التعليق على مقدمة تفسير ابن جرير الطبري [2]


الحلقة مفرغة

بيان أن ألفاظ القرآن كلها عربية

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف رحمه الله: [ قد دللنا على صحة القول بما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه، على أن الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم، وعلى فساد قول من زعم أن منه ما ليس بلسان العرب ولغتها، فنقول الآن: إذ كان ذلك صحيحاً في الدلالة عليه بأي ألسن العرب أنزل، أبألسن جميعها أم بألسن بعضها؟ إذ كانت العرب، وإن جمع جميعها اسم أنهم عرب، فهم مختلفو الألسن بالبيان، متباينو المنطق والكلام. وإذ كان ذلك كذلك، وكان الله جل ذكره قد أخبر عباده أنه قد جعل القرآن عربياً، وأنه أنزل بلسان عربي مبين، ثم كان ظاهره محتملاً خصوصاً وعموماً، لم يكن لنا السبيل إلى العلم بما عنى الله تعالى ذكره من خصوصه وعمومه، إلا ببيان من جعل إليه بيان القرآن، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان ذلك كذلك، وكانت الأخبار قد تظاهرت عنه صلى الله عليه وسلم بما حدثنا به خلاد بن أسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر ثلاث مرات، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ) ].

بسم الله الرحمن الرحيم.

أراد الإمام الطبري رحمه الله تعالى بهذا ربط الفكرة السابقة وهي ما يتعلق بالمعرب بالفكرة اللاحقة وهي: بأي لغات العرب نزل القرآن، فبعد أن حرر أن القرآن كله نزل بلغة العرب، وأنه ليس فيه من لغات العجم شيء، وأن ما ورد من لغات العجم فإنما هو من باب توافق اللغات، وأنه لا يمكن لقائل أن يقول: إن هذه من لغة فارس إلا ألزم الدليل على قوله، ومن قال: إن العرب اختصوا بها فإنه يلزم أن يأتي بالدليل على قوله، فكأنه يريد أن يقول: إنه مما توافقت فيها اللغات، وهو قول من قال: في القرآن من كل لسان، أي: أن فيه من كل الألفاظ التي تتوافق فيها الألسن، وليس المراد أن فيه من لسان العجم المختص بهم، فهذا مراد أبي ميسرة في قوله: في القرآن من كل لسان. وليس مراده أنه يوجد في القرآن كلمات أعجمية مختصة بالعجم دون العرب، واستخدمت في القرآن، وإنما مراده أن في القرآن من الكلمات الأعجمية التي توافقت فيها مع لغة العربي، فمن قال: إنها أعجمية فصحيح من هذه الجهة، ومن قال: إنها عربية فصحيح من هذه الجهة، ولكن في النهاية لا يقال: إن هذه الأحرف التي نزل بها القرآن هي أعجمية محضة.

وكما مر معنا سابقاً: أن الكلمات التي قيل: بأنها أعجمية مرتبطة بدلالات في الألفاظ، فمثلاً كلمة (قسورة) لو قلنا: إنها ليست عربية، وإنها حبشية بمعنى الأسد، فلو رجعنا إلى العرب في وقت نزول القرآن وسألناهم عن (قسورة) فسيقولون: هذه ليست من كلامنا، ولكننا نعرف أنها في الحبشية بمعنى الأسد. فقول من قال: إنها حبشية لا يعني أنها ليست عربية، بل هي مما نطقت به العرب، ونطقت بها أيضاً الحبشة، ومن باب الفائدة وهذه قضية تاريخية مرتبطة باللغات فإن ما يسمى باللغة الحبشية أصولها عربية، يعني: أصولها من تلك اللغة الاشتقاقية التي تكلمنا عليها سابقاً، فكثير من الألفاظ التي استخدمت عند الحبشة تتفق مع كثير مما يستخدمه العرب؛ لأن هذه المنطقة كلها كانت تتكلم بما يمكن أن نسميه بلغة مشتركة وهي لهجات متعددة على مر الزمان، فطبيعي أن يكون هناك ألفاظ مشتركة فيما بينهم وخذ مثالاً من الواقع المعاصر فالمغاربة لو نظرت إلى لهجتهم وكلماتهم غير الفرنسية الدخيلة لوجدت أن أصولها عربية، وقل مثل ذلك في الأفارقة الذين يسكنون ساحل البحر الأحمر كمصر ونحوها فإن كلامهم أصوله عربية فاللغة العربية هي اللغة المعيارية التي نزل بها القرآن التي يقاس غيرها عليها كما حاول اللغويون أن تكون كذلك.

وهنا يقول المؤلف بعد أن ثبت أن القرآن عربي، وليس فيه لفظ أعجمي بحت، ثم بعد تلك المقدمة انتقل إلى مسألة أخرى وهي بأي لهجات العرب نزل القرآن ثم أعاد الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال في ذلك: (لم يكن لنا سبيل إلى العلم .... إلا ببيان من جعل إليه بيان القرآن، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ثم بنى على ذلك فقال: (فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الأخبار قد تظاهرت عنه صلى الله عليه وسلم بما حدثنا به خلاد بن أسلم) ثم أسند (عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ) ).

المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن

ثم ذكر جملة من الأحاديث في نزول القرآن على سبعة أحرف، واختصاراً للوقت سنتجاوز هذه الأحاديث لنقف على آخر حديث أورده.

فقال رحمه الله: [ وحدثنا محمد بن مرزوق بسنده عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ( أتى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل وهو بأضاة بني غفار، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد. قال: فقال: أسأل الله مغفرته ومعافاته، أو قال: معافاته ومغفرته، سل الله لهم التخفيف، فإنهم لا يطيقون ذلك. فانطلق ثم رجع، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: أسأل الله مغفرته ومعافاته، أو قال: معافاته ومغفرته، إنهم لا يطيقون ذلك، فسل الله لهم التخفيف. فانطلق ثم رجع، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال: أسأل الله مغفرته ومعافاته، أو قال: معافاته ومغفرته، إنهم لا يطيقون ذلك، سل الله لهم التخفيف. فانطلق ثم رجع، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منها بحرف فهو كما قرأ ).

قال أبو جعفر : صح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع، إذ كان معلوماً أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبعة، بما يعجز عن إحصائه ].

بعد أن ذكر كل ما عنده مما يتعلق بالأحرف السبعة قال: (صح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها)، لأنه يرى أن الأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب، ولغات العرب أكثر من سبع قطعاً.

[ فإن قال: وما برهانك على أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نزل القرآن على سبعة أحرف ). وقوله: ( أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف )، هو ما ادعيته من أنه نزل بسبع لغات، وأمر بقراءته على سبعة ألسن دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك من أنه نزل بأمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وقصص، ومثل، ونحو ذلك من الأقوال، فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة، وخيار الأئمة.

قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التي تقدم ذكرنا لها، هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن دون غيره، فيكون ذلك لقولنا مخالفاً، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه، والذي قالوه من ذلك وكما قالوا، وقد روينا بمثل الذي قالوا من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من أصحابه أخباراً قد تقدم ذكرنا بعضها، وسنستقصي ذكر باقيها ببيانه إذا انتهينا إليه إن شاء الله.

فأما الذي قد تقدم ذكرناه من ذلك فخبر أبي بن كعب من رواية أبي كريب ، عن ابن فضيل ، عن إسماعيل بن أبي خالد الذي ذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة )، والسبعة الأحرف هو ما قلنا من أنه الألسن السبعة، والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر، والنهي، والترغيب، والترهيب، والقصص، والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهى، استوجب به الجنة. وليس -والحمد لله- في قول من قال ذلك من المتقدمين خلاف لشيء مما قلناه ].

يريد المؤلف أن يبين أن تفسيره للأحرف السبعة لا يخالف ما جاء من تفسير الأحرف السبعة بالوجوه السبعة، فيقول: تفسير الأحرف السبعة التي في هذا الأثر غير الأحرف السبعة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ بها، فهناك سبعة أوجه التي هي أحرف، وهناك سبعة أوجه التي هي المعاني، فهي أحرف من جهة القراءة وأحرف من جهة المعاني، فهو يفرق بين معنى الأثرين، فأثر متجه إلى القراءة، وأثر متجه إلى المعاني.

[ والدلالة على صحة ما قلناه من أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نزل القرآن على سبعة أحرف )، إنما هو أنه نزل بسبع لغات كما تقدم ذكرنا من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب ، و عبد الله بن مسعود ، و أبي بن كعب ، وسائر من قد قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب، أنهم تماروا في القرآن فخالف بعضهم بعضاً في نفس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: ( إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف ) ].

مراد المؤلف من هذا الكلام أن الاختلاف الذي كان بين الصحابة فيما يتعلق بالأحرف السبعة إنما كان مرتبطاً بالقراءة لا بالمعاني؛ لأنهم لما احتكموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم استقرأهم، فاستقراؤهم يدل على أن الخلاف مرتبط بالقراءة وليس بالمعاني، ويأكد هذا بقوله: [ ومعلوم أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك لو كان تمارياً واختلافاً فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل، والتحريم، والوعد، والوعيد، وما أشبه ذلك، لكان مستحيلاً أن يصوب جميعهم صلى الله عليه وسلم، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه؛ لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحاً، وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شيء بعينه، وفرضه في تلاوة من دلت تلاوته على فرضه، ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه، وزجر عنه في تلاوة الذي دلت تلاوته على النهي، والزجر عنه، وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فعله، ولمن شاء منهم أن يتركه تركه في تلاوة من دلت تلاوته على التخيير ].

مراد المؤلف أنه لو كان المقصود وجوه المعاني فالمتصور عمر أن يكون أقرأ عمر بأمر، وأقرأ أبي نفس الأمر لكنه بنهي، بمعنى أنه يكون هناك تضاد في المعاني، وهذا لا يتصور إطلاقاً، فهو يريد أن يبين أن المقصود بالأحرف الذي وقع فيه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم والتنازع والتماري بين الصحابة هو مرتبط بالقراءة وليس بوجوه المعاني؛ لأنه لا يتصور فيها الاختلاف.

[ وذلك من قائله إن قاله إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله، وحكم كتابه، فقال تعالى ذكره: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82]، وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة، وفي صحة كون ذلك كذلك ما يبطل دعوى من ادعى خلاف قولنا في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف )، للذين تخاصموا إليه، عند اختلافهم في قراءتهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضي قراءة كل قارئ منهم على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها وصوبها، ولو كان ذلك منه تصويباً فيما اختلفت فيه المعاني، وكان قوله صلى الله عليه وسلم: ( أنزل علي القرآن على سبعة أحرف )، إعلاماً منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة، وسبعة معان مفترقة، كان ذلك إثباتاً لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفياً لما قد أوجب له من الائتلاف ].

وهذا الاحتجاج واضح، وأنه لو كان كما قال لكان مخالفاً لما ثبت من نص الله على عدم وجود الاختلاف في كتابه.

[ مع أن في قيام الحجة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض في شيء واحد في وقت واحد بحكمين مختلفين، ولا أذن بذلك لأمته، ما يغني عن الإكثار في الدلالة على أن ذلك منفي عن كتاب الله، وفي انتفاء ذلك عن كتاب الله وجوب صحة القول الذي قلناه في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف )، عند اختصام المختصمين إليه فيما اختلفوا فيه من تلاوة ما تلوه من القرآن، وفساد تأويل قول من خالف قولنا في ذلك.

وأخرى أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم، فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكراً عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعد فيما أحب من طاعاته، ويوعد على معاصيه، ويحتم لنبيه، ويعظه فيه، ويضرب فيه لعباده الأمثال، فيخاصم غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه، بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم، فما الوجه الذي أوجب له إنكاره ما أنكر، إن لم يكن كان ذلك اختلافاً منهم في الألفاظ واللغات؟ ].

قوله: (وأخرى أن الذين تماروا في قراءته)، يعني: وجه آخر.

[ وبعد: فقد أبان صحة ما قلنا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصاً، وذلك الخبر الذي ذكرنا: أن أبا كريب حدثنا بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده، فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، كقولك: هلم وتعال ).

فقد أوضح نص هذا الخبر أن اختلاف الأحرف السبعة إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك: هلم وتعال، باتفاق المعاني، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام، وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف ].

الأثر هذا فيه كلام، وقول: (هلم وتعال) ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لكننا لا نتعرض لهذا، لكن هنا واضح جداً أن رأي الإمام الطبري في الأحرف السبعة أنها اتفاق المعاني في الكلام، كأقبل وهلم، صيحة وزقية وأمثالها، وهو ما يسمى في علم اللغة بالمترادف.

الآثار التي أوردها الطبري لتؤيد مذهبه في الأحرف السبعة

ثم سيذكر بعض الآثار عن السلف.

[ حدثني أبو السائب سلم بن جنادة السوائي بسنده عن شقيق ، قال: قال عبد الله : إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.

وحدثنا محمد بن المثنى بسنده عن أبي إسحاق ، عمن سمع ابن مسعود يقول: من قرأ منكم على حرف، فلا يتحولن، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله لأتيته.

وحدثنا محمد بن المثنى بسنده عن رجل من أصحاب عبد الله ، عن عبد الله بن مسعود قال: من قرأ القرآن على حرف فلا يتحولن منه إلا غيره.

فمعلوم أن عبد الله لم يعن بقوله هذا: من قرأ ما في القرآن من الأمر والنهي، فلا يتحولن منه إلى قراءة ما فيه من الوعد والوعيد، ومن قرأ ما فيه من الوعد والوعيد، فلا يتحولن منه إلى قراءة ما فيه من القصص والمثل، وإنما عنى رحمة الله عليه أن من قرأ بحرفه، وحرفه: قراءته، وكذلك تقول العرب لقراءة رجل: حرف فلان، وتقول للحرف من حروف الهجاء المقطعة: حرف، كما تقول لقصيدة من قصائد الشاعر: كلمة فلان، فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبةً عنه. ومن قرأ بحرف أبي ، أو بحرف زيد ، أو بحرف بعض من قرأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحرف السبعة، فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبةً عنه، فإن الكفر ببعضه كفر بجميعه، والكفر بحرف من ذلك كفر بجميعه، يعني بالحرف ما وصفنا من قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة ].

كل هذا الكلام منصب عند الطبري على الترادف، واستشهاد لما ذكر في كلامه لأنه قال: (ومثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف)، وذكر مثالاً لذلك ما روي عن عبد الله بن مسعود من قوله: كقول أحدكم: هلم وتعال. ثم أورد أمر ابن مسعود بثبوت كل قارئ على قراءته.

ثم ذكر المؤلف فائدة مهمة وهي: أن مصطلح الحرف أو مدلول الحرف في لغة العرب متنوع، فقد يطلق على حرف الهجاء، وقد يطلق أيضاً على القصيدة، وقد يطلق على الكلمة، فكل هذا يطلق عليه حرف، ثم ذكر أن ابن مسعود يعني بالحرف ما وصفه من قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة.

[ وقد حدثنا يحيى بن داود الواسطي بسنده عن الأعمش ، قال: قرأ أنس هذه الآية: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأصوب قيلاً)، فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة ! إنما هي (وأقوم) فقال: أقوم وأصوب وأهيأ، واحد.

قال: وحدثني محمد بن حميد الرازي ، قال: حدثنا حكام بن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد : ( أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف ).

قال: وحدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سالم : أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين.

قال: وحدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا جرير ، عن مغيرة ، قال: كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف.

أفترى الزاعم أن تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف )، إنما هو أنه نزل على الأوجه السبعة التي ذكرنا من الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والجدل، والقصص، والمثل، كان يرى أن مجاهداً و سعيد بن جبير لم يقرأا من القرآن إلا ما كان من وجهيه، أو وجوهه الخمسة، دون سائر معانيه؟ لئن كان ظن ذلك بهما لقد ظن بهما غير الذي يعرفان به من منازلهما من القرآن، ومعرفتهما بآي الفرقان.

وحدثني يعقوب بن إبراهيم بسنده قال: حدثنا أيوب ، عن محمد ، قال: ( نبئت أن جبرائيل، وميكائيل، أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له جبرائيل: اقرأ القرآن على حرفين. فقال له ميكائيل: استزده. فقال: اقرأ القرآن على ثلاثة أحرف. فقال له ميكائيل: استزده. قال: حتى بلغ سبعة أحرف، قال محمد : لا تختلف في حلال، ولا حرام، ولا أمر، ولا نهي، هو كقولك: تعال وهلم وأقبل ). قال: وفي قراءتنا: إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً [يس:29]، وفي قراءة ابن مسعود : (إن كانت إلا زقيةً واحدة) ].

المقصود بـ محمد هنا هو ابن سيرين يعني فسر أيضاً معنى الأحرف بالترادف مثل: تعال، وهلم، وأقبل.

[ وحدثني يعقوب بسنده، قال: كان أبو العالية عنده لم يقل: ليس كما تقرأ، وإنما يقول: أما أنا فأقرأ كذا وكذا. قال: فذكرت ذلك لـإبراهيم النخعي ، فقال: أرى صاحبك قد سمع أن من كفر بحرف منه، فقد كفر به كله.

قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى بسنده عن ابن شهاب ، قال: أخبرني سعيد بن المسيب : ( أن الذي ذكر الله تعالى ذكره: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل:103]، إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميع عليم، أو عزيز حكيم، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على الوحي، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: أعزيز حكيم، أو سميع عليم، أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ذلك كتبت فهو كذلك. ففتنه ذلك، فقال: إن محمداً وكل ذلك إلي، فأكتب ما شئت )، وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة ].

هذا الأثر مرسل وفيه نكارة، ووجه نكارته كون النبي صلى الله عليه وسلم أطلق لهذا الكاتب أن يكتب أي شيء شاء، وهذا مخالف لما ثبت في الصحيح أن الله هو الذي أنزل القرآن وأن الذي أقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم هو جبريل عليه الصلاة والسلام، فليس فيما روي عن سعيد ما يمكن أن يعارض به ما صح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن قد يقول قائل: لماذا يورد أثر سعيد وفيه ما فيه؟ فيقال: ليس هذا هو الدليل الوحيد الذي اعتمد عليه الطبري لإثبات حجته؟ وإنما هو أحد الآثار التي ذكرها، فلا يضير الفكرة التي ذكرها الطبري وأراد أن يؤصل لها وجود مثل هذا الأثر الذي فيه نكارة، ولكن من باب التحرير أنت يمكن أن تقول: إن هذا الأثر فيه نكارة، لا تخفى على مثل الطبري ، ولكن العالم حين يحشد مجموع الأدلة فإنه الأعلى يبتدئ بذكر الأدلة القوية عنده ثم يذكر ما عنده من أدلة أخرى غيرها.

[ وحدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال: ( من كفر بحرف من القرآن، أو بآية منه، فقد كفر به كله ).

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل: فإذ كان تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف )، عندك ما وصفت بما عليه استشهدت، فأوجدنا حرفاً في كتاب الله مقروءاً بسبع لغات، فنحقق بذلك قولك، وإلا فإن لم تجد ذلك كذلك، كان معلوماً بعد صحة قول من زعم أن تأويل ذلك أنه نزل بسبعة معان، وهو: الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والجدل، والقصص، والمثل، وفساد قولك.

القول بأن الأحرف السبعة لغات سبع متفرقة في القرآن

أو تقول في ذلك: إن الأحرف السبعة لغات في القرآن سبع، متفرقة في جميعه من لغات أحياء من قبائل العرب مختلفة الألسن، كما كان يقوله بعض من لم يمعن النظر في ذلك، فيصير بذلك إلى القول بما لا يجهل فساده ذو عقل، ولا يلتبس خطؤه على ذي لب، وذلك أن الأخبار التي بها احتججت لتصحيح مقالتك في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نزل القرآن على سبعة أحرف )، وهي الأخبار التي رويتها عن عمر بن الخطاب ، و عبد الله بن مسعود ، و أبي بن كعب رحمة الله عليهم، وعمن رويت ذلك عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنهم تماروا في تلاوة بعض القرآن، فاختلفوا في قراءته دون تأويله، وأنكر بعض قراءة بعض، مع دعوى كل قارئ منهم قراءة منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه ما قرأ بالصفة التي قرأ، ثم احتكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم أن صوب قراءة كل قارئ منهم على خلافها قراءة أصحابه الذين نازعوه فيها، وأمر كل امرئ منهم أن يقرأ كما علم، حتى خالط قلب بعضهم الشك في الإسلام؛ لما رأى من تصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة كل قارئ منهم على اختلافها، ثم جلاه الله عنه ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له ( أن القرآن أنزل على سبعة أحرف )، فإن كانت الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن عندك كما قال هذا القائل متفرقةً في القرآن، مثبتة اليوم في مصاحف أهل الإسلام، فقد بطلت معاني الأخبار التي رويتها عمن رويتها عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم اختلفوا في قراءة سورة من القرآن، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر كلاً أن يقرأ كما علم؛ لأن الأحرف السبعة، إذا كانت لغات متفرقة في جميع القرآن، فغير موجب حرف من ذلك اختلافاً بين تاليه؛ لأن كل تال فإنما يتلو ذلك الحرف تلاوةً واحدةً على ما هو به في المصحف، وعلى ما أنزل، وإذ كان ذلك كذلك بطل وجه اختلاف الذين روي عنهم أنهم اختلفوا في قراءة سورة، وفسد معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل قارئ منهم أن يقرأه على ما علم، إذ كان لا معنى هنالك يوجب اختلافاً في لفظ، ولا افتراقاً في معنى، وكيف يجوز أن يكون هنالك اختلاف بين القوم، والمعلم واحد، والعلم واحد غير ذي أوجه؟ وفي صحة الخبر عن الذين روي عنهم الاختلاف في حروف القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنهم اختلفوا وتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، على ما تقدم وصفناه أبين الدلالة على فساد القول، بأن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور القرآن، لا أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني ].

وهذا وجه آخر من أوجه تفسير الأحرف السبعة، وقد اعترض عليه المؤلف ورده؛ لأنه لو قيل: إنها سبعة أحرف متفرقة في القرآن فنقول: إن الصحابة قد اختلفوا في سورة في وجه قرائي في آية، وما ذهب إليه الطبري أقرب من هذا القول؛ لأن هذا القول يبطل دلالة هذه الأحاديث التي ذكرها، وهذا القول إنما هو مجرد تخريج لهذه المشكلة وهي مسألة الأحرف السبعة.

فالخلاصة: أنه ذكر لنا ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الأحرف السبعة سبع لغات متفرقة في القرآن.

القول الثاني: أن الأحرف السبعة لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني. وهو القول الذي ذهب إليه.

[ مع أن المتدبر إذا تدبر قول هذا القائل في تأويله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف )، وادعائه أن معنى ذلك أنها سبع لغات متفرقة في جميع القرآن، ثم جمع بين قيله ذلك، واعتلاله لقيله ذلك بالأخبار التي رويت عمن روي ذلك عنه من الصحابة والتابعين أنه قال: وهو بمنزلة قولك: تعال وهلم وأقبل. وأن بعضهم قال: هو بمنزلة قراءة عبد الله : (إلا زقية)، وهي في قراءتنا: إِلاَّ صَيْحَةً [يس:29]، وما أشبه ذلك من حججه، علم أن حججه مفسدة في ذلك مقالته، وأن مقالته فيه مضادة حججه؛ لأن الذي نزل به القرآن عنده إحدى القراءتين: إما صيحة وإما زقية، وإما تعال أو أقبل أو هلم، لا جميع ذلك؛ لأن كل لغة من اللغات السبع عنده في كلمة أو حرف من القرآن غير الكلمة أو الحرف الذي فيه اللغة الأخرى ].

هذا التوجيه أو الاعتلال واضح جداً على من قال: بأنها سبع لغات متفرقة؛ لأن ذلك يخالف الخلاف في (زقية) و(صيحة)، والمؤلف أراد أن يصل إلى صحة رأيه من إيراده هذا الاعتراض.

[ وإذا كان ذلك كذلك بطل اعتلاله؛ لقوله بقول من قال ذلك بمنزلة: هلم، وتعال، وأقبل؛ لأن هذه الكلمات هي ألفاظ مختلفة يجمعها في التأويل معنىً واحد، وقد أبطل قائل هذا القول الذي حكينا قوله اجتماع اللغات السبع في حرف واحد من القرآن، فقد تبين بذلك إفساده حجته لقوله بقوله، وإفساد قوله بحجته، فقيل له: ليس القول في ذلك بواحد من الوجهين اللذين وصفت، بل الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن هن لغات سبع في حرف واحد وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلم، وتعال، وأقبل، وإلي، وقصدي، ونحوي، وقربي، ونحو ذلك مما تختلف فيه الألفاظ، بضروب من المنطق، وتتفق فيه المعاني، وإن اختلفت بالبيان به الألسن، كالذي روينا آنفاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة أن ذلك بمنزلة قوله: هلم، وتعال، وأقبل. وقوله: مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ [يس:49] وإلا زقية. فإن قال: ففي أي كتاب الله نجد حرفاً واحداً مقروءاً بلغات سبع مختلفات الألفاظ متفقات المعنى، فنسلم لك صحة ما ادعيت من التأويل في ذلك؟

قيل: أنا لم ندع أن ذلك موجود اليوم، وإنما أخبرنا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف )، على نحو ما جاءت به الأخبار التي تقدم ذكرناها، وهو ما وصفنا دون ما ادعاه مخالفونا في ذلك للعلل التي قد بينا.

فإن قال: فما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة، وإن كان الأمر في ذلك على ما وصفت، وقد أقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأمر بالقراءة بهن، وأنزلهن الله من عنده على نبيه صلى الله عليه وسلم، أنسخت فرفعت؟ فما الدلالة على نسخها ورفعها؟ أم نسيتهن الأمة؟ فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه، أم ما القصة في ذلك؟ ].

هنا المؤلف يورد اعتراضاً عليه وهو أين الأحرف الستة الباقية، لأننا لا نقرأ القرآن الآن من جهة الترادف إلا على وجه واحد وليس عندنا كلمة قرئت في القرآن على جهة الترادف وهي موجودة في القراءات التي بين يدينا، فإن كانت نسخت فما الدلالة على نسخها ورفعها؟ وإن كانت الأمة نسيتها فقد ضيعت ما أمرت بحفظه؟ ثم سيجيب عن هذه الاعتراضات.

[ قيل له: لم تنسخ فترفع، ولا ضيعتها الأمة وهي مأمورة بحفظها، ولكن الأمة أمرت بحفظ القرآن وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت، كما أمرت إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت: إما بعتق، أو إطعام، أو كسوة، فلو أجمع جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث، دون حظرها التكفير بأي الثلاث شاء المكفر كانت مصيبةً حكم الله، مؤديةً في ذلك الواجب عليها من حق الله، فكذلك الأمة أمرت بحفظ القرآن وقراءته، وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت، فرأت لعلة من العلل، أوجبت عليها الثبات على حرف واحد قراءته بحرف واحد، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما أذن له في قراءته به ].

وهذا يوضح مذهب الطبري وهو: أن كل الموجود عندنا الآن إنما هو حرف واحد، وهذا رأي مجموعة من العلماء، لكن الذي بين رأيه بياناً واضحاً وشافياً الطبري ، مع أن هذا ينسب أيضاً إلى وكيع بن الجراح ، وسفيان بن عيينة ، وينسب إلى غيرهم، ثم هنا المؤلف أراد أن يقيس ترك الأحرف الستة بالكفارات ولكن هذا كما يقال: قياس مع الفارق، وقد ناقشه في هذا الدكتور عبد العزيز قاري في كتابه حديث الأحرف السبعة، وقد أجاد في مناقشة مقايسة الطبري للأحرف السبعة بالكفارات.

السؤال الذي يرد هنا: هل يجوز للأمة أن تجمع على ترك ثنتين من الكفارات تركاً مطلقاً مثل ما أجاز هو لها أن تترك ستة أحرف؟

الجواب: أولاً: لا يتصور وقوعه ولو تصور وقوعه فلا يجوز أن تجمع الأمة على ترك ثنتين من الكفارات هي خيرت بثلاث كفارات، فالتخيير للأمة في الاختيار وليس في الترك المطلق في القراءات؟ بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: ( فبأيتها قرأ القارئ فمصيب )، أو ما حكاه عن جبريل عليه السلام أنه إذا اختار من هذه الأحرف السبعة وقرأ بها فقد أصاب، لكن أن يترك شيئاً من الأحرف السبعة تركاً مطلقاً فهذا لا تدل عليه نصوص الأحرف السبعة إطلاقاً، فالمؤلف بعد أن بين لنا أن القرآن نزل بألسنة العرب، وأن ألسنة العرب المراد بها أن تتفق في المعنى وتختلف في الألفاظ، ثم بين بعد ذلك أننا لا نجد في القراءة التي بين أيدينا مثل ما اختاره في الأحرف السبعة