المرأة بين الإسلام والتغريب


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،

أما بعد: فإن موضوع المرأة أصبح من الموضوعات التي ينبغي أن يهتم بها الرجال والنساء في عصرنا هذا خصوصاً، لما أشاعه أعداء الإسلام فيه من الافتراءات وما روجوا فيه من الشبهات التي كان العالم في غنى عنها لولا هذه الترويجات المغرضة.

وذلك أن المرأة لا تتميز على غيرها من خلق الله تعالى إلا تميزاً بسيطاً فسيولوجياً هو الذي جعلها امرأة، وهذا التميز لا يقتضي أن تفرد بكلام، أو أن تفرد بتفكير، أو أن يكون لها وضع مستقل، فهي من خلق الله تعالى، ومن الذين أرسل إليهم الرسل وامتحنوا بهذا الشرع، فإما أن يتبعوا وإما أن يضلوا، وكذلك إما أن يكونوا من أهل الجنة، وإما أن يكونوا من أهل النار.

ولكنه نظراً لبعض الأوضاع التي سادت في أوروبا وفي بعض البلدان الغربية فهضم فيه هذا الجنس من الناس وظلم، فجعلت المرأة بضاعة تباع وتشترى ويقصد بها الرزق، وتستغل كثيراً من أنواع الاستغلال، كانت النهضة الأوروبية الحديثة تجعل من مقوماتها ومن دواعي انتشارها، ومن أبواقها الإعلامية قضية تحرير المرأة.

ولا واقع لهذه القضية في بلاد المسلمين في الأصل إلا ما استوردت من أوروبا، ولم يستورد منها شيء إلا بعد نهضتها وبعد الثورة الفرنسية التي جاءت بإعلان حقوق الإنسان، ولذلك فإن اتخاذ المرأة بضاعة تباع وتشترى، واتخاذها ذريعة للإفساد في الناس واستغلالها بأنواع الاستغلال السيئ؛ كل هذه الأمور إنما توجد في العوالم المتخلفة.

ولهذا اشتهر في جاهلية العرب، أنهم كانوا يئدون بناتهم لئلا يشركنهم في مآكلهم ومشاربهم، ويئد بضعهم بناته خوفاً من الفضيحة، وكانوا كذلك لا يورثون النساء، لا من تركة الأزواج ولا من تركة الآباء، ولا الإخوة، وكانوا كذلك يكلفون الزوجة كثيراً من التكاليف، فكانت بمثابة الخادمة عند زوجها، وكان يضربها متى شاء ويؤذيها بأنواع الإيذاء.

وكانت كذلك إذا مات تعاني الأمرين، فتحبس في بيتها حتى تمضي سنة كاملة، لا تمس ماء ولا استحداداً ولا طيباً، ثم بعد ذلك يكون أكبر أولاده أولى بها من نفسها فإن شاء باعها لمن يدفع أكبر ثمن، وإن شاء خلف عليها واتخذها زوجة دون مهر.

وهذا الظلم كله نفاه الله عز وجل، وبدله الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعاد للمرأة حقوقها كاملة، فحرم الرسول صلى الله عليه وسلم وأد البنات، وجاء ذلك في عدد من آيات القرآن، فقد قال الله تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9] ، وكذلك جاء فيه قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ[الإسراء:31]

وكذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وحرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات).

وكذلك حرم الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب الزوجة، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يضرب أحدكم زوجه ثم هو ويضاجعها)، وفي رواية: (لا يضرب أحدكم امرأته ثم هو يضاجعها).

وكذلك حرم الرسول صلى الله عليه وسلم إيذائهن ومنعهن من التصرف المباح، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات).

وكذلك حرم الله عز وجل عضلهن، وحبسهن عن الزواج، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[النساء:19] .

وكذلك فرض الله لهن من الميراث نصيبهن وحظهن، فجعل للزوجة الربع من تركة زوجها إذا لم يكن له فرع وارث، والثمن إذا كان له فرع وارث، وجعل لبنت الصلب وحدها النصف، وللأخت الشقيقة وحدها النصف، وللعدد من بنات الصلب الثلثين إذا انفردن، وللعدد من الأخوات الشقائق الثلثين كذلك، وكذلك جعل للأخت للأم السدس إذا انفردت ويشتركن في الثلث إذا اجتمعن، ويستوي في ذلك الذكور والإناث من الإخوة للأم.

وكذلك جعل لبنت الابن عند انفرادها مثل ما لبنت الصلب، أي: النصف، وإن تعددن فلهن الثلثان، وإن كانت بنت الابن مع بنت الصلب فلها السدس تكملة الثلثين، وكذلك الأخت لأب، إذا انفردت ترث النصف بكامله، وعند التعدد يرثن الثلثين، وللأخت لأبٍ مع الأخت الشقيقة السدس تكملة الثلثين.

وهنا يعترض بعض المعترضين حين جعل الله تعالى للزوج عند عدم وجود الفرع الوارث النصف وله مع الفرع الوارث الربع، وأنه جعل في ميراث العصبات للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا مختصٌ بهاتين القضيتين فقط من قضايا التركة.

والجواب هنا: أن المال لا يُنظر إليه بهذه النظرة المادية التي تقتضي التهافت عليه، فلا ينظر إلى المال شرعاً على أنه قيمة من قيم الإنسان، ولا أنه عنصر من عناصر التفاضل، أو معيار من معايير التفاضل بين الناس، بل يُنظر إليه على أنه وسيلة من وسائل تحقيق التكاليف فقط، فمن كانت تكاليفه كبيرة ينبغي أن يزداد حظه من المال ليتصرف فيه، ومن كانت تكاليفه صغيرة، لم يحتج إلى هذا المال ولا ينبغي أن يدخره ويحتكره، لأن ذلك يعتبر تعطيلاً لهذا المال عن الحكمة الشرعية التي من أجلها خلق.

ولهذا فإن المرأة لم تكلف بكثير من التكاليف المادية في الشرع، فليست عليها دية، فلا تدي خطأها هي ولا خطأ غيرها، والرجل عليه الدية عن نفسه، وعن المرأة، بل يدي عن أقاربه جميعاً ذكورهم وإناثهم، والمرأة لا تدفع شيئاً من الدية.

والرجل في الزواج هو الملزم بالصداق والنفقة والسكنى والكسوة، ولا يلزم المرأة شيء من ذلك، والرجل هو المكلف ببذل المال على وجه الأصالة في إعلاء كلمة الله تعالى في الجهاد في سبيل الله، ولا يجب ذلك على المرأة، فلما أسقطت عنها هذه التكاليف المادية، جاء حظها من الميراث أيضاً أقل في مقابل التكاليف، ومن هنا يزول هذا الاعتراض بكليةٍ.

الجواب عن الاعتراض على جعل القوامة للرجال

وكذلك فإن من الاعتراضات التي يعترض بها في هذا الباب القوامة التي جعلها الله تعالى للرجال على النساء؛ فإن الله عز وجل قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[النساء:34] .

وهذه القوامة تقتضي الإشراف والنفقة، والقيام بالحقوق والحضانة، والدفاع عنها وإرشادها لما فيه مصلحتها، وهي تشريف شرف الله به الرجال في مقابل تشريف آخر شرف به النساء، وذلك أن الله عز وجل هو الحكم العدل، فجعل في الدنيا أمرين: الماديات والمعنويات، فشرف الرجال بأهم ما فيها من المعنويات وشرف النساء بأهم ما فيها من الماديات، فالنساء شرفهن الله بالذهب والحرير وحرم ذلك على الرجال، والرجال شرفهم الله تعالى بالقوامة، وحرم ذلك على النساء في الأمور العامة مثل الإمارة وإمامة الصلاة، وقوامة البيت، وغير ذلك.

هذه أمور معنوية شرف الله بها الرجال، وحظرها على النساء، وفي المقابل شرف النساء بأشرف الماديات من الذهب والحرير، وغير ذلك من الأحجار الكريمة التي يمنع استعمالها على الرجال، وهذا عدلٌ من الحكم العدل، فلماذا لا يعترض على تحريم الحرير والذهب على الرجال ويعترض على تحريم القوامة على النساء؟

إن هذا العنصر الذي هو المرأة عنصرٌ فعال مؤثر، فلذلك يحتاج إلى توجيهه توجيهاً صحيحاً ليتمكن من القيام بدوره الواجب، ولا شك أن أصل خلقة النساء تقتضي منهن لطفاً وعاطفةً زائدة، ولهذا أوجب الله عليهن الحضانة والتربية، والقيام بأمور البيت، وهذه حقوق لا يمكن أن تنكر؛ فهي مما يتعارف على أنه يختص بالنساء في كل أمةٍ وفي كل حضارة، ولا يمكن أن تسند إلى الرجال أبداً.

لكن المشكلة أن الذين يدعون إلى تحرير المرأة يلزمونها بهذه الحقوق، ويوجبون عليها حقوقاً أخرى، وهي الحقوق الواجبة على الرجل، فيكبلونها بقيدين:

القيد الأول: الحقوق التي كانت واجبة على النساء وهي مناسبةٌ لهن وملائمة لهن.

والقيد الثاني: الحقوق الواجبة على الرجال، والتي هي مناسبة لخلقة الرجال وقوتهم، وهذا زيادة في التكاليف دون مقابل، والحكم العدل اللطيف الخبير أعلم بالمصالح، وهو الذي يقول في كتابه: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا[الكهف:51] .

وكذلك فإن من الاعتراضات التي يعترض بها في هذا الباب القوامة التي جعلها الله تعالى للرجال على النساء؛ فإن الله عز وجل قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[النساء:34] .

وهذه القوامة تقتضي الإشراف والنفقة، والقيام بالحقوق والحضانة، والدفاع عنها وإرشادها لما فيه مصلحتها، وهي تشريف شرف الله به الرجال في مقابل تشريف آخر شرف به النساء، وذلك أن الله عز وجل هو الحكم العدل، فجعل في الدنيا أمرين: الماديات والمعنويات، فشرف الرجال بأهم ما فيها من المعنويات وشرف النساء بأهم ما فيها من الماديات، فالنساء شرفهن الله بالذهب والحرير وحرم ذلك على الرجال، والرجال شرفهم الله تعالى بالقوامة، وحرم ذلك على النساء في الأمور العامة مثل الإمارة وإمامة الصلاة، وقوامة البيت، وغير ذلك.

هذه أمور معنوية شرف الله بها الرجال، وحظرها على النساء، وفي المقابل شرف النساء بأشرف الماديات من الذهب والحرير، وغير ذلك من الأحجار الكريمة التي يمنع استعمالها على الرجال، وهذا عدلٌ من الحكم العدل، فلماذا لا يعترض على تحريم الحرير والذهب على الرجال ويعترض على تحريم القوامة على النساء؟

إن هذا العنصر الذي هو المرأة عنصرٌ فعال مؤثر، فلذلك يحتاج إلى توجيهه توجيهاً صحيحاً ليتمكن من القيام بدوره الواجب، ولا شك أن أصل خلقة النساء تقتضي منهن لطفاً وعاطفةً زائدة، ولهذا أوجب الله عليهن الحضانة والتربية، والقيام بأمور البيت، وهذه حقوق لا يمكن أن تنكر؛ فهي مما يتعارف على أنه يختص بالنساء في كل أمةٍ وفي كل حضارة، ولا يمكن أن تسند إلى الرجال أبداً.

لكن المشكلة أن الذين يدعون إلى تحرير المرأة يلزمونها بهذه الحقوق، ويوجبون عليها حقوقاً أخرى، وهي الحقوق الواجبة على الرجل، فيكبلونها بقيدين:

القيد الأول: الحقوق التي كانت واجبة على النساء وهي مناسبةٌ لهن وملائمة لهن.

والقيد الثاني: الحقوق الواجبة على الرجال، والتي هي مناسبة لخلقة الرجال وقوتهم، وهذا زيادة في التكاليف دون مقابل، والحكم العدل اللطيف الخبير أعلم بالمصالح، وهو الذي يقول في كتابه: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا[الكهف:51] .

إن نظرةً واقعية لحال المرأة في الإسلام وحالها في بلاد الغرب، تكشف لنا كثيراً من الحقائق.

وإذا قلت: في الإسلام، فلا أقصد واقع المسلمين اليوم، ولا ما يعيشه المسلمون في بلاد الإسلام مع الأسف؛ لأن هذا الواقع إنما هو تجلٍ واكتشاف من تجليات الحضارة الغربية الموجودة وراء البحر الأبيض، فالواقع الذي نعيشه هنا ما هو إلا صورةٌ منقولةٌ من بعض ما هنالك، فلذلك لا يمكن أن نحاكم المرأة في الإسلام على هذا الأساس، ولا أن ننظر إلى واقع المرأة اليوم في بلاد المسلمين فنرى أنه هو الواقع الشرعي الذي يجب أن يكون.

بل الواقع خلاف ذلك، فالمرأة في بلاد الإسلام اليوم إلا من رحم الله قد أخذت بما في بلاد الغرب، وسعت تنهق وراء الغربيات، وحاولت أن تُدرك ما فاتها من فجورهن وسعيهن فيما لا يرضي الله عز وجل.

المرأة لها السبق إلى الإسلام ونصرة الدين

لكننا إذا نظرنا إلى الإسلام على حقيقته مبيناً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح، رأينا أن أول من صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نفسه امرأة، وهي خديجة بنت خويلد ، ورأينا أنها أول من ضحى في سبيل نصرة هذا الدين، وأنها سعت جاهدةً لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم ومؤازرته ومساعدته بالنفس والمال، وأن لها أخوات وبنات سرن على طريقتها، وقمن بهذا الواجب على الوجه الأكمل، واقتفين هذا الأثر.

ولذلك لا نجد تضحية للإسلام ولا عملاً مشرفاً للمسلمين، إلا وجدنا إلى جنب الرجال نساءً قمن أيضاً بهذا الحق وسعين في نفس المسعى، بل في كثير من الأحيان نجد بعض الميادين قد برز فيها كثير من النساء واختصت بتضحيتهن وقيامهن بالحق على وجه أكبر مما هو مألوف معروف لدى الرجال، ولهذا فإن فضيلة السبق في الإسلام تُذكر للنساء هنا، فهن أول من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك فضيلة المؤازرة بالمال، فهن أول من ضحى بالمال في سبيل نصرة الدين، وكذلك فضيلة الشهادة بالحق التي هي أقوى مقوٍ للنفسية والشخصية التي نجدها عند خديجة عندما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتكرم الضيف، وتعين على نوائب الحق).

فنجد قوة تصور هذه المرأة للمهمة الجسيمة التي كلف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم من تغيير واقع الناس، وفهمها العميق لهذه المهمة، وأنها تقتضي قوة في الشخصية وقوة في التأثير، وأن على من حوله أن يؤازره وأن يبين له ما فيه من الصفات التي تقوي شخصيته على ذلك؛ وكل هذا يدلنا على الفهم العميق الذي وصلت إليه هذه المرأة وهي تواجه هذه المهمة الشاقة الصعبة.

المرأة المسلمة تشارك في الجهاد

كذلك إذا نظرنا إلى بيوت المسلمين في الصدر الأول وجدنا أن المسئولية فيها مشتركة، وأن أعظم مهمات الإسلام وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، وقد كان النساء فيه يخرجن مع الرجال، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خرج في غزوة أقرع بين نسائه فمن خرجت القرعة لها خرج بها في سفره.

وكذلك كان كثير من النساء لا ترضى أن تتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كلفها ذلك من المشاق، فهاهي أم سليم بنت ملحان وكانت مسناً حاملاً في شهرها التاسع، حين أراد رسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى فتح مكة، وإلى غزوة حنين والطائف، لم ترض أن تجلس خلفه في المدينة، فقالت: إن الحر الذي يستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهواجر بوجهه، لجدير بنا أن نستقبله. فخرجت من بيتها مجاهدةً مع رسول صلى الله عليه وسلم حتى شاركت في فتح مكة وفي غزوة حنين، وفي حصار الطائف، وأنجبت ولدها والرسول صلى الله عليه وسلم محاصرٌ للطائف وهي معه.

وكذلك نجد أختها أم حرام بنت ملحان وهي زوجة عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، عندما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها فاستيقظ يبتسم فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال: (قوم من أمتي ملوك على الأسرة أو كالملوك على الأسرة يركبون ثبج هذا البحر، هم في الجنة، فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم)، فهؤلاء القوم الذين يخاطرون في سبيل الله، ويبذلون أنفسهم لإعلاء كلمة الله، ويركبون ثبج البحر، وهم في الجنة كما شهد لهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لن ترضى هذه المرأة المؤمنة إلا أن تكون في مقدمتهم، فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال (أنت منهم

وكان قد رآها ورؤيا الأنبياء وحي.

وهكذا فإننا نجد في البيت الإسلامي في الصدر الأول تكاملاً وانسجاماً بين ما يقوم به الرجال وما يقوم به النساء من أعمال، ونجد فيه تضحيةً متبادلةً من الطرفين، وعوناً متبادلاً ومؤازرة على الحق، ونصراً له، وتعاوناً على البر والتقوى، وتراحماً ومودة أكدهما الله تعالى في كتابه في قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] .

مشاورة المرأة في أمور الدنيا والدين

وكذلك نجد في البيت الإسلامي تحقيق التعاون والرفق، والعطف بين الطرفين أيضاً، فقد كان الرجال في صدر الإسلام ذوي شفقةٍ عظيمةٍ على نسائهم، وكانوا يشركون النساء في الرأي وفي الأمور الجسام.

فهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور أمهات المؤمنين في كل أمرٍ عظيم من أمور الإسلام، وكان لرأيهن آثارٌ طيبة في مسيرة هذه الدعوة المباركة، فهذه أم سلمة رضي الله عنها تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية برأي أنقذ الموقف ورفع الغضب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حين أمر الناس أن يحلقوا رءوسهم وأن ينحروا هديهم ويتحللوا فلم يفعلوا، فأشارت عليه أم سلمة أن يبدأ بنفسه، وأن ينحر هديه وأن يحلق رأسه، فإذا فعل فسيفعله المسلمون فلما امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أشارت به أم سلمة، امتثل ذلك المسلمون جميعاً، فأنقذت هذا الموقف، وقامت بالوجه الصحيح الذي يقتضي صواب الرأي وتمام الحنكة والفطنة.

إن البيت الإسلامي مؤسسة متكاملة فيه تعاون على البر والتقوى، وقيام بالمصالح العامة وقيام بالمصالح الخاصة، فلا يحتكر فيه أحد الطرفين شيئاً من طاقاته وجهوده عن الطرف الآخر، ولهذا نجد فيه الانسجام الكامل والتعاون في كل الأمور، وأعظمها حقوق الله عز وجل، فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6] ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (رحم الله رجلاً قام من الليل يصلي فأيقظ امرأته لتصلي معه، فإن هي امتنعت نضح في وجهها من الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل لتصلي، فأيقظت زوجها ليصلي معها، فإن هو امتنع نضحت في وجهه من الماء).

إن هذا من التعاون على البر والتقوى، ومن التعاون على حقوق الله عز وجل التي هي بداية أمر الدين وملاكه، ثم بعد ذلك التعاون على الحقوق بالتغافر والتسامح في كافة الحقوق، وأدائها على الوجه الصحيح، كما تربى على ذلك الجيل الأول الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبوه ورأوا هديه ودله وسلوكه.

لكننا إذا نظرنا إلى الإسلام على حقيقته مبيناً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح، رأينا أن أول من صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نفسه امرأة، وهي خديجة بنت خويلد ، ورأينا أنها أول من ضحى في سبيل نصرة هذا الدين، وأنها سعت جاهدةً لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم ومؤازرته ومساعدته بالنفس والمال، وأن لها أخوات وبنات سرن على طريقتها، وقمن بهذا الواجب على الوجه الأكمل، واقتفين هذا الأثر.

ولذلك لا نجد تضحية للإسلام ولا عملاً مشرفاً للمسلمين، إلا وجدنا إلى جنب الرجال نساءً قمن أيضاً بهذا الحق وسعين في نفس المسعى، بل في كثير من الأحيان نجد بعض الميادين قد برز فيها كثير من النساء واختصت بتضحيتهن وقيامهن بالحق على وجه أكبر مما هو مألوف معروف لدى الرجال، ولهذا فإن فضيلة السبق في الإسلام تُذكر للنساء هنا، فهن أول من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك فضيلة المؤازرة بالمال، فهن أول من ضحى بالمال في سبيل نصرة الدين، وكذلك فضيلة الشهادة بالحق التي هي أقوى مقوٍ للنفسية والشخصية التي نجدها عند خديجة عندما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتكرم الضيف، وتعين على نوائب الحق).

فنجد قوة تصور هذه المرأة للمهمة الجسيمة التي كلف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم من تغيير واقع الناس، وفهمها العميق لهذه المهمة، وأنها تقتضي قوة في الشخصية وقوة في التأثير، وأن على من حوله أن يؤازره وأن يبين له ما فيه من الصفات التي تقوي شخصيته على ذلك؛ وكل هذا يدلنا على الفهم العميق الذي وصلت إليه هذه المرأة وهي تواجه هذه المهمة الشاقة الصعبة.

كذلك إذا نظرنا إلى بيوت المسلمين في الصدر الأول وجدنا أن المسئولية فيها مشتركة، وأن أعظم مهمات الإسلام وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، وقد كان النساء فيه يخرجن مع الرجال، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خرج في غزوة أقرع بين نسائه فمن خرجت القرعة لها خرج بها في سفره.

وكذلك كان كثير من النساء لا ترضى أن تتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كلفها ذلك من المشاق، فهاهي أم سليم بنت ملحان وكانت مسناً حاملاً في شهرها التاسع، حين أراد رسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى فتح مكة، وإلى غزوة حنين والطائف، لم ترض أن تجلس خلفه في المدينة، فقالت: إن الحر الذي يستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهواجر بوجهه، لجدير بنا أن نستقبله. فخرجت من بيتها مجاهدةً مع رسول صلى الله عليه وسلم حتى شاركت في فتح مكة وفي غزوة حنين، وفي حصار الطائف، وأنجبت ولدها والرسول صلى الله عليه وسلم محاصرٌ للطائف وهي معه.

وكذلك نجد أختها أم حرام بنت ملحان وهي زوجة عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، عندما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها فاستيقظ يبتسم فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال: (قوم من أمتي ملوك على الأسرة أو كالملوك على الأسرة يركبون ثبج هذا البحر، هم في الجنة، فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم)، فهؤلاء القوم الذين يخاطرون في سبيل الله، ويبذلون أنفسهم لإعلاء كلمة الله، ويركبون ثبج البحر، وهم في الجنة كما شهد لهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لن ترضى هذه المرأة المؤمنة إلا أن تكون في مقدمتهم، فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال (أنت منهم

وكان قد رآها ورؤيا الأنبياء وحي.

وهكذا فإننا نجد في البيت الإسلامي في الصدر الأول تكاملاً وانسجاماً بين ما يقوم به الرجال وما يقوم به النساء من أعمال، ونجد فيه تضحيةً متبادلةً من الطرفين، وعوناً متبادلاً ومؤازرة على الحق، ونصراً له، وتعاوناً على البر والتقوى، وتراحماً ومودة أكدهما الله تعالى في كتابه في قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] .

وكذلك نجد في البيت الإسلامي تحقيق التعاون والرفق، والعطف بين الطرفين أيضاً، فقد كان الرجال في صدر الإسلام ذوي شفقةٍ عظيمةٍ على نسائهم، وكانوا يشركون النساء في الرأي وفي الأمور الجسام.

فهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور أمهات المؤمنين في كل أمرٍ عظيم من أمور الإسلام، وكان لرأيهن آثارٌ طيبة في مسيرة هذه الدعوة المباركة، فهذه أم سلمة رضي الله عنها تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية برأي أنقذ الموقف ورفع الغضب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حين أمر الناس أن يحلقوا رءوسهم وأن ينحروا هديهم ويتحللوا فلم يفعلوا، فأشارت عليه أم سلمة أن يبدأ بنفسه، وأن ينحر هديه وأن يحلق رأسه، فإذا فعل فسيفعله المسلمون فلما امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أشارت به أم سلمة، امتثل ذلك المسلمون جميعاً، فأنقذت هذا الموقف، وقامت بالوجه الصحيح الذي يقتضي صواب الرأي وتمام الحنكة والفطنة.

إن البيت الإسلامي مؤسسة متكاملة فيه تعاون على البر والتقوى، وقيام بالمصالح العامة وقيام بالمصالح الخاصة، فلا يحتكر فيه أحد الطرفين شيئاً من طاقاته وجهوده عن الطرف الآخر، ولهذا نجد فيه الانسجام الكامل والتعاون في كل الأمور، وأعظمها حقوق الله عز وجل، فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6] ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (رحم الله رجلاً قام من الليل يصلي فأيقظ امرأته لتصلي معه، فإن هي امتنعت نضح في وجهها من الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل لتصلي، فأيقظت زوجها ليصلي معها، فإن هو امتنع نضحت في وجهه من الماء).

إن هذا من التعاون على البر والتقوى، ومن التعاون على حقوق الله عز وجل التي هي بداية أمر الدين وملاكه، ثم بعد ذلك التعاون على الحقوق بالتغافر والتسامح في كافة الحقوق، وأدائها على الوجه الصحيح، كما تربى على ذلك الجيل الأول الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبوه ورأوا هديه ودله وسلوكه.

إن المرأة في الإسلام ممثلاً في تلك العصور الأولى وفي ذلك الصدر المبارك، لم تكن في حاجةٍ إلى تحرير ولم تكن بحاجة إلى البحث عن حقوق زائدةٍ عن الحقوق الشرعية التي وهبها الله تعالى وشرفها بها، ولذلك لم تكن شخصاً مستهجناً ولا مستذلاً ولم تكن شخصاً هامشياً في الأسرة، بل كان يوكل إليها كثير من المهمات وتقوم بكثير من الأدوار البارزة، وتؤدي كثيراً من الحقوق، وتساعد الزوج في كل الأمور، ويوكل إليها كثير من الواجبات التي لا يمكن أن يقوم بها من سواها، ولهذا فإن الله عز وجل حدد شروط بيعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[الممتحنة:12] .

فحدد عز وجل شروط بيعة النساء هنا وبينها، وكانت شاملةً في جميع ميادين الحياة وجوانبها، فذكر الله فيها الشرط الأول: وهو أن لا يشركن بالله شيئا، وهذا كافٍ التحرير من الأغلال الأخرى، فإن أعظم غلٍ يغل به الشخص وأعظم عبودية يسترق بها هي العبودية لغير الله والشرك بالله، فهو أعظم أنواع الرق والعبودية، فمن كان عبداً لهواه أو كان عبداً لمن سوى الله، فهو رقيق مستذل مستعبد، ولهذا فإن الله عز وجل حرر المرأة بهذا الشرط الأول من شروط البيعة، وهو قوله: يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا[الممتحنة:12] ، فيشمل هذا الشرك في الربوبية وهو عبادة الأصنام، وشرك الألوهية بأنواعها المختلفة، فيدخل في ذلك شرك الدعوة، ويدخل فيه شرك التشريع، ويدخل فيه شرك المحبة، وكل هذه من القيود التي يقيد بها الناس وتكفهم عن التصرف، ولكن الله عز وجل حرر المرأة منها في هذا الشرط الأول.

ثم بعد ذلك ذكر شروطاً أخرى مكملةً، فقال تعالى: (وَلا يَسْرِقْنَ)، وهذا يشمل السرقة من حقوق الله والسرقة من حقوق الناس، وشر السرقة سرقة المرء من صلاته كما في الحديث، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أنواع السرقة من الدين، فسئل عن الالتفات، فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم، ولا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه وقال: يا ابن آدم، إلام تلتفت؟ أنا خير مما التفت إليه).

وكذلك يشمل هذا السرقة من الحقوق مطلقاً سواء كانت حقوقاً ماديةً أو كانت حقوق معنوية، ويشمل كذلك السرقة من الأموال، فيشمل ذلك ترك أداء الزكاة فإنه سرقة من مال الله تعالى، وكذلك ترك النفقات الواجبة، وترك أداء الديون، فكل ذلك داخل في السرقات.

ثم بعد هذا قال: (وَلا يَزْنِينَ)، وهذا يشمل أنواعاً كثيرة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة؛ فالعين تزني وزناها النظر، والقلب يزني وزناه الفكر، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه).

فالزنا شدد الله تعالى فيه النكير، وحرمه بأسلوب يختلف عن تحريم ما سواه من الفواحش، فإن ما سواه من الفواحش جاء النهي عنه بطريق المباشرة، وأما الزنا فجاء النهي عنه بقول الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32] ، فلم يقل: لا تزنوا، وإنما قال: (لا تقربوا الزنا)، فالنهي عنه يشمل النهي عن مقدماته ووسائله وما يؤدي إليه من الاختلاط والنظر والمصافحة، والكلام في الريبة، وغير ذلك من أنواع الوسائل التي يتوسل بها ويتوصل بها إلى الزنا.

ثم بعد هذا قال: ( ولا يقتلن أولادهن )، وهذا يشمل قتل ديانة الأولاد بإفساد أديانهم، وقتل أخلاق الأولاد بعدم تربيتهم، وقتل أبدانهم بعدم الاعتناء بصحتهم، وغير ذلك من أنواع القتل، فليس القتل مقصوراً على إزهاق الروح بل أعظم القتل قتل الدين، ثم بعده قتل الخلق، ثم بعد ذلك قتل الروح وإضعاف البدن.

ثم قال: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ[الممتحنة:12] ، وهذا يشمل الكذب مطلقاً، وشهادة الزور وادعاء الحقوق الباطلة، وكذلك يشمل ادعاء الأنساب غير الصحيحة كتبني الأولاد ونسبتهم إلى النفس من غير أن يكون لذلك حقيقة.

وكذلك قال: (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) ، وهذا الشرط شامل لجميع الأوامر، فإن الشروط السابقة كلها متعلقة بالنواهي، وأما الأوامر فأجملت في قوله: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ[الممتحنة:12] ، فشرط عليهن أن لا يعصين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به، فإن ما يأمر به هو المعروف، فيشمل ذلك الواجبات والسنن والمندوبات، فكلها داخلة في المعروف الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به.

فهذه البيعة ذات طرفين ككل بيعة، فعلى النساء الوفاء بهذه الشروط، والمقابل الذي سيجنينه هو الجنة، وهو سلعة الله الغالية، فلذلك قال: فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[الممتحنة:12] .

ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأتي النساء ليبايعنه يقرأ عليهن هذه الآية فيلتزمن بها، فيقول لهن: (فيما استطعتن وأطقتن)، فكن يقلن: أنت والله أرحم بنا من أنفسنا، أي: حين يشترط لهن هذا الشرط؛ لأنه يعلم ضعف عواطفهن وضعف أبدانهن، فيشترط لهن فيما استطعن وأطقن.

إن هذه البيعة تقتضي أن المرأة عنصر مهم في الإسلام، وأنه ليس عنصراً هامشياً، وأنه لا يمكن أن يدعى ببهتانٍ أنه لم يعط مكانه الصحيح، ولم يتبوأ مكانته المرموقة، بل هذه الآيات التي فيها شروط البيعة وتحقيقها، وهيئة أدائها، كفيلة بالنظر إلى هذا العنصر اللطيف بأنه من أهم شرائح المجتمع ومكوناته، فالغالب أنه أكثر من نصف المجتمع، وبه صلاح النصف الآخر، فهو الذي يربيه ويشرف عليه، وهو الذي يمكن أن يستغل أيضاً لإفساده كما سيتضح لنا في حياة المرأة في الغرب.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4810 استماع
بشائر النصر 4287 استماع
أسئلة عامة [2] 4131 استماع
المسؤولية في الإسلام 4057 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3997 استماع
نواقض الإيمان [2] 3946 استماع
عداوة الشيطان 3932 استماع
اللغة العربية 3930 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3906 استماع
القضاء في الإسلام 3896 استماع