مكانة الأقصى عند المسلمين


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى يختار من الأزمنة والأمكنة والأشخاص ما شاء، وقد شرف المساجد جميعاً في الأرض، فنسبها إلى نفسه، وأضافها إضافة تشريف، فجعلها لله ليس لأحد عليها سلطان، وجعلها مكان عبادته المخصوص، وشرف أهلها الذين يعبدون الله فيها، وأثنى عليهم بذلك، فقال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:35-38].

تشريف الله تعالى للمسجد

ولذلك فإنه كلف بها ملائكةً من ملائكة قدسه يكتبون الناس على أبواب المساجد الأول فالأول، ويعمرونها، وعمارها من البشر هم أفضل أهل المحلة، فالذين يأتون إلى المساجد ويعمرونها ويكونون في الصفوف الأولى هم أفضل أهل محلتهم؛ ولذلك يشهد لهم بالإيمان، فقد أخرج الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله تعالى يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [التوبة:18] ) .

والذين يعمرونها قسمان: منهم: الذين يبنونها، ومنهم: الذين يصلون فيها، فكل ذلك عمارة لها، فالذين يبنونها أعدوها للعبادة، وأنفقوا في سبيل ذلك، فهم مثابون بقدر ثواب كل من صلى فيها، أو ذكر، أو قرأ، أو سمع النداء، أو استجاب له، أو سمع الدرس، أو سمع الشريط المسجل فيها، يثابون على ذلك كله، ولو ماتوا يبقى الثواب رائحاً غادياً عليهم في قبورهم.

بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى

وقد كان أنبياء الله عليهم السلام من الذين يبادرون ببناء المساجد وعمارتها، فأنتم تعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً كان أول عمل قام به أن بنى مسجد قباء، ثم بنى المسجد النبوي الشريف، وكذلك أنبياء الله من قبله، فإبراهيم عليه السلام لما هاجر إلى الشام بنى بيت المقدس لله سبحانه وتعالى وذلك بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة، وقد قيل: المقصود ببنائه بعد المسجد الحرام بأربعين سنة بناء الملائكة له، فالمسجد الحرام هو أول بيت وضع للناس كما قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ [آل عمران:96].

وقد ثبت في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الذي بعده هو المسجد الأقصى، وأن بينهما أربعين سنة، فبعض المفسرين يحمل ذلك على البناء الأول، أي: بناء الملائكة في عهد آدم ، فيكون أول بيت وضع للناس المسجد الحرام، وثاني بيت وضع للناس: المسجد الأقصى، والملائكة بنوا المسجدين معاً في عهد آدم عليه السلام.

قصة إبراهيم وزوجته وابنه في أرض مكة

ثم بعد ذلك أمر الله إبراهيم ببنائهما، فبنى المسجد الحرام أولاً وذلك لما أمر بالهجرة إليه، وأن يأخذ جاريته وولدها الصغير وهو إسماعيل، وقد أنعم الله به عليه في كبر سنه بعد أن سأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه ولداً صالحاً، فوهب الله له إسماعيل، وامتحنه كثيراً من الامتحانات منها: عداوة أهله له، ومنها: رميه في النار، ومنها: تعصب أهله عليه جميعاً، فلم يؤمن منهم إلا سارة ولوط.

ومنها: الهجرة عن وطنه، والاستقرار بالشام، ثم امتحن بعد ذلك بأن يحمل الجارية وولدها، ويتركهما بواد غير ذي زرع في وسط جزيرة العرب بعيداً عن العمران، وليس لهما أي زاد ولا غذاء إلا يسيراً من الماء في القربة، فجاء إلى مكان المسجد الحرام بين تلك الجبال الشاهقة قبيل الغروب، فوضع الجارية وابنها هنالك في جوف ذلك الوادي المظلم وقد أقبل الليل بظلامه، وقفل راجعاً إلى الشام، فلما رأته مدبراً قالت: يا إبراهيم! آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا. فقد كانت متوكلةً على الله سبحانه وتعالى بهذه الدرجة من التوكل: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. فاطمأنت لهذا الأمر، ونجحت في الامتحان كما نجح إبراهيم عليه السلام، ولما نفد ماؤهما وظمئت ظمأً شديداً تركت ولدها، وجعلت تجري لتقف فوق المرتفعات من حوضها، وأقرب المرتفعات إليها الصفا، ثم تجري إلى المروة لعلها ترى أحداً أو حيواناً أو شيئاً، فكانت إذا صعدت مشت، وإذا انحطت في الوادي أسرعت؛ لأنها تخاف على ولدها، فبينما هي في سيرها ذلك وقد سعت بين الصفا والمروة أشواطاً إذ رأت الماء عند ولدها فأسرعت إليه، فوجدت عند قدميه ماء قد نبع من الأرض، فجمعت له حجارةً وجعلت تقول: زمزم، تجمعه بذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو تركته لكان نهراً جارياً ).

فضل ماء زمزم

وهذا الماء هو أشرف المياه الموجودة الآن على وجه الأرض، فأفضل ماء على وجه الأرض هو الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خرج من جسده الشريف الذي هو أطهر وأشرف مخلوقات الله جل جلاله، ثم بعد ذلك ماء زمزم؛ ولذلك اختير لغسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم عند شقه مرتين، وهو كما بين النبي صلى الله عليه وسلم: ( شفاء سقم، وطعام طعم ) ، وهو لما شرب له، وقد كان الناس يشربونه لقصد الشفاء من الأمراض فيشفون، ويشربونه للعلم فينالونه، وللحفظ فينالونه، وقد قال الشافعي : شربت ماء زمزم لكل شيء حتى الرماية، فكان يكسر من عشرة أغراض تسعة.

وقد قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أبو الفضل رحمة الله عليه: شربت ماء زمزم لأن أكون في الحفظ مثل الذهبي ، فصرت مثل الذهبي ، فقلت: يا ليتني كنت شربته لأكون أفضل من ذلك.

ولذلك فإنه كلف بها ملائكةً من ملائكة قدسه يكتبون الناس على أبواب المساجد الأول فالأول، ويعمرونها، وعمارها من البشر هم أفضل أهل المحلة، فالذين يأتون إلى المساجد ويعمرونها ويكونون في الصفوف الأولى هم أفضل أهل محلتهم؛ ولذلك يشهد لهم بالإيمان، فقد أخرج الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله تعالى يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [التوبة:18] ) .

والذين يعمرونها قسمان: منهم: الذين يبنونها، ومنهم: الذين يصلون فيها، فكل ذلك عمارة لها، فالذين يبنونها أعدوها للعبادة، وأنفقوا في سبيل ذلك، فهم مثابون بقدر ثواب كل من صلى فيها، أو ذكر، أو قرأ، أو سمع النداء، أو استجاب له، أو سمع الدرس، أو سمع الشريط المسجل فيها، يثابون على ذلك كله، ولو ماتوا يبقى الثواب رائحاً غادياً عليهم في قبورهم.

وقد كان أنبياء الله عليهم السلام من الذين يبادرون ببناء المساجد وعمارتها، فأنتم تعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً كان أول عمل قام به أن بنى مسجد قباء، ثم بنى المسجد النبوي الشريف، وكذلك أنبياء الله من قبله، فإبراهيم عليه السلام لما هاجر إلى الشام بنى بيت المقدس لله سبحانه وتعالى وذلك بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة، وقد قيل: المقصود ببنائه بعد المسجد الحرام بأربعين سنة بناء الملائكة له، فالمسجد الحرام هو أول بيت وضع للناس كما قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ [آل عمران:96].

وقد ثبت في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الذي بعده هو المسجد الأقصى، وأن بينهما أربعين سنة، فبعض المفسرين يحمل ذلك على البناء الأول، أي: بناء الملائكة في عهد آدم ، فيكون أول بيت وضع للناس المسجد الحرام، وثاني بيت وضع للناس: المسجد الأقصى، والملائكة بنوا المسجدين معاً في عهد آدم عليه السلام.

ثم بعد ذلك أمر الله إبراهيم ببنائهما، فبنى المسجد الحرام أولاً وذلك لما أمر بالهجرة إليه، وأن يأخذ جاريته وولدها الصغير وهو إسماعيل، وقد أنعم الله به عليه في كبر سنه بعد أن سأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه ولداً صالحاً، فوهب الله له إسماعيل، وامتحنه كثيراً من الامتحانات منها: عداوة أهله له، ومنها: رميه في النار، ومنها: تعصب أهله عليه جميعاً، فلم يؤمن منهم إلا سارة ولوط.

ومنها: الهجرة عن وطنه، والاستقرار بالشام، ثم امتحن بعد ذلك بأن يحمل الجارية وولدها، ويتركهما بواد غير ذي زرع في وسط جزيرة العرب بعيداً عن العمران، وليس لهما أي زاد ولا غذاء إلا يسيراً من الماء في القربة، فجاء إلى مكان المسجد الحرام بين تلك الجبال الشاهقة قبيل الغروب، فوضع الجارية وابنها هنالك في جوف ذلك الوادي المظلم وقد أقبل الليل بظلامه، وقفل راجعاً إلى الشام، فلما رأته مدبراً قالت: يا إبراهيم! آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا. فقد كانت متوكلةً على الله سبحانه وتعالى بهذه الدرجة من التوكل: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. فاطمأنت لهذا الأمر، ونجحت في الامتحان كما نجح إبراهيم عليه السلام، ولما نفد ماؤهما وظمئت ظمأً شديداً تركت ولدها، وجعلت تجري لتقف فوق المرتفعات من حوضها، وأقرب المرتفعات إليها الصفا، ثم تجري إلى المروة لعلها ترى أحداً أو حيواناً أو شيئاً، فكانت إذا صعدت مشت، وإذا انحطت في الوادي أسرعت؛ لأنها تخاف على ولدها، فبينما هي في سيرها ذلك وقد سعت بين الصفا والمروة أشواطاً إذ رأت الماء عند ولدها فأسرعت إليه، فوجدت عند قدميه ماء قد نبع من الأرض، فجمعت له حجارةً وجعلت تقول: زمزم، تجمعه بذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو تركته لكان نهراً جارياً ).

وهذا الماء هو أشرف المياه الموجودة الآن على وجه الأرض، فأفضل ماء على وجه الأرض هو الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خرج من جسده الشريف الذي هو أطهر وأشرف مخلوقات الله جل جلاله، ثم بعد ذلك ماء زمزم؛ ولذلك اختير لغسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم عند شقه مرتين، وهو كما بين النبي صلى الله عليه وسلم: ( شفاء سقم، وطعام طعم ) ، وهو لما شرب له، وقد كان الناس يشربونه لقصد الشفاء من الأمراض فيشفون، ويشربونه للعلم فينالونه، وللحفظ فينالونه، وقد قال الشافعي : شربت ماء زمزم لكل شيء حتى الرماية، فكان يكسر من عشرة أغراض تسعة.

وقد قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أبو الفضل رحمة الله عليه: شربت ماء زمزم لأن أكون في الحفظ مثل الذهبي ، فصرت مثل الذهبي ، فقلت: يا ليتني كنت شربته لأكون أفضل من ذلك.

ثم بعد ذلك بنى إبراهيم المسجد الأقصى بالشام بمدينة (إيليا) وهي مدينة القدس، وقد شرف الله ذلك المكان بمهاجر إبراهيم الخليل عليه السلام، واستقر في تلك الأرض المباركة، فالمسجد الأقصى مبارك وما حوله من الأرض كله مبارك، في الأرض التي باركنا فيها، والمسجد الأقصى قال الله فيه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1]، وما حوله هو أرض الشام فكلها مباركة، وبنى إبراهيم كذلك دمشق وبنى مسجدها، وبنى المسجد الذي اشتهر باسم مسجد الخليل، وهو في المدينة المسماة باسم الخليل الآن وعنده قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، وقبر إسحاق ويعقوب وزوجة إسحاق وهي أم يعقوب، و سارة ، فكلهم هنالك في تلك الرقعة المباركة الطيبة، وهذه الأرض هي مبعث الأنبياء، فجمهور الأنبياء بعثوا فيها، أو استقروا فيها، أو هاجروا إليها، فـإبراهيم بعث بالمشرق بأرض العراق بأرض الفينيقيين في مدينة (كوثا)، ثم هاجر منها إلى الشام، ويونس بن متى بعث في العراق كذلك في مدينة (نينوى) ثم خرج إلى الكعبة حاجاً وقد مر بالشام، وبعد ذلك إبراهيم عليه السلام ولوط عليه السلام وشعيب عليه السلام وأولاد إبراهيم فكلهم كان من أهل الشام، إما بالمولد والمبعث، وإما بالاستقرار.

ويوسف عليه السلام خرج من الشام صغيراً عندما رماه إخوته في الجب، فمرت به سيارة أي: قافلة، فأدلوا دلوهم فركب يوسف في الدلو فأخرجوه، فقال الذي بيده الدلو: يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً [يوسف:19]، وذهب به إلى مصر فباعوه بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20]، فوصل إلى عزيز مصر ، وتربى بمصر واستقر بها حتى بعث وهو في السجن، وأرسل إلى صاحبي السجن ثم إلى أهل مصر لإقامة العدل بها، وبها مات، فلما أمر الله موسى أن يهاجر ببني إسرائيل من مصر بحث موسى عن تابوت يوسف الذي فيه جسده الشريف، وأجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض كما في الحديث الصحيح: ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) ، فلم يجد إلا عجوزاً من بني إسرائيل كبيرة ذكرت أنها تعرف مكان قبره، ولكنها شرطت على موسى أن يدعو الله أن يرد عليها بصرها فقد عميت، فدعا لها موسى فرد الله عليها بصرها، فذهبت به إلى مكان قبر يوسف ونبشه فوجده في تابوته كما هو، فحمل التابوت معه إلى الشام.

والأنبياء بعد إبراهيم كلهم من ذريته، والذين ذكروا في القرآن لم يحد عنه منهم إلا آدم ونوح ولوط فهو ابن أخيه، و صالح وهود وهما من بني عمه من ذرية أرفخشذ بن شالح بن سام بن نوح ، وكذلك أخنوق وهو إدريس عليه السلام على الراجح، وهو جد نوح عند أكثر المؤرخين، فنوح بن لامك أو لمك بن مهلاييل بن يرد بن أخنوق ، وأخنوق هذا هو إدريس عليه السلام عند أكثر أهل التاريخ.

وذرية إبراهيم جعل الله فيهم الكتاب والنبوة كما بشره الله بذلك وضمنه له، فقد بشره الله بـإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب، وبارك فيهما، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب، فاستقروا بالشام، فبنى إبراهيم بيت المقدس، وكان الأنبياء يتعبدون فيه، ويقصدونه من بعيد، وقصدهم له استمر حتى حشرهم الله فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم، فجمعوا فيه جميعاً، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً هنالك قبل أن تفرض عليه الصلوات الخمس ليلة الإسراء وذلك في نفس الليلة التي فرضت فيها الصلوات الخمس، لكن قبل أن تفرض الخمس؛ لأن ذلك كان قبل العروج به إلى السماء، وقد فرضت الصلوات الخمس فوق السموات السبع بعد سدرة المنتهى عندما بلغ مكاناً يسمع منه صريف القلم.

بركة المسجد الأقصى وعظيم فضله

وهذا المكان المقدس المبارك جعل الله فيه كثيراً من الآيات والعبر، فمنها: البركة الظاهرة في الأقوات والأرزاق، ومنها كذلك آثار الأنبياء، ومنها كذلك: التعبد الذي لا ينقطع، ففي أي عصر من العصور منذ طوفان نوح إلى زماننا هذا لم ينقطع التعبد لله في هذا المكان، فقد كان مكاناً مخصوصاً بالعبادة دائماً، بينما البيت الحرام مكث مكانه مدةً بعد نوح وهو ربوة من الأرض، وقد أودع الحجر عند أبي قبيس حتى دلت إبراهيم خدوجٌ أو مزنة على مكان الكعبة كما قال الله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26].

أما المسجد الأقصى فقد بقي مسجداً قائماً، واستمر على ذلك، فكان أنبياء الله يؤمون فيه، وقد كان داود عليه السلام يصلي فيه إماماً، وسليمان عليه السلام، وذو الكفل وأيوب و إرميا وعدد كبير من الأنبياء الذين استقروا بتلك البقعة الشريفة الطاهرة المباركة.

اليهود والمسجد الأقصى

ثم توارثه الأنبياء وأتباعهم، وبقي فيهم رهبان الذين استثناهم الله من الذين لم يسخط عليهم من أهل الأرض، فقد كان تحت يد اليهود فترةً، فلما أكثروا فيه الفساد أسقط الله دولتهم فسلط عليهم بختنصر ومن جاء معه من البيزنطيين، فقتلوهم قتل عاد وإرم وأهلكوهم، فلم تبق لهم دولة بالشام؛ وذلك لسقوط دولتهم الأولى التي وعدهم الله بها، وقد وعدهم الله بقيام دولتين، وبين نهايتهما معاً، لكن كانت نهاية الأولى صريحةً في القرآن، وكانت نهاية الثاني غير صريحة؛ لأنها حديث عن المستقبل، وأسلوب القرآن إذا جاء فيه الحديث عن المستقبل جاء فيه تشابه، وإذا جاء فيه الحديث عن الماضي الذي قد انتهى جاء فيه إحكام، وهذا من أعجازه؛ فلذلك قال الله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً [الإسراء:4-5].

(فإذا جاء وعد أولاهما) أي: وعد هلاك الدولة الأولى وسقوطها، (بعثنا عليكم) يا بني إسرائيل! (عباداً لنا)، وهذه الإضافة هنا لا تقتضي إسلاماً ولا إيماناً ولا تشريفاً، فقد تكون للكفار، فهم عباد بمعنى الملك والخلق والرزق، فهم عباد لله بهذا المعنى؛ ولذلك لم يضفهم وإنما جر الضمير باللام التي هي دالة على الملك، بخلاف قول الله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً [الفرقان:63]، فقد أضيف العباد إلى الله جل جلاله بالإضافة المباشرة، ولم يقل: (وعباد لنا) كما هنا.

وكذلك قال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1] ولم يقل: بعبد له، فأضافه إلى نفسه إضافة تشريف، ومن هنا فلا يشترط أن يكون الذين سلطوا على اليهود بالشام في سقوط دولتهم الأولى من المسلمين، بل منهم بختنصر ، ومنهم البيزنطيون الذين جاءوا من أوروبا وهم الروم المسيحيون الأرثدوكس وهؤلاء أزالوا آثار دولة اليهود فلم تبق لهم باقية ببيت المقدس، وبقي بيت المقدس بيد الرهبان والأحبار من الروم.

الروم والمسجد الأقصى

وكان كثير من ملوك الروم فيما بعد من أهل العلم ودراسة الكتب؛ ولذلك فإن آخرهم هرقل كان من أصحاب الكتاب، وكان مطلعاً على كثير من الأمور التي جاء بها الوحي في الإنجيل أو في التوراة، وكان حزاءً ينظر في النجوم، وقد نظر في السماء ليلةً فأصبح حزيناً، فقال له أصحابه: إنا أنكرنا هيئتك، فقال: إني نظرت البارحة في السماء فرأيت ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ أي: من هذا العصر، قالوا: لا يختتن إلا اليهود، فهون عليك، فأرسل إلى أطراف مملكتك أن يقتل من فيهم من اليهود، فأجمعوا على ذلك، فبينما هم على أمرهم إذ قدم رسول ملك غسان -وهو رجل من العرب- يحمل الكتاب الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع دحية الكلبي إلى ملك غسان الحارث بن أبي شبل ليوصله إلى هرقل ، فأرسل به هرقل رجلاً من العرب، والعرب يحتكمون وقد بقي فيهم ذلك من ملة إبراهيم و إسماعيل، فلما رأى الرجل وقع في نفسه أنه قد يكون من أمة الختان التي ظهر ملكها، فأمر به فكشفت عورته فوجدوه مختوناً، فسأله عن العرب فقال: هم يختتنون، فقال: هذا ملك هذه الأمة، فأرسل إلى صاحب له بالقسطنطينية وكان نظيره في العلم، وذهب هو إلى حمص فاستقر بدسكرة بها حتى جاءه خبر صاحبه يوافقه على مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الذي ظهر هو ملك هذه الأمة الأمية، وبقي الرهبان مسيطرين على بيت المقدس، وكذلك من معهم من الأحبار.

قبلة المسجد الأقصى

كان المسجد الأقصى ذلك متعبداً لأهل جميع الملل، حتى إن المجوس الذين ليس لهم دين سماوي كانوا يأتون إلى بيت المقدس يتعبدون فيه، وفيه صخرة يعظمها بنو إسرائيل وهي قبلتهم، وبنو إسرائيل لم تكن لهم قبلة ثابتة، فلما بعث الله موسى وهارون وأمرهما ببناء بيوت لهما بمصر أمرهما أن يجعلا بيوتهما قبلة، قال: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس:87].

ثم بعد ذلك لما أمروا بالهجرة إلى الشام جعلوا الصخرة التي عند بيت المقدس قبلةً لهم فهي قبلة اليهود، وكان النصارى يعظمونها أيضاً، والنصارى قبلتهم إلى المشرق دائماً ليست مختصةً بتلك الصخرة، بل قبلة النصارى إلى المشرق أبداً، وقبلة اليهود هي التي أمرنا نحن في صدر هذه الأمة باستقبالها سبعة عشر شهراً من بداية الهجرة، ثم بعد ذلك نسخت فأعيدت القبلة إلى البيت الحرام، وهي مما تكرر فيه النسخ، فكانت القبلة ما دام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إلى البيت الحرام، ثم لما أتى المدينة أمر باستقبال الشام سبعة عشر شهراً، وكان يسأل الله أن يبدل له القبلة، فقال الله له: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، فتكرر النسخ إذاً في القبلة.

استلام عمر بن الخطاب لمفاتيح بيت المقدس

ولما فتح الله الشام على المسلمين في عهد أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووصلوا إلى بيت المقدس وقد انهزمت الجيوش لم يبق إلا الرهبان في الأديرة ومفاتيح مدينة (إيليا) بأيديهم، وقد كانت مدينةً مقدسة، فلم تكن فيها خطة إدارية لـهرقل ، وإنما كان رجال الدين والعلماء هم الذين يقومون بشأنها ويتولون إدارتها، فلما أتاهم أبو عبيدة بن الجراح وحاصرهم، وأمرهم بالاستسلام، وأنه يضمن لهم الأمان، ويضمن لهم العبادة، قالوا: إننا نجد في كتبنا صورة الرجل الذي سنسلم إليه المفاتيح، فإذا رأيناه سلمنا إليه المفاتيح وما لم نره لم نسلمها، فأخرجوا رقاعاً عندهم وفيها صور الأنبياء وصور بعض الخلفاء، ورآها رسول أبي عبيدة ، وكان رجلاً من الصحابة، فكانوا يخرجون له رقعةً فيها صورة من نسيج، فإذا رآها قال: لا أعرف هذا، حتى أروه رقعةً فيها صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكب عليها يقبلها ويبكي، قالوا: هذه صورة صاحبكم؟ قال: أجل، ثم أروه صورة أبي بكر ثم صورة عمر ، فقالوا: هذا الذي أمرنا أن نسلم إليه المفاتيح، فأرسل أبو عبيدة بذلك إلى عمر ، فخرج من المدينة على بعير له ومعه غلام له ومعهما مزود له فيه شعير، فكان العبد يركب تارةً فيقود به عمر ، ثم يركب عمر تارةً فيقود به العبد، وهو يلبس مرقعته وبيده عصاه وإداوته يحملها على كتفه يتوضأ بها حتى وصل إلى الشام، فانظروا إلى المسافة حتى وصل إلى بيت المقدس، وبيت المقدس من المدينة لا يقل عن ألفي كيلو متر تقريباً، فهذه مسافته تقريباً ألفي كيلو متر، وقد قطعها أمير المؤمنين ومعه عبده على هذا البعير تارةً يركب الأمير، وتارةً يركب العبد، وهو يلبس مرقعته وبيده عصاه، وفي رأسها إداوته التي يتوضأ بها، فلما وصل إلى الصحابة هنالك أتوه بثياب جدد، وأمروه أن يلبسها، وجاءوا ببغل، فلما ركب عمر على البغل فتحرك به، قال: ما هذا إلا شيطان كأنما يرقص فنزل عنه ثم قال: ائتوني ببعيري ومرقعتي، فلبس مرقعته وعاد على بعيره، فلما رآه الرهبان عرفوه فبكوا، وصعد أهل المدينة في الأسوار ينظرون إليه، فبكى عمر رحمةً بهم؛ لما رأى من حالهم وهم يبكون من خشية الله، ويتعبدون آناء الليل وأطراف النهار، ولم يتقبل الله منهم ذلك، فبكى عمر رحمةً بهم، فسلموا إليه مفاتيح مدينة القدس مدينة (إيليا).

وأقام عمر هنالك فأسس بناء المسجد، وكان عنده كعب الأحبار ، وهو فتىً من يهود اليمن من حمير، وكان أبوه حبر اليهود وعالمهم، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده، فأخذ كل موضع فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من التوراة فانتزعه فجعله في الصندوق وأغلق عليه وقال: يا بني! إياك أن تفتح هذا الصندوق؛ فإنك إذا فتحته هلكت، فمات الرجل فجأة، فحزن عليه كعب حزناً شديداً؛ لأنه أبوه ومعلمه وأستاذه، فلما رجع من جنازته وهو حزين جداً قال: لأفتحن هذا الصندوق الذي منعني أبي لعلي أجد فيه عزاءً أو تسليةً عنه بموته، فلما فتح الصندوق قال: فإذاً الأمر واضح هذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزال الحزن عن كعب ؛ لأنه لم يكن ليحزن على كافر كان يكتم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكتم ما جاء فيه من البينات والكتاب، فخرج إلى المدينة مسلماً، فجاء بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدرك الصحبة، ولكن كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلونه ويحترمونه؛ لأنه ممن يؤتى أجره مرتين بنص الحديث الصحيح: ( رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي )، فهو من الثلاثة الذين يؤتون أجرهم مرتين كما في حديث الشعبي عند البخاري وغيره في الصحيح؛ فلذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلون كعباً ، فكان أبو هريرة يروي عنه، وكان ابن عباس يروي عنه، وقد ذهب مع عمر إلى الشام، وحضر خطبته بالجابية وهي بالأردن، وخطبة عمر هنالك مشهورة؛ لأنه تكلم فيها عن جماعة المسلمين واستقرارهم بالشام، وعما يكفل تعايشهم فيما بينهم، وعن إمرتهم، وذكر فيها ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، فحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ) ، وذلك في خطبة عمر الطويلة بالجابية، وهي في صحيح مسلم وغيره.

بناء المسلمين للمسجد الأقصى

ولما أراد عمر تأسيس المسجد الأقصى وبناءه من جديد سأل كعباً قال: أين أجعله أمام الصخرة أو وراءها؟ قال: بل وراءها، لتكون أمامه الصخرة وتكون بينه وبين الكعبة، فنفض عمر يده من كعب وقال: هذا من بقايا دينك -أي من بقايا اليهودية- بل أجعل الصخرة وراء المصلين؛ لأنها نسخت، فبنى عمر المسجد وهو القائم إلى الآن، وجعل الصخرة عند ظهور المصلين، ولم يجعل عليها بناءً، وكان الرهبان واليهود إذ ذاك يأتون إلى الصخرة فيصلون عندها وهي خارج المسجد، والمسجد في موقعه الذي هو فيه الآن، حتى جاء عبد الملك بن مروان فسقف المسجد وجعل له قباباً، وغشى تلك القباب بالرصاص، ثم جاء الوليد بن عبد الملك فبنى القبة الموجودة الآن على الصخرة وهي القبة المذهبة، وكانت ذات شكل معماري هندسي عجيب لا نظير له في الدنيا، وقد جمع لها الوليد بن عبد الملك مهندسي العالم فأقاموها وبناها، فكانت الصخرة بداخلها، وأحاط المسجد كله بسور، وجدد هذا السور بعده عمر بن عبد العزيز ، ثم جدده بعد ذلك أمراء بني العباس، واستمر هذا السور إلى وقتنا هذا.

وكان الملوك في مشارق الأرض ومغاربها يعظمون المسجد الأقصى، فيهدون إليه الفرش، ويبنون فيه المياه، ويبنون أبواب السور ويجددونها؟ ولذلك الباب المعروف الآن في سوره بباب المغاربة، وقد هدمه اليهود عليهم لعنة الله، هذا الباب قد بناه ملوك المغرب في أيام إدريس بن إدريس بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وبني من مال أهل المغرب فنسب إلى المغاربة. وأقام فيه عدد من الملوك أيضاً أوقافاً كان ريعها ينفق على صيانة بيت المقدس، وعلى طلب العلم فيه، وقد جعلت قبة الصخرة للمعتكفين وطلبة العلم المجاورين، فكانوا يسكنونها، وقد كان إبراهيم بن أدهم يلازمها مدةً طويلة، وقد ذكر أنه في بداية توبته جاء إلى الصخرة فتوضأ فصلى وأنشأ يقول:

إلهي عبدك العاصي أتاك مقراً بالذنوب وقد دعاك

فإن تغفر فأنت لذاك أهل وإن تأخذ فمن نرجو سواك

وقد تاب توبةً نصوحاً، ونفع الله به هذه الأمة.

وهذا المكان المقدس المبارك جعل الله فيه كثيراً من الآيات والعبر، فمنها: البركة الظاهرة في الأقوات والأرزاق، ومنها كذلك آثار الأنبياء، ومنها كذلك: التعبد الذي لا ينقطع، ففي أي عصر من العصور منذ طوفان نوح إلى زماننا هذا لم ينقطع التعبد لله في هذا المكان، فقد كان مكاناً مخصوصاً بالعبادة دائماً، بينما البيت الحرام مكث مكانه مدةً بعد نوح وهو ربوة من الأرض، وقد أودع الحجر عند أبي قبيس حتى دلت إبراهيم خدوجٌ أو مزنة على مكان الكعبة كما قال الله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26].

أما المسجد الأقصى فقد بقي مسجداً قائماً، واستمر على ذلك، فكان أنبياء الله يؤمون فيه، وقد كان داود عليه السلام يصلي فيه إماماً، وسليمان عليه السلام، وذو الكفل وأيوب و إرميا وعدد كبير من الأنبياء الذين استقروا بتلك البقعة الشريفة الطاهرة المباركة.