عباد الرحمن [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن القرآن كلام الله جعل الله تعالى فيه الهدى والنور، وجعله مائدته في الأرض، وآخر الكتب المنزلة من عنده؛ فلا تفنى عجائبه ولا تنقضي علومه ولا يشبع منه العلماء، ومن تركه من جبار قصم الله ظهره، وقد نزله الله تعالى ليعمل به في النهار ويقام به في الليل؛ ليكون حكماً على الناس مهيمناً عليهم أجمعين، وليقام به في الليل فيتقرب إلى الله تعالى بتلاوته وتدبره وتعاهده، وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك في كثير من الأحاديث وحض الله تعالى على تدبره في كثير من الآيات، وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ).

التدبر والتفهم للقرآن

وإن سماع كلام الله تعالى يقتضي منا التدبر فيه والتفهم وأن نعلم أنه كلام الله فنحبه؛ لأنه آت من الله؛ ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون هذا القرآن حباً شديداً، حتى إن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه عندما حضره الموت أخذ المصحف، فكان يمره على خده ويبكي ويقول: (كتاب ربي.. كلام ربي). وإن كل متعامل مع كتاب الله عليه أن يستيقن أنه كتاب، أي: رسالة أرسلها الله إليه هو بالخصوص، فيتشرف بذلك ويحاول تطبيقه تماماً، فإذا سمع منه أمراً عرضه على نفسه، فإن كان ممتثلاً؛ فليحمد الله على ذلك، وإن كان غير ممتثل بادر إلى الامتثال قبل أن يسخط الله عليه، وإن وجد فيه نهياً عرضه على نفسه، فإن كان منتهياً عنه مجتنباً له حمد الله على ذلك واستمر عليه، وإن كان غير مستند لهذا النهي بادر بالتوبة إلى الله قبل أن يسخط عليه، وإن سمع فيه وعظاً اتعظ به؛ فكثير من القلوب لا يجد الوعظ إليها سبيلاً؛ فتكون مختوماً عليها ميتة، فيقرأ عليها القرآن الذي يقول الله فيه: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَهمْ يَتَفَكَّرُونَ[الحشر:21]، ومع ذلك لا تخشع القلوب لشدة قسوتها.

الاعتبار بقصص السابقين

وكذلك إذا وجد فيه قصصاً من أخبار السابقين أيقن صحتها، وعلم أنها درس وعبرة لمن يعتبر بها، فإن كانت في قصص الصالحين سأل الله أن يلحقه بالصالحين وأن يجعله منهم، وحاول الامتثال بما في تلك القصص من أحوال الصالحين؛ ولذلك قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: (حكايات الصالحين جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده). ومصداق ذلك من القرآن قول الله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ[هود:120].

كذلك إن كان فيه من أحوال أعداء الله تعالى الذين انتقم منهم وأيام الله تعالى ومثله في السالفين، فعلى الشخص أن يخاف منها وأن لا يقول: أنا مسلم أشهد أن لا إله إلا الله، وهؤلاء القوم الذين أهلكهم الله كانوا يكفرون بالله؛ لا، بل عليك أن تخاف مكر الله؛ فما أمن مكر الله مؤمن، عليك أن تخاف مكر الله على كل حال، وأن تعلم أن هؤلاء القوم لم يهلكوا لمجرد كفرهم؛ فالكفار كثير، وإنما أهلكوا بسبب المكر الذي أتوا به زيادة على ذلك؛ فالأمم التي أبادها الله وأهلكها كان إهلاكها بسبب الكفر وبسبب غيره من الأعمال الزائدة، فيمكن إذا لم يكفر الشخص ولكنه اقترف بعض الأعمال التي اقترفتها تلك الأمم، أن يواجه سخط الله فينتقم الله منه، وحينئذ يحل به مقت الله الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

لهذا كان علينا إذا سمعنا القرآن أن نتفهم فيه ونتدبره كما أمرنا الله؛ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[محمد:24]، ثم بعد ذلك إذا فهمنا منه شيئاً عملنا به وإذا لم نفهمه آمنا به، وهذه حقيقة التعامل مع القرآن أن ما فهمته منه عملت به وطبقته، وما لم تفهم منه آمنت به وصدقته وأحببته.

ويجب عند الاستماع إلى القرآن أن يتذكر الشخص عظمة الله عز وجل الذي وجه إليه هذا الكلام، وأن يعلم أن ما فيه كله لمصلحة الناس؛ قال ابن عباس : (إذا سمعت الله يدعوك؛ فاعلم أنه إما إلى خير يقدمك إليه أو إلى شر يصرفك عنه) فإذا سمعت: (يا أيها الذين آمنوا)، ( يا أيها الناس)؛ فاعلم أن الخطاب موجه إليك من ربك الذي خلقك وسواك، فبادر إلى التفهم والتلقي عن الله؛ لهذا فإن المستمع إليه ينبغي أن يعتقد أنه يستمع من ربه عز وجل، ولهذا يثاب المستمع لتلاوة القرآن حتى لو لم يقرأ هو، والذي لا يحفظ شيئاً من القرآن إذا استمع إلى قارئ بقصد العبادة كتب كالقارئ، وإذا سجد القارئ في موضع سجدة يأتم به؛ لأنه بمثابة القارئ؛ فهو أحد القارئين، فلهذا كان مستمعه كقارئه، فلا ينبغي أن يلغو ولا أن يلهو، وعليه أن يتحلى بالسكينة والوقار عند سماع كلام الله.

وإن سماع كلام الله تعالى يقتضي منا التدبر فيه والتفهم وأن نعلم أنه كلام الله فنحبه؛ لأنه آت من الله؛ ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون هذا القرآن حباً شديداً، حتى إن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه عندما حضره الموت أخذ المصحف، فكان يمره على خده ويبكي ويقول: (كتاب ربي.. كلام ربي). وإن كل متعامل مع كتاب الله عليه أن يستيقن أنه كتاب، أي: رسالة أرسلها الله إليه هو بالخصوص، فيتشرف بذلك ويحاول تطبيقه تماماً، فإذا سمع منه أمراً عرضه على نفسه، فإن كان ممتثلاً؛ فليحمد الله على ذلك، وإن كان غير ممتثل بادر إلى الامتثال قبل أن يسخط الله عليه، وإن وجد فيه نهياً عرضه على نفسه، فإن كان منتهياً عنه مجتنباً له حمد الله على ذلك واستمر عليه، وإن كان غير مستند لهذا النهي بادر بالتوبة إلى الله قبل أن يسخط عليه، وإن سمع فيه وعظاً اتعظ به؛ فكثير من القلوب لا يجد الوعظ إليها سبيلاً؛ فتكون مختوماً عليها ميتة، فيقرأ عليها القرآن الذي يقول الله فيه: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَهمْ يَتَفَكَّرُونَ[الحشر:21]، ومع ذلك لا تخشع القلوب لشدة قسوتها.

وكذلك إذا وجد فيه قصصاً من أخبار السابقين أيقن صحتها، وعلم أنها درس وعبرة لمن يعتبر بها، فإن كانت في قصص الصالحين سأل الله أن يلحقه بالصالحين وأن يجعله منهم، وحاول الامتثال بما في تلك القصص من أحوال الصالحين؛ ولذلك قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: (حكايات الصالحين جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده). ومصداق ذلك من القرآن قول الله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ[هود:120].

كذلك إن كان فيه من أحوال أعداء الله تعالى الذين انتقم منهم وأيام الله تعالى ومثله في السالفين، فعلى الشخص أن يخاف منها وأن لا يقول: أنا مسلم أشهد أن لا إله إلا الله، وهؤلاء القوم الذين أهلكهم الله كانوا يكفرون بالله؛ لا، بل عليك أن تخاف مكر الله؛ فما أمن مكر الله مؤمن، عليك أن تخاف مكر الله على كل حال، وأن تعلم أن هؤلاء القوم لم يهلكوا لمجرد كفرهم؛ فالكفار كثير، وإنما أهلكوا بسبب المكر الذي أتوا به زيادة على ذلك؛ فالأمم التي أبادها الله وأهلكها كان إهلاكها بسبب الكفر وبسبب غيره من الأعمال الزائدة، فيمكن إذا لم يكفر الشخص ولكنه اقترف بعض الأعمال التي اقترفتها تلك الأمم، أن يواجه سخط الله فينتقم الله منه، وحينئذ يحل به مقت الله الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

لهذا كان علينا إذا سمعنا القرآن أن نتفهم فيه ونتدبره كما أمرنا الله؛ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[محمد:24]، ثم بعد ذلك إذا فهمنا منه شيئاً عملنا به وإذا لم نفهمه آمنا به، وهذه حقيقة التعامل مع القرآن أن ما فهمته منه عملت به وطبقته، وما لم تفهم منه آمنت به وصدقته وأحببته.

ويجب عند الاستماع إلى القرآن أن يتذكر الشخص عظمة الله عز وجل الذي وجه إليه هذا الكلام، وأن يعلم أن ما فيه كله لمصلحة الناس؛ قال ابن عباس : (إذا سمعت الله يدعوك؛ فاعلم أنه إما إلى خير يقدمك إليه أو إلى شر يصرفك عنه) فإذا سمعت: (يا أيها الذين آمنوا)، ( يا أيها الناس)؛ فاعلم أن الخطاب موجه إليك من ربك الذي خلقك وسواك، فبادر إلى التفهم والتلقي عن الله؛ لهذا فإن المستمع إليه ينبغي أن يعتقد أنه يستمع من ربه عز وجل، ولهذا يثاب المستمع لتلاوة القرآن حتى لو لم يقرأ هو، والذي لا يحفظ شيئاً من القرآن إذا استمع إلى قارئ بقصد العبادة كتب كالقارئ، وإذا سجد القارئ في موضع سجدة يأتم به؛ لأنه بمثابة القارئ؛ فهو أحد القارئين، فلهذا كان مستمعه كقارئه، فلا ينبغي أن يلغو ولا أن يلهو، وعليه أن يتحلى بالسكينة والوقار عند سماع كلام الله.

في هذه الآيات الكريمات بين الله تعالى أوصافاً لقوم رضي أوصافهم، وبين جزاءهم وبين كثيراً من أحوالهم المرشدة إلى التحلي بها، وهذه الآيات ليست منزلة لتقرأ فقط دون أن تطبق، بل إذا وجدت مثلاً لقوم رضي الله عنهم فاعلم أن ذلك إرشاد لك؛ لأن تلتحق بهم وتطبق ما طبقوه وتعمل بما عملوه.

افتتح الله تعالى هذه الآيات بقوله جل ذكره: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا[الفرقان:63]، والواو هنا عاطفة، واختلف أهل التفسير هل هي من عطف الجمل أو من عطف المفردات، ولعل الراجح إن شاء الله تعالى أنها من عطف المفردات، ولكن المعطوف عليه متقدم قد حال دونه آيات متعددة، والمعطوف عليه هو ما سبق في قول الله تعالى: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا[الفرقان:59]، ثم عطف عليه: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ[الفرقان:63]؛ فلهذا يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الرحمن، وأن كل ما سواه عباد الرحمن، لكن هؤلاء العباد منهم الممتثل المجتنب، الذي يستحق أن يوصف بهذا الوصف الشريف، ومنهم من لا يستحق ذلك، منهم من هو عبد لهواه أو شيطانه، ومنهم من هو عبد للدنيا يلهث وراء الدراهم والدنانير، ومنهم من هو عبد لله خالص، أخلص العبودية لله فاستحق الشرف أن ينسب إلى عبودية الله.

وفي المقابل ذكر الذين لا يعبدون الله بعد هذه الآيات فقال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا[الفرقان:60]؛ فهؤلاء لا يستحقون أن يوصفوا بأنهم عباد الرحمن؛ لأنهم يقولون: (وما الرحمن؟) ما عرفوه، ولم يشتغلوا بمعرفة الله ولم يشتغلوا بعبادة الله؛ فلم يستحقوا هذا الوصف الشريف بأن يكونوا من عباد الله؛ فلهذا نعى عليهم هذا سبحانه وتعالى فقال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا[الفرقان:60].

ثم أثنى على عباده الذين يستحقون هذا الوصف الشريف فقال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ[الفرقان:63]، والعبودية هي أفضل وصف يوصف به المخلوق، وأبلغ ثناء على الله أن يوصف بأنه رب العالمين؛ ولهذا افتتح الثناء بذلك في الفاتحة: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2]، وأبلغ وصف يمدح به المخلوق أنه عبد لله؛ ولهذا افتتح الثناء على محمد صلى الله عليه وسلم به في قوله: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى[الإسراء:1]، ولم يقل: سبحان الذي أسرى برسوله، ولا بخليله ولا بنبيه، بل قال: (بعبده).

والعبد في اللغة تطلق على أربعة أمور:

عبودية المحبة

تطلق على المحب؛ فيسمى عبداً؛ لأنه تعلق قلبه بمن يحبه، وهذا من العبودية النازلة جداً بحسب المعبود، فإذا كان الشخص يحب الله تعالى ويتعلق به محبة شديدة فهو عبد لله عبودية المحبة، وهذا هو المذكور في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ[البقرة:165]، وإذا كان يحب غير الله ويتعلق به فهو عبد لذلك الذي يحبه، ومن ذلك قول الشاعر:

يا عمرو ثأري عند زهراء يعلمه السامع والرائي

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي

نعوذ بالله!

عبودية الخلق

القسم الثاني: عبودية الخلق؛ فكل مخلوق عبد لمن خلقه، وهذا يشمل الكافر والمؤمن، والحي والميت؛ فكل شيء مخلوق لله تعالى فهو عبد لله، فيطلق هذا على الجبال وعلى السموات وعلى الأرضين وعلى بني آدم مسلمهم وكافرهم؛ فهم جميعاً كلهم آتيه يوم القيامة فرداً، يشهدون له بالألوهية جميعاً يوم القيامة.

عبودية النعمة

القسم الثالث: عبد النعمة، وهو الذي أنعم عليه بنعمة امتلكت لبه، مثل من كان أسيراً فأطلق إساره؛ ولهذا يقول العرب: (غل يداً معتقها). ومثل من أنعم عليه الشخص نعمة أياً كانت؛ فإن شكره لتلك النعمة يسمى عبودية، وكفره بها يسمى كفراناً، ومن ذلك قول عنترة :

نبئت عمراً غير شاكر نعمتي والكفر مخبثة لنفس المنعم

فعبودية النعمة بمعنى الإحسان، والله سبحانه وتعالى هو الذي تأتي منه النعم كلها؛ فلا متفضل بخير إلا هو؛ فهو وحده الذي يستحق الشكر؛ لأنه ما من نعمة أياً كانت إلا هو المنعم بها والمتفضل بها؛ فيتفضل قبل المسألة ويجيب الداعي إذا دعاه بعد المسألة؛ فمن لم يسأله أعطاه ومن سأله أعطاه؛ فبذلك يستحق الشكر على النعمة، وهي عبودية النعمة.

عبودية الملك

القسم الأخير من أنواع العبودية: العبودية بسبب الملك، ولا شك أن الله مالك للكون كله؛ فكل ما في الكون عبد لله بمعنى مملوك له، والعبد يطلق في اللغة على المملوك، وهذا هو الإطلاق الرابع.

هذه الإطلاقات الأربعة كلها صحيحة في قول الله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ[الفرقان:63]؛ فهم محبون لله، وهم قد أنعم الله عليهم، وهم مخلوقون لله، وهم مملوكون لله؛ فهذه المعاني الأربع بأيها فكرت بها في قوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ[الفرقان:63] فقد أصبت.

تطلق على المحب؛ فيسمى عبداً؛ لأنه تعلق قلبه بمن يحبه، وهذا من العبودية النازلة جداً بحسب المعبود، فإذا كان الشخص يحب الله تعالى ويتعلق به محبة شديدة فهو عبد لله عبودية المحبة، وهذا هو المذكور في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ[البقرة:165]، وإذا كان يحب غير الله ويتعلق به فهو عبد لذلك الذي يحبه، ومن ذلك قول الشاعر:

يا عمرو ثأري عند زهراء يعلمه السامع والرائي

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي

نعوذ بالله!

القسم الثاني: عبودية الخلق؛ فكل مخلوق عبد لمن خلقه، وهذا يشمل الكافر والمؤمن، والحي والميت؛ فكل شيء مخلوق لله تعالى فهو عبد لله، فيطلق هذا على الجبال وعلى السموات وعلى الأرضين وعلى بني آدم مسلمهم وكافرهم؛ فهم جميعاً كلهم آتيه يوم القيامة فرداً، يشهدون له بالألوهية جميعاً يوم القيامة.

القسم الثالث: عبد النعمة، وهو الذي أنعم عليه بنعمة امتلكت لبه، مثل من كان أسيراً فأطلق إساره؛ ولهذا يقول العرب: (غل يداً معتقها). ومثل من أنعم عليه الشخص نعمة أياً كانت؛ فإن شكره لتلك النعمة يسمى عبودية، وكفره بها يسمى كفراناً، ومن ذلك قول عنترة :

نبئت عمراً غير شاكر نعمتي والكفر مخبثة لنفس المنعم

فعبودية النعمة بمعنى الإحسان، والله سبحانه وتعالى هو الذي تأتي منه النعم كلها؛ فلا متفضل بخير إلا هو؛ فهو وحده الذي يستحق الشكر؛ لأنه ما من نعمة أياً كانت إلا هو المنعم بها والمتفضل بها؛ فيتفضل قبل المسألة ويجيب الداعي إذا دعاه بعد المسألة؛ فمن لم يسأله أعطاه ومن سأله أعطاه؛ فبذلك يستحق الشكر على النعمة، وهي عبودية النعمة.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4779 استماع
بشائر النصر 4275 استماع
أسئلة عامة [2] 4118 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3981 استماع
نواقض الإيمان [2] 3937 استماع
اللغة العربية 3919 استماع
عداوة الشيطان 3919 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3892 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع