شرح الورقات في أصول الفقه [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، ثم أما بعد:

فقد قال المصنف [باب العام]

عقد هذا الباب للعام، وهو في اللغة: وصف عمّ الشيء يعم فهو عام إذا شمل، والعام الشامل.

واصطلاحاً: لفظ يتناول الصالح له، من غير حصر دفعة.

(لفظ)؛ لأن العموم من عوارض الألفاظ، أي: أنه يوصف به الألفاظ لا المعاني ولا الأجسام -هذا اصطلاحاً- وإن كان في الأصل يرد في المعاني وفي الأجسام.

(يتناول الصالح له)، أي: ما يدخل تحته، أي: كل معانيه.

(من غير حصر)، أي: كل ما يصدق به، من غير حصر في عدد محدد.

(دفعة)، أي: في نفس الوقت يتناولهم جميعاً لا على سبيل البدلية، كالرجال: فهذا لفظ يتناول كل ذكر من بني آدم، فتناولهم دفعة واحدة، من غير حصر لهم بعدد محدد، وذلك بخلاف المطلق فإنه يتناول الصالح له من غير حصر على سبيل البدلية كرجل، فهو وإن كان يصدق على كل ذكر آدمي، إلا أنه لا يتناولهم جميعاً في وقت واحد، ودفعة واحدة، بل يتناولهم على سبيل البدلية، كل واحد منهم وحده، وذلك هو المطلق.

قال المصنف: [وأما العام فهو ما عمّ شيئين فصاعداً]

أي: هو في اللغة: ما عم شيئين، أي: شمل شيئين فصاعداً، سواءً كان في الحسيات كعموم الظرف لمظروفه، وكعموم المطر للأرض، أو في المعنويات أو في الألفاظ، فكل هذا يسمى عموماً في اللغة.

قوله: [من قولك: عممت زيداً وعمراً بالعطاء] أو بالإحسان، فهذا من المعنويات.

[وعممت جميع الناس بالعطاء]، فهذا من المعنويات أيضاً.

ألفاظ العموم

قال:[وألفاظه أربعة].

ولم يعرفه اصطلاحاً، وقد عرفناه اصطلاحاً بأنه لفظ يتناول الصالح له من غير حصر دفعة.

[وألفاظه] أي: صيغ العموم [أربعة] وليس محصوراً فيما ذكر بل له صيغ أخرى.

[الاسم الواحد المعرف بالألف واللام] الاسم الواحد، أي: الاسم المفرد غير المثنى ولا المجموع، المحلى بأل الجنسية.

[واسم الجمع المعرف بأل] أي: الجمع المعرف بأل الجنسية أيضاً كالرجل والرجال.

[والأسماء المبهمة] أي: الموصولات، وأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، فهي الأسماء المبهمة، [كـ(من) فيمن يعقل و(ما) فيما لا يعقل، و(أََيُُّ) في الجميع، و(أين) في المكان، و(متى) في الزمان] فكلها من ألفاظ العموم.

قال: [و(ما) في الاستفهام والجزاء وغيره] أي: (ما) و(من) في الاستفهام، تقول من قام؟ وفي قوله تعالى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ[طه:17] ، والجزاء، أي: الشرط وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ[البقرة:197] ، فهذا يشمل الكثير والقليل فهو عام.

ثم قال: [ولا في النكرات] أي: النكرة في سياق النفي، فهي من ألفاظ العموم، سواء كان النفي بـ(لا) كما ذكر المؤلف، أو بغير (لا) كقولك: لا رجل في الدار، فهذا من ألفاظ العموم؛ لأنه نفي لوجود أيّ رجل في الدار.

قال: [والعموم من صفات النطق] أي: أن العموم من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني ولا من عوارض الأجسام في الاصطلاح، وإلا فهو في الأصل من عوارض الأجسام: كعم الظرف مظروفه، وعم الحبل الحطب، ومن عوارض المعاني: كعممت الناس بالعطاء أو بالإحسان، وعممت زيداً وعمراً بالإحسان، ولكن المقصود به في الاصطلاح الأصولي: أنه من عوارض الألفاظ، فالألفاظ منها ما هو عام كما ذكر، وكغيره، مثل: (عامة، وكافة، وجميع)، فكلها من ألفاظ العموم، وكالمضاف إلى الضمير، فإن النكرة إذا أضيفت للضمير تكون من ألفاظ العموم.

قال: [ولا تجوز دعوى العموم في غيره] أي: في غير صيغ العموم.

[من الفعل وما يجري مجراه]، فالفعل سواء كان فعل أمر، مثل: (كلْ، اشرب)، فهذا لا يدل على العموم، بل يمتثل بأكل أيَّ شيء، وشرب أيّ شيء، ولا يمكن أن يقصد به أكل كل شيء وشرب كل شيء، وما جرى مجراه مما يشبه الفعل من الأوصاف ونحوها ومن المطلق كله، فليس شيء من ذلك من قبيل العموم.

أما المفرد المحلى بأل، فمثل قول الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ[العصر:2] أي: كل إنسان، فالإنسان هنا لفظ عام، والدليل على ذلك الاستثناء الذي بعده إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[العصر:3] ، فالاستثناء معيار العموم، فلا يكون إلا من عموم.

والجمع المحلى بأل، كقول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1] ، فهذا شامل لكل مؤمن، وكقوله تعالى: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا[النور:59] فالأطفال هنا جمع محلى بأل؛ فيعم كل الأطفال.

كذلك قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ[النساء:34] ، فالرجال والأطفال جمع تكسير محلى بأل والمؤمنون جمع مذكر سالم محلى بأل، والنساء اسم جمع محلى بأل.

كذلك اسم الجنس إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا[البقرة:70] ، وغُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ[الروم:2-3]، فالبقر والروم كلاهما اسم جنس، فبقر مفردها بقرة، والروم مفردهم رومي.

وكذلك المحلى بأل العهدية إذا كان المعهود عاماً كان أيضاً من ألفاظ العموم، مثل: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ[البقرة:30] ، فالملائكة معهودون هنا، لكن أل وإن كانت عهدية لكنها دخلت على الجمع المعهود فيه الجنس، فكان ذلك من ألفاظ العموم.

أما إذا كان المعهود مفرداً، كما قال تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا[المزمل:15] ، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ[المزمل:16] ، فهو واحد فلا يقصد به العموم هنا.

أما الأسماء المبهمة فمثالها: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ[النساء:123] ، فـ(من) هنا شرطية، وكذلك (أين) (فأين تذهبون؟) أي: في أي اتجاه تذهبون؟ فهي من ألفاظ العموم.

وكذلك (متى) مَتَى نَصْرُ اللَّهِ[البقرة:214].

والنكرة في سياق النفي مثل: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ[البقرة:197] ، وكل ذلك عام في كل ما يدخل تحته.

وكذلك النهي فهو مثل النفي، فالنكرة في سياق النهي عامة فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن:18] ، ومثل ذلك: الشرط وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ[التوبة:6] ، فكل ذلك من ألفاظ العموم، وقد ترك المصنف ترك لفظ (كل) ولفظ (جميع) ولفظ (عامة) و(المضاف لمعرفة) ونحو ذلك.

كذلك النكرة في سياق الامتنان وفي سياق الإثبات في صور قليلة مثل: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ[التكوير:14] ، وعَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ[الانفطار:5] فالأصل أن النكرة في سياق الإثبات للإطلاق لا للعموم، ولكنها قد ترد للعموم نادراً كما ذكرنا.

قال:[وألفاظه أربعة].

ولم يعرفه اصطلاحاً، وقد عرفناه اصطلاحاً بأنه لفظ يتناول الصالح له من غير حصر دفعة.

[وألفاظه] أي: صيغ العموم [أربعة] وليس محصوراً فيما ذكر بل له صيغ أخرى.

[الاسم الواحد المعرف بالألف واللام] الاسم الواحد، أي: الاسم المفرد غير المثنى ولا المجموع، المحلى بأل الجنسية.

[واسم الجمع المعرف بأل] أي: الجمع المعرف بأل الجنسية أيضاً كالرجل والرجال.

[والأسماء المبهمة] أي: الموصولات، وأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، فهي الأسماء المبهمة، [كـ(من) فيمن يعقل و(ما) فيما لا يعقل، و(أََيُُّ) في الجميع، و(أين) في المكان، و(متى) في الزمان] فكلها من ألفاظ العموم.

قال: [و(ما) في الاستفهام والجزاء وغيره] أي: (ما) و(من) في الاستفهام، تقول من قام؟ وفي قوله تعالى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ[طه:17] ، والجزاء، أي: الشرط وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ[البقرة:197] ، فهذا يشمل الكثير والقليل فهو عام.

ثم قال: [ولا في النكرات] أي: النكرة في سياق النفي، فهي من ألفاظ العموم، سواء كان النفي بـ(لا) كما ذكر المؤلف، أو بغير (لا) كقولك: لا رجل في الدار، فهذا من ألفاظ العموم؛ لأنه نفي لوجود أيّ رجل في الدار.

قال: [والعموم من صفات النطق] أي: أن العموم من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني ولا من عوارض الأجسام في الاصطلاح، وإلا فهو في الأصل من عوارض الأجسام: كعم الظرف مظروفه، وعم الحبل الحطب، ومن عوارض المعاني: كعممت الناس بالعطاء أو بالإحسان، وعممت زيداً وعمراً بالإحسان، ولكن المقصود به في الاصطلاح الأصولي: أنه من عوارض الألفاظ، فالألفاظ منها ما هو عام كما ذكر، وكغيره، مثل: (عامة، وكافة، وجميع)، فكلها من ألفاظ العموم، وكالمضاف إلى الضمير، فإن النكرة إذا أضيفت للضمير تكون من ألفاظ العموم.

قال: [ولا تجوز دعوى العموم في غيره] أي: في غير صيغ العموم.

[من الفعل وما يجري مجراه]، فالفعل سواء كان فعل أمر، مثل: (كلْ، اشرب)، فهذا لا يدل على العموم، بل يمتثل بأكل أيَّ شيء، وشرب أيّ شيء، ولا يمكن أن يقصد به أكل كل شيء وشرب كل شيء، وما جرى مجراه مما يشبه الفعل من الأوصاف ونحوها ومن المطلق كله، فليس شيء من ذلك من قبيل العموم.

أما المفرد المحلى بأل، فمثل قول الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ[العصر:2] أي: كل إنسان، فالإنسان هنا لفظ عام، والدليل على ذلك الاستثناء الذي بعده إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[العصر:3] ، فالاستثناء معيار العموم، فلا يكون إلا من عموم.

والجمع المحلى بأل، كقول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1] ، فهذا شامل لكل مؤمن، وكقوله تعالى: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا[النور:59] فالأطفال هنا جمع محلى بأل؛ فيعم كل الأطفال.

كذلك قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ[النساء:34] ، فالرجال والأطفال جمع تكسير محلى بأل والمؤمنون جمع مذكر سالم محلى بأل، والنساء اسم جمع محلى بأل.

كذلك اسم الجنس إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا[البقرة:70] ، وغُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ[الروم:2-3]، فالبقر والروم كلاهما اسم جنس، فبقر مفردها بقرة، والروم مفردهم رومي.

وكذلك المحلى بأل العهدية إذا كان المعهود عاماً كان أيضاً من ألفاظ العموم، مثل: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ[البقرة:30] ، فالملائكة معهودون هنا، لكن أل وإن كانت عهدية لكنها دخلت على الجمع المعهود فيه الجنس، فكان ذلك من ألفاظ العموم.

أما إذا كان المعهود مفرداً، كما قال تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا[المزمل:15] ، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ[المزمل:16] ، فهو واحد فلا يقصد به العموم هنا.

أما الأسماء المبهمة فمثالها: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ[النساء:123] ، فـ(من) هنا شرطية، وكذلك (أين) (فأين تذهبون؟) أي: في أي اتجاه تذهبون؟ فهي من ألفاظ العموم.

وكذلك (متى) مَتَى نَصْرُ اللَّهِ[البقرة:214].

والنكرة في سياق النفي مثل: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ[البقرة:197] ، وكل ذلك عام في كل ما يدخل تحته.

وكذلك النهي فهو مثل النفي، فالنكرة في سياق النهي عامة فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن:18] ، ومثل ذلك: الشرط وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ[التوبة:6] ، فكل ذلك من ألفاظ العموم، وقد ترك المصنف ترك لفظ (كل) ولفظ (جميع) ولفظ (عامة) و(المضاف لمعرفة) ونحو ذلك.

كذلك النكرة في سياق الامتنان وفي سياق الإثبات في صور قليلة مثل: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ[التكوير:14] ، وعَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ[الانفطار:5] فالأصل أن النكرة في سياق الإثبات للإطلاق لا للعموم، ولكنها قد ترد للعموم نادراً كما ذكرنا.

ثم عقد هذا الباب للخاص، فقال: [الخاص].

تعريف الخاص

والخاص ضد العام، وهو في اللغة: وصف خص الشيء يخص، وخص الشيء بكذا يخصه به، فالشيء خاص بمن خص به.

وهو في الاصطلاح: لفظ يتناول ما دل عليه على وجه محصور أو اللفظ الدال على محصور. هذا الذي يسمى بالخاص.

أنواع العام

ولم يذكر المصنف أنواع العام والعام منه:

1- ما هو عام مراد به العموم، وباق على عمومه، كما ذكرنا من الأمثلة.

2- ومنه عام مراد به الخصوص، مثل قول الله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173] والمقصود بذلك بعض الناس دون بعض، ولا يقصد أن كل الناس قالوا لهم ذلك، كذلك ليس كل الناس قد جمعوا لهم، وكذلك قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة:199] ، فالمقصود بعض الناس دون بعض، أي: الحجاج أو إبراهيم عليه السلام.

3- العام المخصوص، وهو العام الذي أريد به العموم في الأصل، ولكنه خصص بعد ذلك، فجيء بما يخصصه ببعض أفراده دون بعض، فذلك هو العام المخصوص.

قال: [والخاص يقابل العام] أي: يضاده.

وقوله: [والتخصيص تمييز بعض الجملة] أي: بحكم مستقل بها، أو الجملة هنا: ما يتناوله العام.

أقسام الخاص

قال: [وهو ينقسم إلى: متصل ومنفصل فالمتصل: الاستثناء والتقييد بالشرط، والتقييد بالصفة] أي: المخصص ينقسم إلى: متصل ومنفصل، فالتخصيص بالمتصل: كالاستثناء، والشرط، والتقييد بالصفة، فكل ذلك من المتصلات.

-فالتقييد بالاستثناء مثل قول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ[الفرقان:68-70]، فهذا الاستثناء اتصل بالعموم السابق وهو (من يفعل ذلك)، واستثني منه (من تاب) فالاستثناء هنا تخصيص بمتصل.

- ومثل ذلك الشرط: فهو يخصص أيضاً ما قبله، ويكون متصلاً به (تقتل المرأة إن قاتلت) فالمرأة هنا جنس محلى بأل فهي من ألفاظ العموم، (إن قاتلت) خصص هذا العام بالشرط الذي بعده، ومعنى ذلك: أنها إن لم تقاتل لا تقتل.

- وكذلك التقييد بصفة وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران:97] ، (لله على الناس) الناس هنا من ألفاظ العموم؛ لأنه جنس محلى بأل، (من استطاع إليه سبيلاً) خص هذا العموم بالصفة، وهي صفة الاستطاعة.

والمخصص المتصل بأنواعه الثلاثة التي ذكرها هنا يحتاج إلى تفصيل؛ فلذلك قال: [الاستثناء: إخراج ما لولاه لدخل في الكلام]، فإن الاستثناء الذي هو أحد المخصصات المتصلة تعريفه: هو إخراج ما لولاه -أي: لولا الاستثناء- لدخل في الكلام، كقولك: جاء القوم إلا زيداً، فلو قلت: جاء القوم، وسكت، لدلَّ ذلك على مجيء زيد، لكن إذا قلت: جاء القوم إلا زيداً، فالاستثناء أخرج زيداً من القوم.

قال المصنف: [وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء] أي: لا يصح الاستثناء بحيث لا يبقى من المستثنى منه شيء، فلو قلت: له عليَّ عشرة إلا عشرة، فهذا باطل لا يمكن أن يصح، لكن إذا قلت: له عليّ عشرة إلا ثلاثة أو إلا أربعة فذلك جائز بالاتفاق، إذا كان دون النصف، فإذا كان النصف فصاعداً فهو محل خلاف، وهذا الخلاف فقهي لا أصولي، والذي سار عليه المؤلف أنه يصح الاستثناء حتى يبقى أقل شيء من العموم، فإذا قلت: له عليّ عشرة إلا تسعة، فهذا الاستثناء صحيح؛ لأن معناه الإقرار بواحد فقط.

[ومن شرطه أن يكون متصلاً بالكلام] أي: من شرط الاستثناء: أن يكون متصلاً بالكلام، فإن انفصل عنه وطال الانفصال كأن تقول: له عليّ عشرة، ثم بعد سكوت تقول: إلا تسعة، فهذا لا يقبل منه، إنما يقبل الاستثناء إذا كان متصلاً، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما القول بأن الاستثناء يصح ولو حصل الفصل، وقد جرى في هذا خلاف بين الأصوليين، وقد كان القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي رحمه الله من أهل بغداد، وأراد الخروج منها غضباً لسوء معاملة أهلها له، فخرج فلقي بعض عوام الناس خرجوا ليجمعوا الحطب؛ ليبيعوه في بغداد، فإذا اثنان منهم يتكلمان في قضية الاستثناء، فقال أحدهما للآخر: لو لقيت ابن عباس رضي الله عنهما لقلت له: لو كان الانفصال في الاستثناء مقبولاً لقال الله تعالى لأيوب عليه السلام: استثن ولم يقل له: (خذ بيدك ضغثاً فاضرب به)! فإن أيوب عليه السلام حلف أن يضرب عدداً من الأسواط لا يتحمله المضروب، فبعد الندم على ذلك أمره الله أن يأخذ بيده ضغثاً من النخل -يجمع عدداً من العثاكيل- فيضرب به ولا يحنث، فجعل ذلك مانعاً من الحنث، ولو كان الاستثناء كافياً هنا لقال: استثن، قل: إن شاء الله، فيخرج من عهدة اليمين، فرجع القاضي إلى بغداد وترك سفره، وقال: بلد حطابه -أي: الذين يجمعون الحطب- يناقشون ابن عباس بالقرآن لا يخرج منها.

قال المصنف: [ويجوز تقديم الاستثناء على المستثنى منه] أي: يجوز أن يتقدم الاستثناء على المستثنى منه فتقول: له عليّ إلا ثلاثة عشر.

[ويجوز الاستثناء من الجنس ومن غيره] يجوز الاستثناء من الجنس وهذا الذي يسمى في اصطلاح النحويين بالاستثناء المتصل، قام القوم إلا زيداً، ومن غير الجنس وهو الذي يسمى بالاستثناء المنقطع، كقول الله تعالى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ[البقرة:34] أي: سجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس، فإبليس ليس من جنس الملائكة، فكان الاستثناء هنا منقطعاً.

قال المصنف [والشرط يجوز أن يتأخر عن المشروط، ويجوز أن يتقدم على المشروط] بين أن الشرط -الذي هو من المخصصات المتصلة أيضاً- يجوز أن يتأخر عن المشروط، ويجوز أن يتقدم على المشروط، فإن تأخر عنه فذلك الأصل؛ لأن من شأنه التأخر، مثل قول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ[النساء:12] .

(إن لم يكن لهن ولد) شرط، وهو متأخر عن المشروط وهو: (لكم نصف ما ترك أزواجكم)، فمحل ميراث الزوج لنصف مال زوجته إن لم يكن لها ولد.

ويجوز أن يتقدم عليه، مثل قوله تعالى: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[الطلاق:6] .

(إن كن أولات حمل) هذا شرط، وهو متقدم على المشروط وهو: (فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فجاء الشرط متقدماً على المشروط.

والخاص ضد العام، وهو في اللغة: وصف خص الشيء يخص، وخص الشيء بكذا يخصه به، فالشيء خاص بمن خص به.

وهو في الاصطلاح: لفظ يتناول ما دل عليه على وجه محصور أو اللفظ الدال على محصور. هذا الذي يسمى بالخاص.

ولم يذكر المصنف أنواع العام والعام منه:

1- ما هو عام مراد به العموم، وباق على عمومه، كما ذكرنا من الأمثلة.

2- ومنه عام مراد به الخصوص، مثل قول الله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173] والمقصود بذلك بعض الناس دون بعض، ولا يقصد أن كل الناس قالوا لهم ذلك، كذلك ليس كل الناس قد جمعوا لهم، وكذلك قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة:199] ، فالمقصود بعض الناس دون بعض، أي: الحجاج أو إبراهيم عليه السلام.

3- العام المخصوص، وهو العام الذي أريد به العموم في الأصل، ولكنه خصص بعد ذلك، فجيء بما يخصصه ببعض أفراده دون بعض، فذلك هو العام المخصوص.

قال: [والخاص يقابل العام] أي: يضاده.

وقوله: [والتخصيص تمييز بعض الجملة] أي: بحكم مستقل بها، أو الجملة هنا: ما يتناوله العام.

قال: [وهو ينقسم إلى: متصل ومنفصل فالمتصل: الاستثناء والتقييد بالشرط، والتقييد بالصفة] أي: المخصص ينقسم إلى: متصل ومنفصل، فالتخصيص بالمتصل: كالاستثناء، والشرط، والتقييد بالصفة، فكل ذلك من المتصلات.

-فالتقييد بالاستثناء مثل قول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ[الفرقان:68-70]، فهذا الاستثناء اتصل بالعموم السابق وهو (من يفعل ذلك)، واستثني منه (من تاب) فالاستثناء هنا تخصيص بمتصل.

- ومثل ذلك الشرط: فهو يخصص أيضاً ما قبله، ويكون متصلاً به (تقتل المرأة إن قاتلت) فالمرأة هنا جنس محلى بأل فهي من ألفاظ العموم، (إن قاتلت) خصص هذا العام بالشرط الذي بعده، ومعنى ذلك: أنها إن لم تقاتل لا تقتل.

- وكذلك التقييد بصفة وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران:97] ، (لله على الناس) الناس هنا من ألفاظ العموم؛ لأنه جنس محلى بأل، (من استطاع إليه سبيلاً) خص هذا العموم بالصفة، وهي صفة الاستطاعة.

والمخصص المتصل بأنواعه الثلاثة التي ذكرها هنا يحتاج إلى تفصيل؛ فلذلك قال: [الاستثناء: إخراج ما لولاه لدخل في الكلام]، فإن الاستثناء الذي هو أحد المخصصات المتصلة تعريفه: هو إخراج ما لولاه -أي: لولا الاستثناء- لدخل في الكلام، كقولك: جاء القوم إلا زيداً، فلو قلت: جاء القوم، وسكت، لدلَّ ذلك على مجيء زيد، لكن إذا قلت: جاء القوم إلا زيداً، فالاستثناء أخرج زيداً من القوم.

قال المصنف: [وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء] أي: لا يصح الاستثناء بحيث لا يبقى من المستثنى منه شيء، فلو قلت: له عليَّ عشرة إلا عشرة، فهذا باطل لا يمكن أن يصح، لكن إذا قلت: له عليّ عشرة إلا ثلاثة أو إلا أربعة فذلك جائز بالاتفاق، إذا كان دون النصف، فإذا كان النصف فصاعداً فهو محل خلاف، وهذا الخلاف فقهي لا أصولي، والذي سار عليه المؤلف أنه يصح الاستثناء حتى يبقى أقل شيء من العموم، فإذا قلت: له عليّ عشرة إلا تسعة، فهذا الاستثناء صحيح؛ لأن معناه الإقرار بواحد فقط.

[ومن شرطه أن يكون متصلاً بالكلام] أي: من شرط الاستثناء: أن يكون متصلاً بالكلام، فإن انفصل عنه وطال الانفصال كأن تقول: له عليّ عشرة، ثم بعد سكوت تقول: إلا تسعة، فهذا لا يقبل منه، إنما يقبل الاستثناء إذا كان متصلاً، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما القول بأن الاستثناء يصح ولو حصل الفصل، وقد جرى في هذا خلاف بين الأصوليين، وقد كان القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي رحمه الله من أهل بغداد، وأراد الخروج منها غضباً لسوء معاملة أهلها له، فخرج فلقي بعض عوام الناس خرجوا ليجمعوا الحطب؛ ليبيعوه في بغداد، فإذا اثنان منهم يتكلمان في قضية الاستثناء، فقال أحدهما للآخر: لو لقيت ابن عباس رضي الله عنهما لقلت له: لو كان الانفصال في الاستثناء مقبولاً لقال الله تعالى لأيوب عليه السلام: استثن ولم يقل له: (خذ بيدك ضغثاً فاضرب به)! فإن أيوب عليه السلام حلف أن يضرب عدداً من الأسواط لا يتحمله المضروب، فبعد الندم على ذلك أمره الله أن يأخذ بيده ضغثاً من النخل -يجمع عدداً من العثاكيل- فيضرب به ولا يحنث، فجعل ذلك مانعاً من الحنث، ولو كان الاستثناء كافياً هنا لقال: استثن، قل: إن شاء الله، فيخرج من عهدة اليمين، فرجع القاضي إلى بغداد وترك سفره، وقال: بلد حطابه -أي: الذين يجمعون الحطب- يناقشون ابن عباس بالقرآن لا يخرج منها.

قال المصنف: [ويجوز تقديم الاستثناء على المستثنى منه] أي: يجوز أن يتقدم الاستثناء على المستثنى منه فتقول: له عليّ إلا ثلاثة عشر.

[ويجوز الاستثناء من الجنس ومن غيره] يجوز الاستثناء من الجنس وهذا الذي يسمى في اصطلاح النحويين بالاستثناء المتصل، قام القوم إلا زيداً، ومن غير الجنس وهو الذي يسمى بالاستثناء المنقطع، كقول الله تعالى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ[البقرة:34] أي: سجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس، فإبليس ليس من جنس الملائكة، فكان الاستثناء هنا منقطعاً.

قال المصنف [والشرط يجوز أن يتأخر عن المشروط، ويجوز أن يتقدم على المشروط] بين أن الشرط -الذي هو من المخصصات المتصلة أيضاً- يجوز أن يتأخر عن المشروط، ويجوز أن يتقدم على المشروط، فإن تأخر عنه فذلك الأصل؛ لأن من شأنه التأخر، مثل قول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ[النساء:12] .

(إن لم يكن لهن ولد) شرط، وهو متأخر عن المشروط وهو: (لكم نصف ما ترك أزواجكم)، فمحل ميراث الزوج لنصف مال زوجته إن لم يكن لها ولد.

ويجوز أن يتقدم عليه، مثل قوله تعالى: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[الطلاق:6] .

(إن كن أولات حمل) هذا شرط، وهو متقدم على المشروط وهو: (فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فجاء الشرط متقدماً على المشروط.

ثم عقد هذا الباب للمطلق والمقيد فقال: [والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق]:

تعريف المطلق

المطلق في اللغة: وصف للمفعول، من أطلقه يطلقه فهو مطلق، أي: أرسله.

وهو في الاصطلاح: اللفظ الذي يتناول ما صلح له على سبيل البدلية لا دفعة واحدة، فرجل -مثلاً- نكرة في سياق الإثبات، يتناول كل ذكر آدمي، لكنه لا يمكن أن يتناولهم دفعة واحدة، فلا يصدق في الرجال جميعاً في وقت واحد، بل يصدق بواحد وواحد وواحد حتى يأتي على كلهم.

تعريف المقيد

والمقيد أيضاً: وصف للمفعول من قيده يقيده فهو مقيد، أي: جعل فيه قيداً، والقيد: ما يحد الحركة، والمقصود به هنا: ما يحد من الإطلاق، فيعطل اللفظ عن بعض ما يصدق عليه، كالتقييد بالوصف في قول الله تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ[النساء:92] ، فالرقبة مطلقة؛ لأنها نكرة في سياق الإثبات، وقيدت بعد ذلك بالصفة حين قال: (مؤمنة) فخرج ما سواها من الرقاب فلا يمتثل به الأمر.

هل يحمل المطلق على المقيد؟

قال: [والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق]:

قد يرد الأمر بلفظ مطلق في مكان، ويرد بلفظ مقيد في مكان آخر، أو قد يرد النهي بلفظ مطلق في مكان، ويرد بلفظ مقيد في مكان آخر، وقد اختلفوا في ذلك: فقيل: يحمل المطلق على المقيد، وقيل: يبقى المطلق على إطلاقه والمقيد على قيده، فمثال ذلك في الأمر: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) قد جاء هذا الأمر دون قيد بالإيمان في كفارة القتل، وجاء بالقيد بالإيمان في كفارة الظهار، فقيل: يحمل المطلق على المقيد، فلا تجزئ رقبة في الكفارة إلا إذا كانت مؤمنة، ومثاله في النهي: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لم يرح رائحة الجنة)، وقوله: (ما أسفل من الكعبين في النار)، فهذا نهي عن الإسبال، فاللفظ الأول قيد فيه النهي بأن يكون ذلك على وجه الخيلاء، واللفظ الثاني أطلق فيه ذلك دون قيد، فهل يحمل المطلق على المقيد؟ هذا محل الخلاف.

قال: [والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق كالرقبة قيدت بالإيمان في بعض المواضع، وأطلقت في بعض المواضع، فيحمل المطلق على المقيد]، فيشترط في كل الرقاب أن تكون مؤمنة.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الورقات في أصول الفقه [2] 3075 استماع
شرح الورقات في أصول الفقه [5] 2824 استماع
شرح الورقات في أصول الفقه [1] 2218 استماع
شرح الورقات في أصول الفقه [4] 1395 استماع