التنصير يجتاح العالم الإسلامي


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأولى أداء، والثانية قضاء، لأن عدداً من الإخوة قالوا: إنهم كانوا ينتظرون تسليمي عليهم في المجلس السابق، ولكنني ذهلت عن ذلك، فأسلم عليكم تسليما دائما يدوم معكم حياتكم، ويدخل معكم قبوركم، وأسأله تعالى أن يرحمنا جميعا رحمة يعفو بها عن ذنوبنا، ويدخلنا بها في رضوانه وجنته، إنه على كل شيء قدير، كما أسأله أن ينـزل علينا من غيثه وبركته وجوده جل وعلا ما يجعلنا سعداء في هذه الدار وفي دار القرار.

أما بعد:

فهذه الجلسة هي حول التنصير في العالم الإسلامي، وبعنوان: (التنصير يجتاح العالم الإسلامي) وقبل أن أدخل فيما أريد، كتب إليّ أحد الشباب ورقة يقول فيها: إنك انتقدت فيها المصطلح الشهير (التبشير) ثم إنك استخدمته أثناء المحاضرة، وقلتَ: (إنه من الوسائل لإيقاف المد التبشيري وتهدئته) تعني: الدعوة إلى الله

وهذا وَهْم أو سبق لسان حصل بسبب كثرة تداول هذه الكلمة، وهو خطأ سواء أصدر مني أم من غيري؛ فأستغفر الله تعالى وأتوب إليه.

ثم إن الأخ سألني سؤالاً طويلاً خلاصته:

نحن مجموعة من الشباب، آذانا وأحزننا كثيراً ما يفعله النصارى بإخواننا المسلمين، ورأينا أن من وسائل مكافحة التنصير أن ندرس اللغة التي يتكلمون بها غالباً، وهي اللغة الإنجليزية في جامعاتنا هنا، على رغم ما فيها من بعض المواد أو بعض القصص الغرامية والأشياء التي تتنافى مع الإسلام؟

الجواب: أقول: إنه مما لا شك فيه أن دراسة هذه اللغة أو غيرها من اللغات، بقصد استخدامها في الدعوة إلى الله عز وجل، أو مقاومة كيد النصارى وغيرهم من أعداء الدين، إنه من الواجبات التي ينبغي على المسلمين أن يسعوا إليها وأن يقوموا بها؛ فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فواجب علينا أن نتعلم لغتهم؛ لندعوهم إلى الله عز وجل ونحاربهم.

نحارب النصارى الذين يشوهون صورة الإسلام، لكن نتعلمها بقدر هذه الحاجة، وليس المقصود أن تتحول اللغة الإنجليزية وتعلُّمها إلى مجال للتفاخر والتنافس، وأن تكون لغة إلزامية في مدارس المسلمين، في مدارس الأولاد والبنات والذكور والكبار والصغار والأطفال، حتى ممن لم يكونوا يوماً من الأيام دعاة إلى الإسلام، بل أقول: إن من المؤسف أننا أحياناً نعتني بتعليم أولادنا اللغة الإنجليزية أكثر مما نعتني بتعليمهم الإسلام نفسه، وأي فائدة في أن يتعلم شباب المسلمين اللغة الإنجليزية، ثم لا يكونون عالمين بالإسلام ولا قادرين على الدعوة إليه، أما أن ينبري من شباب الإسلام المتحمسين من يتخصص في هذه اللغات، ويتعلمها بقصد الدعوة إلى الله ومقاومة كيد النصارى؛ فهذا أعتقد أنه مما لا يختلف عليه اثنان.

ثم إن هاهنا خبراً طريفاً نشرته بعض صحفنا المحلية في الثالث من شهر صفر من هذا العام يقول: إن كاهناً نصرانياً نيجيرياً دخل إلى قفص الأسد في حديقة الحيوانات في إحدى المدن في جنوب أفريقيا، ومعه نسخة من الإنجيل وحبل، وأراد -كما يتخيل- أن يري الناس معجزة سيصنعها بالإنجيل مع الأسد، ويجعل الأسد يستسلم لـه وينقاد، وكان الأسد نائما، فأخذ يشير لـه بالإنجيل ويصيح داعيا الناس لرؤية معجزته فاستيقظ الأسد منـزعجاً، وأكل هذا القسيس!! هنيئاً مريئاً00 فالحمد لله.

وإذا كان هذا الخبر فيه مصلحة ففي المقابل فقد وقع في يدي شريط مصور قبل أسبوع ونظرت فيه فوجدت أن مما يؤسي ويؤسف أن في هذا الشريط المصور بعض جهود النصارى، وتبدو خلاله امرأة مسلمة في الأصل من إفريقيا، وهي تتكلم عن واقعها وأولادها وتدعو للنصارى وتقول: الله يبارك لنا في النصارى، الله يزيدهم، الله يبارك لنا فيهم، أربع سنوات كلها كنا تعبانين بعيالنا وأولادنا، حتى جاء هؤلاء النصارى وأنقذونا، الله يبارك فيهم ويزيدهم وتدعو لهم، فالله المستعان!

قبل أن أتكلم عن الدول الإسلامية واجتياح النصرانية لها، أشير إلى بعض الأساليب الجديدة التي يستخدمها النصارى للمسلمين خاصة على سبيل العرض السريع، وهذه الأساليب الجديدة دفعهم إليها أنهم لاحظوا أن كل أساليبهم القديمة لم تكن مجدية بما فيه الكفاية، وعلى الرغم من الذين قد تنصروا إلا أن النتائج دائماً أقل من الجهود التي يبذلها النصارى، فكان القبول قليلاً بالنسبة لما يريدون وما يتوقعون، ومن أسباب ذلك بُعْد الشقة والهوة بين دين الإسلام دين التوحيد والوحدانية والبعد عن كل ألوان الوثنية والشرك، وبين دين النصرانية والتثليث الذي يقول: إن الله ثالث ثلاثة، ويؤمن بما يسميه الأب والابن وروح القدس على أنهم ثلاثة آلهة، وأيضاً بُعْد الشقة والهوة بين دين الإسلام الذي يقول: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:157-158] وبين النصرانية التي تقول: بأن المسيح قد قتل وصلب على يد أعدائه من اليهود، لذلك سعوا إلى التضليل والخداع في أوساط المسلمين والتغرير بهم، وسلكوا وسائل جديدة أذكر منها على سبيل العرض الموجز ما يلي:

التضليل والخداع وتلبيس الحقائق

أ- هناك كتب كثيرة ألفت خصيصاً للمسلمين، وراعت مشاعر المسلمين وعقائدهم وعواطفهم، فمثلاً: كتاب شهادة القرآن بتوحيد المسيحيين وهي نشرة نبهت إليها سابقاً، ووزعت في بلاد العالم، منها هذا البلد وزع فيه مئات الألوف من هذه النشرة، وهي مستلة من كتاب اسمه الله واحد في الثالوث القدوس لـزكريا بطرس، فهذا الكتاب وهذه النشرة تؤكد على وجود نوع من التشابه بين عقيدة الإسلام والنصرانية، وتقول: إذا كان النصارى يؤمنون بآلهة ثلاثة: الأب وهو الله في زعمهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء:43] والابن وروح القدس أيضاً أو أي مصطلح آخر يمكن أن يستخدموه، فهم يؤمنون بثلاثة آلهة، أو بالثالوث القدوس كما يسمونه، فهم يوجدون أو يحرصون على إيجاد تشابه بين هذا وبين قول الله عز وجل عن المسيح إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171] فيكون هو رسول وكلمة وروح، فهذه الكلمات الثلاث، يحاولون أن يوجدوا تشابهاً بينها وبين الثالوث الموجود عندهم.

نحن نعلم أنه فعلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كلمة الله خلقه بقول: كن، كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] وأنه روح من الله عز وجل، كما قال الله تعالى، وليس المعنى -قط عند أي مسلم- أن المسيح جزء من الله، بل إن الله تعالى أنكر على من ادعوا هذا، فقال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْأِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِين [الزخرف:15] ولكن النصارى يستغلون هذا التشابه العددي بين هذه الكلمات الثلاث: رسول، وكلمة، وروح منه. وبين التشابه العددي في قانون الثالوث، ‎أو الأقنوم الثالوثي الموجود عندهم لتضليل المسلمين.

ب- وهم أحياناً يقارنون بين الثالوث الموجود عندهم وبين (بسم الله الرحمن الرحيم) هذه الأسماء الثلاثة الموجودة لله عز وجل في هذه الكلمة، مع أننا نعلم أن الله عز وجل لـه تسعة وتسعون اسماً، هذه الكلمات المعروفة الموجودة في القرآن والسنة، أما أسماء الله تعالى فإنه لا يعلمها إلا هو، فإن هناك أسماء لا يعلمها الخلق، ولهذا يطلع الله تعالى نبيه يوم القيامة على أسماء وصفات يدعوه بها، لم يكن يعلمها أحد من قبل، وأيضاً كما في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه أنه يقول: { اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنـزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك } فثمة أسماء لربنا عز وجل لا يعلمها إلا هو، أما ما يعلمه المسلمون فهي تسعة وتسعون اسماً وليس ثلاثة فقط.

ج- أيضاً من وسائل التلبيس عندهم: بناء كنائس مشابهة بالمساجد، فإن المسلمين قد تعودوا -خاصة في البلاد التي وجدوا فيها نصارى- على رؤية مناظر الكنائس مختلفة متميزة، ويُوجِد هذا عندهم نوعاً من الكراهية لها، ولهذا بدأ النصارى يسلكون طريقة جديدة: أن يبنوا كنائس شبيهة إلى حد كبير بالمسجد، بحيث يسهل على المسلم الدخول فيها، وربما ظنها مساجد فدخلها، وحتى لو دعوا باسم النصرانية إلى هذه المعابد لم يجد فيها غرابة؛ لأنه قد تعود على دخول شيء يشبهها.

د- ومن ذلك أيضاً: إقامة العبادة بطرق مشابهة للطرق التي يقيم المسلمون الصلاة فيها، مثل طريقة الصفوف، ومثل الجلوس على الأرض، ومثل أشكال العبادة، حتى يألفها المسلمون ولا يستوحشوا منها.

هـ- ومن ذلك أيضاً: ترتيل الإنجيل بطريقة تشبه قراءة القرآن الكريم، حتى إنهم يرتلون الإنجيل بطريقة تشبه طريقة التجويد المعروفة عند المسلمين عند قراءة القرآن، حتى يتعود المسلمون على ذلك، ولا يشعروا بالاستغراب.

و- ومن ذلك: أنهم يحاولون أن يجعلوا شخصية المسيح في القرآن مشابهة لشخصيتة في الإنجيل، بل أن يلبسوا بنقلهم من الكتب الإسلامية التي قد يغتر المسلمون بها، فمثلاً: هناك كتاب اسمه شخصية المسيح في الإنجيل والقرآن ينقل عن كتاب تفسير الجلالين وهو كتاب متداول عند المسلمين في قوله عز وجل: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61] وفي قراءة وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61] بفتح العين واللام في كلمة (لَعَلَمٌ) يعني: عيسى بن مريم، يقول: قال الجلالان أي: يعلم بنـزولها، يعني: أن المسيح يعلم بنـزول الساعة! فبذلك يلبسون على المسلم البسيط الذي لا يعرف الكتب، ولا يستطيع أن يرجع إليها أو أن يراجعها، فيظن أن تفسير الجلالين يقول في تفسير (علم للساعة): أي: أن المسيح يعلم وقت نـزول الساعة، مع أن القرآن صريح في أنه لا يعلم الساعة إلا الله عز وجل: يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [النازعات:42-45] ويقول: لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187] ويقول: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:34] لكنهم يلبسون على الناس، وحين ترجع إلى تفسير الجلالين تجد أنهم يقولون: بدل قول النصارى نقلاً عنهم يَعْلَم بنـزولها، قال الجلالان: تُعْلَم بِنـزُولِه، أي: يُعلم وقت الساعة بنـزول عيسى بن مريم، فهذه عقيدة إسلامية واضحة معروفة لدى المسلمين، إذ يعتقدون أن المسيح بن مريم لم يقتل ولم يصلب، ولكن رفع إلى السماء، وسوف ينـزل في آخر الدنيا قبل قيام الساعة، وهذا أحد معاني قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) وقوله: (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) بفتح العين واللام في كلمة (لَعَلَمٌ) في قراءة، أي: تُعْلَمُ الساعة بنـزوله، فإذا نـزل عيسى علم الناس قرب قيام الساعة، فانظروا كيف لبسوا.

ز- ومثل هذا النوع من التلبيس: هناك كتاب آخر يوزع في أوساط المسلمين، وعندي منه ومن الكتب السابقة وغيرها نسخ، كتاب اسمه الصليب في الإنجيل والقرآن في تفسير قوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] فيقول صاحب الكتاب: قال: الفخر الرازي صاحب التفسير الكبير في تفسير هذه الآية ثم ساق كلاماً طويلاً يدل على أن صاحب هذا الكلام يؤمن بأن المسيح قتل وصلب، فنقلوا هذا الكلام ونسبوه إلى الفخر الرازي، فإذا رجعت إلى كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي وجدت أن هذا الكلام كذب مفترى، وأن الفخر الرازي ساق سؤالاً طويلاً على لسان أحد النصارى، ثم طفق يرد عليه ويفنده من وجوه عديدة وفي صفحات طويلة.

فهم نقلوا السؤال الذي ساقه الفخر الرازي على لسان أحد النصارى وعدوه من كلام الإمام الجليل الفخر الرازي تلبيساً وتوهيماً للسذج والعوام من المسلمين.

ح- ومن وسائلهم في التضليل -أيضاً- التضليل بالأسماء الإسلامية كما ذكرت سابقاً، فالمسئول عن المراسلة في إحدى الإذاعات اسمه الشيخ عبد الله برنامجه اسمه (الله أكبر) وبعض الإذاعات اسمها (صوت الحق) وأخرى اسمها (نور على نور) وعندهم أسماء كثيرة لكنهم عمداً اختاروا هذه الأسماء؛ لأن لها وقعاً في نفس المسلم وفي أذنه الذي تعود على سماعها.

ط- ومن الوسائل أيضاً: أنهم يرون أنه لا داعي لمصادمة المسلمين بالعقائد التي يأنفون منها ويرفضونها، فيقولون: لا داعي لأن تقول للمسلم مثلاً: إن المسيح ابن الله هكذا مباشرة؛ لأنه يرفضها، وتصادم عقيدته الموروثة التي تلقاها منذ الصغر، وهو يسمع قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] فلا داعي لأن تقول للمسلم أول مرة: إن المسيح ابن الله، وخاصة يقولون: إن المسيح نفسه لم يستخدم هذه الكلمة، ولم يقل عن نفسه إني أنا ابن الله، بل قال عن نفسه: إنه ابن الإنسان وإنه الكلمة وإنه الروح، ولذلك لا داعي لاستخدام هذه الكلمات، ولكن يمكن أن نتسلل بها إلى قلب المسلم شيئاً فشيئاً، مثل أن نقول: إن المسيح روح الله، وهذه الكلمة قد يقبلها المسلم لكونها وردت في القرآن الكريم وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171].

ي- ومن وسائلهم في التضليل -أيضاً- استغلال العناوين المشتركة بين الإسلام والنصرانية، فمثلاً: الصلاة وردت في الإسلام، ومثلها الصوم، ومثلها الصدقة؛ فيقولون: نستغل هذه العناوين المشتركة بين الإسلام والنصرانية؛ حتى يتقبل المسلم النصرانية دون أن يشعر بالفارق الكبير بين الإسلام وبين دينه الجديد، ولذلك قال الرئيس الأمريكي نفسه -في تصريح لـه في العام الماضي، وهو يتكلم مع مجموعة من الصحفيين العرب- قال: "إنني لا أوافق على ما يروجه عنا الأصوليون الذين يتكلمون عن عداوتنا لهم وحربنا، وأن ما يروجونه غير صحيح، وأنهم متحاملون علينا، وأنا سوف أقف شخصياً ضدهم، ثم قال: مستدركاً أنا لست متعمقاً في دراسة الدين، ولكنني لا أجد في مبادئ الإسلام ما يجعلنا نختلف أو نتناقض فيما نؤمن به، بل على العكس إنني أجد تماثلاً بين مبادئ الإسلام والمبادئ التي نؤمن بها والمشتقة من ديننا وحضارتنا الغربية"، هذا التصريح نشر في جريدة روز اليوسف عدد (3347).

ك- أيضاً من وسائل التضليل: استخدام العبارات الإسلامية مثل قولهم: بسم الله الرحمن الرحيم، الله سبحانه، والله تبارك تعالى، عيسى عليه السلام، تسمية الكنائس بيوت الله كما تسمى المساجد، إلى غير ذلك من الألفاظ التي يألفها المسلمون، ومن ذلك أيضاً ادعاؤهم أن دين المسيح لم ينسخ، فقد يظهرون للمسلم قبولهم بالإسلام، ولكنهم يقولون: إن الإسلام غير ناسخ للنصرانية، وهناك كتاب يوزع بين المسلمين اسمه دين المسيح لم ينسخ ألفه نصراني اسمه اسكندر جديد ومن ضمن ما نقله في هذا الكتاب أيضاً عن كتاب تفسير الجلالين في قوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] قال: قال الجلالان: أهل الذكر هم أهل التوراة والإنجيل، وبناءً عليه فإن القرآن يأمرنا أن نسأل أهل التوراة وأهل الإنجيل! والواقع أنه قال كثير من المفسرين: على أن أهل الذكر هم أهل العلم، وهذا هو الصحيح.

لكن حتى الذين قالوا: إن أهل الذكر هم أهل التوراة وأهل الإنجيل، يعني المقصود بهم: الذين آمنوا بموسى والذين آمنوا بعيسى في أن الله تعالى لم يبعث إلا رجالاً فيقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فيخاطب الله العرب الوثنيين، ويقول لهم: إن كنتم لا تعلمون بذلك فسألوا أهل التوراة وأهل الإنجيل أنه سبحانه لم يبعث إلا رجالاً كعيسى وموسى عليهما السلام.

ل- ومن ذلك التضليل: تقديم بعض التنازلات في سبيل كسب المسلمين، فمن التنازلات مثلاً: إقامة ما يسمونه بالقُدَّاس -وهو نوع من الطقوس- عندهم يوم الجمعة بدلاً من يوم الأحد، خاصة في البلاد الإسلامية التي توافق العطلة فيها يوم الجمعة من أجل كسب مزيد من المسلمين، وهذا قد فعلوه في الكويت وفي بعض دول الخليج.

ومنها أيضاً: القبول بمبدأ تعدد الزوجات، خاصة في إفريقيا ومن الطرائف أنه أقيم مؤتمر في بريطانيا عام (1409م) للأساقفة الإنجيليين، وجرى فيه نقاش طويل حول قضية تعدد الزوجات، والمعروف أن النصارى لا يقولون بتعدد الزوجات أبداً بل يرفضونه، ويعدون أنها من المطاعن التي يطعنون بها في الإسلام، ولكنهم وجدوا أنفسهم وهم يعيشون في إفريقيا مضطرين إلى القول بتعدد الزوجات، حيث ينتشر تعدد الزوجات في بعض الدول الأفريقية بلا حدود، فبقدر ما يكون الرجل قادراً فإنه يتزوج، حتى إن الواحد منهم قد يجمع إلى الأربعين أو الخمسين أو مائة زوجة أحياناً، فوجدوا صعوبة، ورأوا بأنهم إذا لم يقبلوا بتعدد الزوجات، فسوف يخسرون النصارى الذين دخلوا في النصرانية حديثاً وكانوا مسلمين، ولهذا أعطوهم فرصة أن يقبلوا بذلك، حتى إن الأسقف الذي كان يدافع، واجه حملة في المؤتمر، وقالوا له: نريد أن نسألك أنت تملك كم زوجة؟! يعني على سبيل التعيير لـه، فقام هو، وقال: إنني أعلم أنكم قبلتم مسألة الختان.

والختان طبعاً موجود عند المسلمين وهو من الشعائر التي يتميزون بها، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يسميه بعضهم نبي الختان، لأنه جاء بهذه الشريعة التي لا توجد عند النصارى.

فيقول: إنكم قبلتم مبدأ الختان للذكر والأنثى أيضاً في بعض الدول نـزولاً على بعض العادات التي انتشرت، ولا يمكن أن يتخلصوا منها، فلا معنى لأن ترفضوا تعدد الزوجات وتقبلوا مبدأ الختان.

م- ومن وسائلهم في التضليل: ادعاء أن بعض المسلمين قد تنصروا، وكتبوا بعض الكتب، ونشروا بعض الأشرطة، ونحن نعلم يقيناً أن من المسلمين من تنصر، بل سأذكر بعض الإحصائيات عن ذلك بعد قليل، ولكنهم أحياناً يبالغون في ذلك، ويقدمونه للمسلمين بصورة مثيرة للشبه عندهم، فمثلاً: كتاب لماذا صرت مسيحياً؟ يوجد على غلافه أن اسم المؤلف سلطان محمد بولس، وهذا اسم مركب من أسماء إسلامية ونصرانية، فسلطان هذا اسم إسلامي مثل اسم محمد، لكن بولس اسم نصراني، وهم يزعمون في هذا الكتاب أن هذا المؤلف رجل أفغاني جده كان عالماً، ويزعم في ضمن الكتاب أنه قد دعا الله تعالى عندما كان مسلماً وأنه حج البيت الحرام ودخل مكة ووقف بـعرفة، وأنه دعا الله تعالى في يوم عرفة أن يهديه إلى الطريق الصحيح، ويتكلم بأن الله تعالى قد هداه إلى النصرانية، ثم يذكر آيات وأحاديث وأسانيد كما لو كان مثقفاً إسلامياً، ومن الواضح أن هذا كتاب مختلق ومكذوب، وهذه طريقة معروفة يسلكها النصارى، كما يسلكها الشيعة وأصحاب الفرق الضالة في ادعاء أن بعض المسلمين اعتنقوا مذهبهم، وتركوا دين الإسلام، أو تركوا أهل السنة والجماعة، وبدءوا يكتبون عن ذلك.

ومثله أيضاً هناك كتاب اسمه السودان يسرع إلى الله يحتوي هذا الكتاب على مجموعة شهادات بالعودة إلى الديانة النصرانية في السودان بأسماء سودانية، وقد يكون بعض هؤلاء نصارى فعلاً ولكنهم كانوا منحرفين عن الكنيسة ثم عادوا إليها، أي: تدينوا بالدين المنحرف، الدين المنسوخ، دين الكنيسة دين النصرانية، هذا قد يكون، لكنهم أحياناً يذكرون أسماء مسلمين يزعمون أنهم قد عادوا أو دخلوا في النصرانية ونقول في قولهم السودان يسرع إلى الله إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ [الأنفال:19] فنحن المسلمين نرى أن السودان يسرع فعلاً إلى الله تعالى، فتطبيق الشريعة يتقدم يوماً بعد يوم، وانتصارات المسلمين في الجنوب كبيرة، حتى لم يبق للنصارى فيه موطئ قدم، والقبائل الوثنية في الجنوب تدخل في دين الله أفواجاً: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].

العناية بالأطفال

الطريقة الثانية: العناية بالأطفال في إقامة المدارس والإسكانات الخاصة لهم؛ لأنهم رأوا بأن أخذ الطفل من حضن وحجر أمه، وجعله في كنيسة أو مدرسة أو محضن، يضمن أن يتربى على عقيدة النصرانية وعلى دينها، بعيداً عن معرفته بالدين الأصلي الذي ينتسب إليه أهله.

ومن الغريب أنني سمعت البارحة في بعض الإذاعات أنه أقيم في لندن فنادق خاصة بالأطفال السياح، وفيها عاملون يجيدون كل اللغات، وهذه الفنادق نجحت نجاحاً باهراً منقطع النظير، دعا المؤسسات والشركات إلى إقامة شبكات من هذه الفنادق في أنحاء العالم خاصة في المدن السياحية، وأنهم يمنعون أن يتصل أهل الطفل به، وإنما من أجل الاطمئنان عليه يتصل والده أو تتصل أمه بالجهة المسئولة عن هذا الفندق، ليخبروه عن آخر أخبار هذا الطفل ويطمئنوه عليه، أما والده فلا يحق لـه أن يتصل به، وذكروا برنامجاً للأطفال في هذه الفنادق، ومن ضمن اللغات التي تجيدها العاملات في تلك الفنادق اللغة العربية، فهذا أسلوب جديد للتنصير.

ومثله أيضاً رأينا جميعاً أطفال المسلمين في البوسنة والهرسك، وكيف يؤخذون بالمئات بدون أمهات ولا آباء، ويذهب بهم إلى إيطاليا، وألمانيا، وفرنسا، حيث يربون هناك على النصرانية، وقد رأينا صوراً منهم في الطائرة أطفالاً صغاراً البراءة تنطق في وجوههم، وبعضهم الرضاعة في فمه، وهم لا يعرفون إلى أين يذهب بهم، فالله المستعان! وذكر لي بعض الإخوة القادمين من هناك أنهم تقام لهم مخيمات ومعسكرات خاصة، وأن بعض المسلمين حاولوا الدخول إليها، فحيل بينهم وبينها، ومنعوا حتى من الدخول؛ لأن النصارى يقيمون نظاماً خاصاً وبرنامجاً مكثفاً لتحويل هؤلاء الأطفال إلى دين النصرانية.

ولك أن تتخيل طفلاً في سن الثانية من عمره أو الثالثة يؤخذ ثم يربى على الديانة النصرانية، ويكبر لا يعرف غيرها، ولا يعرف رباً له إلا أن يقول: ربي المسيح، ولا يعرف نبياً لـه إلا عيسى، ولا يعرف أصدقاء لـه إلا النصارى، ولا يعرف معبداً إلا الكنيسة، فأي إنسان سوف يخرج هذا؟! إن هذا الإنسان حتى لو دعي إلى الإسلام ووجد قبولاً، سيكون في قلبه شبهات كثيرة، وفي إيمانه ضعف إلا من رحم الله، أما الكثير منهم فإنهم يظلون محتفظين أوفياء للدين الذي تربوا عليه وهو النصرانية، وهناك مناهج تصاغ صياغة خاصة لهؤلاء الأطفال، وتربيهم على الأسس والمبادئ النصرانية مع الأسف، حتى في بلاد الإسلام كما سيظهر لكم.

ويكفيك أن تعرف أنه في مصر -مثلاً- تَبَرَّمَ النصارى من المناهج الإسلامية في المدارس العامة، وقالوا: فيها آيات وأحاديث، وكتبوا في الصحف: أننا نطالب بإبعاد هذه الآيات وهذه الأحاديث عن المقررات الدراسية التي يدرسها أولادنا. وما أسرع ما كانت الاستجابة! فخلال أسبوع واحد تقرر إلغاء الآيات والأحاديث الموجودة في مقررات الأطفال، وكانت الحجة أن هذه الآيات والأحاديث كانت فوق مستوى الأطفال، فأما النصارى فإنهم يربون أطفال المسلمين الذين يستولون عليهم حتى ولو بالقوة أحياناً -كما أسلفت- يربونهم على آيات الإنجيل، ويحفظونهم إياها، ويربونهم على العبودية لعيسى واعتقاد ألوهيته وغير ذلك.

استغلال الكوارث الطبيعية

الوسيلة الثالثة: استغلال الكوارث الطبيعية من الفيضانات والحروب والمجاعات وغيرها، وهم يعتبرونها فرصة ذهبية، ففي الصومال -مثلاً- توجد عشرات المؤسسات التنصيرية التي تعمل في أوساط المسلمين، وهم يجبرون الإنسان المسلم: إما الفقر، وإما الكفر. وهذا يذكرنا بالمسيح الدجال الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {إنه يأتي إلى القبيلة فتؤمن به، فتنـزل عليهم الأمطار، وتعود إليهم أغنامهم أوفر ما كانت لحماً؛ فتنة من الله عز وجل، ويأتي القبيلة فتكفر به، فيصيبهم القحط والجوع}، فالنصارى اليوم يمارسون دور المسيح الدجال يخيرون المسلم بين الفقر والكفر، والمسلم ضعيف الإيمان الذي لا يتمكن من الحصول على الغذاء والكساء والدواء إلا بالتردد على الكنيسة وإعلان النصرانية، لا أعتقد أنه سوف يتردد في فعل ذلك كله، لأنه إذا آمن بـالنصرانية فتحت أمامه الأبواب كلها، بل أقول: المؤسف أن بعض الإعانات التي تجمع من المسلمين يوزعها النصارى، فيوزعها الصليب الأحمر أو الأمم المتحدة، وقد رأينا ورأى غيرنا إعانات للمسلمين جمعت في بلاد كثيرة منها الخليج وغيرها، وقامت بتوزيعها مؤسسات الصليب، توزعها على إخواننا المسلمين في كشمير وبنجلاديش وفي غيرها من البلاد الإسلامية التي تصاب بالمجاعة أو غير ذلك، فالله المستعان!

ورأينا وسمعنا أن أموالاً كثيرة من الأموال التي تجمع للمسلمين في البوسنة والهرسك في هذه البلاد وفي سواها، تقوم بتوزيعها على المسلمين هناك جمعيات ألمانية؛ وأي جمعيات هذه الجمعيات الألمانية التي سوف تقوم بتوزيع أموال المسلمين على المسلمين، وربما استغلت ذلك في دعوتهم إلى النصرانية وإقناعهم بأن النصارى هم الذين أغاثوهم وساعدوهم بالمال، والطعام والغذاء، والكساء. وغير ذلك، فالله المستعان!

العناية بالنصراني الجديد

الوسيلة الرابعة: العناية بالنصراني الجديد، وذلك لأنهم يدركون أن الإنسان الذي دخل في النصرانية خاصة إذا كان كبيراً في السن أو شاباً نشأ على الإسلام، أنه من الصعب جداً أن يتأقلم مع الديانة الجديدة، ويزول كل ما في نفسه ويستطيع أن يتعامل مع طقوسها وعاداتها وعباداتها، وأن يتعايش مع قوم ليسوا من بني جنسه ولا من قرابته ولا من معارفه، بل إن المسلمين يعدونه خائناً وينظرون إليه على أنه خارج عن الملة -وهذا هو الواقع لا شك- وكافر ومرتد؛ لذلك يعملون على دراسة نفسية هذا المسلم وإيجاد الحلول والأسباب التي تجعله يعيش وضعاً طبيعياً، وذلك لأن تغيير الدين أمر لـه آثاره النفسية البعيدة، فإن يترك الإنسان ديناً ظل زماناً طويلاً يعتقد أنه هو طريقه إلى الجنة، وأنه إذا تركه فهو من أهل النار، ربما يشعر بالإحباط والخوف والقلق، فلذلك يبذل النصارى جهوداً كبيرة من أجل توطين هذا المسلم الجديد، وإشعاره بالأخوة، وإزالة كل ألوان الاكتئاب أو الخوف، أو القلق النفسي الذي يصيبه بسبب الدين الجديد؛ لأسباب كثيرة بعضها ما سبق.

أ- هناك كتب كثيرة ألفت خصيصاً للمسلمين، وراعت مشاعر المسلمين وعقائدهم وعواطفهم، فمثلاً: كتاب شهادة القرآن بتوحيد المسيحيين وهي نشرة نبهت إليها سابقاً، ووزعت في بلاد العالم، منها هذا البلد وزع فيه مئات الألوف من هذه النشرة، وهي مستلة من كتاب اسمه الله واحد في الثالوث القدوس لـزكريا بطرس، فهذا الكتاب وهذه النشرة تؤكد على وجود نوع من التشابه بين عقيدة الإسلام والنصرانية، وتقول: إذا كان النصارى يؤمنون بآلهة ثلاثة: الأب وهو الله في زعمهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء:43] والابن وروح القدس أيضاً أو أي مصطلح آخر يمكن أن يستخدموه، فهم يؤمنون بثلاثة آلهة، أو بالثالوث القدوس كما يسمونه، فهم يوجدون أو يحرصون على إيجاد تشابه بين هذا وبين قول الله عز وجل عن المسيح إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171] فيكون هو رسول وكلمة وروح، فهذه الكلمات الثلاث، يحاولون أن يوجدوا تشابهاً بينها وبين الثالوث الموجود عندهم.

نحن نعلم أنه فعلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كلمة الله خلقه بقول: كن، كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] وأنه روح من الله عز وجل، كما قال الله تعالى، وليس المعنى -قط عند أي مسلم- أن المسيح جزء من الله، بل إن الله تعالى أنكر على من ادعوا هذا، فقال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْأِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِين [الزخرف:15] ولكن النصارى يستغلون هذا التشابه العددي بين هذه الكلمات الثلاث: رسول، وكلمة، وروح منه. وبين التشابه العددي في قانون الثالوث، ‎أو الأقنوم الثالوثي الموجود عندهم لتضليل المسلمين.

ب- وهم أحياناً يقارنون بين الثالوث الموجود عندهم وبين (بسم الله الرحمن الرحيم) هذه الأسماء الثلاثة الموجودة لله عز وجل في هذه الكلمة، مع أننا نعلم أن الله عز وجل لـه تسعة وتسعون اسماً، هذه الكلمات المعروفة الموجودة في القرآن والسنة، أما أسماء الله تعالى فإنه لا يعلمها إلا هو، فإن هناك أسماء لا يعلمها الخلق، ولهذا يطلع الله تعالى نبيه يوم القيامة على أسماء وصفات يدعوه بها، لم يكن يعلمها أحد من قبل، وأيضاً كما في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه أنه يقول: { اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنـزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك } فثمة أسماء لربنا عز وجل لا يعلمها إلا هو، أما ما يعلمه المسلمون فهي تسعة وتسعون اسماً وليس ثلاثة فقط.

ج- أيضاً من وسائل التلبيس عندهم: بناء كنائس مشابهة بالمساجد، فإن المسلمين قد تعودوا -خاصة في البلاد التي وجدوا فيها نصارى- على رؤية مناظر الكنائس مختلفة متميزة، ويُوجِد هذا عندهم نوعاً من الكراهية لها، ولهذا بدأ النصارى يسلكون طريقة جديدة: أن يبنوا كنائس شبيهة إلى حد كبير بالمسجد، بحيث يسهل على المسلم الدخول فيها، وربما ظنها مساجد فدخلها، وحتى لو دعوا باسم النصرانية إلى هذه المعابد لم يجد فيها غرابة؛ لأنه قد تعود على دخول شيء يشبهها.

د- ومن ذلك أيضاً: إقامة العبادة بطرق مشابهة للطرق التي يقيم المسلمون الصلاة فيها، مثل طريقة الصفوف، ومثل الجلوس على الأرض، ومثل أشكال العبادة، حتى يألفها المسلمون ولا يستوحشوا منها.

هـ- ومن ذلك أيضاً: ترتيل الإنجيل بطريقة تشبه قراءة القرآن الكريم، حتى إنهم يرتلون الإنجيل بطريقة تشبه طريقة التجويد المعروفة عند المسلمين عند قراءة القرآن، حتى يتعود المسلمون على ذلك، ولا يشعروا بالاستغراب.

و- ومن ذلك: أنهم يحاولون أن يجعلوا شخصية المسيح في القرآن مشابهة لشخصيتة في الإنجيل، بل أن يلبسوا بنقلهم من الكتب الإسلامية التي قد يغتر المسلمون بها، فمثلاً: هناك كتاب اسمه شخصية المسيح في الإنجيل والقرآن ينقل عن كتاب تفسير الجلالين وهو كتاب متداول عند المسلمين في قوله عز وجل: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61] وفي قراءة وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61] بفتح العين واللام في كلمة (لَعَلَمٌ) يعني: عيسى بن مريم، يقول: قال الجلالان أي: يعلم بنـزولها، يعني: أن المسيح يعلم بنـزول الساعة! فبذلك يلبسون على المسلم البسيط الذي لا يعرف الكتب، ولا يستطيع أن يرجع إليها أو أن يراجعها، فيظن أن تفسير الجلالين يقول في تفسير (علم للساعة): أي: أن المسيح يعلم وقت نـزول الساعة، مع أن القرآن صريح في أنه لا يعلم الساعة إلا الله عز وجل: يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [النازعات:42-45] ويقول: لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187] ويقول: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:34] لكنهم يلبسون على الناس، وحين ترجع إلى تفسير الجلالين تجد أنهم يقولون: بدل قول النصارى نقلاً عنهم يَعْلَم بنـزولها، قال الجلالان: تُعْلَم بِنـزُولِه، أي: يُعلم وقت الساعة بنـزول عيسى بن مريم، فهذه عقيدة إسلامية واضحة معروفة لدى المسلمين، إذ يعتقدون أن المسيح بن مريم لم يقتل ولم يصلب، ولكن رفع إلى السماء، وسوف ينـزل في آخر الدنيا قبل قيام الساعة، وهذا أحد معاني قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) وقوله: (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) بفتح العين واللام في كلمة (لَعَلَمٌ) في قراءة، أي: تُعْلَمُ الساعة بنـزوله، فإذا نـزل عيسى علم الناس قرب قيام الساعة، فانظروا كيف لبسوا.

ز- ومثل هذا النوع من التلبيس: هناك كتاب آخر يوزع في أوساط المسلمين، وعندي منه ومن الكتب السابقة وغيرها نسخ، كتاب اسمه الصليب في الإنجيل والقرآن في تفسير قوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] فيقول صاحب الكتاب: قال: الفخر الرازي صاحب التفسير الكبير في تفسير هذه الآية ثم ساق كلاماً طويلاً يدل على أن صاحب هذا الكلام يؤمن بأن المسيح قتل وصلب، فنقلوا هذا الكلام ونسبوه إلى الفخر الرازي، فإذا رجعت إلى كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي وجدت أن هذا الكلام كذب مفترى، وأن الفخر الرازي ساق سؤالاً طويلاً على لسان أحد النصارى، ثم طفق يرد عليه ويفنده من وجوه عديدة وفي صفحات طويلة.

فهم نقلوا السؤال الذي ساقه الفخر الرازي على لسان أحد النصارى وعدوه من كلام الإمام الجليل الفخر الرازي تلبيساً وتوهيماً للسذج والعوام من المسلمين.

ح- ومن وسائلهم في التضليل -أيضاً- التضليل بالأسماء الإسلامية كما ذكرت سابقاً، فالمسئول عن المراسلة في إحدى الإذاعات اسمه الشيخ عبد الله برنامجه اسمه (الله أكبر) وبعض الإذاعات اسمها (صوت الحق) وأخرى اسمها (نور على نور) وعندهم أسماء كثيرة لكنهم عمداً اختاروا هذه الأسماء؛ لأن لها وقعاً في نفس المسلم وفي أذنه الذي تعود على سماعها.

ط- ومن الوسائل أيضاً: أنهم يرون أنه لا داعي لمصادمة المسلمين بالعقائد التي يأنفون منها ويرفضونها، فيقولون: لا داعي لأن تقول للمسلم مثلاً: إن المسيح ابن الله هكذا مباشرة؛ لأنه يرفضها، وتصادم عقيدته الموروثة التي تلقاها منذ الصغر، وهو يسمع قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] فلا داعي لأن تقول للمسلم أول مرة: إن المسيح ابن الله، وخاصة يقولون: إن المسيح نفسه لم يستخدم هذه الكلمة، ولم يقل عن نفسه إني أنا ابن الله، بل قال عن نفسه: إنه ابن الإنسان وإنه الكلمة وإنه الروح، ولذلك لا داعي لاستخدام هذه الكلمات، ولكن يمكن أن نتسلل بها إلى قلب المسلم شيئاً فشيئاً، مثل أن نقول: إن المسيح روح الله، وهذه الكلمة قد يقبلها المسلم لكونها وردت في القرآن الكريم وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171].

ي- ومن وسائلهم في التضليل -أيضاً- استغلال العناوين المشتركة بين الإسلام والنصرانية، فمثلاً: الصلاة وردت في الإسلام، ومثلها الصوم، ومثلها الصدقة؛ فيقولون: نستغل هذه العناوين المشتركة بين الإسلام والنصرانية؛ حتى يتقبل المسلم النصرانية دون أن يشعر بالفارق الكبير بين الإسلام وبين دينه الجديد، ولذلك قال الرئيس الأمريكي نفسه -في تصريح لـه في العام الماضي، وهو يتكلم مع مجموعة من الصحفيين العرب- قال: "إنني لا أوافق على ما يروجه عنا الأصوليون الذين يتكلمون عن عداوتنا لهم وحربنا، وأن ما يروجونه غير صحيح، وأنهم متحاملون علينا، وأنا سوف أقف شخصياً ضدهم، ثم قال: مستدركاً أنا لست متعمقاً في دراسة الدين، ولكنني لا أجد في مبادئ الإسلام ما يجعلنا نختلف أو نتناقض فيما نؤمن به، بل على العكس إنني أجد تماثلاً بين مبادئ الإسلام والمبادئ التي نؤمن بها والمشتقة من ديننا وحضارتنا الغربية"، هذا التصريح نشر في جريدة روز اليوسف عدد (3347).

ك- أيضاً من وسائل التضليل: استخدام العبارات الإسلامية مثل قولهم: بسم الله الرحمن الرحيم، الله سبحانه، والله تبارك تعالى، عيسى عليه السلام، تسمية الكنائس بيوت الله كما تسمى المساجد، إلى غير ذلك من الألفاظ التي يألفها المسلمون، ومن ذلك أيضاً ادعاؤهم أن دين المسيح لم ينسخ، فقد يظهرون للمسلم قبولهم بالإسلام، ولكنهم يقولون: إن الإسلام غير ناسخ للنصرانية، وهناك كتاب يوزع بين المسلمين اسمه دين المسيح لم ينسخ ألفه نصراني اسمه اسكندر جديد ومن ضمن ما نقله في هذا الكتاب أيضاً عن كتاب تفسير الجلالين في قوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] قال: قال الجلالان: أهل الذكر هم أهل التوراة والإنجيل، وبناءً عليه فإن القرآن يأمرنا أن نسأل أهل التوراة وأهل الإنجيل! والواقع أنه قال كثير من المفسرين: على أن أهل الذكر هم أهل العلم، وهذا هو الصحيح.

لكن حتى الذين قالوا: إن أهل الذكر هم أهل التوراة وأهل الإنجيل، يعني المقصود بهم: الذين آمنوا بموسى والذين آمنوا بعيسى في أن الله تعالى لم يبعث إلا رجالاً فيقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فيخاطب الله العرب الوثنيين، ويقول لهم: إن كنتم لا تعلمون بذلك فسألوا أهل التوراة وأهل الإنجيل أنه سبحانه لم يبعث إلا رجالاً كعيسى وموسى عليهما السلام.

ل- ومن ذلك التضليل: تقديم بعض التنازلات في سبيل كسب المسلمين، فمن التنازلات مثلاً: إقامة ما يسمونه بالقُدَّاس -وهو نوع من الطقوس- عندهم يوم الجمعة بدلاً من يوم الأحد، خاصة في البلاد الإسلامية التي توافق العطلة فيها يوم الجمعة من أجل كسب مزيد من المسلمين، وهذا قد فعلوه في الكويت وفي بعض دول الخليج.

ومنها أيضاً: القبول بمبدأ تعدد الزوجات، خاصة في إفريقيا ومن الطرائف أنه أقيم مؤتمر في بريطانيا عام (1409م) للأساقفة الإنجيليين، وجرى فيه نقاش طويل حول قضية تعدد الزوجات، والمعروف أن النصارى لا يقولون بتعدد الزوجات أبداً بل يرفضونه، ويعدون أنها من المطاعن التي يطعنون بها في الإسلام، ولكنهم وجدوا أنفسهم وهم يعيشون في إفريقيا مضطرين إلى القول بتعدد الزوجات، حيث ينتشر تعدد الزوجات في بعض الدول الأفريقية بلا حدود، فبقدر ما يكون الرجل قادراً فإنه يتزوج، حتى إن الواحد منهم قد يجمع إلى الأربعين أو الخمسين أو مائة زوجة أحياناً، فوجدوا صعوبة، ورأوا بأنهم إذا لم يقبلوا بتعدد الزوجات، فسوف يخسرون النصارى الذين دخلوا في النصرانية حديثاً وكانوا مسلمين، ولهذا أعطوهم فرصة أن يقبلوا بذلك، حتى إن الأسقف الذي كان يدافع، واجه حملة في المؤتمر، وقالوا له: نريد أن نسألك أنت تملك كم زوجة؟! يعني على سبيل التعيير لـه، فقام هو، وقال: إنني أعلم أنكم قبلتم مسألة الختان.

والختان طبعاً موجود عند المسلمين وهو من الشعائر التي يتميزون بها، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يسميه بعضهم نبي الختان، لأنه جاء بهذه الشريعة التي لا توجد عند النصارى.

فيقول: إنكم قبلتم مبدأ الختان للذكر والأنثى أيضاً في بعض الدول نـزولاً على بعض العادات التي انتشرت، ولا يمكن أن يتخلصوا منها، فلا معنى لأن ترفضوا تعدد الزوجات وتقبلوا مبدأ الختان.

م- ومن وسائلهم في التضليل: ادعاء أن بعض المسلمين قد تنصروا، وكتبوا بعض الكتب، ونشروا بعض الأشرطة، ونحن نعلم يقيناً أن من المسلمين من تنصر، بل سأذكر بعض الإحصائيات عن ذلك بعد قليل، ولكنهم أحياناً يبالغون في ذلك، ويقدمونه للمسلمين بصورة مثيرة للشبه عندهم، فمثلاً: كتاب لماذا صرت مسيحياً؟ يوجد على غلافه أن اسم المؤلف سلطان محمد بولس، وهذا اسم مركب من أسماء إسلامية ونصرانية، فسلطان هذا اسم إسلامي مثل اسم محمد، لكن بولس اسم نصراني، وهم يزعمون في هذا الكتاب أن هذا المؤلف رجل أفغاني جده كان عالماً، ويزعم في ضمن الكتاب أنه قد دعا الله تعالى عندما كان مسلماً وأنه حج البيت الحرام ودخل مكة ووقف بـعرفة، وأنه دعا الله تعالى في يوم عرفة أن يهديه إلى الطريق الصحيح، ويتكلم بأن الله تعالى قد هداه إلى النصرانية، ثم يذكر آيات وأحاديث وأسانيد كما لو كان مثقفاً إسلامياً، ومن الواضح أن هذا كتاب مختلق ومكذوب، وهذه طريقة معروفة يسلكها النصارى، كما يسلكها الشيعة وأصحاب الفرق الضالة في ادعاء أن بعض المسلمين اعتنقوا مذهبهم، وتركوا دين الإسلام، أو تركوا أهل السنة والجماعة، وبدءوا يكتبون عن ذلك.

ومثله أيضاً هناك كتاب اسمه السودان يسرع إلى الله يحتوي هذا الكتاب على مجموعة شهادات بالعودة إلى الديانة النصرانية في السودان بأسماء سودانية، وقد يكون بعض هؤلاء نصارى فعلاً ولكنهم كانوا منحرفين عن الكنيسة ثم عادوا إليها، أي: تدينوا بالدين المنحرف، الدين المنسوخ، دين الكنيسة دين النصرانية، هذا قد يكون، لكنهم أحياناً يذكرون أسماء مسلمين يزعمون أنهم قد عادوا أو دخلوا في النصرانية ونقول في قولهم السودان يسرع إلى الله إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ [الأنفال:19] فنحن المسلمين نرى أن السودان يسرع فعلاً إلى الله تعالى، فتطبيق الشريعة يتقدم يوماً بعد يوم، وانتصارات المسلمين في الجنوب كبيرة، حتى لم يبق للنصارى فيه موطئ قدم، والقبائل الوثنية في الجنوب تدخل في دين الله أفواجاً: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].

الطريقة الثانية: العناية بالأطفال في إقامة المدارس والإسكانات الخاصة لهم؛ لأنهم رأوا بأن أخذ الطفل من حضن وحجر أمه، وجعله في كنيسة أو مدرسة أو محضن، يضمن أن يتربى على عقيدة النصرانية وعلى دينها، بعيداً عن معرفته بالدين الأصلي الذي ينتسب إليه أهله.

ومن الغريب أنني سمعت البارحة في بعض الإذاعات أنه أقيم في لندن فنادق خاصة بالأطفال السياح، وفيها عاملون يجيدون كل اللغات، وهذه الفنادق نجحت نجاحاً باهراً منقطع النظير، دعا المؤسسات والشركات إلى إقامة شبكات من هذه الفنادق في أنحاء العالم خاصة في المدن السياحية، وأنهم يمنعون أن يتصل أهل الطفل به، وإنما من أجل الاطمئنان عليه يتصل والده أو تتصل أمه بالجهة المسئولة عن هذا الفندق، ليخبروه عن آخر أخبار هذا الطفل ويطمئنوه عليه، أما والده فلا يحق لـه أن يتصل به، وذكروا برنامجاً للأطفال في هذه الفنادق، ومن ضمن اللغات التي تجيدها العاملات في تلك الفنادق اللغة العربية، فهذا أسلوب جديد للتنصير.

ومثله أيضاً رأينا جميعاً أطفال المسلمين في البوسنة والهرسك، وكيف يؤخذون بالمئات بدون أمهات ولا آباء، ويذهب بهم إلى إيطاليا، وألمانيا، وفرنسا، حيث يربون هناك على النصرانية، وقد رأينا صوراً منهم في الطائرة أطفالاً صغاراً البراءة تنطق في وجوههم، وبعضهم الرضاعة في فمه، وهم لا يعرفون إلى أين يذهب بهم، فالله المستعان! وذكر لي بعض الإخوة القادمين من هناك أنهم تقام لهم مخيمات ومعسكرات خاصة، وأن بعض المسلمين حاولوا الدخول إليها، فحيل بينهم وبينها، ومنعوا حتى من الدخول؛ لأن النصارى يقيمون نظاماً خاصاً وبرنامجاً مكثفاً لتحويل هؤلاء الأطفال إلى دين النصرانية.

ولك أن تتخيل طفلاً في سن الثانية من عمره أو الثالثة يؤخذ ثم يربى على الديانة النصرانية، ويكبر لا يعرف غيرها، ولا يعرف رباً له إلا أن يقول: ربي المسيح، ولا يعرف نبياً لـه إلا عيسى، ولا يعرف أصدقاء لـه إلا النصارى، ولا يعرف معبداً إلا الكنيسة، فأي إنسان سوف يخرج هذا؟! إن هذا الإنسان حتى لو دعي إلى الإسلام ووجد قبولاً، سيكون في قلبه شبهات كثيرة، وفي إيمانه ضعف إلا من رحم الله، أما الكثير منهم فإنهم يظلون محتفظين أوفياء للدين الذي تربوا عليه وهو النصرانية، وهناك مناهج تصاغ صياغة خاصة لهؤلاء الأطفال، وتربيهم على الأسس والمبادئ النصرانية مع الأسف، حتى في بلاد الإسلام كما سيظهر لكم.

ويكفيك أن تعرف أنه في مصر -مثلاً- تَبَرَّمَ النصارى من المناهج الإسلامية في المدارس العامة، وقالوا: فيها آيات وأحاديث، وكتبوا في الصحف: أننا نطالب بإبعاد هذه الآيات وهذه الأحاديث عن المقررات الدراسية التي يدرسها أولادنا. وما أسرع ما كانت الاستجابة! فخلال أسبوع واحد تقرر إلغاء الآيات والأحاديث الموجودة في مقررات الأطفال، وكانت الحجة أن هذه الآيات والأحاديث كانت فوق مستوى الأطفال، فأما النصارى فإنهم يربون أطفال المسلمين الذين يستولون عليهم حتى ولو بالقوة أحياناً -كما أسلفت- يربونهم على آيات الإنجيل، ويحفظونهم إياها، ويربونهم على العبودية لعيسى واعتقاد ألوهيته وغير ذلك.

الوسيلة الثالثة: استغلال الكوارث الطبيعية من الفيضانات والحروب والمجاعات وغيرها، وهم يعتبرونها فرصة ذهبية، ففي الصومال -مثلاً- توجد عشرات المؤسسات التنصيرية التي تعمل في أوساط المسلمين، وهم يجبرون الإنسان المسلم: إما الفقر، وإما الكفر. وهذا يذكرنا بالمسيح الدجال الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {إنه يأتي إلى القبيلة فتؤمن به، فتنـزل عليهم الأمطار، وتعود إليهم أغنامهم أوفر ما كانت لحماً؛ فتنة من الله عز وجل، ويأتي القبيلة فتكفر به، فيصيبهم القحط والجوع}، فالنصارى اليوم يمارسون دور المسيح الدجال يخيرون المسلم بين الفقر والكفر، والمسلم ضعيف الإيمان الذي لا يتمكن من الحصول على الغذاء والكساء والدواء إلا بالتردد على الكنيسة وإعلان النصرانية، لا أعتقد أنه سوف يتردد في فعل ذلك كله، لأنه إذا آمن بـالنصرانية فتحت أمامه الأبواب كلها، بل أقول: المؤسف أن بعض الإعانات التي تجمع من المسلمين يوزعها النصارى، فيوزعها الصليب الأحمر أو الأمم المتحدة، وقد رأينا ورأى غيرنا إعانات للمسلمين جمعت في بلاد كثيرة منها الخليج وغيرها، وقامت بتوزيعها مؤسسات الصليب، توزعها على إخواننا المسلمين في كشمير وبنجلاديش وفي غيرها من البلاد الإسلامية التي تصاب بالمجاعة أو غير ذلك، فالله المستعان!

ورأينا وسمعنا أن أموالاً كثيرة من الأموال التي تجمع للمسلمين في البوسنة والهرسك في هذه البلاد وفي سواها، تقوم بتوزيعها على المسلمين هناك جمعيات ألمانية؛ وأي جمعيات هذه الجمعيات الألمانية التي سوف تقوم بتوزيع أموال المسلمين على المسلمين، وربما استغلت ذلك في دعوتهم إلى النصرانية وإقناعهم بأن النصارى هم الذين أغاثوهم وساعدوهم بالمال، والطعام والغذاء، والكساء. وغير ذلك، فالله المستعان!