإن فاتَه فاتَه كُلُّ شيء، فكما أنه سبحانه الغنيُّ على الحقيقة ولا غنيَّ سواه، فالغِنى به هو الغِنى في الحقيقة ولا غِنى بغيره البتة، فمن لم يستغنِ به عمَّا سواه تقطَّعَتْ نفسُه على السوى حسرات، ومَن استغنى به زالَتْ عنه كلُّ حسرة، وحضره كُلُّ سرورٍ وفرحٍ، والله المستعان.

والغِنى بالحق تبارك وتعالى عن كلِّ ما سواه، وهي أعلى درجات الغِنى، فأول هذه الدرجة: أن تشهد ذِكْرَ الله عز وجل إيَّاك قبل ذِكْرِك له، وأنه تعالى ذَكَرَك فيمن ذكَرَه من مخلوقاته ابتداءً قبل وجودك وطاعتك وذكرك، فقدَّر خلقك ورزقك وعملك وإحسانه إليك ونِعَمه عليك حيث لم تكن شيئًا البتة، وذكرك سبحانه بالإسلام فوفَّقك له واختارك له دون مَن خذله، قال تعالى: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]، فجعلك أهلًا لما لم تكن أهلًا له قط؛ وإنما هو الذي أهَّلَك بسابق ذكره، فلولا ذكره لك بكُلِّ جميلٍ أولاكه لم يكن لك إليه سبيل.

ومَن الذي ذكَّرك باليقظة، حتى استيقظتَ، وغيرُك في رقدةِ الغفلةِ معَ النوَّام؟! ومَن الذي ذكَّرك سواه بالتوبة حتى وفَّقك لها، وأوقعها في قلبك، وبعث دواعيك عليها، وأحيا عزماتك الصادقة عليها، حتى تُبتَ إليه، وأقبلت عليه، فذقت حلاوة التوبة وبردها ولذَّتها؟! ومَن الذي ذكَّرك سواه بمحبَّتِه حتى هاجَتْ من قلبك لواعجها، وتوجَّهت نحوه سبحانه ركائبُها، وعمر قلبك بمحبَّتِه بعد طول الخراب، وآنسك بقُرْبه بعد طول الوحشة والاغتراب؟! ومَن تقرَّب إليك حتى تقرَّبْتَ إليه، ثم أثابَكَ على هذا التقرُّب تقرُّبًا آخر، فصار التقرُّب منك محفوفًا بتقرُّبَينِ منه تعالى: تقرُّب قبله، وتقرُّبٍ بعده، والحبُّ منك محفوفًا بحبَّين منه: حبٍّ قبله، وحُبٍّ بعده، والذكر منك محفوفًا بذِكْرين: ذِكْرٍ قبله، وذِكْرٍ بعده.

فلولا سابق ذِكْره إياك لم يكن من ذلك كله شيء، ولا وصل إلى قلبك ذرة ممَّا وصل إليه من معرفته وتوحيده ومحبته وخوفه ورجائه والتوكُّل عليه والإنابة إليه والتقرُّب إليه، فهذه كلها آثاره ذكره لك.


ثم إنه سبحانه ذكَّرك بنعمه المترادفة المتواصلة بعدد الأنفاس، فله عليك في كل طرفة عين ونَفَس نِعَمٌ عديدة ذكَّرك بها قبل وجودِك، وتعرَّف بها إليك، وتحبَّب بها إليك، مع غِناه التامِّ عنك وعن كل شيء، وإنما ذلك مُجرَّد إحسانه وفضله وجُوده، وإذا هو الجواد المحسن لذاته، لا معاوضة، ولا لطلب جزاء منك، ولا حاجةٍ دَعَتْه إلى ذلك، كيف وهو الغَني الحميد؟! فإذا وصل إليك أدنى نِعَمه منه، فاعلم أنه ذكَّرَك بها، فلتعظم عندك لذكره لك بها، فإنه ما حقرك مَن ذكَّرك بإحسانه، وابتدأك بمعروفه، وتحبَّب إليك بنِعْمَتِه، هذا كُلُّه مع غِناه عنك.

الدرجة الثانية من درجات الغِنى بالله: دوام شهود أوَّليته تعالى...فالعبد إذا فتح الله لقلبه شهود أوليته سبحانه حيث كان ولا شيء غيره، وهو الإله الحق الكامل في أسمائه وصفاته، الغني بذاته عما سواه، الحميد المجيد بذاته قبل أن يخلق من يحمده ويعبده ويمجده، فهو معبودٌ محمودٌ حيٌّ قيُّومٌ، له المُلْك، وله الحمدُ في الأزل والأبَدِ، لم يَزَلْ ولا يزال موصوفًا بصفات الجلال، منعوتًا بنعوت الكمال، وكل شيء سواه فإنما كان به، وهو تعالى بنفسِه ليس بغيره، فهو القيُّوم الذي قيام كل شيءٍ به، ولا حاجة به في قيُّومته إلى غيره بوجه من الوجوه، فإذا شهد العبدُ سبقَه تعالى بالأولية ودوام وجوده الحق، وغاب بهذا عمَّا سواه من المحدثات.

وليس هذا مختصًّا بشهودِ أوَّليته تعالى فقط؛ بل جميع ما يبدو للقلوب من صفات الربِّ جَلَّ جلالُه يُستغنى بها بقَدْرِ حظِّه وقسمه من معرفتها وقيامه بعبوديتها.

الدرجة الثالثة من درجات الغِنى بالربِّ جَلَّ جلالُه: الفوز بوجوده: هذا الغنى أعلى درجات الغِنى....فمَنْ طلب الله بصِدْق وَجَدَه، ومَن وَجَدَه أغناه وجودُه عن كلِّ شيءٍ...ومَن وَصَل إلى هذا الغِنى قرَّت به كلُّ عين؛ لأنه قرَّت عينُه بالله والفوز بوجوده، ومَن لم يصل إليه تقطَّعَت نفسُه على الدنيا حسرات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن أصبحَ والدنيا أكبرُ همِّه جعل اللهُ فقرَهُ بين عينيه، وشتَّت عليه شملهُ، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّر له، ومن أصبحَ والآخرة أكبرُ همِّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَه، وأتَتْهُ الدُّنْيا وهي راغمة...)).

فهذا هو الفقر الحقيقي والغِنى الحقيقي، وإذا كان هذا غِنى مَنْ كانت الآخرةُ أكبرَ همِّه، فكيف من كان الله عز وجل أكبر همِّه، فهذا من باب التنبيه والأولى؛ [كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين].

مراقبة الله جل جلاله:
السكينة فعيلة من السكون، وهو طمأنينة القلب واستقراره، وأصلها في القلب، ويظهر أثرُها على الجوارح.

وثمرة هذه السكينة: الطمأنينة للخير تصديقًا وإيقانًا، وللأمر تسليمًا وإذعانًا، فلا تدع شبهةً تعارض الخير، ولا إرادةً تعارض الأمر؛ بل لا تمر معارضات السوء بالقلب إلا وهي مجتازة مرور الوساوس الشيطانية التي يُبْتلى بها العبد؛ ليقوى إيمانُه، ويعلو عند الله ميزانه، بمدافعتها وردِّها وعدم السكون إليها، فلا يظُن المؤمن أنها لنقص درجته عند الله.

وأسبابها الجالبة لها: استيلاء مراقبة العبد لربِّه عز وجل حتى كأنه يراه، وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء، والسكينة، والمحبة، والخضوع، والخشوع، والخوف والرجاء ما لا يحصل بدونها، فالمراقبةُ أساسُ الأعمال القلبية كلِّها، وعمودُها الذي قيامها به؛ [كتاب: أعلام الموقِّعين عن ربِّ العالمين].

عدم الأمن مِن مَكْر الله جل وعلا:
الذي يخافه العارفون بالله من مكره: أن يؤخِّر عنهم عذاب الأفعال، فيحصل منهم نوع اغترارٍ، فيأنسوا بالذُّنوب، فيجيئهم العذاب على غِرَّةٍ وفترة.
 
وأمر آخر: وهو أن يغفلوا عنه وينسوا ذكره، فيتخلَّى عنهم إذا تخلوا عن ذكره وطاعته فيُسرِع إليهم البلاءُ والفتنةُ، فيكون مكرُه بهم تخلِّيه عنهم، وأمرٌ آخرُ: أن يعلم من ذنوبهم وعيوبهم ما لا يعلمونه من نفوسهم، فيأتيهم المكر من حيث لا يشعرون، وأمر آخرُ: أن يمتحنهم ويبتليهم بما لا صبر لهم عليه، فيُفتنون به، وذلك مكر؛ [كتاب: الفوائد].

حُسْن الظنِّ بالله عز وجل:
حُسْن الظَّنِّ يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربِّه أنه يُجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المُسيء المُصِرُّ على الكبائر والظلم فإن وحشة المعاصي والظلم والإجرام تمنعه من حسن الظَّنِّ بربِّه.

وحسن الظن ينفع من تاب، وندم، وأقلع، وبدل السيئة الحسنة، واستقبل بقيَّة عمره بالخير والطاعة...
فحسن الظَّنِّ إن حمل على العمل، وحثَّ عليه، وساق إليه، فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور.


كثير من الجُهَّال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، وضيعوا أمرَه ونهيَه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين.

وربَّما اتَّكَل بعضُ المغترين على ما يرى مِن نِعَم الله عليه في الدنيا، وأنه لا يغيَّر به، ويظن أن ذلك من محبَّة الله له...وهذا من الغرور، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتَ اللهَ عز وجل يُعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحبُّ، فإنما هو استدراج، ثم تلا: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].

• أحسن الناس ظنًّا بربِّه أطوعهم له...
وكلما حَسُن ظنُّه حَسُن عملُه؛ [كتاب: الداء والدواء].

شارك الخبر

المرئيات-١