نصرة الإسلام الوسائل والغايات [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، وعلى من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن لله الحجة البالغة على عباده جل شأنه، وإنه جل وعلا يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة؛ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23]، وقد أراد بحكمته البالغة أن يجعل الموت والحياة امتحاناً للناس وابتلاءً لهم؛ فجعل هذه الدار دار عمل ولا جزاء، وجعل بعدها الدار الآخرة دار جزاء ولا عمل، وجعل هذه الدنيا مسرحاً للصراع بين الحق والباطل، ولو شاء ما خلق إبليس وما خلق الشر كله، ولو شاء لما كفر به أحد من خلقه، فالبشر لا يمثلون من خلق الله إلا نسبة ضئيلة يسيرة، وما أهون الأرض وأهلها إذا عصوه وكفروا به، فالأرض ومن عليها لا تساوي شيئاً من ملكوت الله جل جلاله.

ولذلك أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله قيوم لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه أمر الليل قبل النهار، وأمر النهار قبل الليل، حجابه النور )، وفي رواية: ( حجابه النار لو كشف الحجاب عن وجهه لحظة لأحرقت سبحات وجهه ما وصل إليه بصره من خلقه )، فلذلك لو شاء الله لآمن كل من في الأرض، ولو شاء لجعل الناس كالدواب والشجر وغيرها من الخلائق التي هي مفطورة على أصل الدين.

فالله تعالى يقول في سورة الحج: أَلَمْ تَرَ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ[الحج:18]، وهذه الآية صريحة في أن الأصناف الأخرى غير الإنس والجن كلها موحدة وكلها ساجدة عابدة لله ليس فيها هذا الصراع الذي وجد في الإنس والجن، وهذا يدل على حكمة الله البالغة؛ فلو شاء لجعل الناس جميعاً كما سبق من الأصناف المسخرين للعبادة والطاعة ولكنه أراد بحكمته البالغة أن يجعل هذه الدنيا مسرحاً للحق والباطل يتصارعان فيها، وله في ذلك حكمه التي لا تحصى.

ولذلك قال جل من قائل: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ[يونس:99-100]، وقال تعالى في الآيات التي سمعتم من سورة محمد: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ[محمد:4]، فهذا امتحان وابتلاء في هذه الدار فقد خلق الله إبليس للشر وحكمة الله في خلقه هي الإغواء والشر، وخلق حزب الشيطان ذرأهم للنار؛ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ[الأعراف:179]، خلقهم الله ليكفروا به وليعصوه، وله الحكمة البالغة في ذلك.

إذا عرفنا هذا عرفنا أن هذه الدار ليست دار قرار، وإنما هي دار امتحان وعمل، وأنها بنيت على سنن من عند الله سبحانه وتعالى ماضية، ومن هذه السنن سنة التدافع بين الحق والباطل، وهذه السنة لا يمكن أن تتوقف لحظة، فلو توقفت لحظة لفسدت الأرض لو توقفت سنة الدفع فتمحض الحق على الأرض ولم يبق للباطل وجود لاستحق أهل الحق أن ينقلوا إلى الجنة لأنهم نجحوا في الامتحان والجنة هي دار الجزاء، ولو تمحض الباطل على الأرض فلم يبق للحق وجود ولم يبق منكر لهذا الباطل ولا راد له فإن أهل الأرض حينئذ لابد أن يحل عليهم سخط الله، ( إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله )، وذلك حين لا يبقى على الأرض من يقول الله.

سنة التدافع في الأرض

ولهذا بين الله أهمية هذه السنة للأرض وما عليها؛ فقال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ[البقرة:251]، لولا هذه السنة لفسدت الأرض، وهذه السنة تقوم على الصراع بين حزب الله وحزب الشيطان، فحزب الله هم أهل الهداية الذين خلقهم الله ليكرمهم خلقهم لجنته كما قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[هود:118-119]، وبين حزب الشيطان الذين خلقهم الله لناره ومعصيته ومخالفته؛ فهم مفطورون على ذلك، واللوائح منزلة من عند الله؛ فلان ابن فلان مستغل في حزب الله لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وفلان بن فلان مستغل في حزب الشيطان لإغواء الناس والصرف والصد عن سبيل الله، ولا يستطيع الإنسان التدخل في هذه اللوائح فليست على أساس مستوى الإنسان الثقافي ولا مستواه العلمي ولا مستواه الاجتماعي ولا مستواه الاقتصادي، بل هو اختيار من عند الله ولذلك قال الله تعالى: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[الأنعام:124]، فلذلك لا معقب لحكمه جل جلاله.

وقد ذكر أهل العلم أن أول من يأخذ كتابه بيمينه يوم القيامة أبو سلمة بن عبد الأسد وأن أول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة شقيقه الأسود بن عبد الأسد خرجا من بطن واحدة، لكن أحدهما سجله الله في حزب الله واختاره لأن يكون من ناصري كلمة الله، والآخر سجله الله في حزب الشيطان وخذله فكان من ناصري دعوة الشيطان والساعين لتحقيق يمينه؛ فحزب الله يسعون لهداية الناس إلى الله، يسعون لتمهيد الطريق أمام الناس ليعرفوا ربهم وليعبدوه ولأن لا يشركوا به شيئاً وليفوا له ببيعته معهم، وعهده المؤكد في أعناقهم الذي أخذه في عالم الذر عندما مسح بيمينه ظهر آدم فأخرج منه ذرية فقال آدم : أي ربي! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره أخرى فأخرج منه ذرية فقال آدم : أي ربي! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنار وبعمل أهل النار يعملون، ثم خلطهم حتى ما يتميزون فناداهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، قالها مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم كلهم جميعاً أقروا بذلك، قالوا: بلى، شهدنا؛ فأقام الله عليهم الحجة وأخذ عليهم العهد أن يعبدوه وأن لا يعبدوا الشيطان قال الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ[يس:60-61].

لكن علم الله بحكمته البالغة أن حزب الشيطان يسعون لتحقيق يمين إبليس بإغواء الناس وقد أقسم بعزة الله ليغوين أكثر الناس عن سبيل الله؛ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ[ص:82-83]، وقد أخبرنا الله أن هذه اليمين صدقت على أكثر الناس، قال: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ[سبأ:20]، (إلا فريقاً من المؤمنين) و (من) هنا بيانية أي: هذا الفريق هم المؤمنون، وقيل: (من) تبعيضية، فبعض المؤمنين أيضاً اتبعوا إبليس بالفسق فهم مع ذلك بإيمانهم لا يخرجون من أصل الإيمان، ولكن بفسقهم دخلوا في حزب الشيطان، فـ(من) فيها خلاف هل هي بيانية أو تبعيضية.

استمرار الصراع بين الحق والباطل

وبهذا يعلم أن هذا الصراع موجود مستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها فما من إنسان ترونه على وجه الأرض إلا وهو من حزب الله أو من حزب الشيطان، على كل إنسان أن يبحث عن نفسه ما محله من الإعراب وما موقعه وفي أي الحزبين سجل ومن أي الحزبين هو؟ وما العمل الذي ينبغي أن يقوم به لتحقيق انتمائه للحزب الذي هو منه؟ فهذا من واجبات الإنسان، والإنسان إذا عرف أنه من حزب الله واختار طريق الهداية فإن ذلك يقتضي منه عملاً ونصرة لدين الله وإعلاءً لكلمته ووفاء ببيعة مؤكدة أكدها الله بالتوراة والإنجيل والقرآن؛ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:111].

ولهذا بين الله أهمية هذه السنة للأرض وما عليها؛ فقال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ[البقرة:251]، لولا هذه السنة لفسدت الأرض، وهذه السنة تقوم على الصراع بين حزب الله وحزب الشيطان، فحزب الله هم أهل الهداية الذين خلقهم الله ليكرمهم خلقهم لجنته كما قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[هود:118-119]، وبين حزب الشيطان الذين خلقهم الله لناره ومعصيته ومخالفته؛ فهم مفطورون على ذلك، واللوائح منزلة من عند الله؛ فلان ابن فلان مستغل في حزب الله لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وفلان بن فلان مستغل في حزب الشيطان لإغواء الناس والصرف والصد عن سبيل الله، ولا يستطيع الإنسان التدخل في هذه اللوائح فليست على أساس مستوى الإنسان الثقافي ولا مستواه العلمي ولا مستواه الاجتماعي ولا مستواه الاقتصادي، بل هو اختيار من عند الله ولذلك قال الله تعالى: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[الأنعام:124]، فلذلك لا معقب لحكمه جل جلاله.

وقد ذكر أهل العلم أن أول من يأخذ كتابه بيمينه يوم القيامة أبو سلمة بن عبد الأسد وأن أول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة شقيقه الأسود بن عبد الأسد خرجا من بطن واحدة، لكن أحدهما سجله الله في حزب الله واختاره لأن يكون من ناصري كلمة الله، والآخر سجله الله في حزب الشيطان وخذله فكان من ناصري دعوة الشيطان والساعين لتحقيق يمينه؛ فحزب الله يسعون لهداية الناس إلى الله، يسعون لتمهيد الطريق أمام الناس ليعرفوا ربهم وليعبدوه ولأن لا يشركوا به شيئاً وليفوا له ببيعته معهم، وعهده المؤكد في أعناقهم الذي أخذه في عالم الذر عندما مسح بيمينه ظهر آدم فأخرج منه ذرية فقال آدم : أي ربي! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره أخرى فأخرج منه ذرية فقال آدم : أي ربي! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنار وبعمل أهل النار يعملون، ثم خلطهم حتى ما يتميزون فناداهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، قالها مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم كلهم جميعاً أقروا بذلك، قالوا: بلى، شهدنا؛ فأقام الله عليهم الحجة وأخذ عليهم العهد أن يعبدوه وأن لا يعبدوا الشيطان قال الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ[يس:60-61].

لكن علم الله بحكمته البالغة أن حزب الشيطان يسعون لتحقيق يمين إبليس بإغواء الناس وقد أقسم بعزة الله ليغوين أكثر الناس عن سبيل الله؛ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ[ص:82-83]، وقد أخبرنا الله أن هذه اليمين صدقت على أكثر الناس، قال: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ[سبأ:20]، (إلا فريقاً من المؤمنين) و (من) هنا بيانية أي: هذا الفريق هم المؤمنون، وقيل: (من) تبعيضية، فبعض المؤمنين أيضاً اتبعوا إبليس بالفسق فهم مع ذلك بإيمانهم لا يخرجون من أصل الإيمان، ولكن بفسقهم دخلوا في حزب الشيطان، فـ(من) فيها خلاف هل هي بيانية أو تبعيضية.

وبهذا يعلم أن هذا الصراع موجود مستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها فما من إنسان ترونه على وجه الأرض إلا وهو من حزب الله أو من حزب الشيطان، على كل إنسان أن يبحث عن نفسه ما محله من الإعراب وما موقعه وفي أي الحزبين سجل ومن أي الحزبين هو؟ وما العمل الذي ينبغي أن يقوم به لتحقيق انتمائه للحزب الذي هو منه؟ فهذا من واجبات الإنسان، والإنسان إذا عرف أنه من حزب الله واختار طريق الهداية فإن ذلك يقتضي منه عملاً ونصرة لدين الله وإعلاءً لكلمته ووفاء ببيعة مؤكدة أكدها الله بالتوراة والإنجيل والقرآن؛ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:111].

وقد شرع الله تعالى لأوليائه وحزبه أن يدعوا إلى سبيله وأن يهدوا الناس إلى طريقه ومنهجه، وهذه الدعوة هي صفة الله جل جلاله فقد وصف الله بها نفسه فقال تعالى: وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[يونس:25]، وقال تعالى: وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ[البقرة:221]، وهي كذلك صفة محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى: وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[الأحزاب:46]، وقد أمره الله بها بقوله: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ[القصص:87]، وبقوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[النحل:125]، وقد أمره أن يخبر عن نفسه وعن أتباعه بأن الدعوة سبيلهم فقال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ[يوسف:108].

وقد أخبر الله تعالى أن هذه الدعوة هي أربى الأقوال عند الله فقد قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ[فصلت:33]، ومعنى ذلك: لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، وعمل صالحاً، وقال: إنني من المسلمين، فإذا كان الحال كذلك فإن علينا أن نعلم أن هذه الدعوة هي سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأن كل من لم يشارك فيها فليس من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى يقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[يوسف:108]، فكل من زعم أنه من أتباعه ولم يدع إلى ما دعا إليه فهو كاذب كذبه الله في كتابه بنص القرآن، فلابد أن يكون لكل إنسان منا مشاركة ومساهمة في إعلاء كلمة الله ونصرة دينه والسعي للتمكين لهذا الدين في الأرض.

المطلوب من الداعية

ونحن نعلم أن الله غني عنا وعن جهودنا، وأنه لا يحتاج إلى الأنصار، وأنه لو شاء لانتقم من أعدائه بطرفة عين، ولو شاء لما خلقهم أصلاً، لكن الامتحان لنا إنما هو ببذل العمل، أما النتائج فهي إلى الله من القدر، والتكليف بالشرع لا بالقدر؛ فالشرع أوجب الله فيه علينا الدعوة والقدر كتب الله فيه من يهتدي ومن لا يهتدي، شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[هود:105-108]، فلذلك كلفنا بالشرع الذي يقتضي منا بذل الجهود؛ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[المائدة:23]، ولم نكلف بالنتائج: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ[القصص:56]، فهداية التوفيق هي من عند الله وبيده وحده لا يقدر عليها المخلوقون، وهداية الإرشاد هي التي يستطيع المخلوقون إقامة الحجة بها، وإنارة المحجة بها.

ولذلك أثبت الله القدرة عليها لمحمد صلى الله عليه وسلم بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[الشورى:52]، ولاحظوا الفرق بين الهدايتين؛ إحداهما نفيت عنه القدرة عليها؛ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ[القصص:56]، وهذه هداية التوفيق، والأخرى أثبتت له القدرة وهي هداية الإرشاد: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ[الشورى:52-53]، وهداية الإرشاد هي التي أثبت الله لثمود فقال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى[فصلت:17]، وهداية التوفيق هي التي تسألونها في صلاتكم ويسألها الشيخ لنا جميعاً في الصلاة عندما يقرأ قول الله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ[الفاتحة:6]، فهذه هداية التوفيق لا هداية إرشاد، فهداية الإرشاد قد حصلت: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3].

الحوافز المغرية بالدعوة إلى الله

إذا عرفنا هذا عرفنا أننا جميعاً موظفون عند الله في ديوان الخدمة لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه وأن الله قد دعانا لنصرة هذا الدين ونصرة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وحفزنا إلى ذلك بأنواع الحوافز المغرية فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[التوبة:38-39]، وهذا الحافز هو أبلغ الحوافز للموظفين إذا قيل للموظف: إذا لم تؤد عملك على أحسن الوجوه فسنعزلك ونأتي بمن هو خير منك فيؤدي العمل على أحسن الوجوه، وقد جاء ذلك في القرآن في أربعة مواضع فقد قال الله تعال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ[المائدة:54].

والموضع الثاني في سورة التوبة وهو هذا الموضع وهو قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[التوبة:39-39].

والموضع الثالث هو ما سمعتم في سورة محمد: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[محمد:38]، وقد جيء بهذا الحافز في هذه الآية مربوطاً بأمرين عظيمين:

الأمر الأول: أن من قصر وبخل فإنما يبخل عن نفسه؛ لأن هذه الدنيا هي تجارة، ( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، والله يحصي الأعمال لعباده، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )، فقد مكننا الله في أنواع النعم وأقام علينا الحجة وأنار لنا المحجة في هذه الحياة الدنيا، وبين لنا أنها ليست دار قرار وإنما هي دار عمل نتزود منها للدار الآخرة، ( ما لي وما للدنيا، إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة )، ليس فيها لنا قرار؛ فهي حال سيال، وبقاء الحال من المحال؛ فلذلك لابد من التزود منها للدار الآخرة، وقد قال الأعشى حين سمع خطبة لرسول صلى الله عليه وسلم :

أجدك لم تسمع وصاة محمد رسول الإله حين أوصى وأشهدا

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على أن لا تكون كمثله فترصد للموت الذي كان أرصدا

فنحن منتقلون إلى الله سبحانه وتعالى، كل إنسان يأتي يحمل طائره في عنقه ويقال له: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[الإسراء:14]؛ فيقرأ بأعلى صوته ما في كتابه من الخير والشر، ويوضع الميزان بين يديه له كفتان ولسان؛ فكفة للحسنات وكفة للسيئات، فمن رجحت كفة حسناته نجا ومن رجحت كفة سيئاته هلك، فإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نتزود من هذه الدار للدار الآخرة؛ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ[محمد:38].

ثم الأمر الثاني هو قوله: وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ[محمد:38]، الله الغني، لا يحتاج إلى عبادة جبريل ولا إسرافيل ولا ميكائيل ولا محمد صلى الله عليه وسلم ولو شاء ما خلقهم؛ فكيف بمن دونهم من عباده وخلائقه! لا يبلغه عباده بنفع ولا بضر: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ).

ثم جاء الحافز الثالث: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[محمد:38].

أما الموضع الرابع فهو في قصص السالفين السابقين من الأنبياء المرسلين في سورة الأنعام فقد قص الله علينا قصصهم ثم قال بعد ذلك: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ[الأنعام:89]، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ[الأنعام:90]، فعند الله من العباد من خلقهم ليكرمهم، فهم في الدنيا في كرامة الله وفي الآخرة في دار النعيم، خلقوا ليكرموا فهم من نعمة إلى جنة، هؤلاء العباد خلق كثير؛ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ[الأنعام:89]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أطت السماء وحق لها أن تئط، فما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك لله فيه ساجد أو راكع ).

وذكر في حديث المعراج أنه لما أتى البيت المعمور إذا إبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو كل يوم يدخله سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون إليه، كل يوم يدخله سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون إليه، وذكر في حديث المحشر أن جهنم يؤتى بها - أجارني الله وإياكم - تقاد بسبعين ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك، أي: أربعة مليارات وتسعمائة مليون من الملائكة الكرام يجرون جهنم جراً، وكل واحد من البشر معه واحد وعشرون من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كل واحد من البشر معه واحد وعشرون من الملائكة، منهم صاحب اليمين الذي يكتب الحسنات، وصاحب الشمال الذي يكتب السيئات والقرين الذي يلم بقلبه، وملائكة الجوارح؛ كل جارحة عليها ملك، والمعقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، والملائكة الذين يتعاقبون بالليل وبالنهار يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ومجموع ذلك واحد وعشرون ملكاً.

إذا عرفنا كثرة عباد الله سوانا وعرفنا أن عبادتنا لا تساوي شيئاً من عبادتهم؛ فالملائكة عبادتهم دائمة قارة، الراكع منهم راكع دائماً، والساجد ساجد دائماً، والمسبح مسبح دائماً، وهكذا فهم في عبادة دائمة؛ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ[الأنبياء:20]، ولله خلائق أخرى لا نحيط بها علماً؛ فإذا عرفنا ذلك كان لزاماً علينا أن لا نقطع علاقتنا بالله جل جلاله لشدة حاجتنا إليه في كل الأوقات؛ فلذلك شرع لنا أن ننصر دينه وأن نعلي كلمته وأن نبذل الجهود في ذلك.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4133 استماع
المسؤولية في الإسلام 4060 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3908 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع