هادم اللذات


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فإن للإنسان حالين:

الحال الأول: حال الحياة، وهو حال البداية، والحال الثاني: حال الموت، وهذا الحال الذي هو حال الموت يغفل عنه كثير من الناس لتأخره عن حال الحياة، والناس بحاجة إلى التذكير به، فهو واعظ الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك كفى بالموت واعظاً، فهو الذي يقطع ما فيه الناس من خير وشر، وهو أول مشاهد القيامة، فإذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته.

حقيقة الموت

هذا الموت ليس بفناء محض، وإنما هو انتقال من دار إلى دار، وتحول من حال إلى حال، ينقضي به عمر التكليف، وللإنسان ثلاثة أعمار، هذه الأعمار أحدها متدرج لا ينقضي في لحظة واحدة، وإنما ينقضي بالتفاوت بمرور الأيام والليالي، وهو عمر الإمكان؛ فكل شخص يكتب الله تعالى عليه ما يرزقه به وما يجعل تحت يده من الطاقات العقلية والبدنية ومن الوظائف والأموال التي تجعل تحت يده؛ ولهذه عمر محدد تنتهي إليه في علم الله تعالى؛ فطاقة العقل والتفكير لها عمر محدد في علم الله تعالى وبعد ذلك العمر يذهب العقل ويزول التفكير، وطاقة البدن لها عمر محدد.

هذا الموت ليس بفناء محض، وإنما هو انتقال من دار إلى دار، وتحول من حال إلى حال، ينقضي به عمر التكليف، وللإنسان ثلاثة أعمار، هذه الأعمار أحدها متدرج لا ينقضي في لحظة واحدة، وإنما ينقضي بالتفاوت بمرور الأيام والليالي، وهو عمر الإمكان؛ فكل شخص يكتب الله تعالى عليه ما يرزقه به وما يجعل تحت يده من الطاقات العقلية والبدنية ومن الوظائف والأموال التي تجعل تحت يده؛ ولهذه عمر محدد تنتهي إليه في علم الله تعالى؛ فطاقة العقل والتفكير لها عمر محدد في علم الله تعالى وبعد ذلك العمر يذهب العقل ويزول التفكير، وطاقة البدن لها عمر محدد.

فالشخص اليوم ما دام في عمر الإمكان يمكن أن يقول: لا إله إلا الله، ولكنه سيأتي وقت يحال بينه وبينها، يمكن أن يتكلم بمرضات الله ويمكن أن يتكلم أيضاً بما يسخط الله سبحانه وتعالى عليه، ولكن هذا الإمكان له أجل ينتهي إليه، وفي بدنه كثير من الطاقات يتصرف بها، يمكن أن يتحرك يميناً وشمالاً ولكن لذلك أجل ينتهي إليه، يوشك أن يأتي الوقت الذي يستيقظ فيه على فراشه بعد أن تقلب يميناً ولا شمالاً ولا يجد في بدنه حراكاً، وكذلك بصره الذي يرى به الأشياء ويستقيم على أساسه مشيه وقوامه له أمد ينتهي إليه ويؤخذ إما بالتدريج - بالنقص - كلما ازداد كبراً انتقص بصره حتى يأتي الوقت الذي يكف فيه بصره ويؤخذ، وإما يؤخذ جملة، وكذلك سمعه وكل قواه، وكذلك ما يجعل الله تحت يده من المال فهو بقدر لا ينفع فيه بذل الجهد في الاكتساب ولا كثرة مباشرة الأسباب وإنما يكتب الله تعالى من المال ما شاء لمن شاء، ولا ينال أحد إلا ما كتب له؛ فإذا كتب له مال فإنه ليس مبقى ببقائه، وإنما له أجل محدد يمكنه الله تعالى فيه، ثم ينتزعه منه إذا شاء، وانتزاعه منه بوسائل متعددة مختلفة، فيمكن أن يسلط الله عليه جائحة تجتاح ماله فيصبح صفر اليدين بعد أن كان غنياً، وكذلك يمكن أن يضرب على يديه الحجر؛ فيحول ذلك بينه وبين المال، وكذلك ما للإنسان من القوى التي يمكن أن يستعملها في طاعة الله ويمكن أن يستعملها في اتباع الشهوات والشيطان، لكن لها أجلاً محدداً تنتهي إليه.

مثال عمر الإمكان

ومثال عمر الإمكان مثال هذا الشريط الذي يسجل فيه الصوت؛ فهو تسعون دقيقة أو ستون دقيقة يمتلئ بما ملأته به؛ فإذا انتهى أمده توقف ولم يقبل زيادة؛ فكذلك طاقات الإنسان كلها بمثابة عمر هذا الشريط لها أجل محدد في علم الله تعالى، وإذا انتهت إليه توقفت، هذا العمر الأول هو عمر الإمكان الذي كل الناس - إلا من رحم الله - في غفلة عنه.

المنبهات على الانتقال من عمر الإمكان

والشرع قد نبه إليه في كثير من المواضع ومنها الأذكار المرتبة على الانتقال من حال إلى حال؛ فالإنسان العاقل ذو البصيرة النيرة يدرك انتقاله من الدنيا وتنقله عنها بكثرة التقلبات التي تطرأ في حياته، فهو عندما يصبح ويرى الفجر ينبثق من الجهة الشرقية ثم يرى الشمس تخفيه يراها أيضاً عندما تغرب إلى الجهة الغربية ويأتي الليل يكوره الله على النهار، وهذا انتقال من حال إلى حال وتغير من واقع إلى واقع، وكذلك عندما يجنه الليل ويسدل أطنابه ويأتي بظلامه؛ فإن وراءه فجراً لابد سيطلع وينتهي إليه أمد ذلك الليل، وكذلك الإنسان في حال يقظته وتمام عقله وإدراكه تأخذه السنة والنوم فيزول عقله في لحظة من اللحظات، وسبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم، وبتلك السنة والنوم يستحضر الإنسان ويتذكر انتقاله من حال إلى حال هو قبل أن ينعس وينام كان حاضر الجوارح حاضر العقل، مفكراً يمكن أن يستفيد ويسمع ويرى، وخلال لحظة عين يذهب الله كل ذلك؛ فإذا به مغطى جميع وسائل الإدراك.

وكذلك في حال الأكل والشرب وغير ذلك من أنواع معاشه وحياته اليومية يجد كثيراً من التقلبات التي تمر عليه، هذه التقلبات التي تمر شرع الله أذكاراً محاذية لها في البدايات والنهايات ليدل الإنسان على أنه ينبغي أن يبتدئ عمره بذكر الله ويختمه بذكر الله، لدينا أذكار شرعها الله في النوم وأذكار شرعها للاستيقاظ، وأذكار شرعها للأكل وأذكار شرعها للشرب، وأذكار للصباح وأذكار للمساء، وأذكار للسفر وأذكار للقدوم، كل هذه المرتبة على الأحوال تدلنا على أن هذه الأحوال آجال محددة، وعمر الإنسان بمثابة سفر يقطعه وهو جاد في طريق محدد يسير فيه لياله وأيامه ويوشك أن يصل إلى النهاية.

تذكير النوم بالموت

هذا العمر الذي هو عمر الإمكان من أوضح ما فيه الاستيقاظ من النوم؛ فالنوم موت أصغر تزول فيه الجوارح وتذهب فيه النفس كل مذهب، ثم يمسك الله تعالى ما شاء من النفوس فلا يردها إلى أبدانها ويأذن لبعض النفوس إذا شاء فيردها إلى أبدانها ويستيقظ الإنسان كأنه بعث من جديد، فما هو إلا موت أعقبته حياة؛ ولذلك قال الله تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى[الزمر:42]، ولهذا شرع لنا إذا نحن استيقظنا من المنام أن نبدأ بذكر الله؛ فإن النائم إذا بدأ بذكر الله أول ما يستيقظ ثم توضأ ثم صلى انحلت عقد الشيطان التي يعقد على قافية رأسه، ويقول في استيقاظه: ( الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره )، فكثير من الناس في نومه لا يرد الله عليه روحه وكثير منهم يرد عليه روحه ولكنه يصبح غير معافىً في بدنه، قد أصيب بمرض عضال في نومته تلك، إما في إيمانه وقلبه وإما في بدنه، كثير من الناس قد لا يشعر بالأمراض الإيمانية التي تصيبه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الرجل لينام النومة فيسرى على أمانته من قلبه فيبقى أثرها كالوكت، كجمر دحرجته على رجلك فنفط وانتفخ )، فيبقى أثر الأمانة في قلبه منتفخاً وليس فيه شيء، وهكذا فيأتي نقص الإيمان بالتدريج ويستيقظ الشخص من نومته وقد أخذ منه أعز شيء لديه وهو الإيمان، ثبتني الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

كذلك يبتلى بكثير من الأمراض التي لا تظهر أعراضها في الساعة الأولى ولكنها تأتي بالتدريج، وكانت قد كتبت في تلك اللحظة حينما ينام ويذهب عنه عقله وتأتي معقبات الله سبحانه وتعالى من بين يديه ومن خلفه.

ثم إنه إذا استيقظ وقام قد أتيحت له فرصة جديدة ليفتح صفحة جديدة مع الله تعالى وليتوب إليه وليندم على ما فات ويستدرك ما هو مستقبل بين يديه؛ فلذلك يحاول أن يكون قد أذن له بذكر الله؛ فكثير من الناس يستيقظ فيرد الله عليه روحه ويقوم معافىً في بدنه ولكنه لا يؤذن له بذكر الله، يشغل عن ذكر الله إما بالكفر وإما بالنسيان وإما بالغلفة وإما بالإعراض وإما بالانشغال بأمور الدنيا، كل ذلك يشغل الله به من لا يريد لهم الفضل ولا يزكيهم ولا يطهرهم؛ فيشغلهم عن ذكر الله، فيستيقظون كما تستيقظ البهائم تقوم من نومتها وتشتغل في معاشها دون أن تشعر بالانتقال من حال إلى حال، ودون أن تحمد نعمة الله على هذا العمر المتجدد وهذه النعمة العظيمة.

عمر الدنيا ومنتهاه

ثم إن العمر الثاني من أعمار الإنسان هو عمر هذه الدنيا التي يعيش فيها وهذه الدنيا ليست دار قرار، لها عمر محدد في علم الله، والمشكلة فيها أن عمرها لا يدري أحد إلا الله سبحانه وتعالى وقت نهايته؛ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً[الأعراف:187]، يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ[الأعراف:187]؛ فالله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعلم متى تقوم الساعة، والساعة أمرها عظيم، نهاية هذه الدنيا أمر عظيم جداً، لاحظوا الفرق بينه وبين بدايتها، ويتضح ذلك في حال ميلاد الإنسان وحال موته، الفرق بين حال الميلاد وحال الموت، حال الميلاد يأتي فيه وقد قدم إلى هذه الدنيا ورأى النور بعد أن كان في الظلمات بعد أن كان في الرحم وفي المشيمة داخل الرحم، يخرج فيرى النور ويوقن بأمر جديد ويفتتح حياة جديدة، ولكنه يدخل إليها بمسرة وبرحمة والناس مقبلون عليه فرحون به، لكنه في حال الموت ينقلب ذلك الفرح إلى حزن ويتضاعف، فساعة الموت يكون الحزن فيها أضعاف السرور في ساعة الميلاد.

فهذا الانتقال الذي يحصل مثال للانتقال من هذه الدنيا وطي صفحاتها عندما تشقق السماء وتبدل غير السماء وتطوى الأرض وتبدل غير الأرض، وينادي منادي الله تعالى في الناس: أن هلموا إلى ربكم! فيخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون، ويجتمعون في الساهرة يلتقي أولهم وآخرهم، يجتمعون جميعاً لا يفقد منهم سقط ولا كبير ولا صغير، من مات قبل آلاف السنين كمن مات في لحظته تلك، يداركون فيها جميعاً؛ حينئذ تقوم الساعة وتأتي الطامة والصاخة، ويأتي وعد الله الحق الذي لا مرية فيه ولا جدال، في ذلك الوقت ينتهي أمر هذه الدنيا التي هي دار عمل ولا جزاء.

بداية عمر الآخرة

ويبتدئ عمر الآخرة التي هي دار جزاء ولا عمل، ينصرف الإنسان عما كان فيه مما مكن له فيه في هذه الدنيا، وقد مكن له في كثير من الأمور التي لا يصحبه منها إلا عمله، ينظر يمينه فلا يرى إلا عمله وينظر شماله فلا يرى إلا عمله وينظر أمامه فلا يرى إلا عمله وينظر من خلفه فلا يرى إلا عمله، لا يصحبه من هذه الدنيا غير عمله؛ ولذلك يحشر الناس إلى ربهم حفاة عراة غرلاً، الرجال والنساء يجتمعون جميعاً في صعيد واحد.

هذا الأمر الشاق العظيم الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ[الحج:1-2]، هذا انتهاء لعمر هذه الدنيا التي أنتم فيها، وهو موت هذه الدنيا، يعقبه بعث وانطلاقة جديدة وحياة دائمة مستقرة؛ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[العنكبوت:64]، هي الحياة الحقيقة وأما هذه الحياة الدنيا فما هي إلا ظل لانتهائها؛ فإنها ولو طالت آلاف السنين فلابد أن تنتهي إلى أجل محدد.

ومثال عمر الإمكان مثال هذا الشريط الذي يسجل فيه الصوت؛ فهو تسعون دقيقة أو ستون دقيقة يمتلئ بما ملأته به؛ فإذا انتهى أمده توقف ولم يقبل زيادة؛ فكذلك طاقات الإنسان كلها بمثابة عمر هذا الشريط لها أجل محدد في علم الله تعالى، وإذا انتهت إليه توقفت، هذا العمر الأول هو عمر الإمكان الذي كل الناس - إلا من رحم الله - في غفلة عنه.

والشرع قد نبه إليه في كثير من المواضع ومنها الأذكار المرتبة على الانتقال من حال إلى حال؛ فالإنسان العاقل ذو البصيرة النيرة يدرك انتقاله من الدنيا وتنقله عنها بكثرة التقلبات التي تطرأ في حياته، فهو عندما يصبح ويرى الفجر ينبثق من الجهة الشرقية ثم يرى الشمس تخفيه يراها أيضاً عندما تغرب إلى الجهة الغربية ويأتي الليل يكوره الله على النهار، وهذا انتقال من حال إلى حال وتغير من واقع إلى واقع، وكذلك عندما يجنه الليل ويسدل أطنابه ويأتي بظلامه؛ فإن وراءه فجراً لابد سيطلع وينتهي إليه أمد ذلك الليل، وكذلك الإنسان في حال يقظته وتمام عقله وإدراكه تأخذه السنة والنوم فيزول عقله في لحظة من اللحظات، وسبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم، وبتلك السنة والنوم يستحضر الإنسان ويتذكر انتقاله من حال إلى حال هو قبل أن ينعس وينام كان حاضر الجوارح حاضر العقل، مفكراً يمكن أن يستفيد ويسمع ويرى، وخلال لحظة عين يذهب الله كل ذلك؛ فإذا به مغطى جميع وسائل الإدراك.

وكذلك في حال الأكل والشرب وغير ذلك من أنواع معاشه وحياته اليومية يجد كثيراً من التقلبات التي تمر عليه، هذه التقلبات التي تمر شرع الله أذكاراً محاذية لها في البدايات والنهايات ليدل الإنسان على أنه ينبغي أن يبتدئ عمره بذكر الله ويختمه بذكر الله، لدينا أذكار شرعها الله في النوم وأذكار شرعها للاستيقاظ، وأذكار شرعها للأكل وأذكار شرعها للشرب، وأذكار للصباح وأذكار للمساء، وأذكار للسفر وأذكار للقدوم، كل هذه المرتبة على الأحوال تدلنا على أن هذه الأحوال آجال محددة، وعمر الإنسان بمثابة سفر يقطعه وهو جاد في طريق محدد يسير فيه لياله وأيامه ويوشك أن يصل إلى النهاية.

هذا العمر الذي هو عمر الإمكان من أوضح ما فيه الاستيقاظ من النوم؛ فالنوم موت أصغر تزول فيه الجوارح وتذهب فيه النفس كل مذهب، ثم يمسك الله تعالى ما شاء من النفوس فلا يردها إلى أبدانها ويأذن لبعض النفوس إذا شاء فيردها إلى أبدانها ويستيقظ الإنسان كأنه بعث من جديد، فما هو إلا موت أعقبته حياة؛ ولذلك قال الله تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى[الزمر:42]، ولهذا شرع لنا إذا نحن استيقظنا من المنام أن نبدأ بذكر الله؛ فإن النائم إذا بدأ بذكر الله أول ما يستيقظ ثم توضأ ثم صلى انحلت عقد الشيطان التي يعقد على قافية رأسه، ويقول في استيقاظه: ( الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره )، فكثير من الناس في نومه لا يرد الله عليه روحه وكثير منهم يرد عليه روحه ولكنه يصبح غير معافىً في بدنه، قد أصيب بمرض عضال في نومته تلك، إما في إيمانه وقلبه وإما في بدنه، كثير من الناس قد لا يشعر بالأمراض الإيمانية التي تصيبه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الرجل لينام النومة فيسرى على أمانته من قلبه فيبقى أثرها كالوكت، كجمر دحرجته على رجلك فنفط وانتفخ )، فيبقى أثر الأمانة في قلبه منتفخاً وليس فيه شيء، وهكذا فيأتي نقص الإيمان بالتدريج ويستيقظ الشخص من نومته وقد أخذ منه أعز شيء لديه وهو الإيمان، ثبتني الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

كذلك يبتلى بكثير من الأمراض التي لا تظهر أعراضها في الساعة الأولى ولكنها تأتي بالتدريج، وكانت قد كتبت في تلك اللحظة حينما ينام ويذهب عنه عقله وتأتي معقبات الله سبحانه وتعالى من بين يديه ومن خلفه.

ثم إنه إذا استيقظ وقام قد أتيحت له فرصة جديدة ليفتح صفحة جديدة مع الله تعالى وليتوب إليه وليندم على ما فات ويستدرك ما هو مستقبل بين يديه؛ فلذلك يحاول أن يكون قد أذن له بذكر الله؛ فكثير من الناس يستيقظ فيرد الله عليه روحه ويقوم معافىً في بدنه ولكنه لا يؤذن له بذكر الله، يشغل عن ذكر الله إما بالكفر وإما بالنسيان وإما بالغلفة وإما بالإعراض وإما بالانشغال بأمور الدنيا، كل ذلك يشغل الله به من لا يريد لهم الفضل ولا يزكيهم ولا يطهرهم؛ فيشغلهم عن ذكر الله، فيستيقظون كما تستيقظ البهائم تقوم من نومتها وتشتغل في معاشها دون أن تشعر بالانتقال من حال إلى حال، ودون أن تحمد نعمة الله على هذا العمر المتجدد وهذه النعمة العظيمة.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4132 استماع
المسؤولية في الإسلام 4060 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3907 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع