خطب ومحاضرات
الجيل الرباني الأول
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى ختم الأمم بهذه الأمة المشرفة العظيمة التي جعلها خير أمة أخرجت للناس، وشرفها بأنواع التشريف، فأرسل إليها أفضل الرسل، وأنزل عليها أفضل الكتب، وشرع لها خير شرائع الدين.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى أهل هذه الأمة شهوداً على الناس عدولاً، فقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[البقرة:143] .
وشرفها بأن جعلها أجيالاً متفاوتة، وأفضل هذه الأجيال وأشرفها القرن الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
فضيلة القرن الأول من المسلمين
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير القرون القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى محمداً فيقولون: نعم، فيفتح لهم).
وذلك الجيل الأول الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الأسوة والقدوة لمن يأتي بعدهم، فقد اختارهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كما اختاره هو من سائر الخلائق، وشرفهم بصحبته والأخذ عنه، والتربي على يديه صلى الله عليه وسلم، ولذلك نالوا من السبق والتقدم في الإسلام ما لا يمكن أن يدركه من وراءهم، فقد قال الله في كتابه: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[الحديد:10] .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا أصحابي! فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
إن تلك المنزلة العظيمة والمزية الكبيرة التي خص الله بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتضية منا جميعاً أن نحرص على الاقتداء بهم، وأن نحرص على أن نحاول أن نهتدي بهديهم لعلنا نلحق بهم، فهم السابقون الذين وصفهم الله بالسبق في كتابه، وأثنى عليهم به فقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[التوبة:100] .
لذلك جدير بنا أن نتدارس حياتهم وآثارهم، وأن نتعلم هديهم وسلوكهم، وأن نحاول الاقتداء بهم في الشأن كله.
إن أولئك القوم لم ينالوا هذه المنزلة ولا هذا الشرف بوراثة عن آبائهم وأسلافهم، ولم ينالوه كذلك بالأموال والجمع لحطام الدنيا، ولم ينالوه بالشهادات الراقية، وإنما نالوه بأن أسلموا أنفسهم لله سبحانه وتعالى، فصدقوا ما عاهدوه عليه، ونصروا رسوله صلى الله عليه وسلم، واتبعوه وكانوا معه، فبذلك نالوا هذا الفوز العظيم الذي لا يصلي أحد منكم إلا دعا لهم به، ولا يمكن أن يفعل أي معروف إلا كان تابعاً له فيه.
فهم السابقون السابقون، وهم المقدمون على الناس في كل شيء، فجدير بنا اليوم أن نراجع بعض ما تقدم به أولئك الرهط.
حال العرب قبل البعثة
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بمكة في بيئة جاهلية يظهر فيها من القيم كثير مما تعرفونه، فتلك البيئة كان أهلها يعبدون الأصنام من دون الله، وكانوا يشرعون لأنفسهم، فهم الذين يحلون ما أرادوا ويحرمون ما أرادوا، وكانوا يغيرون شرع الله عمداً ويفخرون بذلك، ويقول شاعرهم:
ونحن الناسئون على معد شهور الحل نجعلها حراما
وكانوا كذلك يقطعون أرحامهم ويفسدون في الأرض، فالغني يزداد غنى باستغلال الفقراء، والفقير يزداد فقراً؛ لأنه لا أحد يرحمه.
وكانوا كذلك يتقاتلون لأتفه الأسباب وأقلها، فقد كانت حرب البسوس قبيل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودامت ثلاثين سنة، بسبب أن ناقة وطئت بيضة قبرة فكسرتها، ودامت حرب داحس والغبراء أربعين سنة بسبب أن فرساً غلبت أخرى في الجري، وكانوا أهل جاهلية جهلاء بكل مفاهيمها، ومن أعظم ذلك أن من ليس من أهل الحسب لم يكن يطوف بالبيت الحرام إلا عريانا.
وقد وقف أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه القضية مثالاً على جهل أهل الجاهلية، وضعف عقولهم، وتردي أوضاعهم، فقد جاءت امرأة فطلبت من يعيرها ثوباً لتطوف به فلم تنله، فأرسلت شعرها على جسمها وقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
وطافت عريانة.
كذلك كان حال أهل الجاهلية في تلك الجاهلية الجهلاء، وفي تلك الظروف التي كان العرب فيها تحوط بهم الحضارات الكبرى كحضارة الروم بالشام، وحضارة فارس بالعراق، وحضارة الحبشة في القرن الأفريقي.
بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
في تلك الظروف كانت جزيرة العرب مقسمة في الولاء تبعاً لهذه الحضارات والمماليك الكبرى، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالبينات والهدى في وسط جزيرة العرب؛ لينذر أم القرى ومن حولها، فعندما بعث -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- هيأه الله لتحمل هذه المسئولية الجسيمة، فقد اختاره الله من أوسط نسب قومه، فهو أشرفهم نسباً، والأوسط بمعنى الأشرف والأفضل من ناحية الآباء ومن ناحية الأمهات، ولا يمكن أن يغمز أحد فيه من جهة النسب؛ لئلا يكون ذلك حائلاً بين الناس وبين اتباع دعوته، وما هذا إلا لطف من الله سبحانه وتعالى بعباده الذي يعلم ضعفهم، فعرفوا نسبه وعرفوا مكانته، وإلا فالأنساب لا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فالناس جميعاً سواسية بين يديه وهم عباده جمعياً.
لكنه اختار أن لا يمتحنهم بما يتنافى مع طباعهم، فأرسل إليهم من هو أشرفهم نسباً، وكذلك هيأه في خلقته فجعله أحسن الناس صورة، ولذلك وصفه من راءه بأن وجهه مستدير كفلقة القمر، وقال هو عن نفسه: (أوتي يوسف شطر الحسن وأوتيت الحسن كله).
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قد أتم الله خلقه فلم يكن يعرف أحد أحسن منه خلقاً لا فيمن تقدمه ولا فيمن تأخر عليه، وعرف في الجاهلية قبل البعثة بالصدق والأمانة والإخلاص والكرم والجود والتفاني في خدمة الناس، ولذلك حينما بعث إليه فارتاع من الملك أول ما أتاه قالت له أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: (كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).
فقد عرف بهذا صلى الله عليه وسلم حتى لم يكن أحد يتهمه في مقال قاله، ولذلك عندما أذن له بالجهر بالدعوة وقف على الصفا فصاح في الناس ثلاثاً: (واصباحاه! فاجتمعوا عليه، فقال: يا بني عبد مناف! أليس إذا أخبرتكم أن وراء هذا الجبل خيلاً ستغير عليكم تصدقونني؟ قالوا: ما عرفنا عنك كذباً، فقال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)، فأعلن دعوته من ذلك المكان الشريف وصدقوه فيما عرفوا فيه من الصدق والأمانة والإخلاص والنزاهة.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير القرون القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى محمداً فيقولون: نعم، فيفتح لهم).
وذلك الجيل الأول الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الأسوة والقدوة لمن يأتي بعدهم، فقد اختارهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كما اختاره هو من سائر الخلائق، وشرفهم بصحبته والأخذ عنه، والتربي على يديه صلى الله عليه وسلم، ولذلك نالوا من السبق والتقدم في الإسلام ما لا يمكن أن يدركه من وراءهم، فقد قال الله في كتابه: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[الحديد:10] .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا أصحابي! فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
إن تلك المنزلة العظيمة والمزية الكبيرة التي خص الله بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتضية منا جميعاً أن نحرص على الاقتداء بهم، وأن نحرص على أن نحاول أن نهتدي بهديهم لعلنا نلحق بهم، فهم السابقون الذين وصفهم الله بالسبق في كتابه، وأثنى عليهم به فقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[التوبة:100] .
لذلك جدير بنا أن نتدارس حياتهم وآثارهم، وأن نتعلم هديهم وسلوكهم، وأن نحاول الاقتداء بهم في الشأن كله.
إن أولئك القوم لم ينالوا هذه المنزلة ولا هذا الشرف بوراثة عن آبائهم وأسلافهم، ولم ينالوه كذلك بالأموال والجمع لحطام الدنيا، ولم ينالوه بالشهادات الراقية، وإنما نالوه بأن أسلموا أنفسهم لله سبحانه وتعالى، فصدقوا ما عاهدوه عليه، ونصروا رسوله صلى الله عليه وسلم، واتبعوه وكانوا معه، فبذلك نالوا هذا الفوز العظيم الذي لا يصلي أحد منكم إلا دعا لهم به، ولا يمكن أن يفعل أي معروف إلا كان تابعاً له فيه.
فهم السابقون السابقون، وهم المقدمون على الناس في كل شيء، فجدير بنا اليوم أن نراجع بعض ما تقدم به أولئك الرهط.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بمكة في بيئة جاهلية يظهر فيها من القيم كثير مما تعرفونه، فتلك البيئة كان أهلها يعبدون الأصنام من دون الله، وكانوا يشرعون لأنفسهم، فهم الذين يحلون ما أرادوا ويحرمون ما أرادوا، وكانوا يغيرون شرع الله عمداً ويفخرون بذلك، ويقول شاعرهم:
ونحن الناسئون على معد شهور الحل نجعلها حراما
وكانوا كذلك يقطعون أرحامهم ويفسدون في الأرض، فالغني يزداد غنى باستغلال الفقراء، والفقير يزداد فقراً؛ لأنه لا أحد يرحمه.
وكانوا كذلك يتقاتلون لأتفه الأسباب وأقلها، فقد كانت حرب البسوس قبيل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودامت ثلاثين سنة، بسبب أن ناقة وطئت بيضة قبرة فكسرتها، ودامت حرب داحس والغبراء أربعين سنة بسبب أن فرساً غلبت أخرى في الجري، وكانوا أهل جاهلية جهلاء بكل مفاهيمها، ومن أعظم ذلك أن من ليس من أهل الحسب لم يكن يطوف بالبيت الحرام إلا عريانا.
وقد وقف أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه القضية مثالاً على جهل أهل الجاهلية، وضعف عقولهم، وتردي أوضاعهم، فقد جاءت امرأة فطلبت من يعيرها ثوباً لتطوف به فلم تنله، فأرسلت شعرها على جسمها وقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
وطافت عريانة.
كذلك كان حال أهل الجاهلية في تلك الجاهلية الجهلاء، وفي تلك الظروف التي كان العرب فيها تحوط بهم الحضارات الكبرى كحضارة الروم بالشام، وحضارة فارس بالعراق، وحضارة الحبشة في القرن الأفريقي.
في تلك الظروف كانت جزيرة العرب مقسمة في الولاء تبعاً لهذه الحضارات والمماليك الكبرى، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالبينات والهدى في وسط جزيرة العرب؛ لينذر أم القرى ومن حولها، فعندما بعث -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- هيأه الله لتحمل هذه المسئولية الجسيمة، فقد اختاره الله من أوسط نسب قومه، فهو أشرفهم نسباً، والأوسط بمعنى الأشرف والأفضل من ناحية الآباء ومن ناحية الأمهات، ولا يمكن أن يغمز أحد فيه من جهة النسب؛ لئلا يكون ذلك حائلاً بين الناس وبين اتباع دعوته، وما هذا إلا لطف من الله سبحانه وتعالى بعباده الذي يعلم ضعفهم، فعرفوا نسبه وعرفوا مكانته، وإلا فالأنساب لا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فالناس جميعاً سواسية بين يديه وهم عباده جمعياً.
لكنه اختار أن لا يمتحنهم بما يتنافى مع طباعهم، فأرسل إليهم من هو أشرفهم نسباً، وكذلك هيأه في خلقته فجعله أحسن الناس صورة، ولذلك وصفه من راءه بأن وجهه مستدير كفلقة القمر، وقال هو عن نفسه: (أوتي يوسف شطر الحسن وأوتيت الحسن كله).
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قد أتم الله خلقه فلم يكن يعرف أحد أحسن منه خلقاً لا فيمن تقدمه ولا فيمن تأخر عليه، وعرف في الجاهلية قبل البعثة بالصدق والأمانة والإخلاص والكرم والجود والتفاني في خدمة الناس، ولذلك حينما بعث إليه فارتاع من الملك أول ما أتاه قالت له أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: (كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).
فقد عرف بهذا صلى الله عليه وسلم حتى لم يكن أحد يتهمه في مقال قاله، ولذلك عندما أذن له بالجهر بالدعوة وقف على الصفا فصاح في الناس ثلاثاً: (واصباحاه! فاجتمعوا عليه، فقال: يا بني عبد مناف! أليس إذا أخبرتكم أن وراء هذا الجبل خيلاً ستغير عليكم تصدقونني؟ قالوا: ما عرفنا عنك كذباً، فقال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)، فأعلن دعوته من ذلك المكان الشريف وصدقوه فيما عرفوا فيه من الصدق والأمانة والإخلاص والنزاهة.
وعندما بعث صلى الله عليه وسلم لم يتصل بعلية القوم وكبارهم، ولم يحتقر أحداً أن يبلغ إليه رسالات الله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن قيم أهل الدنيا ومغاييرهم ليست هي المعايير عند الله.
الحرص على هدايته الناس أجمعين
فهذا عبد الله بن مسعود راع للغنم من هذيل وهو حليف في بني زهرة في قريش، حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على هدايته فآمن واتبع وصدق، وكان من أفضل هذه الأمة، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: (رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد).
كان رضي الله عنه نحيفاً رقيقاً لفقره، فصعد في شجرة فرآه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك بعضهم من حموشة ساقه -أي: من رقة ساقه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتضحكون من حموشة ساق ابن مسعود، فلهي عند الله أثقل من جبل أحد).
فالمعايير التي عند الناس ليست هي المعايير عند الله، بل قد يرى الرجل الذي لا يعرفه أحد وهو عند الله يوزن بالآلاف، ويرى الرجل الضخم السمين لا يساوي عند الله جناح بعوضة.
وقد أخرج البخاري و مسلم في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالرجل الضخم السمين يوم القيامة لا يساوي عند الله جناح بعوضة)، لذلك اتصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن يثق بهم ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق به، وهذا يدلنا على أهمية الثقة بين الناس، فمن المهم أن تتصل القلوب وأن يقع بينها التعارف والانسجام والتفاهم، فإن ذلك معين على تقبل الحق وسماعه، فقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق به.
وقد فعل ما فعل من سبقه من الأنبياء، فقال: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ[آل عمران:52] ، فاستجاب له الذين أراد الله بهم الخير من ذلك الجيل المشرف فاجتمعوا حوله.
إزالة المفاهيم الجاهلية الخاطئة من عقول الناس
وأول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم صياغة الرجال، فقد بدأ بتكوين أولئك القوم وتربيتهم على خلاف مفاهيم الجاهلية، فأزال من أذهانهم كل ما يتصل بالجاهلية، فتلك المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة في الجاهلية عالجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى محاها بالكلية، ولذلك قام فيهم خطيباً ذات يوم فقال: (إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتفاخرها بالآباء).
فقد أذهب الله عنهم ذلك بالكلية، وأصبح الرجل منهم يعرف أن أباه عدو له، وأن أخاه عدو له إذا لم يسر معه على طريق الحق.
ولهذا أنزل الله فيهم: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ[المجادلة:22] ، انظروا إلى الفرق الشاسع والكبير بين حالهم وحال أهل الجاهلية الذين كانت القبيلة بكاملها تقاتل من أجل نصرة فرد من أفرادها ظالم وقع في ظلم سافر، ومع ذلك تنصره القبيلة بكاملها، فإذا غضب غضب لغضبه سبعون ألفاً لا يسألون مما غضب، كما قال الأحنف بن قيس .
فهم بعد هذا أصبحوا يقاطعون ويقاتلون آباءهم وإخوانهم وأبناءهم وعشيرتهم في ذات الله عز وجل.
التخلص من كل مظاهر الشرك
وتخلصوا كذلك من كل مظاهر الشرك بالكلية، فهذا عمر بن الخطاب الذي كان يصنع صنماً من التمر ويسجد له، فإذا جاع أكله، أصبح بعد إيمانه يقول للحجر الأسود الذي به شرف وشرف آباؤه: والله إني لأعلم إنك لحجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
تغيرت المفاهيم التي كانت سائدة لديهم، فأصبحوا جميعاً يصرحون بعداء ما كان آباؤهم يعبدونه من دون الله، فهذا خالد بن الوليد الذي كان يقاتل قائداً من أجل نصرة اللات والعزى، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إيمانه ليقطع شجرة العزى، فلما قطعها ضرب في جذعها بالسيف فخرجت له عجوز من الجن ثائرة الرأس تدعو بالويل والثبور فأتبعها بالسيف حتى قتلها وهو يقول:
يا عزى كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك
التخلص من الأخلاق والقيم السيئة
ثم تخلصوا كذلك من الأخلاق والقيم السيئة التي نهاهم الله عنها، فقد أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في التحذير من مفاهيم الجاهلية: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد:22-23] .
فأهل الجاهلية الذين لم يؤمنوا ولم يصدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم وختم على قلوبهم، فلا يمكن أن يعرفوا معروفاً ولا أن ينكروا منكراً، وهم شر الدواب عند الله كما وصفهم الله بذلك، فلم يجعلهم من جنس البشر، بل قال: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ[الأنفال:22-23] ، وقال فيهم: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ[الأنفال:55] .
فهذا عبد الله بن مسعود راع للغنم من هذيل وهو حليف في بني زهرة في قريش، حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على هدايته فآمن واتبع وصدق، وكان من أفضل هذه الأمة، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: (رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد).
كان رضي الله عنه نحيفاً رقيقاً لفقره، فصعد في شجرة فرآه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك بعضهم من حموشة ساقه -أي: من رقة ساقه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتضحكون من حموشة ساق ابن مسعود، فلهي عند الله أثقل من جبل أحد).
فالمعايير التي عند الناس ليست هي المعايير عند الله، بل قد يرى الرجل الذي لا يعرفه أحد وهو عند الله يوزن بالآلاف، ويرى الرجل الضخم السمين لا يساوي عند الله جناح بعوضة.
وقد أخرج البخاري و مسلم في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالرجل الضخم السمين يوم القيامة لا يساوي عند الله جناح بعوضة)، لذلك اتصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن يثق بهم ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق به، وهذا يدلنا على أهمية الثقة بين الناس، فمن المهم أن تتصل القلوب وأن يقع بينها التعارف والانسجام والتفاهم، فإن ذلك معين على تقبل الحق وسماعه، فقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق به.
وقد فعل ما فعل من سبقه من الأنبياء، فقال: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ[آل عمران:52] ، فاستجاب له الذين أراد الله بهم الخير من ذلك الجيل المشرف فاجتمعوا حوله.
وأول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم صياغة الرجال، فقد بدأ بتكوين أولئك القوم وتربيتهم على خلاف مفاهيم الجاهلية، فأزال من أذهانهم كل ما يتصل بالجاهلية، فتلك المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة في الجاهلية عالجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى محاها بالكلية، ولذلك قام فيهم خطيباً ذات يوم فقال: (إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتفاخرها بالآباء).
فقد أذهب الله عنهم ذلك بالكلية، وأصبح الرجل منهم يعرف أن أباه عدو له، وأن أخاه عدو له إذا لم يسر معه على طريق الحق.
ولهذا أنزل الله فيهم: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ[المجادلة:22] ، انظروا إلى الفرق الشاسع والكبير بين حالهم وحال أهل الجاهلية الذين كانت القبيلة بكاملها تقاتل من أجل نصرة فرد من أفرادها ظالم وقع في ظلم سافر، ومع ذلك تنصره القبيلة بكاملها، فإذا غضب غضب لغضبه سبعون ألفاً لا يسألون مما غضب، كما قال الأحنف بن قيس .
فهم بعد هذا أصبحوا يقاطعون ويقاتلون آباءهم وإخوانهم وأبناءهم وعشيرتهم في ذات الله عز وجل.
وتخلصوا كذلك من كل مظاهر الشرك بالكلية، فهذا عمر بن الخطاب الذي كان يصنع صنماً من التمر ويسجد له، فإذا جاع أكله، أصبح بعد إيمانه يقول للحجر الأسود الذي به شرف وشرف آباؤه: والله إني لأعلم إنك لحجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
تغيرت المفاهيم التي كانت سائدة لديهم، فأصبحوا جميعاً يصرحون بعداء ما كان آباؤهم يعبدونه من دون الله، فهذا خالد بن الوليد الذي كان يقاتل قائداً من أجل نصرة اللات والعزى، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إيمانه ليقطع شجرة العزى، فلما قطعها ضرب في جذعها بالسيف فخرجت له عجوز من الجن ثائرة الرأس تدعو بالويل والثبور فأتبعها بالسيف حتى قتلها وهو يقول:
يا عزى كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
خطورة المتاجرة بكلمة الحق | 4810 استماع |
بشائر النصر | 4287 استماع |
أسئلة عامة [2] | 4131 استماع |
المسؤولية في الإسلام | 4057 استماع |
كيف نستقبل رمضان [1] | 3997 استماع |
نواقض الإيمان [2] | 3946 استماع |
عداوة الشيطان | 3932 استماع |
اللغة العربية | 3930 استماع |
المسابقة إلى الخيرات | 3906 استماع |
القضاء في الإسلام | 3896 استماع |